تفكيك العقل النخبوي العسكريتاري المتسيس (86)
سامي عنان... الطريق إلى الكرسي
بـ "عُكّازَيِّ" المتنشطين والإخوان!!
------------------------------------------------------
------------------------------------------------------
سامي عنان يلقي بيان ترشحه لانتخابات الرياسة المصرية والصور كلها من شبكة الإنترنيت.
ذكَّرَني تفكيك خطاب الفريق خارج الخدمة العسكريتارية سامي عنان الخاص بإعلان اعتزامه الترشح لكرسي الرئاسة المصرية بالمثال الشعبوي الشهير "القُطْ يِحِبِّ خَنَّاقُهْ"؛ إذ تناسى هذا الرجل حجم ما تعرض له من الجماعة المتأخونة، حين باغتته برئاسة المتأخون المعزول محمد مرسي فأخرجته من الخدمة العسكرية؛ في إطار توهمها بأنها تمكَّنت بتكليف المشير عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة المصرية ووزير الدفاع آنذاك من امتلاك الجيش المصري؛ ضمن سعيها المخبول لأخونة هذا الجيش لاحقاً؛ كي يكون "جيش الجماعة" وليس جيش مصر؛ غير أن هذه الجماعة لم تكن تدرك بغبائها السياسوي؛ أنه "جيش الوطن" ولا يمكن أن يكون تشكيلاً ميليشياوياً.
*****
الدكتور حازم حسني خطاب مثير للدهشة.
سامي عنان "الراغب" في الجلوس على الكرسي الرئاسي، ارتكب خطأً خان ذكاءه السياسوي، والذي حَرَمَهُ من الاختيار الصائب والمُفْتَرَض للموقع الذي يضع فيه قدمه: مع الدولة المصرية المُتعافية من دَرَنِ الجماعة المتأخونة والإشكالات التي لا تتوقف عن استصناعها لإعاقة هذه الدولة؛ أم يقف في مربع تلك الجماعة المتأخونة؛ والمتحالفين معها من بعض كُهَّانِ ماضوية النظرية الإيديولوجية؛ وصبيان مقاهي "التَّنَشُّط الدولاري" المُتَلفِّعِين برداء المدنية والديموقراطية!!
المستشار هشام جنينة النائب العام في زمن الاخوان.
ومن دون شك؛ فإن تفكيك خطاب اعتزام عنان الترشح للرئاسة يبرز وقوعه في شَرَكِ قاعدة "الغاية تبرر الوسيلة"؛ ربما تحقيقاً للفرصة التي يحلم بها. فالجماعة التي أزاحته من موقعه سابقاً فور تمكنها من رئاسة مصر؛ سارعت عبر تنظيمها الدولي المُحْتَضَن مُخابراتياً من دول الغرب الرأسمالوي؛ لتعود وتتلقفه، باحتضان توجهه أو تُغْرِيه؛ ليس حُباً به؛ ولكن توظيفاً له ظناً أنه قد يحدث إزعاجاً للرئيس عبد الفتاح السيسي!
*****
ومن دون شك فإن تلك الجماعة الماسونية المنشأ والبناء؛ تدرك باغتياظ حقود حجم طوق الالتفاف الوجودي من المصريين حول دولتهم ورئيسها الراهن؛ ولربما وفق حساباتها المدعومة من الأجهزة الخارجية المركزية المضادة لوجود الدولة المصرية في إطار سيناريو الشرق الأوسط الجديد تظن أن هبوط سامي عنان بالمظلة، قد يُحدث تَغَيُّراً في موازين القوى التي تُثَبِّتْ أركان رئاسة عبد الفتاح السيسي؛ وبالتالي تعيد إدراج الدولة المصرية من جديد للدخول في صورة متطورة من صور تطبيق السيناريو التدميري لنظام الدولة الوطنية في الإقليم.
*****
سامي عنان الذي لم يُظهر أية علامات شخصية فارقة تدل على "كاريزميته" القيادية الخاصة؛ والتي قد تثقل ميزانه حين المقارنة الوزنية السياسوية مع الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ أوقع نفسه في الفخ بسيناريو وتوقيت إعلان ترشحه؛ وهذا التوقيت غير الموفق؛ قد يبدو أنه غير مناسب؛ لمجيئه عقب زخم إيجابي للرئيس السيسي، فيفشل تأثيره بإعلان ترشحه.
