الجمعة، 26 مايو 2017

تفكيك العقل النخبوي العربي المتأدلج المضاد للدولة المصرية ( 65)...قد يكونون إذا زاروها غنائم وجواري متعة... لو تمكنت منها "داعش"!!


تفكيك العقل النخبوي العربي المتأدلج المضاد للدولة المصرية ( 65)
 
قد يكونون إذا زاروها غنائم وجواري متعة... لو تمكنت منها "داعش"!!
--------------------------------------------------
 
روح ومسلك الاخوة والأصالة تجمع مصر بالأشقاء الخليجيين دوما.
 
أصدقائي من النُخَب العربية كثيرون؛ منهم الخليجي واللبناني والسوري والعراقي والتونسي والمغربي... إلخ؛ جمعتنا على مدى السنوات إما صداقة علم أو عمل أو معرفة وإبداع.
 
وقد دربت بدأب عميق ذاتي على عدم الاختلاف المتعنت في قضايا السياسة والدين والثقافة مع أي منهم؛ ونهجت مسلك الإنصات المُدْرِك لكل كلماتهم؛ بهدف قراءة الدوافع والثوابت التي تنبني خطاباتهم وفق قوانينها، سعياً لمعرفة حدود مساحاتهم، وإطارات سياقاتهم.
 
إن دَرَبَة ممارسة فنون تفكيك العقل، وإدراك مقصودات الخطابات تجعلك تنزع ذاتك من أية قضية خلافية؛ لكي تصل إلى حكم متوازن وصائب لدى الاختلاف الناشئ عن تعارض المواقف. لذلك فإن الفعل البدهي الأول الذي تفرضه على ذاتك هو: أن تضع نفسك في موقف من يُحاوِرُك؛ لتعرف دافعيته في المواقف؛ وتتبين مدى الصواب والخطأ اللذين يتحكمان في مواقفه. وقد ساعدتني هذه المنهجية التكتيكية، على إدراك ما كان يمكن أن يحكم على مواقفي من الآخرين بفقدان الموضوعية أو تحققها.
 
أسوق هذه المقدمة مُدخلاً لتدوينة أتمنى ألا تكون انطباعية من منظور الأصدقاء المختلفين معي والذين أحترمهم؛ وأقدرهم... حين أقف من مواقفهم الخاصة بالمسألة المصرية على مستوى النقيض عبر المنظور السياسوي الراهن، وما يتعلق بالدولة المصرية ومؤسستها العسكرية الوطنية؛ وقيادتها المتمثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي.
 
*****
 
تعبير اماراتي اصيل عن روح الاصالة والاخوة التاريخية الجامعة بين مصر والإمارات.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 


على صعيد الفضاء الأزرق الافتراضي "فيس بوك" و"تويتر" شهد جداري العديد من المداخلات الحادة جداً من قبل بعض الأصدقاء الافتراضيين؛ والتي وصلت إلى حد اتهامهم المتهافت ضدي بـ"عبادة" الحذاء العسكري أو ما يصفونه "البيادة"، والانتماء إلى فكر الانقلاب، والدفاع الظالم عنه كما يدَّعون؛ ووقوفي في المعسكر السيسوي تحديداً؛ وممارسة إشهار العداء تجاه التيارات العقدية المتأخونة، والماضوية المتسلفة والمتمذهبين طوائفيا؛ وكذلك مواقف العديد من الأصدقاء المتأدلجين والمتمذهبين سياسوياً من عُبَّاد النظرية. وكل هذه النوعيات من الفرق السياسوية لم تعد الرؤية النقدية فكرياً تتحكم في قناعاتها؛ فظلوا أسرى نمط ما يوصف بعبادة عقائدهم الإيديولوجية والسياسوية.
 
وقد لفت اهتمامي بعد ممارسة التفكيك لخطابات هذه الفرق المتباينة ومداخلاتهم أن العديد منهم - وبالتحديد ممن يعيشون في جناح الخريطة العربية والإسلامية الجغرافي بدول الشمال الأفريقي بالمغرب؛ المنطقة التي أعتبرها راهناً باعتزاز مَفْرَخَة العقول التنويرية في الأمة - أجدهم ينتمون باطنياً إلى التنظيم المتأخون قلباً وقالباَ؛ حتى وإن لم يكن للجماعة وجود رسمي مُعلن في بلدانهم؛ لكنهم يرفضون من فرط عشقهم للجماعة المتأخونة أن تتحدث بسوء عن التنظيم سيء السمعة لدى الجموع إلا بما اعتادوا على معرفته لأنه ذات قدسية لديهم؛ ويغضبون حين تتعرض لبعض عناصره بأية ملاحظات موضوعية وكاشفة لمخادعاتهم المقامة على نهج التقية السياسوية والعقدية المذهبية.
 
