السبت، 13 يوليو 2019

تفكيك خطاب العقل الأكاديموي المتنشط ( 113 ) "حيلة" خلط الأوراق والتلبيس على الجمهور ... (حسن نافعة أنموذجا)!!

تفكيك خطاب العقل الأكاديموي المتنشط ( 113 )

"حيلة" خلط الأوراق والتلبيس على الجمهور ... (حسن نافعة أنموذجا)!!
-------------------------------------------------------


الخطاب الذي يصر الدكتور حسن نافعة Hassan Nafaa أستاذ العلوم السياسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة على تعميمه في كتاباته، يتسبب في حدوث الحيرة للمتلقي؛ الذي قد لا يمتلك حظا من القدرة على القراءة السياسوية العميقة؛ في ضوء انتشاره كاتبا، ممهورا بحرفي (ا.د)ببعض الصحف العربية؛ وحضوره في القنوات الفضائوية المتأخونة مثل الجزيرة والشرق؛ فضلا عن صفحتيه في "تويتر" و"فيس بوك".

*****

فالدكتور نافعة، وفق عادة بعض الكتاب خلال العقد الزمني الأخير من مرحلة حكم حسني مبارك لمصر؛ وما أعقبها من أحداث "ربيع الفوضى"؛ كان يحاول تعميم بناء صورة ليبرالية لحضوره؛ غير أنه كثيرا ما كان؛ ولا يزال يتعثر في أفخاخ التصنيف؛ فلا يحصل على مراده باعتباره من الليبراليين؛ فيما يظلم في الوقت ذاته صورته كأكاديموي في العلوم السياسوية؛ يفترض أن يكون متحررا من أسر الانتمائوية التي تختبئ في دوافعه الموقفية؛ ويهتم ببناء الوعي بحركة الأحداث وتطوراتها، من منظور علموي بحت؛ ويضع أصبعه على مكامن الخلل؛ الواجب أن يتولى التعرض البحثي إليها.

لكن نتيجة الموقفية "الرجراجية" التي يضع الدكتور حسن نافعة نفسه فيها - إذا لم تكن لديه قصدية بذلك - فهو يندرج في مواقع التوصيف الانتمائوي؛ وتسند إليه الرغبة - حسب تدويناته - كما يشاع لآداء آدوار تتعلق بخلاص "الجماعة البنائية المتأخونة" من مأزقها الوجودوي الراهن في مصر، كجماعة موصوفة بالإرهابية.


ومن البين لذلك، يمكن أن تكشف "القراءة التفكيكوية" لأحدث تدويناته بحسابه في موقع التواصل الاجتماعوي "تويتر" نوعية المربعات التي يتحرك في إطاراتها. حيث أن المضمر المستتر في خطابه يحدد ماهية نمطويته السياسوية؛ ومحركات انفعالاته؛ ومستهدفه السياسوي، مهما كانت براعته في الاختباء، وقدرته على المناورة كبيرة.

*****

إن هذه القراءة، تكشف من النتائج المؤلمة ما يجعل القارئ يتوقف متأملا في خطاب التداعي السياسوي؛ الذي تكشفه عباراته وحروفه ودوافع كتاباته؛ ففي الوقت الذي ينبغي فيه أن يجسد حضور أستاذ العلوم السياسوية؛ من المفترض أن يقدم فقط ملامح خطاب متمكن؛ ومنطقي وموضوعي؛ غير مضغوط عليه بفواتير الانتماء؛ لكي يبدو منطقويا وعلمويا في القراءة والتحليل.

لكن الدكتور حسن نافعة تراه يفشل ببراعة، حين نقرأ خطابه عبر تفكيك أدواته التعبيرية؛ مفردات وعبارات وسياقات؛ ظاهراتيا معلنا ومسكوتا عنه مضمرا. ولكي لا نظهر في صورة من يظلم خطاب الدكتور نافعة؛ علينا ممارسة "القراءة الموضوعية" لتغريدته الأخيرة؛ في صفحته بـ "تويتر"؛ والتي يقول بحروفها:

[ الاستقبال الحار لأمير دولة قطر في واشنطن ليس سوى حلقة في مسلسل الابتزاز الأمريكي المتواصل لدول الخليج العربي: ماليا, باستنزاف ثرواتهم, وسياسيا: بدفعهم للارتماء في أحضان إسرائيل والتخلي عن القضية الفلسطينية, لا فرق بين نظام عربي وآخر, فكلهم في "الهوا سوا", فمتى تفيق الشعوب العربية]!!

والعقل التفكيكوي حين يقرأ هذه التغريدة من أستاذ علوم سياسوية، يطمح للاستفادة منها على صعد متعددة؛ غير أن النتائج كانت محزنة!

*****

ليس المطلوب من الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسوية أن يقدم في سياق "التعبير التويتري" دراسة مطولة عميقة؛ تتحدث عن المفاهيم وتطبيقاتها بمرجعياتها التوثيقية؛ ولكن المفترض أن يقدم القراءة المدهشة؛ والمقامة على التحليل المتولد من ثقافته التخصصية؛ فيقدم الكشف العميق الذي يضيف للقارئ؛ ويفتح أمامه آفاقا واسعة؛ أو غير مطروقة حين التعامل مع المستجدات والتطورات بإحداثياتها؛ وما تبرزه "علوم التحليل السياسوي" من قراءات تغادر المستوى السطحوي المجاني إلى العميق الدال كأستاذ جامعي.

فهل تكشف القراءة التفكيكوية لتغريدة د. حسن نافعة ذلك المتمنى المعرفي المطلوب؟ هذا لم يحدث؛ وإنما تجد منه إفراطا في إطلاق الأحكام؛ وبناء المواقف غير الموضوعية؛ والتي تصل إلى الدرجة الشعبوية في القراءة والتعبير؛ لعلها تقنين لإثبات موقف يدور حول حواف موضوع سياسوي محدد؛ وفق التفكيك التالي:

*** أولا: يصف الدكتور نافعة استقبال أمير قطر تميم بن حمد في واشنطن بـ (الاستقبال الحار). وبصرف النظر عن "معيار الحرارة" التي لمسها وشعر بها؛ فإن هذه التوصيفة تلقي في روع المتلقي أن الأمير القطري حظي بتمييز برتوكولي فائق بدرجة حرارته، أو خارج عن المألوف؛ وهذا لا يعنينا؛ فالمؤكد أن الألفاظ المستخدمة في التغريدة كانت تستهدف استصناع صورة ذهنوية مخادعة؛ تتكئ إلى موقف قيموي مفرط في مشاعره؛ ولكن كان لا ينبغي أن يقع في أفخاخه أستاذ للعلوم السياسوية؛ والذي يفترض أن يتعالى عن المجاملات المنحازة، والمثيرة للريبة.

ثانيا: إن الدكتور حسن نافعة باحتفائه المقارب لاستخدام النمط الشعبوي في توصيف استقبال الأمير القطري (الاستقبال الحار) يكشف انحيازه الوجدانوي أو السياسوي للطرف القطري؛ مشابها لمسلك إضفاء الطابع الأسطوروي للاستقبال من الإعلام الممول قطريا؛ على سبيل النكاية في خصوم ذلك النظام؛ وهو يمارس مواقف مناقضة للمواقف الإجماعوية للسعودية والامارات والبحرين، في قضية التعامل مع مهددات الأمن الخليجوي؛ فضلا عن الموقف المصري بمسؤوليته عن الأمن والوجود الجماعي العربي.

إن "مساحات الاختلاف" المتراكمة بين النظام القطري وأغلبية أنظمة دول مجلس التعاون الخليجي شاسعة تجاه كل الملفات المشتعلة بالإقليم وهي مفتعلة؛ وتصل إلى درجة المكايدة في المواقف؛ حول (الصراع مع إيران ــ المشكلة اليمنية ومقاومة الانفصال الحوثوي ــ المسألة السودانية ــ القضية الليبية ــ المشكلة السورية ــ القاعدة الأميركية الضخمة في العديد ــ الاندماج مع مشروعات الأغا العثمانللي التركي أردوغان ــ احتضان الجماعة البنائية المتأخونة ــ الدور الفاسد لقناة الجزيرة والصحف والقنوات التي تتمول بالمال القطري؛ إلخ إلخ...)