وكذلك قد يحقق تشويشا على ما أعلنه الرئيس السيسي بحكم المباغتة في الإعلان عن الترشح وهو من المؤسسة نفسها؛ غير أن ما يدعم وزن الرئيس السيسي؛ هو أنه رئيس اكتسب خبرة نوعية متراكمة خلال سنوات قيادته الأربع؛ لكي يضع المنافس المتقدم أمامه تحت ضغوط أن يكون بحجم الدولة المصرية في هذا المناخ الاستراتيجي الخاص؛ المثقل بالتحديات الحربية اللوجستية والاقتصادوية.
سامي عنان في بيان اعتزامه الترشح للرئاسة المصرية وفريقه المساعد قدم نفسه باعتباره لاعباً نقيضاً بالإطلاق للرئيس السيسي؛ فيما هو وفريقه للحقيقة يُدرك في قرارة نفسه أن هذا الرجل؛ السيسي أثبت قدراته الجمعوية الكبيرة؛ المتماهية مع المؤسسة الوطنية العسكرية في اجتياز التحديات الوجودية المتربصة بالوطن أمنيا في الجوانب الحربية والاقتصادوية منذ تسلم مقاليد السلطة.
تدوينة سابقة للدكتور حازم حسني توضح رأيه في ترشح سامي عنان السابق للمنصب.
لذلك سقط عنان في الفخ؛ إذ يحاول أن يلعب متكئاً إلى حساب ما يظنها قوىً وكتلةَ نُخَب النقمة المولولة داخل المجتمع المصري؛ من مُغيَّبي العقول... أعضاء الجماعة المتأخونة، وشراذم المتأدلجين، والمتنشطين بالحسابات الدولارية ضمن أدوات حروب الجيل الخامس؛ وسامي عنان بحساباته المختلة تلك يظن أن لهذه الشراذم أغلبية تصويتية حين تجتمع حوله؛ ليس حباً ولكن تصفية حسابات مع مرحلة السيسي في الانتخابات المقبلة.
*****
لذلك فظاهرة "ديماجوجية" المسلك الإقناعي للكتلة الانتخابية الخام التي يستخدمها سامي عنان، باللعب على ما يظنه مخاوف وتجارب المصريين المعيشية خلال الفترة الأخيرة، عقب تعويم قيمة الجنيه المصري تجعله طامحاً، ومتوهماً اكتساب انحياز الجماهير له؛ فيما هو لم يقدم شيئاً لهذه الجماهير منذ ظهر اسمه عقب فوضى يناير.
إن استراتيجية اللعب على معاناة ومخاوف الناس ستسقطه وفريقه ومن يختبئون خلفه في الظن بجدوى استثمار الأوضاع الاقتصادوية للمصريين؛ وهم يعانون من ضغوط الاصلاح الاقتصادوي؛ الذي طال جموده في الزمان المباركي وقد تقاعس عن معالجة خلل مجتمع صار لا ينتج ما يحتاج إليه؛ ولا يستزرع ما يسد جوعه.
جاء سامي عنان ليسقط نفسه في الفخ بضعف حساباته؛ إذ لَمْ يُحْسِنْ قراءة وتحليل الواقع؛ كي يقدم نفسه؛ ليس مُنافساً كان زميلاً للرئيس السيسي؛ ولكن كخصم سياسوي؛ يتقدم لمزاحمته بطريقة مثيرة للدهشة كما يبدو من بيان اعتزامه الترشح للرئاسة.