وكما اتسع الفضاء الافتراضي لكل المداخلات؛ فإنني أتركها محفورة على جداري من دون ممارسة التبرم، أو الغضب والمبادرة لإزالة مداخلاتهم كما يفعل البعض. إن ترك كتاباتهم كما هي والتعقيب عليها يتيح الفرصة لمن يتابع الحوارات لتبيان وجهات النظر، وإدراك قوة الحجج لتحديد المواقف الحاكمة. وبالعودة إلى جداري سيجد من يشاء كل المناقشات كما هي، لأنها كانت ابنة اللحظة وينبغي أن تحتفظ بذلك.
 
*****
 
 
جهاز الفعالية الذي يخوض معركة التنمية المصرية المفتقدة منذ عقود، لذلك يكرهه العقديون والمتادلجون.
 
إن العديد من الأصدقاء الذين تداخلوا مع تدويناتي؛ وهم من أعضاء أو عُشَّاق الجماعة المتأخونة تحديداً كانوا يهربون من تفنيد الحجج التي تم سوقها خلال النقاشات؛ ويكتفون بتكرار مفردات وعبارات أجهزة الجماعة الإعلاموية حول ما يسمونه تهافتاً الانقلاب وحكم العسكر، ومذبحة رابعة؛ ووهم شرعية الرئيس الإخواني محمد مرسي الذي ركب وتنظيمه الكرسي المصري في غفلة من الزمن؛ وكلها اصطلاحات فاسدة؛ جرى تفكيكها وهدمها بعد كشف تهافتها وكذبها؛ ولم يَسُقْ أيٌّ من الأصدقاء ما يهدم النتائج التي دعمت الموقفية السياسوية والفكرية المضادة للمتأخونين والماضويين المتسلفين.
 
وأيضاً... إنَّ من الناشطين في التضاد للمسألة المصرية من هم خلاف المنتمين للفكر المتأخون والماضوي؛ وتجدهم يمارسون بإلحاح تكرار الخطاب نفسه بفجاجة مطلقة؛ وتكتشف بتحليل المضمون لجدرانهم على "فيس بوك" و"تويتر" أن المسألة المصرية تشغل الحيِّز الأعرض من هذه الجدران.
 
وحين تتبين الدافعية المحركة لمواقف هؤلاء الناشطين، ستعرف أنها لا تنبع إلاَّ من قناعات نظرية تقليدية؛ انتهى زمانها السياسوي بسقوط الاتحاد السوفياتي، والتضخم المفرط في نمط رأسمالية الدولة في الصين الشعبية؛ لكن هذه النخب تبدو مشابهة للأنماط العقدية؛ يجترون ما حفظوه من نظريات؛ ولم يقوموا بإعادة النظر التجديدية في تلك النظريات الكلاسيكية، والتي أصابتها الشيخوخة ودخلت حالة الهرم الفكري.
 
إن هؤلاء الناشطين والناشطات يطلقون الخطاب ذاته واصطلاحاته حول الانقلاب وحكم العسكر؛ وتعجب مما يرددونه بإفراط عن القمع وغياب الديموقراطية في إدارة الدولة المصرية؛ ويضخمون إلى حد الافتعال الحديث عما يعتبرونه فشل إدارة الدولة في الحقول الاقتصادية.
 
 
ولعل هذه الحالة تعبر عن أمنياتهم وما يتمنون للدولة المصرية؛ فهم يقررون تلك الأحكام المعممة من دون موضوعية، بعشوائية انطباعية غير مقامة على معلومات اقتصادوية موثوقة؛ أو عبر سلوك تجاهل التوظيف الصحيح لمنهجهم؛ والذي يفترض أنهم نشأوا على تفعيله؛ للقيام بعملية تحليل الواقع بعلمية عبر تشكلات وتطورات قواه الاجتماعية، وقوانين الفعل السياسوي؛ ويتناسون ما طال النظام الدولي من تطورات عولمية، ذاهبة إلى مزيد من التمركز الرأسمالي المفكِّك لدول العالم وتجمعاته التنظيمية السياسوية؛ والمحيط أيضا بما كانت تسمى دول المعسكر الاشتراكي ودول رأسمالية الدولة.
 
*****
 
إن هذه الشريحة من النخب المتأدلجة لا تقوم في الفضاء الافتراضي بإبراز مهاراتها في التحليل الفكري؛ لما تنشر مقولاته القيمية قدر ما تتحول إلى طائفة نخبوية تمارس رفاهية الصراخ والصياح الانتقادي التشهيري الذي لا يخرج عن ممارسة ما يُشابه ضجيج العامة المفتعل بفعل فاعل.
 
والظاهرة الجديرة بالملاحظة هو مدى توافق واتفاق المتأخونين والماضويين بكل رجعيتهم السياسوية وتلك النخب المتأدلجة في الخطاب؛ من دون تمايز؛ حيث - على الرغم من تناقضهم الجوهري - تجمعهم الكراهية للعسكرية الوطنية المصرية؛ ويشهرون حقداً مُضاداً لوطنية الرئيس عبد الفتاح السيسي لا حدود لحجمه؛ ويواصلون التقليل من جهد ومعنى إقامة البنية الأساسية الجديدة في الدولة المصرية؛ وسياسة الأقاليم الصناعية التخصصية في كافة المحافظات المصرية.
 
*****
 
والظاهرة البارزة، هي إعلان العداء المطلق، والانتقاد غير الموضوعي من هذه النخب العربية المتأدلجة رجالاً ونساءً لمجمل أفعال الدولة المصرية وجيشها ورئيسها بسبب الإشراف على مشروعات التنمية والتحديث الجارية بكل أعبائها، والتضحيات الاصطبارية التي يقدمها الشعب المصري من أجل الخروج من عنق الزجاجة الاقتصادوية؛ ثقةً في انتظار تحقق الوعود بالرخاء، ومعالجة المشكلات البنيوية الخاصة بالبطالة والصحة والتعليم.
 
إن تركيز هذه النوعيات النخبوية على خصوصيات المسألة المصرية بإفراط مفتعل لا يُخلِّف لدى المتلقي المُراقب والدارس لخطاباتها سوى الشكوك بطبيعة الدوافع والشبهات المحيطة بها؛ إذ كان ينبغي لهذه النخب العربية أن تُمارس التفكير بنضج الرؤية للمسألة المصرية من خارج الصندوق؛ وتتذكر مبررات حضور الدولة المصرية ومؤسستها العسكرية الوطنية الراهن حسب الضرورة؛ لأن هذه النخب المتأدلجة سياسوياً لا تعيش حجم معاناة المصريين النوعية؛ والتي يتحملونها بقبول وطني الشعور؛ لتكون انطباعات تلك النخب وأحكامها موضوعية، وليست أقرب إلى انفعالات مرحلة المراهقة العشوائية؛ كما تبدو مسلكياتها.
 
*****
 
إن العقل التفكيكي العِلماوي الذي يدرس كافة ملابسات المسألة المصرية؛ يخرج من عملية التفكيك بضرورة الدفاع عن "حضور الضرورة" للمؤسسة الوطنية العسكرية المصرية راهناً في بلد احتلتْ خلال الحكم المباركي مراتب متقدمة وغير مسبوقة من الفساد، والإفقار والإهدار، وقد تسرطَّنت خلال تلك المرحلة تكوينات الرأسمالية الطفيلية المصرية بشقّيها البيروقراطي والعقدي المتأخون؛ لتهيمن على الدولة المصرية بالمطلق؛ وتدمر قدراتها التصنيعية والاستزراعية، وتحل بدلاً عنها أنشطة "الاستيراد" للسلع الرديئة؛ متكئة عقدياً للمنطوق الشائع في زمان روايته بأن "تسعة أعشار الرزق في التجارة"؛ وليس في التصنيع والاستزراع كما تفعل الأمم الكبيرة والحية. لأن العرب وقتها لم تكن تستزرع أو تستصنع؛ ولكن تقوم فقط برحلتي الشتاء والصيف لاستجلاب احتياجاتها والتجارة فيها فتحقق الرزق المقصود!!
 
*****
 
وتجاه تهافت خطاب هذه النوعيات النخبوية العربية؛ رجالاً ونساءً؛ يطرح العقل التفكيكي أسئلة جوهرية من نوعية:
 
** لو لم يتحرك الجيش الوطني المصري، ويعيد ضبط الأمور في الدولة المصرية بعد انفلاتات يناير الفوضوية المشبوهة والمصطنعة؛ هل كان سيتوفر الأمن والأمان الذي يتيح لتلك النخب المؤدلجة وهي تزور مصر دوما... أن تواصل سياحتها الترفيهية وإقامتها السكنية المستقرة في هذه البلاد المطمئنة بحفظ الله؟!
 
** لو تقاعس الجيش الوطني المصري عن التحرك لإنقاذ مصر من مشروعات التفكك الماسونية الصهيونية المشابهة لما حدث في ليبيا والعراق بمخاطرها الأمنية... هل كانت هذه النخب الثرثارة ستملك ترف السفر إلى مصر والسُكني في أية مدينة بها تختارها من دون أية مخاطر جمة مماثلة لما حدث في دول "الانتكاب العربي" المزيف باسم "الربيع العربي"؛ والتي لم يعد سكانُها أنفسهم يأمنون على حياتهم؟!
 
** لو تمكنت فرق الضلالة العقدية المصطنعة، من المتأخونين والماضويين المتسلفين والهمجيين الداعشيين من الإمساك برقبة السلطة في المجتمع المصري؛ هل كانت نسوة النخب العربية... يمكن أن تُفلت من الوقوع ضحية تطبيقات زواج "ملك اليمين" و"السبايا" و"نكاح الجهاد"؟!
 
** لو استكمل السيناريو الأميركي فصوله بتمكين الجماعات العقدية سياسوياً من حكم مصر لا قدَّر الله؛ هل كانت أية امرأة أو فتاة مصرية أو من نساء هذه النخب العربية المتشدِّقة بالنضالية الورقية يمكنها النزول إلى الأرض المصرية حسب التعبير العقدي متبرجة؛ وكاشفة الشعر ولا ترتدي النقاب؟ لو فعلت ذلك لأقيمت عليها الحدود كما يحدث في البلدان المنتكبة بهذه الفرق الضالة؛ حيث تمارس الجلد والرجم وقطع اليد والإطاحة بالرقاب؟! 
 
** لو لم يتحرك المواطن العسكري المصري عبد الفتاح السيسي الذي قدمته المؤسسة العسكرية بذكاء تكتيكي للقيادة في وجود التنظيم المتأخون؛ ويتحمل مسؤولية أمن مستقبل وجود مصر؛ هل كانت مصر ستبقى وجوداً أم يتحول لا قدر الله الـ 90 مليوناً طعاماً لقروش وحيتان وتماسيح البحار والأنهار هرباً من الأوضاع المخيفة؛ فهل كانت النخب السياحوية المتشدِّقة بالكلام المتهافت ستمتلك حرية الوصول بالطائرات إلى "مصر المحروسة" وممارسة الحياة الطليقة وسط أهلها كما فعلت ولا تزال تفعل بأمان واطمئنان!!
 
 
الموءسسة العسكرية تقوم بإعادة تأسيس البنية التحتية بدأب والرئيس المتأخون يحضر تدشين هذا المشروع،
 لذلك كانوا يستريحون لدور القوات المسلحة والآن يكرهون دوره الذي لم يتغير لانهم خلعوا من السلطة.
 

 
** منذ تخلت البيروقراطية بالمناخ المباركي عن تفعيل ودعم نظام القطاع العام الذي دعم الدولة في مواجهة التحديات الوجودية فقدت مصر قدرتها البنيوية؛ واندرجت في قوائم الاستدانة وتلقي المعونات والمنح المالية؛ لذلك تدخلت المؤسسة العسكرية بالقطاع الانتاجي الحربي الشامل والمناظر للقطاع العام؛ ليتولى إنجاز والإشراف على معظم مشروعات البنية الأساسية الضرورية، بانضباط العسكرية في الإشراف على الشركات الوطنية العامة والخاصة التي تتولى تنفيذ هذه المشروعات.
 
فلماذا تُعلن هذه النخب المرفهة استياءَها من حضور جيشنا الوطني المصري بقوته لدعم الدولة في مرحلة التحدي الاقتصادوي بـ "منطق الضرورة"؛ ولماذا تواصل الترويج لمقولة أن مهمة الجيوش حربية فقط؛ والمريب أن هذه النخب لا تعي القاعدة بأن الجيوش كلها مهما كانت هويتها تتدخل في أوطانها لتساهم في إدارة الأزمات؛ لأن فنون إدارة الأزمات من فروع العلوم الاستراتيجية؛ والقطاع الانتاجي العسكري ليس مملوكاً للضباط الجنرالات والجنود المصريين.
 
 
 
الاعلام المتأخون كما يمارس أكاذيبه في العقيدة يمارسها في الحياة، والصورتان تكشفان الاحتيال. فالرئيس المعزول يقبل رأس بعض المتاخونين، وفِي الصورة الثانية ينسبون كذبا صورتين من دول آسيوية للجيش والشرطة المصريبن، وملابس الجنود والافراد لا تدل على انتساب الصورتين الى الجيش المصري الوطني أو الشرطة..

 
لذلك يبقى التساؤل وجوبياً لماذا إذن تقف تلك النخب المؤدلجة والمرفهة موقف العداء المرضي من هذا الجيش العظيم؟ الأسئلة عديدة؛ والإجابة عليها تفكيكياً يسيرة؛ وتكشف مدى عشوائية العديد من النخب ذات التوجهات المتأدلجة والتي تلتحق موضوعياً بالنخب العقدية المتأخونة والماضوية المتسلفة؛ ويجمعهم الشعور السياسوي بالكراهية للدولة المصرية المتماسكة ومؤسستها العسكرية الوطنية القوية؛ والتي حطمت تنفيذ حِلم دولة الوهم المتخيلة المسماة "دولة الخلافة"؛ وحِلم دولة الإيديولوجيا الطبقية المتخيلة والغائبة كذلك في بطن المستحيل السياسوي!!
 
*****

إذا كانت نخب العقل العقدي المتأخون والماضوي المتسلف تسلك هذا الموقف المضاد بفجاجة بسبب تبدد حلم الدولة الدينية؛ فهل تدرك نخب العقل المتأدلج بالنظرية وبيع تعبيرات الديموقراطية أنهم إذا زاروا مصر لو كانت تمكنت منها "داعش" لا قدر الله فقد يكونون غنائم وجواري متعة...!!
 
                                                                               " رأفت السويركي"
 
--------------------------------------------------

 
 
 
 
 
 
 
 
 

الأحد، 14 مايو 2017

تفكيك العقل النخبوي الماضوي المُتسلِّف (64) "تكفير الأقباط" هوس مرضي... سالم عبد الجليل نموذجاً!!

تفكيك العقل النخبوي الماضوي المُتسلِّف (64)
 
"تكفير الأقباط" هوس مرضي... سالم عبد الجليل نموذجاً!!

-------------------------------------------
 
 
هذه هي مصر الحقيقية التي احتضنت المسيح وأمه
 يجمعها الهلال والصليب. وكل الصور من شبكة الانترنيت.
 
خريطة الوحدة الوطنية يحملها مصري وطني بالفطرة.
 
هل يمكننا راهناً إدراك خطورة فهم التأويل الماضوي المهيمن تاريخياً على النص القرآني؛ والذي يحكم القبض على عنق صحيح العقيدة حين يدَّعي انتماءه للسلف؛ بل ويمد ادعاءه الارتباط علائقياً بالرسول الأكرم "ص"، بمعزل عن الموقفية السياسوية الحاكمة لذلك التأويل في زمنه؛ وقد كان بعيدا عن زمن وجود الرسول فاعلاً وقائلاً؟!
 
فمنذ أن طرح أقطاب ذلك الاتجاه خطابهم الرواياتي الحاف بالقرآن الكريم، الذي اصطنعوه قبل قرون في إطار ظروف سياسوية معقدة ابنة وقتها تتعلق بالخلافة والولاية وصراعاتهم على الملك والحكم، لا يزال هذا الخطاب مهيمناً سياسوياً أيضاً ولا يتغير؛ بل ولا يُسمح بالاقتراب منه عقلانياً؛ ذلك لأن منتجيه اختلسوا من النص السماوي قداسته، وزاحموه في منزلة الجلال؛ وقولبوا مروياتهم بنسبتها إلى الرسول "ص" من قاعدة الآية ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4) - النجم. وهي الخاصة تحديدا بالقران الكريم.
 
وبذلك الفعل جعلوا أقوال البشر المروية التي تناقلوها بعنعناتها في منزلة القول المقدس؛ الموصوف خطابه بـ (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ) - الحاقة 41؛ أي ما هو بقول بشر؛ لأن القول السماوي المحفوظ بعهد السماء (لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) – فصلت 42 ؛ فيما القول البشري المُجمَّع من الأفواه بعد قرنين من وفاة الرسول "ص" منسوب باختلاف كلمات متونه؛ وقد ادَّعوا قوله وتناقلوه راوياً عن راوٍ... وحين أدركوا احتمالية أن يحيط به عوار التكذيب والإضعاف... إلخ جلَّسوا له قواعد تتعلق بالحكم على الرواة أكثر مما تهتم بمحمولات المتون؛ وهنا مربط الفرس، فالرجال قالوها واختفوا، بينما تبقى المتون الملغومة حاكمة وفعالة في صياغة كل العقول التابعة بامتداد العصور!
 
ولو يعلمون، فإن هذه القواعد التي أوجدوها لصناعة نص مواز للقرآن الكريم هي في الوقت ذاته تكشف "المسكوت عنه" في هذه المسألة، وتنسف القداسة التي ادعوها للمرويات البشرية، لأن بها المكذوب والضعيف وما يتصادم وينافي الأخلاق الرسولية المحمدية؛ بسماحتها وإنسانيتها الفذة؛ التي قدرت وحمت حقوق وقناعات أصحاب الديانات الأخرى التي كانت تعيش في مجتمعي المدينة ومكة من منظور العهد والاتفاق حسب قاعدة {لكم دينكم ولي دين}؟!
 
*****
 
إن هذا الأمر يطرح إشكالية كبرى؛ ستبقى متجددة الحدوث طالما أن ذلك القول الماضوي "المُقدَّس" الذي كان نتاج المناخ التاريخاني السياسوي آنذاك – هو قولٌ في حقيقته مبنيٌ بأغلبيته على وقائع انقضت – ما يعني انقضاء علة العديد منها؛ من دون أن يُعيد ذلك العقل الماضوي المتسلف والمتحجر قراءة ذاته قراءة بنيوية متجددة؛ تناسب كل عصر وفق المتغيرات الحادثة ليطور خطابه!!
 
ونتيجة لهيمنة حضور هذا الخطاب العقدي الماضوي تبدو وستظل تبدو وتنشأ قضايا خلافية عميقة؛ تتصادم وطبيعة الواقع المستجد، وموازين القوى واستراتيجياتها الكوكبية، والمنجزات الهائلة التي حققها العقل الإنساني إجمالاً بعيداً عن ارتباطاته العقدية؛ وهو يحقق معنى النص القرآني الكريم (عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) – العلق 5. ودلالة عموم اللفظ في كلمة "الإنسان" هنا تكفي لكي يتعظ ماضيو الفكر بمعنى ودلالة الكشوف الهائلة التي ييسر الله تعالى اكتشافها للإنسان مهما كان موقفه العقدي؛ مؤمنا؛ كافراً!!
 
ولعل ما يطرحه وسيظل يطرحه ماضيو التفكير من قضايا مثيرة في غرابتها تكشف انعزالية هؤلاء المطلقة عن معنى وحقائق الحياة؛ إذ لا هاجس لهذه النوعية سوى تصنيف البشر: هذا كافر وهذا مؤمن؛ وهذا مسلم وذاك مسيحي؛ هذا سيدخل الجنة وذلك ستكون النار مستقراً له؛ هذا سيكون قبره حفرة من حفر جهنم، وذاك سيكون قبره روضة من رياض الجنة.... إلخ من هذه البضاعة!!
 
*****
 
 

 
سالم عبد الجليل تكشفه سياسويا قناعاته الظاهرية وفهمه المغلوط لمعنى اصطلاح الإسلام.
 
إن ما تورط في قوله من يوصف برجل الدين المصري الأزهري سالم عبد الجليل مؤخراً من أن "عقيدة المسيحيين فاسدة"؛ وقبلها تحريم الاحتفال بالمناسبة الاجتماعية التي اصطلح على تسميتها بـ "عيد الأم" وغيرها انطلاقاً من هوس التكفير المصابة به هذه النوعية ممن يصفون أنفسهم وفق الاصطلاح الماضوي بالعلماء يمثل ظاهرة ثقافوية مرضية عُصابية مثيرة للاهتمام.
 
لقد ذكر بثقة كما قالها الكثيرون من أمثاله أن المتدينين بالمسيحية من الأفضل لهم التوبة والإيمان بالإسلام قبل أن يأتيهم الموت؛ حيث لن تقبل توبتهم قبل الموت مباشرة؛ وأخذ يسوق من الآيات القرآنية ما يدعم حكمه التكفيري بفساد العقيدة المسيحية.
 
وحين اشتعلت الساحتان الإعلامية والاجتماعية بردود الأفعال الغاضبة من أقواله؛ وتوقيت طرحه لما يثير الفتن الاجتماعية في تلك المرحلة السياسية التي تعد إثارة الفتنة الطائفية بين مكوني الشعب المصري من ثوابتها الاستخباراتية؛ عبر توظيف التكوينات العقدية لتفجير كنائسهم كما حدث، والتظاهر ضد أماكن تجمعاتهم؛ ومحاصرتهم إعلامويا بالتكفير. لذلك مع حجم رد الفعل المضاد الكبير لتصريحاته غير المسؤولة في توقيتها اعتذر عما أحدثه من جدل لم يتوقع حجمه؛ ولكنه قال بما يدعو للدهشة: "هذه العقيدة أومن بها، ومستعد أن أدفع روحي ثمناً لهذا الاعتقاد، لكنني أرفض إباحة الدم والعرض".
 
*****
 
 
 

 
المغيبون في دهاليز الماضي يكشفون لا دينيتهم ولا عقلانيتهم
لانهم فهموا الاسلام عقيدة الحق من منظور سياسوي منحدر.
 
إن العقلية التي يندرج سالم عبد الجليل في حقلها، هي حقل العقل النخبوي الماضوي المتسلف بكل ممارساته السياسوية المختبئة؛ على الرغم من أنها تنفي قيامها بفعل سياسوي يقوم على قاعدة ممارسة التكفير لمن يخالفه في العقيدة.
 
وتعتمد هذه العقلية أيضا على نمطية شائعة في الحقل العقدي وفق ممارسة القراءة الظاهرية للنصوص المقدسة؛ وقد يبدو شكلياً أنها ترفض التأويل للنصوص كسلاح مفاهيمي دال على ديمومة صلاحية العقيدة إلى حين قيام الساعة؛ غير أنها بذاتها لا تدري أنها حتى بقراءتها الظاهرية تقع في أسر منهج تأويل جَمُدَ تاريخياً عند المعنى الظاهر على سطح النص؛ واكتفى بصفة عامة بالدلالة الظاهرية للنصوص؛ وهذه الدلالة الظاهرية نفسها قامت على تأويل ذات تاريخ للمعنى؛ لا يغوص في باطن النصوص ويستخرج دررها الكامنة التي تثبت فرادة ولا بشرية الخطاب في تكليفه!!
 
لقد مارس رجل الدين المصري سالم عبد الجليل القراءة الأقرب إلى الظاهرية، أو بمعنى أصوب أعاد التكرار النمطي الحرفي لما رسخه العقل العقدي الماضوي منذ قرون من مقولات تفسيرية للنص القرآني الكريم؛ فما أشهره في برنامجه التلفازي لم يكن جديداً أو حاملاً اجتهاداً تأويلياً؛ بل كان منتمياً لاصطلاح الأخذ بظاهر القرآن والقول من صحيح السنة التزاماً بحرفية النص، لذلك يكون خطابه الدعوي استدعاءً لما هو مبثوث في بطون الصحائف منذ قرون؛ من دون تجديد أو تأويل باحث عن المعنى المناسب مع تغيرات الواقع البنيوية.
 
*****
 
سالم عبد الجليل أعاد كموظف يعمل في الحقل الدعوي اجترار وتكرار ما حفظه على سبيل المثال من ابن كثير وسواه من أصحاب تفاسير أهل السنة والجماعة المهيمنة على عقول المسلمين؛ وجرى احتضانها رسمياً في إطار الإشكالات السياسوية بين السلطة آنذاك والفرق العقدية وهي كثيرة؛ وكل منها كانت تقوم بتوظيف النص المقدس لترسيخ حضورها المهيمن!
 
يأتي سالم عبد الجليل وكيل وزارة الأوقاف المصري الأسبق لشؤون الدعوة؛ ليعيد استهلاك ما ثَقُلَتْ به أوراق الكتب القديمة من دون مراعاة لمقتضيات الأحوال ومبررات الضرورة؛ كأنه معلم في مدرسة للتعليم الابتدائي يعيش أسير النهج الوظيفي من دون إبداع التزاماً بالمنهج الدراسي الموضوع؛ ولم يقدم التصورات المختلفة في مجال القضية التي يهتم بها في إطار النص القرآني.
 
ولو فعل سالم عبد الجليل ما يفعله العلماء الذين يعرفهم من أهل الفقه المقارن؛ وقدم عرضاً موضوعياً للقراءات المختلفة الحافة بالنص في مجال القضية التي يهتم بها لحقق مكسبين: الأول إثراء المعرفة بهذا النص الإعجازي؛ والثاني يحل الإشكالات التي قد تنشأ من الوقوع في أسر تصور واحد للقضايا.
 
وهنا على سبيل المثال في قضية الإشكالية المثارة حول ما تورط بقوله بفساد عقيدة المسيحيين ووصفهم بالكفر؛ وأن الدين عند الله هو الإسلام؛ يبدو ما يعني ظاهريا نفي كافة الأديان والعقائد الإبراهيمية؛ وعدم إدراك دلالة القول القرآني البيِّن: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) – المائدة82 .
 