*** ثالثا: عقب قيامه بتفخيم حالة الاستقبال الأميركي للأمير القطري؛ التي مررها في مفتتح تغريدته متوائما مع الإعلام المنفق عليه قطريا، ـ حيث ذكرت قناة الجزيرة قول دونالد ترامب أن تميم بن حمد هو "قائد يحظى بالاحترام في منطقة مهمة من العالم" ـ ويقفز الدكتور حسن نافعة قفزة مباغتة؛ ملحقا ما قاله بعبارة أن ذلك الاستقبال {ليس سوى حلقة في مسلسل الابتزاز الأميركي المتواصل لدول الخليج العربي: ماليا}.

وهنا يبرز السؤال: لمن يكتب الدكتور حسن نافعة هذا الكلام السطحوي للغاية؟ هل حقا يوجهه للنظام القطري، والذي يخوض معاركه باختياره المطلق؛ والقائم على نظرية أن "مركز الثقل الجيو سياسوي" في منطقة خليج النفط والغاز، لا يمكن أن يستمر سعودويا إلى نهاية الزمان.

لذلك رتب هذا النظام القطري استعداداته للانبطاح المطلق أمام الحضور الأميركي؛ فضلا عن التماهي المطلق وهذا غير مطلوب منه أو من غيره مع (دولة الكيان الصهيونو ي) بالتعاون والتزاور والتواصل الظاهر والخفي؛ بغرض تقديم نفسه بديلا يغتصب حضور النظام السعودي الدولة المركزية الخليجية التقليدية؛ لتكون أمارة قطر هي البديل الاستراتيجاوي؛ ما وفر الفرصة لسحب القوات الأميركية من  قاعدة الأمير سلطان الجوية بعد رفض المملكة العربية السعودية انطلاق العمليات العسكريتارية الأميركية تجاه أفغانستان من الأراضي السعودية.

فقام النظام القطري بتوفير البديل للقوات الأميركية بالأموال السخية في إنشاء (قاعدة العديد)؛ وأنفق 8 مليار دولار مكتملة على توسعتها الضخمة مؤخرا من الأموال القطرية بطريقة مفرطة؛ ما جعل ترامب يقول بجرأة للناخب الأميركي في وجود تميم بن حمد عن تطوير (قاعدة العديد) "نحمد الله أنها بأموالكم وليس بأموالنا"، أي أنها بإنفاق قطرى بامتياز ومن أموال القطريين؛ وأن (الإدارة الأميركية لم تتكلف سنتا واحدا)؛ مضيفا إنها "من أهم القواعد العسكرية في العالم"!!

والمخزى أن الترجمة الفورية لقناة الجزيرة - حسب ما ذكره موقع اليوم السابع -تجاهلت سخرية دونالد ترامب وهو يقول: "(نحمد الله أنها بأموالكم وليس بأموالنا"، فامتنع المترجم تماما عن الترجمة، وتوقف عن الحديث بشكل مفاجئ ليبدأ الترجمة من الجملة التى تليها)!

**** رابعا: وقد تكون هذه الأموال القطرية السخية هي ما جعلت الدكتور حسن نافعة يقع أسير الشعور من داخله بافتراض ضرورة حرارة الاستقبال الاميركي إلى الأمير القطري؛ فقام بتصدير شعوره الخاص في مفتتح تغريدته تفخيما؛ ليعقبها بأن دول الخليج تتعرض للابتزاز الأميركي؛ من أجل تحقيق مستهدف استنزاف ثرواتهم المالية؛ والأخطر من (منظور سمك لبن تمر هندي) الذي يتبعه في تغريدته يضيف السبب الثاني وهو: (تطويعهم للارتماء في أحضان اسرائيل ـ كتبها من دون وضعها بين مزدوجين ـ والتخلي عن القضية الفلسطينية).

**** خامسا: ويجمع الدكتور نافعة الأنظمة العربية كلها ( الفرقاء كلهم)؛ ليصفهم بأنهم كلهم في "الهوا سوا"؛ أي ينفذون الأجندة الأميركية (لا فرق بين نظام عربي وآخر، فكلهم في "الهوا سوا"، فمتى تفيق الشعوب العربية؟)!!

وهذا الاستطراد في رصف الكلمات؛ وبناء مواقف لا تعكس عقلية استاذ جامعي في علوم السياسة؛ بل تشير إلى إهماله منهجية بناء الموقف المؤسس على قواعد التفكير العلمي الصارم؛ بعيدا عن الأهواء الذاتوية أو السياسوية.

*****

** الدكتور حسن نافعة يدرك تمام الإدراك أن "النظام القطري" يعد أحد أهم أدوات تنفيذ الاستراتيجية الأميركية الخاصة بالشرق الأوسط المفتت؛ ولا يحتاج إلى انتزاعه من صلب وظيفته ودوره في تدمير العراق؛ ولا يقبل بتجريده من دوره في تدمير الدولة السورية وإنهاكها سعيا لإسقاط نظامها؛ ويرفض انتزاعه من مهمته في تفتيت الدولة الوطنية الليبية ودعم الحكومة المتأخونة مع إرهابييها بالأسلحة. ويرفض التقليل من دوره بتضخيم دور نظام الأغا العثمانلي المتأخون أردوغان في المنطقة؛ وتثبيته بها.

** و"النظام القطري" يلعب دوره الخاص بتفتيت الدولة اليمنية، ودعم الانشقاق الحوثي ذلك الفصيل المشايع لإيران؛ فضلا عن التنسيق الكامل مع نظام المرشد في إيران.

** و"النظام القطري" يحتفظ بالعلاقات المتميزة مع "دولة الكيان الصهيونوي"، كما يقال(عيني عينك)؛ ويعمل عرابا لحركة حماس عضو الجماعة البنائية المتأخونة، والتنسيق بينها وبين "الدولة الصهيونوية"؛ في إطار "صهينة" المنطقة كلها عبر "قناة الجزيرة" وتوابعها ومشابهاتها. موظفا في ذلك العديد من الكوادر النخبوية، والأكاديموية والإعلاموية التي تستفيد من "العطايا النقدية القطرية".

** إن عملية تجميع كافة "الأنظمة العربية" في سلة واحدة مع "النظام القطري" الذي اختتم به الدكتور حسن نافعة تغريدته؛ يمثل خلطا عمديا للأوراق؛ ويقوم به بهدف التمويه على طبيعة الأدوار؛ والنسق التآمراتي الحاكم لحركة تدمير "نظام الدولة الوطنية" في المنطقة؛ بمساعدة من كوادر تدعي ليبراليتها؛ وهي غارقة في البركة الملوثة.

** فالانظمة العربية التي تقف على طرف النقيض من "النظام القطري" تدرك دوافع ومحركات ذلك النظام؛ وقد جعل ثروته الوطنوية الغازية وبالا على الأمة؛ من أجل البحث عن دور لا يمكن تحققه؛ نتيجة فقدانه آليات أن يكون نظاما له ثقله المركزي في المنطقة؛ نتيجة طبيعة الرقعة الجغرافية "النتوئية"؛ ومحدودية القدرة السكانية؛ والحجم العسكريتاي الوطني الصغير؛ وتقليدية رصيد الموروث السياسوي والثقافوي والاجتماعوي؛ لذلك فعدم توافر  العناصر الاستراتيجاوية الوازنة يجعل من "النظام القطري" مانح هبات وعطايا فقط؛ وممول ومسدد فاتورة السلاح والميليشيات ولوجستيات التدمير.

*****

والسؤال الجوهري الموجه للدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسوية: لماذا يمارس المسلكية الكتابية الشعبوية المفرطة في تغريدته بسؤاله[متى تفيق الشعوب العربية]؟ فهل حدد دلالات هذا الاصطلاح قبل ترويجه؛ وقدم المقياس الوازن لهذا الاصطلاح، بعيدا عن التعميمات المحيطة بمعنى "الشعوب العربية"؛ وآليات فعاليتها؛ وقدراتها ومناخات تفعيلها؟ وسياقات حركيتها بعيدا عن الفوضوية الشعبوية الناجمة عن الاحتشاد والتجمهر.

وهل يمتلك أستاذ العلوم السياسوية تصورا موضوعيا لآليات "معنى استفاقة الشعوب العربية" التي يلعب بها ككتلة؛ وتوافر نظم أكسابها فعاليتها، ليطرحه تأسيسا لوعي موضوعي بالحركة الوطنية الناجعة؛ بعيدا عن المتوهمات والمتشوقات التي تخفي مسكوتا عنه نخبويا مريبا؟

***** 

إن الأهم من ذلك ألا يقوم الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسوية، بخلط الأوراق في "المشكلة القطرية" ودور نظامها للتعمية على وعي الجمهور؛ فليكشف في كتاباته: من هو الطرف الذي يضر بقضايا الأمة العربية ودولها وأنظمتها؟ ومن ضمن دول الإقليم هو الذي يوظف "فن الممكن" لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من خسائر الأمة؟ لكي يمكن النظر إليه بتقدير؛ بدل أن يحشر حسن نافعة نفسه مرتديا (بالطو) الليبرالية؛ ويقف في مربع الاسترابة؛ بل هو  يتربع داخله باقتدار!!

                    "رأفت السويركي" 

الثلاثاء، 9 يوليو 2019

تفكيك خطاب العقل النخبوي الإعلاموي المتسيس ( 112 ) مخادعة ترويج التماثل والتوافق والاتفاق بين "العسكر" و"الجماعة المتأخونة"!!

تفكيك خطاب العقل النخبوي الإعلاموي المتسيس ( 
112 )
مخادعة ترويج التماثل والتوافق والاتفاق بين "العسكر" و"الجماعة المتأخونة"!!
-----------------------------------------------------

 يشهد فضاء "فيس بوك" راهنا، دأب بعض النخب الإعلاموية المتسيسة، لبناء تصور مكذوب حول وجود منظومة ثنائية؛ تختزل وزن وبنية وقوة وقيمة "المؤسسة العسكرية الوطنية المصرية" بجيشها العملاق في العديد والعتاد؛ لتضعها متساوية في مقابل ضحالة ولا وطنية "الجماعة البنائية المتأخونة" والموصومة بالإرهاب؛ ومحدودة القيمة والقوة؛ لتكرار تطبيع وتطبيق "سيناريو الربيع الصهيونوي للفوضى".  

وهذه الحالة النخبوية في مضمر خطابها التدويناتي، تجتهد كلما اتيحت لها الفرصة، لتشتيت جهد التحشيد الجماهيري حول ثوابت المسألة الوطنية؛ وهو ما يفرض ضرورة كشف "نقاب العماء" الذي تحاول به هذه النخبة تضبيب المحيط بطبيعة ما تسمى القوى في الشارع المصري؛ والمخادعة في تبيان أوزانها الحقيقية، وارتباطاتها وسيناريوهات مشروعاتها.

*****

إن "الرصد الاستكشافي" يلمح مشروع بعض تلك النخب ــ غير التنظيمية ــ لتكثيف التدوين بهدف إعادة تبييض سمعة "الجماعة البنائية المتأخونة"؛ اختباء بادعاء الحيادية؛ والوقوف المدعى على مسافة متساوية من كل القوى في المجتمع المصري. والمسألة في الواقع خلاف ذلك؛ إذ أن هذه النخبة تستصنع؛ حتى وإن لم تع ذلك صورة مكذوبة ذات ثقل لهذه الجماعة البنائية.

وتسقط تلك النخب في متوهم الظن بالنجاح؛ في أنها ستثير من الزوابع حول "المؤسسة الوطنية العسكريتارية المصرية"؛ ما يساعد "جماعة حسن البناء" على الإفلات من الحصار المتنامي الراهن حول وجودها؛ وكشف دورها غير الوطنوي؛ بل غير الإسلاموي الذي تدعيه أيضا؛ وقد تأسست في عباءة اختباءاته. 

لذلك فهذه النخبة المصابة بحمى "التنديد بالعسكرة" يغيب عنها "فقه الضرورات" الوطنية؛ والذي يدرك أهمية الوجود القوي؛ وإشراف هذه المؤسسة ــ راهنا ــ على مقاليد تسيير شؤون الحياة في وطنها.

***** 

إن أحدث تمظهرات خطاب بعض أفراد تلك النخبة؛ يروج لما تستصنعه من ثنائية (العسكر) و(الإخوان)؛ وبما يحصر المسألة الوطنية المصرية في هذه الموضوعة فقط. وتتموقع هذه النخب في واحد من مربعات: إما أن تكون من عناصر المتأخونين بالانتماء أو الهوى؛ أو من جلاس مقاعد مقاهي النظرية الإيديولوجية المتمركسة؛ أو من فئة المتنشطين ومن يرفعون رايات وشعارات ما يسمى المجتمع المدني. 

ويمكن أن يضاف اليها بعض نخب "الماضوية السياسوية الحزبوية" بجذورها الممتدة إلى شجرة العبودية الإقطاعوية في مصر؛ والتي قامت بقبرها ثورة 23 يوليو/تموز 1952م. وأغلبية هذه النوعيات من النخب تضمر حنقا تجاه هذه الثورة؛ على الرغم من منجزها الخاص بمجانية التعليم؛ والذي لو لم يعمم؛ لنشأت هذه النخب الناقمة على حواف الترع والحقول "وتفك الخط" بأفرع الأشجار على ألواح من الطين!!. 

*****

والمؤسف أن هذه النوعية من النخبة لا تزال تقف في تضاد مريب تجاه "المؤسسة العسكرية الوطنية"؛ انسياقا خلف شعاراتية تكوين مفتقد مبتسر؛ يراد استيلاده، باسم "المجتمع المدني"؛ من دون دراسة الشروط التاريخاوية الموضوعية، والإمكانات الاقتصاديوية، والآليات الثقافوية والاجتماعوية لإيجاده.

والمريب في موقفيات هذه النخبة؛ وهي تستميت في ترسيم خريطة مستصنعة لما تسميه الصراع بين (العسكر) و(الإخوان) أنها تحاول تشييد حائطها للمبكى: بأن العلاقة الثنائية المتوهمة، بين هذين الموجودين هي التي تتحمل أوزار إفقار الحياة السياسوية المصرية. 

وهذا ما يكشف التداعي المتهافت لدى هذه النخب في مهارة وقدرة قراءة حقيقة الواقع في مصر؛ ما يفرض وجوب كشف الحسابات الانتمائية لهذه النخب المتضادة؛ تجاه القوة الوطنية الفاعلة والضابطة في الواقع المصري؛ أي مؤسسة الجيش الوطنية؛ والتي تخوض معارك الوجود الدفاعي عن الوطن.

*****

 إن ما تقوم به هذه النوعية من النخبة؛ هو محاولة تثبيت متصور ذهنوي فاسد؛ بوجود "تحالف بنيوي" بين "المؤسسة العسكرية المصرية" و"الجماعة المتأخونة"؛ منذ خمسينات القرن العشرين أي قيام ثورة 23يوليو/ تموز 1952م؛ وتتوهم أن ذلك التحالف قائم على قاعدتي "التقارب والتفارق" وفق طبيعة المرحلة؛ ومصلحة كل منهما خلال الظروف؛ والتي تحكم عليهما بالاتفاق أو الاختلاف؛ بالاقتراب أو التباعد!

وتعيش هذه النوعية النخبوية حالة التداعي الفكراني؛ بتوهم حالة تماه بين "مؤسسة الجيش الوطني المصري" وبين "الجماعة البنائية المتأخونة"؛ تجعلهما حسب هذا التصور المشبوه؛ يتفقان ويتوافقان في مراحل محددة على الاندماج البنيوي؛ بل والقيام بتنسيق الأدوار والفعاليات؛ وتبادل المواقع والوظائف.

وتواصل هذه النوعية من النخبة بناء متوهمها السياسوي؛ بالتأكيد على وجود "القانون العرفوي" الضابط بين "المؤسسة العسكرية المصرية" و"الجماعة البنائية المتأخونة" على إدارة الدولة المصرية؛ وفق معطيات قوة ومغالبة كل طرف للآخر؛ كما حدث في أحداث فوضى يناير /كانون الثاني2011م.

بل وتصل درجة "المنطق المَعْقوف"؛ أي الملتوي من طرفه وليس الشعار النازي؛ لاستصناع تصور "مؤامراتي" معيب؛ بوجود حالة من الترتيب المشترك لدور كل منهما"؛ والتوافق على التبادل" والدعم والتعاون باحتفاء من كليهما" حسب الدور والمرحلة. في إطار جهد من هذه النخبة يستهدف  تجريد "المؤسسة الوطنية العسكرية" من وطنيتها؛ وتحويلها إلى "زمرة من الجنرالات"؛ التي تحتبس مصر لمنفعتها الفردانية.

إن ذلك "المنطق المَعْقوف" لهذه النوعية من النخبة؛ يحاول أن يهيل التراب على رأس أشرف مؤسسة وطنية في مصر؛ ويكدح لتقزيم دور هذه المؤسسة" والتي لا يمكن أن تخون وطنها، أو تقامر بمستقبله مهما كانت الضغوط والتحديات.

*****

وتكشف هذه النخبوية المهجوسة بالشعارات؛ وفق مربعاتها المتنشطة؛ أو المتأخونة أو المتأدلجة عن مكمن مرضها السياسوي؛ بالسعي لتقزيم قيمة "المؤسسة العسكرية الوطنية المصرية" والهبوط بها لمستوى التساوي مع "جماعة ضحلة القيمة والقوة"؛ وتتغافل عمدا عن مدلول عدم توظيف "المؤسسة العسكرية المصرية" لما يسمى "منهج القوة المفرطة" في حماية الوطن إذا اقتضى الأمر ذلك؛ وهو خيار من المكروهات لدى الجيش الوطني المصري؛ طالما أن البدائل المأمونة متاحة للتوظيف؛ حرصا على الدم الوطني؛ واجتناب سيناريوهات الاحتراب الداخلي" المتضمنة في استراتيجيات "الربيع العبروي المتصهين".

"المؤسسة الوطنية العسكرية المصرية" بمهارة توظيف "استراتيجيات الضرورة" لم تتخل عن أمن مصر وسلامتها؛ وعقلها العسكريتاري الوطني ــ عقل العبور ــ تعامل بمهارة فائقة مع سيناريوهات "ربيع الفوضى"؛ لتجنيب مصر المصير المشؤوم الذي طال العراق وسوريا وليبيا؛ بالدخول في حالة احترابات الفوضى؛ ولم يقامر بوطنيته.

*****

إن مهارة "استيعاب الصدمة" والتمرس على التعامل الاستراتيجاوي المرن وفق "فقه الحالة"؛ جعلت "المجلس العسكري المصري" يضغط على حسني مبارك للتنحي؛ في إطار إعطال توظيف القوة الشعبوية المحتشدة والمساقة بشعارات الفوضى في الميادين؛ والتي تسللت إليها كوادر "الجماعة المتأخونة" لإشعال الحرائق والتمترس في الميادين. فتجلى ذكاء "العقل العسكريتاري المصري" بامتصاص الضغط المستصنع؛ عبر تأكيد انتهاء مرحلة نظام مبارك.

واستكمالا لاستراتيجيات "إدارة الأزمة" استوعب المجلس العسكري المصري متغيرات المرحلة بالإشراف على إدارة الدولة؛ والتجهيز لانتخابات جديدة، تتواءم مع استراتيجية امتصاص ضغوط المتغيرات الإقليمية؛ الساعية لهدم "نظام الدولة الوطنية" بالربيع الصهيونوي.

وأشرفت على سيناريو حماية الدولة بانتخابات استشرافية فارزة للقوى في الشارع؛ فكانت الفرصة المتاحة لـ "الجماعة البنائية المتأخونة" لتصعد للمرة الأولى في تاريخها؛ كما هو معروف على حساب أصوات المرشح أحمد شفيق الكثيفة إلى درجة التغلب؛ وذلك امتصاصا وافسادا لخراب كان ينتظر مصر؛ حسب سيناريو الربيع الصهيونوي؛ والذي قام بتمكين عناصر هذه الجماعة العميلة للاستخبارات الغربية من سدة الحكم في العراق وتونس وليبيا؛ والبروز في أحداث تخريب الدولة السورية.

إن أسرار ووثائق تلك المرحلة الحرجة من عمر الوطن لم يتم الإفراج عنها بعد؛ والتي تثبت الذكاء العسكريتاري الخارق للجيش المصري؛ والذي تجلى كذلك في إزاحة تلك "الجماعة البنائية المتأخونة" من سدة الحكم في 30 يونيو/حزيران 2013م؛ بعدما أبرزت وجهها البشع؛ بالدخول في مرحلة تقسيم مصر(بيع ثلث سيناء، وإزالة حلايب وشلاتين من الخريطة، وطظ في مصر واللي في مصر أنموذجا).

***** 

الحقائق التي لم يتم الكشف عنها كثيرة؛ لأن الوقت لم يحن بعد لذلك؛ وكلها تؤكد ثوابت "شرف المؤسسة الوطنية العسكرية المصرية"؛ والتي لا تبيع مصر؛ ولا يفرط جندها في حبة رمل واحدة؛ هذا الجند الذي يجسد معنى الحديث المسنود إلى: {عن عمرو بن العاص رضى الله عنه: حدثنى عمر رضى الله عنه أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إذا فتح الله عليكم مصر بعدي فاتخذوا فيها جندًا كثيفًا؛ فذلك الجند خير أجناد الأرض» فقال له أبو بكر: ولم ذلك يا رسول الله؟ قال: «لأنهم في رباط إلى يوم القيامة».}

أما ذلك الذي تتوهمه "النخبة المشوهة الوجدان"؛ فتقوم برصف معادلة توازن بين ما تسميه (ديكتاتورية العسكر) و(إرهاب الجماعة البنائية المتأخونة)؛ مدعية احتكارهما المشهد السياسوي؛ بما يعطل إمكانات متوهم إنشاء كيانات حزبوية مدنية؛ فذلك يدل على المستهدف النخبوي المضاد للجيش المصري الوطني؛ لأن تلك الكيانات الحزبوية القديمة والجديدة متواجدة بالفعل؛ والطريق الدستورية مفتوحة لإنشاء الجديد منها؛ لكنها تحمل ملامح الإعياء؛ والعجز النخبوي المدني؛ والذي لا يمل من عزف أنشودة أن العسكر يعطلون الحياة المدنية؛ مندمجين في ذلك مع الجماعة البنائية؛ ورواد مقاهي النظرية؛ ومتنشطي الجمعيات الدولارية.

*****

لذلك من المفاكهة؛ وسخرية القول إننا نتمنى على "المؤسسة الوطنية العسكرية المصرية"؛ أن تساعد تلك "النخبة المتهافتة" في إنشاء أحزابها المدنية؛ لترضى عن جيشها المصري الوطني؛ ولا تبقى تعيش مخادعة استصناع ما تروج له؛ عن التماثل والتوافق والاتفاق بين (العسكر )و(الجماعةالمتأخونة)!!  

                  "رأفت السويركي"