*****
إن تفكيك حركة وخطاب اعتزام عنان الترشح للرئاسة المصرية؛ يقدم كل الأسانيد على أنه يخوض مغامرة في ساحة لا تحتمل المغامرة؛ والدليل على ذلك:
• أولا – التوقيت: اختار سامي عنان توقيت إعلان اعتزامه الترشح فور إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي الترشح في ختام مهرجان دام يومين؛ قدم خلاله بنجاح كشف حساب بما تحقق؛ وما واجهه؛ وما عاناه مُرْتَكِنَاً بوثوق الى قدرة الشعب المصري على الاحتمال أملاً في غَدٍ أفضل؛ و"المسكوت عنه" الذي هيمن على عقلية سامي عنان في هذه المسألة هو ظنه أن المصريين سيعتبرونه يمثل طوق النجاة لهم بوعده المبهم للخلاص من المعاناة التي يحتملونها نتيجة الغلاء وارتفاع كُلْفَة أعباء الحياة اليومية، وضغط السياسات الإصلاحية التي اتخذها الرئيس السيسي بشجاعة هرب منها السادات وحسني مبارك.
وبالتالي فإن التوقيت الذي اختاره سامي عنان كشف عن ارتباك القدرة على القراءة الاستراتيجاوية والسياسوية؛ لأن الرئيس السيسي نجح في تقديم تفاصيل مشروعه السياسوي الوطني بصورة بارعة؛ أثبتت زخم ما قدمه خلال فترة رئاسته الأولى؛ فيما عنان لم يُقْدِم سوى متوهم الاكتفاء بالإشارة إلى معاناة الشعب المصري من الغلاء. وهذه كانت أولى علامات ضعفه الاستراتيجاوي على الرغم من خبراته العسكريتارية السابقة كرئيس للأركان في زمان حسني مبارك.
• ثانيا - لغة بيان الترشح: من المؤكد أن مساعديه الذين كتبوا له هذا البيان قد أورطوه؛ وعلى وجه التحديد الدكتور حازم حسني الذي أشهره سامي عنان أحد نائبيه؛ إذْ وَضَعَتْ لغة البيان سامي عنان في مُربَّع مُغايرٍ لروح المؤسسة العسكرية الوطنية المصرية؛ حيث حمل ذلك البيان منطوق خطاب عناصر المتنشطين سياسوياً من رواد "مقاهي النظرية وجمعياتها"، الذين يولولون افتراضوياً عن متوهَّمٍ نظرياتي اسمه "المجتمع المدني" و"الديموقراطية"؛ ومنطوق هذا البيان الذي قرأه يكاد يكون مستخلصاً من تدوينات الدكتور حازم حسني على جداره في "فيس بوك".
والمؤسف أن بيان الترشح ذلك حمل العديد من إشارات أحاطت بالمؤسسة العسكرية المصرية؛ والتي لا يُمكن لرجالها ومنهم عنان نفسه التفريط في واجب حماية البر والبحر والنهر والجو؛ لكنه بهذا الخطاب الملتبس الذي يمثل "القفاز" الغريب جاء ليعمق حضور وبضاعة تلك الطائفة من المتنشطين والمنعزلين عن فقه الواقع وضروراته.
وبالتالي فإن خطاب سامي عنان لم يراعِ ما اعتاد عليه من مسلكيات العسكرية التي تدرك حسابات التوقيت، وأوليات الأهداف، وضرورات التكتيك والتخطيط والتمويه، وحسابات الاحتمالات، وآليات اللوجستيات؛ حين الحديث عن التعامل مع ملفات الأرض والمياه؛ بقصدية تستهدف مواصلة اللغط النخبوي في موضوعي " تيران وصنافير"، و" سد النهضة"؛ ومهمات الواجب للقوات المسلحة.
*****
إن كاتب خطاب ترشح سامي عنان جعله يُعيد تكرار الخطاب الضجيجي ذاته للنخب المتأخونة والمتأدلجة والمتنشطة؛ وكأنه الناطق السياسوي باسمها. فماذا يتوارى من "مسكوت عنه" في متن خطاب ترشحه؟
** يقدم سامي عنان مبرر ترشحه بالقول الافتتاحي: " بعد سنوات عصيبة مرت بها بلادنا التي تجتاز مرحلة حرجة في تاريخها مليئة بتحديات على رأسها الإرهاب، وتردي أوضاع الشعب المعيشية التي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، فضلاً عن تآكل قدرة الدولة المصرية في التعامل مع ملفات الأرض والمياه وإدارة موارد الثروة القومية وعلى رأسها المورد البشري".
وهذا المفتتح المخادع في القول العناني ليس سوى التكرار لولولات نخب مقاهي وصالونات الفوضى، التي تصطنع دوماً صورة سوداوية مطلقة تُحاصر أية جهود مبذولة لإعادة تمتين الدولة المصرية التي طالتها العشوائية المطلقة في زمان مبارك؛ فسهل دخولها في فوضى ما يسمى الربيع العربي.
** لقد قاموا بتلبيس سامي عنان في خطابه القول بأن قدرة الدولة المصرية متآكلة في الملفات الوجودية مثل جزيرتي "تيران وصنافير"، وكأن الدولة المصرية انْتُزِعَتْ منها الجزيرتان؛ وليس تلبية لبروتوكولات ووثائق واتفاقات وضرورات. والغريب أن يبدو سامي عنان رجل الأركان السابق بهذه الموقفية
** كذلك قاموا بالتلبيس عليه في موضوع نهر النيل و" سد النهضة"؛ وقد تناسى عنان توقيتات الإشهار وبدء العمل الإنشائي في "سد النهضة"؛ خلال أيام رخاوة الدولة المصرية، عقب فوضى يناير وتسلم الجماعة المتأخونة للسلطة بدوافع يعلمها عنان نفسه جيداً حين كان مسؤول الأركان تلك الأيام بكل تفاصيلها وسيناريوهاتها.
فماذا يفعل رئيس الدولة المصرية في هذه الإشكالية؛ وقد تغيرت المعطيات اللوجستية؛ فصارت تتطلب تغيير سيناريوهات المواجهة، بما تضمره من قوة شرسة تختفي خلف الوجه المبتسم والضاحك؛ وتوليد بدائل التكتيكات إقليمياً؛ وممارسة الضغوط الناعمة الواعية. فهل كان سيجرؤ سامي عنان نفسه على القيام بهجوم جوي مباغت لقصف ذلك السد في مهده أو بعد اكتماله؛ بعيداً عن حسابات ممارسة القوة ومتغيراتها ضغوطها الدولية والإقليمية؟
** وأيضاً قاموا بتلبيس سامي عنان عبارة مطاطة في خطاب ترشحه منطوقها: "إدارة موارد الثروة القومية وعلى رأسها المورد البشري"؛ فماذا سيفعل المترشح للرئاسة المصرية من شيء مُغاير لما تقوم به الدولة راهناً، من مثل مشروعات التنقيب عن الغاز والطاقة، وعقد اتفاقات تحديد المجالات البحرية في البحرين الأحمر والمتوسط؛ وإنشاء الأقاليم والمدن الإنتاجية التخصصية؛ واستصلاح الأراضي؛ و... و... إلخ من خطوات حركة التنمية الجديدة المتوافقة مع نمط الاقتصاد العولمي؟
** ويواصل سامي عنان في كلمته استصناع الصورة النمطية السلبية؛ بإطلاق حكمه القيمي بأن ما يراه في الواقع المصري وتولول النخبة حوله: "لم يحدث إلا نتيجة سياسية خاطئة حمَّلت القوات المسلحة مسؤولية المواجهة وحدها دون سياسيات رشيدة تمكن القطاع المدني بالقيام بدوره متكاملا مع القوات المسلحة".
والمثير للدهشة في الأمر أن رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية حتى العام2012 م؛ ينسى أو يتناسى لغرض سياسوي خاص طارئ دور القوات المسلحة الوظيفي بأي وطن في مواجهة الأزمات الوجودية لدولته حين تحدث الانتكابات والكوارث.
فهل أخطأت المؤسسة الوطنية العسكرية المصرية في تصديها لمسؤولية إنقاذ الدولة المهترئة والمتعفنة خلال عقود مبارك الأربعة؛ وهي تتصدى لمسؤوليات المشاركة، والإشراف والمتابعة لمشروعات إنشاء البنية الأساسية الجديدة؛ وفي الوقت نفسه لم تغفل تطوير قدراتها التسليحية؛ بما يناسب ويتطلب مقتضيات الأمن الوطني؛ وتأهيل عديدها لإدارة الأزمات في الواقع بحكم انضباطها والتزامها؟!
** والسؤال الضروري الموجه للمترشح سامي عنان: أين هو القطاع المدني النقي من علل وأمراض الفساد في المرحلة المباركية ليقوم بدوره؟. ألم تتوحش الرأسمالية الطفيلية في الهيمنة على قدرات الوطن؛ وانصرفت إلى لعبة الاستيراد لكل شيء، وتبوير الأرض لإقامة منتجعات الأحلام؟ أين هو هذا القطاع المنتج لكي تُسلَّم إليه أمور إعادة بناء الدولة؛ والتي لا تزال تقبض أجهزتها يومياً على المرتشين والفاسدين من كل نوع؟
هل وضع الزمان المباركي أية برامج لتأهيل الموارد البشرية، وإعادة قولبتها بالسمات العصرية؟ وأين البنية الاستصناعية والاستزراعية التي تستوعب تلك الزيادات المخيفة في عدد السكان؟ فهل السنوات الأربع التي عَبَرَتْها مصر بقيادة الرئيس السيسي كانت ستضرب الواقع المتردي بالعصا السحرية لتحقق فوراً ما ذكره سامي عنان في بيان ترشحه؟!
** ويسفر من كتبوا الخطاب لسامي عنان عن مقصودهم الذي يولولون به ليل نهار بقوله: " إن مصر تريد نظام سياسياً واقتصادياً تعددياً يحترم الدستور والقانون ويؤمن الحقوق والحريات ويحافظ على روح العدالة والنظام الجمهوري الذي لا يكون إلا بتقاسم سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية".
إن هذا القول لسامي عنان يمثل "مربط الفرس" كما يقولون؛ حين يلعب بكلمة "التعددية". والسؤال ما هو الفهم التشريحي للمجتمع المصري؟ وما هي الخريطة الطبقية لذلك المجتمع؟ وهل هناك تكوينات عرقية وعقدية متناحرة في مصر؟ وهل لدينا أحزاب حقيقية تعبر عن قوى اقتصادوية بصورتها التقليدية؟ الأسئلة عديدة.
والحقيقة أن من كتبوا خطاب الترشح أورطوا سامي عنان بهذه الكلمة المختلة مفاهيمياً "التعددية"؛ لتوظيفها في إعادة إيجاد ثُغرة سياسوية للجماعة المتأخونة من جديد تضمن لها العودة المشبوهة إلى الواقع المصري لتمارس تنفيذ متطلبات التفتيت المُكلَّفة بها، وعلى رأسها هدم الدولة المصرية.
ويدعم هذا القول ما نُشر مسبقاً منتصف العام الفائت في بوابة "الصباح الالكترونية" عن الجهد الذي بذله أيمن نور من تركيا في تحقيق الإجماع على دعم فوز سامي عنان: مقابل إنشاء حزب جديد للإخوان، ورفع اسمها من الجماعات الإرهابية، وعودتها للعمل السياسوي في إطار محدد، والعفو عن بعض قياداتها ومنهم محمد مرسي، والسماح بعودة الهاربين للخارج.
لذلك يتغاضى سامي عنان عن مفهوم أن الجماعة المتأخونة لا تمثل تياراً سياسوياً حيث هويتها المشهرة عقدية؛ ومقصودها البنيوي هو هدم الدولة الوطنية لإقامة متوهم دولة الخلافة الماضوية. وكذلك ليس في المجتمع المصري الراهن تيارات إيديولوجية يُعتد بوزنها المجتمعي، ليتحدث سامي عنان عن التعددية؛ كما أن الجيش المصري لا يمارس العمل السياسوي، ولا يعد كتلة تحتاج لمناظرتها بكتل أخرى تحقق التعدد المتوهم!
الرئيس المتاخون محمد مرسي يكرم سامي عنان قبل ان يحيله للتقاعد في زمن الجماعة.
** إن ما أشار إليه عنان من قيم النظام الجمهوري "الذي لا يقوم إلا بتقاسم السلطة بين مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية"... كلام متفق عليه؛ والدولة المصرية الراهنة تنفذ ذلك، بدليل أنها لم تهدم أي حكم قضائي تم تثبيته عبر المحكمة الدستورية المرجعية النهائية؛ ولم تعطل أي قانون تشريعي.
وإذا نظرنا إلى معايير الجودة فإن العملية الوطنية تحتاج عقوداً جديدة من عمل إعادة تغيير ذهنية الجماهير، وتطوير قدراتها بما يتناسب مع العصر؛ والميراث من العصرين الساداتي والمباركي مؤلم ويحتاج عقوداً من جهد التطوير؛ وهذا ما بدأت الدولة راهنا العمل على خطوطه.
** ويواصل سامي عنان استصناع صورة مغايرة لعقليته العسكريتارية؛ وهو يلعب سياسة بتكوين ما أسماها:" نواة تتكون من المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات سابقا، نائباً لي لشئون حقوق الإنسان والشفافية وتفعيل الدستور، والدكتور حازم حسني الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، نائبا لي لشئون الثروة المعرفية والتمكين الاقتصادي والسياسي ومتحدثا باسمي".
وهذا الاختيار في حد ذاته كاشف للموقع الذي يحاول سامي عنان استزراع نفسه سياسويا به؛ بنائبين له أحدهما كان النائب العام في العهد المتأخون؛ ومهمتهما ما تسمى مدنية الدولة الذي يستهدفها؛ وكأن الدولة المصرية الراهنة كما يروج لها المتأخونون والمتأدلجون والمتنشطون دولة ديكتاتورية.
ويظن سامي عنان أنه بذلك سيقيم "جمهورية الحلم النخبوي" من دون أن يجهد نفسه، ومن معه للتفكير في آليات إنتاج الدولة المدنية؛ ووفق أي منظور؛ وحسب أي تحليل قوى طبقية، ومدى توافر معطياتها التاريخية؛ وبناء على أي اندراج في المنظومات العولمية، التي تطور إليها النظام السياسوي العولمي، و... و... إلخ.
غير أن من المثير للتساؤل الموضوعي هو: لماذا لم يقدم سامي عنان أية مؤشرات للنظام الاقتصادوي المتوقع للدولة المصرية والذي سيسعى لإقامته؛ هل هناك أكثر مما ذكره إنشائياً بالقول:" نظام سياسي واقتصادي تعددي".
فما معني تعددية النظام الاقتصادوي الذي يحلم به؟ أليست الدولة المصرية الراهنة تعددية بالقطاع العام والقطاع الخاص والقطاع الثالث المتعلق بمشروعات القوات المسلحة؟ فما هو القطاع الذي يختبئ في جراب المرشح للرئاسة المصرية سامي عنان؟ ننتظر إجابته وتفسيرات من كتبوا له خطاب إعلان الترشح.
*****
صورة نشرها موقع الصباح الالكتروني ذات دلالة سياسوية كاشفة.
إن خطاب ترشح سامي عنان للرئاسة المصرية؛ على الرغم من محدودية فقراته؛ يمكن أن يمثل أرضية واسعة للجهد التفكيكي؛ والذي يكشف أن السيد سامي عنان في مُتَأَمَلِهِ السياسوي، يركب عربة تجرها قوتان: الأولى "الجماعة المتأخونة" التي عزلته مسبقاً؛ والثانية "جماعة المتأدلجين والمتنشطين" والتي منها الدكتور حازم حسني نفسه والذي شكك في توجه سامي عنان السابق لانتخابات الرئاسة. الحقيقة أن عنان يحاول اقتناص أصوات أفراد الجماعتين حين الانتخابات؛ ويذكر بالمثال الشعبوي الشهير "القُطْ يِحِبِّ خَنَّاقُهْ"!
والمؤكد أن كتلتي أو "عكازي" الإخوان والمتأدلجين وشظايا المتنشطين أعجز عن تحقيق شيء مما حققته الدولة المصرية في الفترة الراهنة؛ فضلاً عن أن المزاج الجماهيري المصري الصبور يدرك بالفطرة أن الغد اللاحق لليوم أكثر إشراقاً مما تولول به تلك النخب!!
"رأفت السويركي"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق