تفكيك العقل النخبوي التحريضي المتسيس (70)
من حمدين إلى خالد علي،
نِفَاق العشوائيات... "جزيرة الوراق" نموذجاً!!
-----------------------------------------------------

صورة تذكارية تجمع حمدين صباحي وخالد علي... القهقهات لمن،
والصور من شبكة الانترنيت.
-----------------------------------------------------

صورة تذكارية تجمع حمدين صباحي وخالد علي... القهقهات لمن،
والصور من شبكة الانترنيت.
"المكايدة" في الثقافة الاجتماعية المصرية مسلك شعبوي هابط؛ تجد خير مثال لها في الأحياء ذات النسق العشوائي، وتتجلى حينما تتشابك أو تتعارك امرأتان جارتان لسبب تافه؛ فتجد إحداهن - وعادة تكون الأكثر انحدارا في الاختصام - تعلق "فردة" ما يسمى "الشبشب" أو "القبقاب" في مقابل نافذة أو باب منزل جارتها على سبيل المكايدة الشعبوية العشوائية.
والمؤسف أن هذه الثقافة الجارحة، التي تفحشت تبدو فجة الحضور بمراقبة السيرك السياسوي المنصوب منذ تولي عبد الفتاح السيسي انتخابيا مقاليد إدارة الدولة المصرية؛ وقد ثبت أن مسلكية المكايدة الشعبوية ليست حكرا على العامة فقط، وإنما يتميز بها بعض عناصر العقل النخبوي المتسيس، من دون أن يقدموا نموذجا يقتدى به في العمل السياسوي؛ أو بما يدل على رقي احترافيتهم في الممارسة؛ بل إن هذه النخب التحريضية تبرز انغماسا عميقا في فعل المكايدة؛ بل ويهبطون به الى درجة الشعبوية العشوائية.
الوقائع التي تدلل على مصداقية هذه النتيجة التوصيفية لخطاب وممارسات العديد من النخب السياسوية المصرية كثيرة، وكلها تثبت صواب فعل التفكيك الممارس والنمذجة المرصودة لأنماطها. ولأن تلك الحالات كثيفة بما لا يتسع المقام لذكرها جميعها؛ فإن موضوع أزمة "جزيرة الوراق" والخطاب النخبوي التحريضي المرتبط بها يمثل نموذجا صالحا لممارسة فعل التفكيك الساعي لكشف "المسكوت عنه "المخبوء أو "المضمر" لدى تلك النخب الغارقة في برك المكايدة الهابطة.
*****
تدوينة خالد علي تكشف حجم المكايدة السياسوية.
إن عدد عناصر النخب التي مارست المكايدة بالأسلوب الشعبوي التحريضي في قضية "جزيرة الوراق" يكفي لكشف هذه النوعية وتهافتها السياسوي، الذي يعبر عن انتهازيتها المتغيرة والمتنوعة، من دون وجود ناظم سياسوي ثابت ومقبول يبرر مواقفها أو يساندها، ويكسبها المشروعية في القول والممارسة.
لذلك فإن هذه التدوينة ستقتصر على تفكيك عينة خطاب حمدين صباحي وخالد علي الخاصة بقضية "جزيرة الوراق" للأسباب التالية:
** أولا: إن كلا منهما بعيدا عن فقر الموءشرات الجماهيرية التي تتعلق بمقدار شعبيتهما، مع محدودية مهارة تقدير الحالة السياسوية لديهما امتلك جرأة الترشح لانتخابات الرئاسة المصرية؛ لذلك نتيجة محدودية عدد جمهورهما حقق كلاهما نتائج مخزية كاشفة لضحالة حجم جماهيرتهما السياسوية في الشارع الانتخابي المصري بكل تعقيداته البنيوية.
- خالد علي في انتخابات 2012 م حل في المركز السابع من بين 13 مرشحا، ما يعني فقر جماهيريته الشعبوية؛ وحسب تصريحه لموقع "سي ان ان" فإنه يدرس خوض الانتخابات الرئاسية 2018م، لكنه لم يحسم أمره بعد! أي أنه لا يزال يلعب متوهما امكانية أن يجلس على الكرسي الرئاسي المصري من دون معطيات موضوعية لديه تشترطها الحالة المصرية.
- حمدين صباحي خاض انتخابات الرئاسة العام 2012 م وفشل أيام فوضى يناير، ثم فرض نفسه على انتخابات الرئاسة المصرية 2014 م أمام عبد الفتاح السيسي والذي فاز بنسبة بلغت 96.91 في المائة من إجمالي الأصوات الصحيحة، مقابل 3.09 في المائة لحمدين صباحي. وتكفي هذه الأرقام لإثبات حقيقة حجمه الجماهيري الفقير للغاية.
ولعل القراءة التفكيكية لهذه النتائج الرقمية تقدم تصورا صائبا للمسكوت عنه المضمر في خطاب خالد علي وحمدين صباحي. إذ أن تردي طبيعة القول الذي يقدمانه يكشف أن خطابهما السياسوي يدور في فلك الآداء الشعبوي الواصل الى مستوى التحريض الفج لكتلة الجموع التي يمكن أن تنتج الفوضى الاجتماعية؛ عبر تجميعها بالخطابات غير المسؤولة، والتي تلعب بالمكايدة على مستهدف الحشد الشعبوي.
** ثانيا: إن هيمنة الشعور الذاتي بفقر الحضور السياسوي لخالد علي وحمدين صباحي بين الجمهور بصفة عامة، والذي لم يدفع بأي منهما إلى مواقع متقدمة انتخابيا؛ صار يمثل ضاغطا نفسانيا على كليهما للاعلان عن وتبني مواقف قولية وسياسوية لا ينبغي أن يسقط في زللها الشخص المتسيس باحترافية، لذلك بدافعية توهم صناعة رصيد تصويتي يظنان أنه يمكن أن يساندهما بتجميع أصوات العامة وكتل التصويت العشوائية في أية انتخابات لاحقة؛ حيث أن كلا منهما يناور بتمنع الراغب التكتيكي لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة 2018م .
** ثالثا: إن المأزق النفساني الذي يكابده خالد علي وحمدين صباحي، الناتج عن هزيمتهما السابقة في ساحة استهداف الوصول الى رئاسة الدولة المصرية يقودهما في العديد من القضايا للانزلاق إلى مواقف لا يفترض أن يبرزوا بسببها خطابا متداعيا حولها؛ لأن الدولة المصرية العميقة والمتماسكة تضع في حساباتها السياسات النقيض لها، وترسم التصورات التي تضمن سلامة مواقفها.
** رابعا: إن نمطية التفكير غير الاحترافي سياسويا والحاكم لخطاب خالد علي وحمدين صباحي؛ تضعهما في صورة التناقض الشخصي مع عبد الفتاح السيسي؛ فيما الرئيس المصري يجسد منظومة أجهزة سيادية لها قدراتها المعلوماتية الفائقة، ومكاتب التفكير بها التي تهتم بدراسة الحالة وتضع السيناريوهات المناسبة لها؛ لذلك تبني الرئاسة المصرية قراراتها ومواقفها بناء على المعلومات وليس خبط عشواء. إنها أجهزة تعمل بدأب في خلفية المشهد ولا يمكن أن تبدو للعيان.
** خامسا: إن موضوعة "جزيرة الوراق" بكل ما ارتبط بها من بروز نمط العنف الشعبوي المفاجىء الذي حدث في مواجهة الدولة وهي تعيد تقنين ومعالجة حالة فوضى اجتماعية، انتجتها مرحلة مبارك المتردية في مصر؛ هذه القضية تقود العقل النخبوي المتسيس غير الحريص على الدولة؛ والمضاد لها ليقع في مأزق اللعب في الممنوع؛ ويكشف ما يضمره من أفكار ومشاعر مضادة للمسألة الوطنية المصرية؛ ركضا خلف منظومة متوهمات نظرية ودوافع نفعية سياسوية شخصانية؛ أبرزها تلميع خالد علي وحمدين صباحي لصورتهما الفقيرة جماهيريا بكل ملابساتها استعدادا لانتخابات الرئاسة المصرية 2018م.
** سادسا: إن تطبيق تقنيات "تحليل الحالة" على تفاعل خالد علي وحمدين صباحي؛ يكشف "المسكوت عنه" المحرك لهذين العنصرين؛ فهما لا يدركان "فقه الواقع" وضروراته؛ ويضحيان بالقيم الوطنية الصحيحة مقابل العائد الشخصي الشعبوي المتهافت:
- خالد علي يتعامل على ما يبدو مع القضية الوطنية من منظور المحامي الذي يحاول انقاذ رقبة متهم من المشنقة؛ يتغافل عن منظومة القيم، ويفتش حسب مهارته المهنية عن الثغرات للافلات برقبة المتهم الذي يعرف ويعترف بطبيعة جرمه.
وبتفكيك متن النص الذي كتبه على "فيس بوك" وهو: (القوات التى تحاول طرد المصريين من جزيرة الوراق لصالح مستثمرين تحت مسمى التطوير، مكانكم الطبيعي من المفترض أن يكون فى جزيرتى تيران وصنافير وليس بالوراق، لكنه الفارق بين خدمة الوطن، وخدمة مصالح ونزوات السلطة الحاكمة)؛ فإن خالد علي هنا يذكر بشخصية المحامي "خليفة خلف الله خلف خلاف المحامي" في مسرحية "شاهد ما شافشي حاجة" لعادل امام... كيف:
* خالد علي يمارس لعبة خلط الأوراق؛ باستخدام مفردات في غير مكانها؛ فما الرابط والتشابه بين حالتي الجزيرتين "تيران وصنافير" وجزيرة "الوراق"؛ فهاتان جزيرتان بحريتان أعادتهما الدولة المصرية إلى الدولة السعودية وفق اتفاقات بروتوكولية محددة تتعلق بالحدود البحرية دوليا، ولم تقم الدولة السعودية بانتزاعهما بالقوة؛ بينما "جزيرة الوراق" تقع في حيّز الملاك النهري بالنيل ومساحتها1600 فدان وتشهد حالة اسكان عشوائية غير قانونية تكرست خلال سنوات الفساد المباركي، وتتجه الدولة الى تطويرهما!
* خالد علي يلعب على المجهول تحريضا حين يستخدم كلمة "القوات"؛ وهي قوات الشرطة، وليست من القوات المسلحة كما يحاول أن يعطي إيحاء بعنفها؛ ويستخدم لفظ "طرد المصريين"؛ وكأنه يحاول صناعة صورة مشابهة لطرد الفلسطينيين من أراضيهم الطبيعية! إنه فساد الخطاب التحريضي، وعدم نزاهته وسوء المقصد؛ لأن الإسكان العشوائي في "الوراق " لا يبرر الدفاع التجاري من المحامي خالد علي لشرعنة حالة جرمية تتمثل بالفعل العشوائي الا لو كان يستهدف تحقيق مكسب مادي شخصي، وهو هنا يكون مكسب الأصوات في انتخابات الرءياسة المقبلة.
* خالد علي يلعب كذلك كمحام بالكلمات للهروب من تثبيت حق الدولة في تقنين الأوضاع المخالفة؛ ويمارس الدسيسة السياسوية بالاشارة الى النزوع الاستثماري للدولة المصرية الجديدة فيصفه زيفا بأنه مصالح ونزوات السلطة الحاكمة؛ وفي ذلك طعن في اخلاقيات إدارة الدولة؛ وكأن قياداتها تسعى للتربح شخصيا من المشروعات الاستثمارية.
* خالد علي يسعى إلى تثبيت الوضع العشوائي المستشري في الوطن وعدم تغييره؛ وحتى لو كانت هناك مخططات استثمارية للجزر النهرية، أليس ذلك مرتبطا بتوظيف القدرات والامكانات الوطنية لمصلحة الارتقاء التنموي؟؛ فتلك المساحة تمثل منجما للدولة بدل ان تكون بؤرة تخلف، ومصدر قلق اجتماعي غير مشروعة؛ يستخدم سكانها الأسلحة النارية في مقاومة الدولة!!
هكذا هو "المسكوت عنه" في خطاب المحامي خالد علي؛ وهو مخبوء سياسوي هابط، يسعى إلى تقنين وجود النهج والنمط العشوائيين في الدولة؛ والوقوف في وجه جهودها التنموية، تنفيذا لأجندات محددة... تكشفها التغطية الإعلاموية لقنوات التنظيم المتأخون الخارجية في تركيا والدوحة، وكوادره البشرية المتسرطنة والكامنة في نسيج المجتمع المصري بمؤسساته العقدية والاعلاموية.
*****
تدوينة حمدين صباحي التي تُمارس خلط الأوراق.
أما حمدين صباحي هو الآخر منذ فشله الذريع في انتخابات الرئاسة؛ فيتعامل مع القضية الوطنية من منظور إهالة التراب فوق كل جهد مبذول لاسترداد الدولة ضبطيتها الحاكمة؛ ويحول أية قضية خلافية إلى ساحة مؤتمر انتخابي يصم فيها منافسه بأسوأ الصفات؛ لعله يشوه صورته، ظنا أن الجمهور سيختاره شخصيا للكرسي. وبتفكيك نص ما كتبه على فيس بوك: «الوراق.. وسينتصر الدم البرىء على السيف الظالم». يتكشف "المسكوت عنه" المختبىء في خطابه... كيف:
* حمدين صباحي في هذه التدوينة يلعب لعبة المخادعة، بالإيحاء أن من أصيبوا في جزيرة "الوراق" خلال عملية ممارسة العنف المضاد للدولة، بإطلاق أعيرة الخرطوش والحجارة، واستخدام الأسلحة البيضاء في مواجهة قوات الشرطة هم من أصحاب الدم البرىء؛ متغافلا عن ترسانة الأسلحة التي خرجت خلال العملية، واستخدمها العديد من القاطنين في عشوائيات الجزيرة.
* حمدين صباحي كعادته، منذ فشله الانتخابي الذريع يكرس صورة مغلوطة بأن الدولة المصرية بأجهزتها دموية وظالمة؛ في إطار سعيه المتداعي لإثارة الجماهير ضد الدولة لعلها تمنحه صوتها بكثافة ذات يوم.
* حمدين صباحي الذي كان يمكن أن يجلس على كرسي رئاسة مصر؛ كشف بتلك العبارة عن ذهنيته السياسوية المرتبكة؛ فالمسكوت لديه، هو أنه مع الإبقاء على مصر مجتمع العشوائيات الذي يرفض المساس به؛ وإهدار القدرات التنموية المستقبلية؛ والقبول بمنطق "العنف الشعبوي المنفلت" في مواجهة الدولة وحركتها؛ لإعطال فعاليتها عن التقنين الاجتماعي والضبط القانوني حين الخروج عن القانون.
* حمدين صباحي بتدوينته السطرية القصيرة أكد شعبوية تفكيره السياسوي غير المنضبط؛ لذلك - وهذا منطقي للغاية -، أنه لم ينجح في الانتخابات الرئاسية لمرتين؛ وكان ينبغي عليه أن يعيد باحترافية صياغة صورته من جديد، على سبيل المثال باستغلال المناسبات والفرص المتاحة؛ لإثبات أنه يصلح حقا لأن يكون رجل دولة، ويكشف للجمهور عن قدراته الذاتية بممارسة التفكير الاستراتيجي؛ والاعتراف الموضوعي أيضا بالمشكلات الاجتماعية؛ ويتقدم نصحا لحل كل الإشكاليات؛ أو ليلعب دور "رجل حل الأزمات" الوطني؛ وليس ممارسة الانغلاق، وحصر ذاته في لعب دور الشخص المتظاهر فقط، الذي يمارس الهتاف والشجب والتنديد؛ وإثارة الجماهير الشعبوية التي بطبيعة تربيتها العشوائية تدخل في تضاد مع القانون وأجهزة تطبيقه في الدولة.
* لو كان حمدين صباحي سلطويا في مكان الرئيس السيسي - وهذا على سبيل الافتراض التحليلي - لسلك مسلك السيسي ذاته في قضية جزيرة "الوراق"؛ لأن تفكير رجل الدولة يكون مغايرا لتفكير جمهور المقاهي، واجتماعات إعلان الاحتجاجات الشكلية؛ ولأدرك حمدين أيضا دلالة مخاطر استخدام الأفراد المدنيين من غير العسكريين للأسلحة في منع أجهزة الدولة من تطبيق القوانين، واتخذ الإجراءات المناسبة للتعامل مع قوى العنف، وعناصر التربص الداخلية التي روجت عبر المساجد اصطلاح وصف الشرطة بقوات الانقلاب، وقامت بدعوة وتحريض البسطاء للخروج ومقاومة السلطات، والدخول في صدام مفتعل مع الدولة.
*****
إن التحديات التي تواجهها الدولة المصرية راهنا لا حدود لها؛ تلك التحديات قبل أن تكون خارجية يسيطر باقتدار حربي على إحداثياتها الجيش المصري العظيم؛ هي تحديات داخلية؛ تتشكل على عدة صعد أو مستويات؛ ومن دون ادعاء فإن بعض عناصر العقل النخبوي التحريضي تلعب دورا مشهودا في تكريس حالة القلق الداخلي بعمق؛ عبر انتهاز كل مناسبة تلوح لاستصناع مشكلة للدولة؛ في الوقت الذي تنافق فيه جماهير العشوائيات حسب نموذج حمدين صباحي وخالد علي كما حدث في قضية "جزيرة الوراق"!!
"رأفت السويركي"