السبت، 15 يونيو 2019

تفكيك خطاب العقل النخبوي الوسيطوي المنحاز (111) تفتيت ليبيا إلى ”زنقات" تحارب "زنقات"... (غسان سلامة أنموذجا)!!

تفكيك خطاب العقل النخبوي الوسيطوي المنحاز  (111)

تفتيت ليبيا إلى ”زنقات" تحارب "زنقات"

... (غسان سلامة أنموذجا)!!

---------------------------------------------------------



وفق ما يبدو من حصاد آليات الرصد الموضوعي؛ لحضور  منظمة الأمم المتحدة في المرحلة الراهنة أنها تفارق بصورة كبيرة مربع الموضوعية المبتغاة من أغلبية شعوب المنطقة؛ والتي تشتعل بنيران ما جرى فرضه عليها في سياق (الربيع الصهيونوي) المسمى مخادعة بـ(الربيع العربي).

إذ أن هذه المنظمة ديكورية الحضور؛ والمترهلة وظيفويا في المرحلة الراهنة عبر مبتعثيها من الدبلوماسيين الدوليين؛ جعلت من نفسها ادعاء طرفا يقف على هامش ما يسمى “المخادعة السياسوية”؛ وليس “المشاركة الإيجابوية” في تقنين إعادة الاعتبار للحق التاريخاوي للشعوب، والحفاظ على كينونة النظم الدولاتية المستقرة.  

***** 

إن هذا التحول البنيوي الظاهر؛ حين النظر إلى وظائفية مبتعثي الأمم المتحدة في معالجة ملفات الأزمات المشتعلة راهنا؛ يكشف (مسكوتا عنه) ومضمرا على درجة كبيرة من الخطورة السياسوية؛ وهذا المضمر؛ يجري انتزاع ترسيخه عبر طاولات الوساطة والتفاوض؛ فيما هو يتداعى، أو يوشك على الانيهيار؛ وفق حسابات الواقع والحركة على الأرض.

والموضوعة الليبية تأتي هنا على سبيل المثال؛ إذ أن آليات الحركة الحافة بها؛ تتنمذج كذلك في المسألة اليمنية؛ وفي المسألة السورية؛ وفي المسألة الصومالية؛ وفي المسألة الصحراوية بالمغرب؛ وغيرها من نماذج “تفتييت الدولة الوطنية القديمة”؛ أو المصطنعة مؤخرا.

وبالتركيز على موضوعة هذه التدوينة المتعلقة بالمسألة الليبية؛ يمكن تلمس مدى الغضب الكبير؛ الذي يحيط بالدور الذي يلعبه ما يسمى (المبعوث الأممي)؛ وهنا يأتي اسم الدكتور غسان سلامة.

***** 






إن دهاليز اختيار المبعوث الأممي، تعتمل بالعديد من العوامل التي يتم على أساسها التفضيل والتغليب؛ بافتراض توافر الخبرة الدبلوماسوية لديه؛ بحكم عمله السابق، أو امتلاكه من الثقافة السياسوية؛ ما يجعله مستعدا لخوض معتركات التحارب والتشاحن، وتعارض الأجندات، ومطامح الأطراف المتصارعة. 

ودرأ لتواصل (الكتابة النظرياتية) حول دور أي مبتعث أممي في المشكلات الراهنة؛ ستهتم هذه التدوينة بالتركيز على (المسألة الليبية)؛ للوصول إلى قوانين الحركة على أرض الصراع؛ واكتشاف (المسكوت عنه) الأممي الدال على افتقاد الدبلوماسية الأممية التنظيمية للبراءة؛ بحكم أن طاولات مجلس الأمن؛ كاشفة لمشروعات التصارع الدولية، وفق معايير القوة على الأرض، والعقائد الإيديولوجية العولمية اللاعبة في مناطق النفوذ.

*** الوسيط غسان سلامة:
----------------------

هو أستاذ جامعي لبناني؛ دخل حقل الدبلوماسية حين كلف - حسب موسوعة ويكيبيديا ـ بــ"تنظيم القمة العربية في بيروت التي تبنت المبادرة العربية السعودية للسلام مع إسرائيل، وبتنظيم القمة الفرنكوفونية في بيروت؛ وشارك في وفد الأمم المتحدة المبعوث إلى العراق بعد الاحتلال الأميركي 2003م؛ وكاد أن يلقى مصرعه في حادث تفجير مبنى الأمم المتحدة في بغداد؛ كما عمل مستشاراً للأخضر الابراهيمي خلال مهمته للعراق وسوريا".

ولعل هذه الأدوار رشحته لخوض تجربة (المسألة الليبية)؛ وفق اعتياد مجلس الأمن بنقل ملفات السخونة العملياتية إلى طاولات نيويورك، للاستماع للرأي والرأي الآخر؛ واستصناع معادلات دبلوماسوية للقوة؛ تراوح في مواقف الـ (مع) والـ (ضد) بحسابات القوة على الأرض.

والسؤال: هل نجح غسان سلامة كعادة كل مبتعثى الأمم المتحدة في مناطق الأزمات؛ بإعادة صياغة خريطة إنهاء المشكلة الليبية؟ والإجابة المحققة هي أنه فشل؛ وسيبقى فاشلا؛ إلى أن تقوم مقاييس القوة بفعلها الحاسم على الأرض؛ وتتغير معاييرها عملياتيا بالسلاح.

***** 

إن الدور الذي يمكن أن يلعبه المبعوث الأممي؛ هو في حقيقته دور (ديكورياتي)؛ لإشهار حضور الأطراف اللاعبة عولميا؛ خارج ساحات العمليات بالمساندة الأدواتية عبر السلاح والمعلومات؛ ولابأس من العناصر (المجوقلة)؛ أي (المنقولة جوًا)؛ أو (المبحرنة) اشتقاقا بالمماثلة من الاصطلاح العسكريتاري (المنقولة بحرا)؛ التي تدخل إلى الميادين؛ وتعيد تغيير موازين القوى، وفي الأغلب تنتمي إلى الفرق الميليشياوياتية؛ التي تستهدف الجيوش الوطنية بالإنهاك.

ولعل تفكيك خطاب الدكتور غسان سلامة المتعلق بالمسألة الليبية؛ والانطلاق من انحيازته كمندوب عولمي؛ يكشف تفاصيل مشروع مفوضيه والسابغين عليه لقب (المبعوث الأممي)... كيف؟!

***  القضية الليبية:
-----------------

عقب عدوان قوات الناتو على ليبيا؛ وإسقاط حكم معمر القذافي؛ جرى تنفيد سيناريو حالة (الربيع الصهيونوي)؛ وفق الخصوصوية الليبية؛ بمراعاة المعطيات الاستراتيجاوية الحافة بالجغرافيا السياسوية الليبية؛ القائمة على ثوابت:

-  وجود (المعطيات الجغرافية) القائمة على الاتساع الكبير في مساحة الأرض الليبية.

- وجود (المعطيات الديموغرافية) بالتعدد العرقوي السكاني والقبائلي. والمتشكل من العرب بفروعهم؛ والبربرر والتبو هيا؛ والكراغلة من التركمان والاكراد والشركس والألبان؛ وبعض العناصر من الايطاليين.

- وجود (المعطيات الثرواتية) المرتبطة بالثروة النفطية؛ التي تمثل أكبر احتياطي نفطي في افريقيا مع الغاز الطبيعي والمعادن؛ فضلا عن الاستفادة بالحزام الشمسي الذي تقع ليبيا في سياقه؛ فضلا عن قدرات طاقة الرياح المتنوعة.

- وجود (المعطيات الاستراتيجاوية) العميقة والمرتبطة بالتماس الحدودي الطويل مع ست دول(مصر والسودان وتشاد والنيجر والجزائر وتونس)؛ وهو مجال متسع متنوع من الصحراوات؛ والمياه البحرية(البحر المتوسط).

والقراءة التفكيكاوية لخريطة الأحداث؛ وإدارة الصراع الظاهر في ليبيا على كل المستويات؛ تشير إلى ذلك السعي الخفي والحثيث؛ لتطبيق (متصورات تفتيت الدولة الليبية) والأخذ بها إلى نمطوية (الفدرلة)؛ خطوة أولى سعيا للوصول إلى نموذج (الزنقات) التي تحدث بها معمر القذافي قبل موته.

***** 

وفي واقع الأمر أن هذا التصور البنيوي، شبه مترسخ على الطاولات الاستخباراتية؛ وكافة التحركات الخارجوية تسعى لذلك؛ بدءا من منظومة الاتحاد الأوروبي؛ مرورا بالمشروع الأميركي؛ وصولا إلى تيار الانحراف السياسوي الإسلاموي؛ المتجسد في الفعاليات (التركية العثمانلية، والقطرية والجماعة الماسونية البنائية المتأخونة)؛ تلك الغارقة في تنفيذ (مستنقع الشرق الأوسط الصهيونوي الجديد).

لذلك يفضح المبتعث الأمموي الدكتور غسان سلامه خطابه؛ كونه يرسخ مستهدف (هدم الدولة الليبية) بصورتها البنيوية المستقرة. فهو يبدو ظاهراتيا محايدا في التحرك بين أطراف المسألة الليبية؛ ومتجاهلا طبيعة التركيبة لهذه الأطراف.

إن المحايدة المدعاة لدى الوسطاء المبتعثين من أجهزة الأمم المتحدة(كما في المسألتين الليبية واليمنية؛ هي محايدة منحازة إلى مواقف مغلوطة من المنظور الوطنوي). فالمساواة المتوازية بين الأطراف تمثل مخادعة؛ هدفها هدم الثوابت التي يعنيها (مفهوم الوطنوية)؛ إذ تضع على قدم المساواة مع الثابت الأصلوي عرضا طارئا؛ جرى استحداثه لهز هذا الأصل؛ وتغييره بآليات الحروب الحديثة.

وإذا كانت تجارب الهدم لنمط الدولة الراهنة؛ تشهد نفخا وتضخيما خارجويا في القوى المناقضة للقوة الوطنوية؛ فإن المبعوث الأمموي بالضرورة يتحول إلى موظف؛ يتغافل عن تغليب الضمير الإنسانوي؛ والتغافل عن تقدير الثوابت التي تتعرض لمحاولات الهدم؛ وهذا هو ما يبدو من تفكيك خطاب ومشوار حركة الدكتور غسان سلامة في الساحة الليبية المشهر إعلامويا؛ وتناقلته وكالات الإعلام والمواقع الإليكترونية.

** ظواهرية غسان سلامة:
----------------------

ــ  غسان سلامة يحاول أن يستصنع صورة المحايدة؛ تقريبا لوجهات النظر بين الأطراف؛ وفي ذلك تجاهل مشبوه للدوافع المحركة لجهود إنقاذ الدولة الوطنوية وليست الدولة المبتسرة الجديدة والمستورد نمطها من مكاتب أجهزة الاستخبارات.

ــ  غسان سلامة في الوقت الذي يحاول بمحايدته المدعاة تقليل مسببات النزاع؛ يعطي مشروعية مغتصبة لأطراف طارئة في قضية الصراع؛ لم يكن لها وجود على الأرض؛ فيكسبها مشروعية الاعتراف العالمي؛ ومنها ماهو متداع ومنهك القوة؛ وعلى وشك الانهيار والاندحار أمام القوة الوطنوية الرسمية(الجيش الليبي).

ــ  غسان سلامة يعبر في خطابه عن محصلة الصراع الدبلوماسوي الدولي، بين الكتل المحتضنة للأطراف أمام طاولة التداول في مجلس الأمن الدولي؛ ومخاطر هذا الأمر هو تثبيت مشروعية الأطراف الطارئة في لعبة الصراع؛ مما قد يطيل بذلك في عمرها ووجودها؛ إلى أن يجري حسم مسألتها فوق الأرض. 

ــ غسان سلامة يوازي بالمغالطة بين (القوى الأصيلة والأساس) وفي مقدمتها الجيوش الوطنوية؛ وبين (القوى الميليشياوية) المستحدثة في سيناريوهات التفتييت للدولة/ الوطن؛ وهنا ومع ما سبق ذكره يكون منحازا بالفعل لسيناريوهات الفوضى الصهيونوية؛ وليس في موقف المحايد؛ بل وهو يؤدي دورا محل الشكوك في مساندة قوى الفوضى. 

***** 
حين يحذر الدكتور غسان سلامة في تصريح نقلته رويترز: (الدول التي تميل إلى مواصلة دعم رجل شرق ليبيا القوي خليفة حفتر من أنه ليس ديمقراطيا كما أن معظم الليبيين لا يؤيدون برنامجه السياسي). 

وحين يقول لإذاعة فرانس إنتر: "خليفة حفتر هو ليس أبراهام لينكولن وليس بذلك الديمقراطي الكبير، لكن لديه مؤهلات ويريد توحيد البلاد"! 

وحين يدعو أمام مجلس الأمن الدولي إلى: (اتخاذ إجراءات فورية لوقف تدفق الأسلحة الذي يؤجج القتال والانزلاق إلى حرب أهلية يمكن أن تؤدي إلى الفوضى أو الانقسام الدائم للبلاد". 

فهذا الموقف من الوسيط يسفر عن برنامجه (المؤامراتي)؛ وأنه يتحدث بأجندة من رشحوه للوساطة؛ ودعموا اختياره ليكون لاعبا في المسألة الليبية.

** شبهات غسان سلامة:
------------------

- غسان سلامة هنا لا يوازن بين حسابات القوى العالمية على الطاولة؛ ويحاول صرفها عن دعم قائد الجيش الليبي الوطنوي خليفة حفتر؛ منحازا لقوى الفوضى في ليبيا التي تساندها قوى أخرى حول الطاولة.

- غسان سلامة يسبغ على نفسه مسوح (رسول الديموقراطية) المشبوهة؛ حين يصنف بمنطق التفتييت خليفة حفتر  مناطقيا (رجل شرق ليبيا)؛ ويصفه بالديكتاتور بحكم موقعه العسكريتاري؛ فيما هو القائد الذي يقود جيش ليبيا الوطني لانقاذ وطنه من سيناريو التفتييت والانفصال.

- غسان سلامة يقوم بتعميم حكم قيموي مخادع؛ بأن الليبيين لا يؤيدون برنامج خليفة حفتر السياسوي. وكأن غسان نفسه يمتلك المعلومات اليقينية والإحصاءات الدقيقة المؤكدة بأصوات الليبيين؛ الرافضين لبرنامج خليفة حفتر الوطنوي.

- غسان سلامة يحاول الانتقاص من صورة وقيمة خليفة حفتر؛ بانتزاعه من سياقه الليبي؛ ومقارنته بإبراهام لينكولن الأيقونة الأميركية؛ الذي نجح في (إعادة الولايات التي انفصلت عن الاتحاد بقوة السلاح، والقضاء على الحرب الأهلية الأميركية).
وهنا يقع الدكتور غسان في التناقض بقبول فعل لينكولن العسكريتاري بالحفاظ على الوحدة الأميركية؛ فيما يرفض جهود خليفة حفتر بالحفاظ على وحدة ليبيا بلادة من التفتت بالجهد العسكريتاري!!

- غسان سلامة هنا يقوم بممارسة الضغوط؛ عبر الترويج لضرورة الإيقاف الفوري لوقف تدفق السلاح؛ لمن؟! المؤكد أنه يقصد الجيش الليبي لإعطاله عن استكمال إعادة السيطرة على العاصمة الليبية من هيمنة الميليشيات الإرهابية المستجلبة؛ والمستزرعة في ليبيا بالجهود المضادة للدولة الوطنية الليبية. والملاحظ أن البرنامج (الأغواتي الأوردوغاني) لا يتوقف عن نقل الأسلحة والميليشيات الداعشية من العراق وسوريا إلى ليبيا.

- غسان سلامة لا يقترب بالتشهير من التكوين الهجين الذي هيمن على ليبيا واكتسب المشروعية من الرعاة بوجود رئيس المجلس الرئاسي في ليبيا فايز السراج، والمنتمي إلى الجماعة البنائية المتأخونة عراب سيناريو تدمير الشرق الأوسط لإقامة الشرق الأوسط الصهيونوي الجديد. إنه يركز على خليفة حفتر؛ مستهدفا بالتحريض لإعطال جهده في استرداد الدولة الليبية المختطفة من ميلشيات الإرهاب.

- غسان سلامة يروج لتخوفاته المبرمجة؛ من انزلاق ليبيا ادعاء إلى ما أسماه الحرب الأهلية؛ وهذه من مظان التزييف المفهوموي والعملياتي؛ الذي تشارك في ترويجه الكثير من النخب ذات الأجندات؛ فما يحدث في ليبيا كما في سوريا واليمن؛ ليس حربا أهلية وفق الادعاء، ولكن معارك الدفاع عن الدولة والوطن؛ والتي تخوضها الجيوش الأصلية في مواجهة الميليشيات الإرهابيوية العولمية المتسيسة والمستزرعة؛ وهي تنفذ تطبيق سيناريوهات الشرق الأوسط المتصهين الجديد.

***** 

 إن غسان سلامة ابن الذهنوية السياسوية التفتيتية؛ التي ربيت ونضجت وفق النموذج اللبنانوي العتيق؛ الذي سيجري تعميمه في المنطقة بعد أن تخفت نيران التصارع؛ هو أسير ذلك النموذج التطبيقوي؛ والمحكوم بصفات نموذج دولة الفرق والعرقويات والعقائد المتعددة(لبنان أنموذجا).

وإذا كانت (ميليشيات حزب الله) في لبنان لها إسهاماتها الكبيرة؛ والمقدرة في مواجهة دولة الكيان الصهيونوي؛ واعتباره العدو الحقيقي للأمة؛ فأية ميليشيات مشبوهة في ليبيا يتوسط غسان سلامة للحفاظ على وجودها يمكن أن تلعب هذا الدور المماثل لحزب الله؟! لا توجد سوى ميليشيات الدواعش!!

***** 

إن الجولات المحمومة الطوافة للدكتور غسان سلامة على بعض فعاليات دول الاتحاد الأوروبي؛ ومحاولاته دفعها لرفع يد الدعم عن الجيش الليبي؛ وتصريحاته الأخيرة المتحولة بالتضاد مع جهود ذلك الجيش؛ لاسترداد دولته مما يتربص بها من مخططات وسيناريوهات؛ ليست غير مواصلة تطبيق سيناريو تفتيت ليبيا إلى (زنقات) تحارب (زنقات)... (وهذا خطاب الوسيط الأمموي الدكتور غسان سلامة أنموذجا)!!

                                     "رأفت السويركي"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق