الاثنين، 29 أغسطس 2016


تفكيك العقل النخبوي الإسلامي المتأخون ( 15 )

"شعار رابعة"... علامة إشهار ماسونية تنظيم الإخوان رسمياً!!
------------------------------------------------------------

حينما رفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كف يده اليمنى مُبْرزا أصابعه الأربعة فيما اصطلح على تسميته "علامة رابعة" في أغسطس/آب 2013م أشهر بذلك التنظيم الدولي المسمى "الإخوان المسلمون" هويته الماسونية رسمياً، مزيحا من المشهد صورته التقليدية المشهورة بالسيفين والمصحف وعبارة "وأعدوا"؛ لتحل بديلاً لها ما تُسمَّى "علامة رابعة"؛ تعبيرا عن هوية التنظيم العقدي المتسيس الجديدة، وهي هوية عولمية، مناسبة لدوره الجديد في خدمة قوى الهيمنة الرأسمالية العالمية بقيادة الأميركيين !

وليس القول هنا يُساق على سبيل التشهير بهذا التنظيم، لأن القضية خارجة عن هذا المناخ بالكامل، ولكنها نتيجة الجهد التفكيكي لخطاب النخب المتأخونة، منذ بداية تأسيس التنظيم إلى الوضع الراهن، شاملاُ الإشارات المكتوبة، والمرئية والمسموعة، والحركية التي تصدر عن مصادر التنظيم والموثقة من دون افتئات أو تَجَنٍّ.

***** 

لقد قطع هذا التنظيم قرابة الخمسة وثمانين عاماً وهو يتخفى بهويته الاولى ذات السيفين المتقاطعين والمصحف منذ يوم التأسيس على يد "حسن البناء" في 22 مارس/آذار 1928م؛ ليصبح الان تنظيماً سياسياً عولمياً خاصاً معترفاً به من بعض الدول الكبرى الصانعة له، تتقدمها بريطانيا الدولة الحاضنة لكوادره منذ التاسيس إلى الآن، والولايات المتحدة الأميركية الدولة الراعية الداعمة، التي أدرجته ذراعاً سياسيوياً خارجياً يمكن أن يؤدي دوراً- وقد أدى دوراً- في إطار استراتيجياتها العولمية، مستفيدة بحضوره المتسرطن الوجود الملتحف بأزياء العقيدة في 72 دولة عربية وإسلامية وغير إسلامية في القارات الست.

إن هذا التنظيم الذي يرفع لافتة "الدين الإسلامي" في الواجهة، تُدار شؤونه - حسب المراجع والشهادات التي وثقها الباحثون والمنشقون عنه - وفق القواعد الخاصة التي انبنت بخبرات المؤسسين، وقد استقوها من عضويتهم في الجمعيات الخفية، وأبرزها المحفل الماسوني الأول في مصر "محفل إيزيس"، الذي أقامه الضباط الفرنسيون ضمن الحملة الفرنسية أواخر العام 1800م، ويتمتع هذا التنظيم بإمكانات مادية لا تزال حقيقتها كعادة المحافل والجمعيات الماسونية من الأسرار المحظور الكشف عنها.

*****

وحتى لا يقال إن هذا الكلام يُطلق على عَوَاهِنِه، فسوف تتولى هذه الكتابة كشف "المسكوت عنه" في الخطاب المتأخون، للتدليل على إطلاق تنظيم الاخوان المسلمين علامة الإشهار العولمي لماسونيته في العقد الراهن:

** أولاُ: ان وصف التنظيم المتأخون بالهوية الماسونية ليس من قبيل الادِّعاء، ولكنه تجليس للحقائق "المسكوت عنها" منذ بداية التأسيس، والتي كان يجرى تداولها في الأوساط الخاصة، ومراكز الدراسات والأبحاث، والمنشورات الراصدة لنشوء التنظيم، وعلاقة مؤسسه "حسن البنا" بالماسونية وجذوره العرقية الأصلية وما تكشف عنه كتاباته، وقد تعرضت لهذه الموضوعة في تدوينة سابقة بعنوان " كشف الوجدان اليهودي"المسكوت عنه" والمختبىء في كلامهم!!" 

** ثانياُ: أن الإسم الحقيقي لوالد المؤسس حسن البنا، حسب ما ذكره شقيقه جمال البنا وفق المصادر في كتابه "خطابات حسن البنا" كان "أحمد عبد الرحمن محمد"، وفي المعاملات غير الرسمية أطلق اسم "البنا" على نفسه "ليصبح عبدالرحمن البنا، كما أطلقه على ابنه حسن الذي اشتهر باسم حسن البنا".

** ثالثاُ: كانت كلمة "البنا" صفة تشير إلى الماسونية، فمن معانيها حسب القواميس:" mason – بناء، بناء حر، بناء مهنة" و" masonry " تعني :" ماسونية، بناء، عمل البناء، البناءون الاحرار". ويجمع الباحثون أن حسن البنا ووالده "كانا من الماسونيين، وأن والده أطلق عليه هذا الاسم لثقته أن معظم الناس لن ينتبهوا إلى المدلول الماسوني لكلمة البنا".

** رابعاُ: أن آلية إدارة التنظيم المتأخون كانت ماسونية، فهذا الشيخ محمد الغزالي يكشف حسب المراجع في كتابه "من معالم الحق في كفاحنا الإسلامى الحديث" أن حسن الهضيبي الذي تولى موقع المرشد العام للجماعة كان من الماسونين.!

** خامساُ: من المعروف والمؤكد ما كتبه سيد قطب نفسه في صحيفة "التاج المصرية" بعنوان " لماذا صرت ماسونياً؟" بتاريخ "الجمعة 23 ابريل/ نيسان 1943م"، وهذه الصحيفة كانت حسب المراجع " لسان حال المحفل الماسوني المصري"، ولم يكن يكتب بها أحد من خارج المحفل الماسوني المصري.!

** سادساً: أن الكاتب "ثروت الخرباوي" بعد خروجه من عضوية ذلك التنظيم تناول قضية ماسونية التنظيم باستفاضة في كتابه "سر المعبد"، مؤكداً أن البنا وسيد قطب والهضيبي كانوا من الماسونيين.!

** سابعاً: أن مسمى "الإخوان" ذاته جاء استيحاء لهوية "المحافل الماسونية نفسها التي رفعت شعارات "الأخوة" و"المساواة" و" العدالة " و" السلام"، ويكفى أن مسمى التنظيم، اي "الإخوان المسلمون" الذي أطلقه "حسن البناء" جاء مشايعة لشعار "الأخوة" الماسوني!

وكل هذه النقاط السابقة كانت تدليلاً تاريخياً على منبع النشأة الماسونية، وجذور ونسق التنظيم المتأخون بها، وقد جرت تلك النشأة في إطار التحولات التاريخية للماسونية، والتي انتشرت جمعياتها في العالم كله، مقتبسة نظمها حسب الوثائق من نقابات "الحجارين وبنائي الكاتدرائيات البريطانية في العصور الوسطى"، ومن هنا اشتقت صفة "البنا" والمسمى المستخدم المشتق من "الأخوة"، أي الإخوان.!

*****

وإذا كانت حقيقة هذا التنظيم "الماسونية" غائبة عن فهم أغلبية الأتباع، الذين لا يعرفون تاريخيتها، وظلت مختبئة لعقود طويلة، فقد امتلك التنظيم الجرأة والثقة ليشهر علانية الان شعاره العولمي الجديد والماسوني أيضاً، ويبدأ تعميمه مستفيداً من التطور الهائل في وسائل الاتصال... كيف:

** لقد أحال التنظيم المتأخون الشعار القديم المكون من "السيفين المتقاطعين والقرآن وكلمة أعدوا على أرضية خضراء اللون"، إلى الاستيداع، لأنه شعار في معناه التطبيقي بعد جلوس الاسلام في المرتبة الثانية انتشارا، دال برموزه على "العنف" المنافي لمدلول الإسلام السمح بربانيته.

** وقد أخرج التنظيم المتأخون شعاره الحقيقي الجديد بـ "الأصابع الأربعة السوداء والخامس المنثني، على أرضية صفراء" لترسيخ دلالة جديدة معبرة عن المأساة أو الضحية أو المذبحة، ولصقها وهماُ في اسم "رابعة العدوية" الزاهدة المتصوفة ليرسخ صورة جديدة له يستهدف الترويج لها، بانه تنظيم يعاني المظلومية، وله ضحاياه الذين يطلق عليهم لقب شهداء.!!

** لقد استغل التنظيم اسم مسجد "رابعة العدوية" الذي يشير إلى الحقل الدلالي الديني المتصوف، انطلاقاً من أن "حسن البناء" تأثر – حسب ويكيبيديا - بالشيخ عبد الوهّاب الحصافي شيخ الطريقة الحصافية الشاذلية الصوفية في العام 1923م، ليعبر التنظيم بذلك عما روجوا له كذباً بالمذبحة الخاصة بعملية فض الاعتصام الخارج عن القانون باحتلال تقاطع الإشارات المجاور لمسجد "رابعة العدوية" في القاهرة، وقد جرى اختيار هذا المربع لاحتلاله، في إطار سيناريو تمهيدي لتكوين إمارة إسلامية سنية في مصر بعد تفكيكها لا قدر الله.

** لقد حل "شعار رابعة" الحزين بالاسود والأصفر وجهاً جديداً للتنظيم، بدل شعار القوة والقسوة الأصلي، مسحاً لصورة التنظيم القديمة، الذي تناسل من رحمه الفكري والبشري بالترتيب الأميركي تنظيما "القاعدة" و"داعش"، ليصير تنظيم الإخوان المسلمين راهنا "تنظيم المظلومية السنية" الذي له ضحايا والمعادل أيضاً للمظلومية الشيعية دينياً.

** إن تفكيك مفردات خطاب التنظيم المتأخون حول عملية فض الاعتصام الخارج عن القانون والمعادي للدولة في مصر يثبت بما لا يدع مجالاً للشك الجذور اليهودية لذلك التنظيم ويكشف الشعور اليهودي الكامن داخله، حين يستخدم بإفراط في خطابه البكائي اصطلاح "مذبحة رابعة" أو"مجزرة رابعة"، معادلاً لثابت من ثوابت أدبيات "الفكر اليهودي" التي تروج لها الصهيونية العالمية و"الدولة اليهودية حول ما تُسمى "مذبحة اليهود"، أو "المحرقة اليهودية... "الهولوكوست"، التي قام بها النازي هتلر في ألمانيا، وتتاجر بها الدولة اليهودية والصهيونية العالمية. وصار الان تنظيم الاخوان يتاجر ايضا بوهم مذبحة رابعة، وبذلك يتكشف مكنون الشعور اليهودي في ذهنية التنظيم التاريخية.!

*****

والسؤال المهم: كيف تؤكد "علامة رابعة" التي أطلقها رجب طيب أوردوغان "ماسونية" التنظيم المتأخون في مرحلته العولمية؟

- إن المقارنة بين صورتي "الشعار الماسوني" التقليدي و"شعار رابعة" تكشف التماثل الجوهري بين الرموز في كلا الشعارين – راجع الصورة المرفقة – فالشعار الماسوني يحتوي في بعض نماذجه على كفين متماثلين، والأصبع الخامس المنحني يبرز العين الواحدة للمسيخ الدجال.

- إن استخدام الأصابع الأربعة في "شعار رابعة" لا يخرج عن نسق الشعار الماسوني القديم؛ لذلك قاموا بإخفاء العين الواحدة بالأصبع الخامس لإخفاء جذور الشعار؛ وهو ما يماثل واقعة تسمية مؤسس التنظيم بـ حسن "البناء" اعتماداً على عدم إدراك الناس لماسونية اللقب والصفة؛ ويأتي الجيل الجديد من التنظيم ليموه أيضاً على الشعار؛ بإخفاء ملمح العين الواحدة المهم ولن يدرك الناس غيابها من الصورة .

- إن إطلاق الرئيس العثمانلي رجب طيب أوردوغان لهذا الشعار وترويجه وتعميمه؛ كان بداية التحول الهيكلي المدروس في تغيير هوية التنظيم العولمية؛ إذ صار "شعار رابعة" البديل لشعار السيفين والمصحف؛ تعبيراً عن التحول الجديد في وظيفة التنظيم المتأخون؛ كفاعل استراتيجي الان مشارك في فوضى ما يُسمى الربيع العربي بنكباته في سوريا وليبيا والعراق... وما يستجد.

- إن علاقة هذا التنظيم المتأخون بالمخابرات المركزية الأميركية قديمة؛ وحسب الدراسات الخاصة المنشورة بدأت بعلاقة سيد قطب "الماسوني" بالبروفسور "جون إيوارت والاس سترلينج" رئيس جامعة ستانفورد؛ حيث قدم سيد قطب حين وجوده في أميركا دارسا من دون إدراك "أول تقرير لمكافحة التشدد الإسلامى" بخط يده كاشفاً فيه لـ "CIA" أسرار التنظيمات الدينية الإسلامية السرية فى مصر والشرق الأوسط؛ كما أن مراسلات حسن البنا وسيد قطب محفوظة حسب المراجع فى أرشيف هذا الجهاز الخطير. 

- كما تكشف الوثائق أن علاقة التنظيم المتأخون بالأميركيين تكثفت من العام 2005 م بواسطة خيرت الشاطر، الذي أكد لهم عدم اعتراض "الإخوان" على "دولة الكيان الصهيوني"، والالتزام باتفاقيات كامب ديفيد إذا وصلوا للسلطة؛ ترسيخاً للجذور السياسية للتنظيم المتأخون، لهذا لم يتحرج المعزول محمد مرسي من مخاطبة "بيريز" بعبارة "صديقي الوفي".!!

- اذن... فليس من الغرابة أن يعلن التنظيم المتأخون تحوله وظيفياً لخدمة الاستراتيجيات الأميركية، بالتدشين العولمي المعاصر الذي أعلنه أوردوغان رافع إشارة الإشهار الجديدة للتنظيم... "علامة رابعة"!!

والمثير في الأمر... أن التحولات التكتيكية الأخيرة لأوردوغان بعد ما سُمى محاولة الإنقلاب الفاشلة عليه في تركيا؛ جعلته يطلق تفسيراً مريباً جديداً لشعار رابعة؛ تعبيراً عن انتهازية التنظيم المنهجية؛ فبعد أن كان الشعار الأوردوغاني تعبيراُ عن الصمود المتأخون في منطقة "رابعة العدوية"؛ صار في أحدث تفسير تركي رسمي يعني: "أمة واحدة، علم واحد، وطن واحد، دولة واحدة"!!

*****

إنها عين الانتهازية السياسية للتنظيم المتأخون؛ والدليل القاطع على جذوره الماسونية التي كشفها تعميم "شعار رابعة" رسمياً... وحقاً "فإن العرق دساس"!!

                                                                   "رأفت السويركي"


 اردوغان يرفع علامة رابعة المشابهة للشعار الماسوني تكريسا لعولمية توظيف تنظيم الاخوان المسلمين، والصور كلها من شبكة الانترنيت
 الشعار الماسوني
 شعار رابعة المشابه للشعار الماسوني
 شعار الاخوان المسلمين لاحظ تشابه التكوين مع الشعار الماسوني


 سيد قطب يعترف بماسونيته في صحيفة المحفل



القرضاوي يرفع الشعار

السبت، 27 أغسطس 2016


       "تفكيك" قول الدكتور مصطفى بيومي حول "التفكيك"!!
----------------------------------------

في تدوينة بارعة للأستاذ الدكتور مصطفى بيومي Mustafa Bayyumi على جداره الخاص في "فيس بوك" بعنوان "التفكيك"، فتح أفق "الحوار البرىء" حول هذا العنوان الدال بعمق على نهج فكري مُهم؛ تحتاج بيئتنا الفكرية إلى تعميمه؛ وتعميق توظيفه تجاه الهيمنة الثقيلة لتاريخ فكري موروث؛ من التفكير النمطي المستقر في حياتنا الثقافية بكافة تجلياتها.

فقد هيمن ما اصطُلح على تسميته "المناهج الأكاديمية"، وقولي هذا ليس مُضاداً لها؛ لأنها أساس بناء التفكير المنظم الذي نعتاد عليه؛ بدءاً من مقاعد الدرس في المدرسة إلى مُدرَّج الجامعة؛ وصولاً إلى طاولة الباحث في حقلي الماجستير والدكتوراة.

غير أن "العقل الأكاديمي" التأسيسي العربي المسلم - وأزعم أن هذا القول سيُغضب الكثيرين - استمرأ ذلك العقل في أغلبيته الاعتماد على هذه المناهج المتوارثة بقدِّها وقديدها بسهولة من دون إعادة النظر إليها تطويراً؛ أو إعادة هيكلة جديدة؛ أو تجاوزاً، استيعاباً لمُنجزات العقل البحثي المبدع وأحدها "التفكيك" في قوالب وأدوات التفكير الناقد للقضايا والظواهر محل التفكير، بما يُرسخ لدى المتلقي نتائج مكرورة أو ذات هوية ثابتة روتينية لا تشعر معها بتمايز جوهري بين حقولها، وهو ما يُفقد في الحقيقة عملية النقد أو الانتقاد الحيوية المطلوبة في العمل النقدي؛ فيما العقل البحثي الجديد في "زمن العولمة" و"ما بعد الحداثة" بتجلياتها الفكرية تجاوز أغلبية مقاييسه المسبقة، عبر تفكيك كافة النماذج المعرفية، وتحكمات مصدرية تقرير المعاني؛ وارتباط ذلك بفرض نمطية السلطة التي ينبغي معرفة قواعدها بالكشف عن المصدرية التي تكسبها معناها كسلطة.

*****

تدوينة الدكتور مصطفى بيومي كانت مُصاغة بذكاء إدراكي لامع؛ حيث يُلقي الكرة في "الملعب" باحترافية صياغية واعية تترك لكلٍّ أن يضع التدوينة في خانته التي يهوى الانتماء إليها حسب قناعاته التي تتحكم في اعتياد موقفيته منها.

ولعل تأمل التعليقات التي تفاعل بها أصدقاء ورواد صفحة الدكتور مصطفى بيومي على جدار "فيس بوك" تكشف احترافيته في الصياغة الدالة على براعته الكتابية حول هذه القضايا في محيط مقولب بذهنية جمعية "منهاجية". فهل الدكتور مصطفى بيومي مع التفكيك أم مضاد للتفكيك؟!

*****

الدكتور مصطفى اعتبر: أولاً التفكيك ليس تحليلاً، وثانياً ليس انتقاداً، وثالثاً ليس منهجاً، ورابعاً جرده من أن يتحول إلى منهج أو عملية، وخامساً ماذا بعد ذلك التجريد؟... اعتبره "لُعْبَة"!!

وهنا هو الفخ الفكري العميق الذي نصبه للمتلقي باختصار، إذ أن الصورة الذهنية الرائجة حول اصطلاح اللعبة تُجرِّد "التفكيك" من الاتصاف بالمنهاجية؛ ومن التحليل؛ ومن الانتقاد، وتضعه ظاهرياً في خانة اللهو أو الملهاة، وهذا هو الفخ الذي قد يُستدرج إليه المتلقي غير المتأني؛ أو المقولب؛ أو الممنهج؛ أو صاحب الاعتقاد.

ومن دون شك أن ذلك يُعَدُّ من ذكاء الدكتور مصطفى بيومي، لأنه ألحق الوصف بـ "اللعبة" بامتداد زمني غير منتهٍ؛ أسماه الديمومة، مؤكدا أن "اللعبة وتلك الديمومة" لا نهاية لمعلومها ولا قولبة منتهية للتحديد بقوله "وهذا اللعب وتلك الديمومة لا تشير إلى معلوم ثابت. وتأبى على القولبة والتحديد".

وفي التقدير أن الدكتور مصطفى بيومي أعلن انتماءه إلى "حقل التفكيك" وفعله بذكاء علمي مشهود، ليس من موقع مُضاد لما "قبل التفكيك" من منهجيات كما يُخيل للبعض، وهذا ما كشفته تعقيبات بعض المتداخلين.

*****

الدكتور مصطفى بيومي يصف التفكيك بـ "اللعبة"، وهذه المجانسة - أي المشَاكِلَة والمُمَاثِلَةٌ - بين "التفكيك" و"اللُّعب" مهم للغاية... لماذا؟

** أولاً: لأن اللُّعبة، أية لُعْبَة مهما كانت كينونتها لها قَوَاعِد؛ ولا تكون ممارستها خبط عشواء؛ فاللعبة لها قوانينها الخاصة، وتكتيكاتها الذاتية المعلومة لكل لاعب احترافي وغير معلومة للآخر غير الاختصاصي أو العارف، ما يعني من "تفكيك كلام الدكتور مصطفى" أن المقصود بالتفكيك ليس لهواً كما يظن البعض أو يعتقد، وإنما يتم العمل عبره وفق قواعده الخاصة والمتغيرة حسب الحالة التي تخضع للعبة التفكيك، مشروطة بحالة ونوعية "اللعبة".

** ثانياً: إن "اللعبة"؛ أية لعبة لها أهداف، في مقدمتها تحقيق "الْمِتْعَة" لمن يلعب مع النص ليفككه؛ وذلك بلعبة محاورة الموضوع، أو القضية أو الخطاب، أو العقلية التي تتعرض للتفكيك؛ وهنا يلتصق اللاعب أو القائم بفعل المُفَكِّك للموضوع إلى درجة التماهي "الديمومي"؛ فيتمكن باللعب من الوصول إلى خلاياه؛ ويضع يده على قانون تفاعلاته الداخلية الضابطة؛ والتي تختبىء خلف السكون الشكلي الظاهر في النص كنص هو في حقيقته جسد خطاب مهيمن وعلائق وترابطات.

** ثالثاً: إن عملية اللُّعب مع النص الذي يتعرض للتفكيك تعتمد على مهارات وخبرات اللاعب "المُفَكِّك" الذاتية؛ وقدراته التي صقلها بالدُرْبَة فحذق مهارة هذه النوعية من اللعب التي أولع بها؛ آمناً مرواغة أي خطاب أو نص له.

** رابعاً: يقوم اللاعب المفكك بتجريد النص من كافة غطاءاته أو ملابسه مهما كانت مستعصية أو مقدسة أو ذات سلطة كابحة. 

** خامساً: النص أمام العقل التفكيكي مجرد جسد كلامي في حالة عُري مسجى على طاولة التشريح فاقداً قدرة الهيمنة على ذلك العقل؛ أي يكون محايداً تجاه اللعبة معه؛ لذلك يستسلم للعبة التفكيك التي تنتزعه من العلائق التي تكسبه حيويته الإبلاغية وهيمنته؛ فيستسلم النص مجبراً ولا حيلة لديه أمام لعبة اكتشاف مكوناته وقوانين ترابطها وقدرتها على إكسابه الإيهام بالقداسة أو السلطة الحاجبة للاقتراب منه قبل لعبة التفكيك.

** سادساً: إن غرض اللاعب المُفَكِّك هو الكشف عن "المسكوت عنه" المختبىء في تلافيف النص وخطابه؛ وبالتالي كشف مكونات العقل المنتج لهذا النص أو الخطاب؛ ومقدار مهارته في إخفاء مقصوده الحقيقي من إنتاج الخطاب ليسهل ابتلاعه من المتلقي المستهدف بالخطاب. وبالتالي فالتفكيك يسعى إلى تسجيل هدف في مرمى منتج الخطاب؛ عبر الإمساك بالنخاع الشوكي للنص/ الخطاب؛ الذي يقوم بوظيفة نقل تأثير النص من المتن الكلامي إلى خلايا الاستقبال لدى المتلقي وتجريده من مهارات التخفي التي يرتديها في مقصوده لتبيان مقصوده الحقيقي .

** سابعاً: إن التفكيك هو فن استخدام ما فوق المنهج؛ في إطار مناخات العولمة وما يتشكل جنينياً بعدها؛ ولا يتأتى ذلك إلاَّ لو كان العقل التفكيكي جامعاً هاضماً لكل المناهج بطابعه المعرفي "الشمولي"؛ مستفيداً من كل المعارف؛ والمؤكد أن هذه الشرطية لا تتوفر إلاّ لقلة قلة القلة من الصفوة المعرفية؛ مهما أفرط الكثيرون في استخدام الاصطلاح وحاولوا الاندراج في ملعب التفكيك.

** ثامناً: وبالإحاطة بكل ما سبق؛ يبدو هنا فعل التفكيك لعباً دؤباً وعملية متجددة؛ متحركة؛ ذات مرونة؛ رشيقة لأنها لعبة؛ وبالتالي فهي بالرشاقة والمرونة تتجدد في فعلها وتحقيق أهدافها التي ينبغي أن تكون مباغتة وغير متوقعة ومثيرة في طريقتها. ما يعني أنها بذلك حسب مفهوم الدكتور مصطفى بيومي "ليس هناك قبل وبعد التفكيك"!

*****

... وهكذا فهمت تدوينة الصديق الاستاذ الدكتور مصطفى بيومي حول "التفكيك"؛ الذي يأتي استيعاباً لمُنجزات العقل البحثي المبدع وأحدها "التفكيك" ذلك الوسم المعبر عن هوية "الفكر البحثي" في "زمن العولمة"؛ والقار الذي يعني أنه لم يعد هناك مُغْلَق أو مُقَدَّس أو مُحَرَّم عند التناول؛ والذي بعد تفكيك تدوينته تلك أعده يعلن انتماءه إلى "ملعب التفكيك"؛ ذلك النشاط الفكري الإنساني العميق الدائم حسب تحديده في تدوينته: " التفكيك مرهون بالإنسان". 

                                                                                 "رأفت السويركي"
 --------------------------------------------------
Mustafa Bayyumi
                                     التفكيك

التفكيك ليس تحليلا ولا انتقادا وليس منهجا، ولا يمكن تحويله إلي منهج، كما أنه ليس (حتى) فعلا أو عملية.

التفكيك لعبة، حالة من الديمومة، وهذا اللعب وتلك الديمومة لا تشير إلي معلوم ثابت، ويتأبى علي القولبة والتحديد.

ليس هناك قبل وبعد التفكيك. التفكيك حالة من التفكير الدائم موجودة بوجود الإنسان. التفكيك مرهون بالإنسان.
                                         "م. ب."