ولكان كذلك أدرك أيضاً اتساع رحابة القول القرآني؛ وأهمية تجاوز ظاهرية القراءة التي مارسها بثقة مفرطة؛ حيث لم يضع عقله في شمول مدلول اصطلاح الإسلام في الخطاب القرآني، ولم يُحِطْ بكيمياء التعبير في ذلك المدلول غير المقصور على ختام الرسالات فقط.
 

الجليل شيخ الأزهر الدكتور احمد الطيب والبابا الراحل شنودة، هذه هي الإيمانية الحقيقية.
 
وإحقاقاً للحق ينبغي ذكر ما بثته بعض القنوات الفضائية من قول العالم الجليل والإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب في هذه القضية بقوله الذي نشرته المواقع الإلكترونية "... إن كلمة الإسلام المذكورة في قوله تعالى " إن الدين عند الله الإسلام"، تعني الدين الإلهي، وسيدنا إبراهيم عليه السلام بشَّر بالإسلام، " ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك "، وسيدنا نوح قال: " وأمرت أن أكون من المسلمين"، وسيدنا موسى قال نفس الشيء، حتى سيدنا عيسى عليه السلام " فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ"، كل الأنبياء جاءوا بدين الإسلام وقالوا نحن مسلمون لله". فهل علم سالم عبد الجليل معنى هذا القول، وأدرك كيف تكون القراءة الحقيقية للنص القرآني؟!
 
*****
 

 
الروح المصرية الأصيلة والمتدينة بالفطرة
تحمل شعار الوحدة الوطنية بعيدا عن المغيبين سياسويا.
 
لو كان الشيخ سالم عبد الجليل تجاوز ظاهرية الأقوال التي يخضع لها عقله؛ وما يترتب عليها من أحكام تقليدية تمثل هوساً مرضياً علامته التكفير؛ ما وقع في الفخ السياسوي التاريخي لمنهجه الذي استسلم له بالاتكاء التفسيري إلى مصدر واحد حصري؛ وضعه في صورة رجل دين غير معتدل ويخدم أجندة معينة؛ بينما هو كما يقال غير ذلك! وكان قام بالربط بين اتساع شمولية اصطلاح الإسلام الإبراهيمي الشامل للديانات الثلاثة وما ذكره النص القرآني الكريم عن مودة النصارى للمؤمنين... لكنه هو هكذا العقل الماضوي المتسلف في تجلياته السياسوية يقود نخبته الى ما لا ينبغي!!
 
                                                                                                                                                             "رأفت السويركي"
 

---------------------------------------
 
 
 
 

 

 

 

 
 
 

الاثنين، 8 مايو 2017

تفكيك العقل النخبوي السياسوي المتأدلج... هذه النخبة ميؤوس منها... لأن" العلة في الملة"!!

تفكيك العقل النخبوي السياسوي المتأدلج

هذه النخبة ميؤوس منها... لأن" العلة في الملة"!!
------------------------------------

** مقدمة ضرورية:
ذكرني فيس بوك بهذه التدوينة التي كتبتها قبل عام وكأنها ابنة اللحظة الراهنة لذلك فضلت اعادة تسجيلها هنا لانها تتولى تفكيك نوعية اخرى من نوعيات العقل النخبوي، واقصد بها النوعية التي تاخد الأيديولوجيا بخناق عقلها من دون التفكر في أساساتها ومدى تناسبها مع خصوصيات الواقع.
*****



تبدو صورة المجتمع المصري هذه الأيام، أمام المراقب من خارج الصندوق؛ أشبه بالمجتمع المماثل لساحة السوق الشعبية، التي تتلاطم فيها أصوات الباعة، وتتصادم؛ إذ كل يريد أن يروج لبضاعته؛ فيعلو صوته أكثر من الآخرين، حسب طريقة من يحقق أكبر جلبة يمكن أن يختطف أسماع المتجولين في السوق.

والمؤسف أن الجميع يعرض بضاعته، عسى أن يقبل عليه المتسوقون، فيما البضاعة للأسف هي لحم الوطن؛ الذي صار يتناهشه المتنافسون على بيع عرضه؛ والتشهير بسمعته في سوق النخاسة السياسية؛ التي أقامتها شرائح محددة من النخبة، في برامج "التوك شو"، وفي "بكائيات المنتمين إلى بعض التيارات الأيديولوجية؛ وما يسمى جمعيات المجتمع المدني؛ ذات التمويل الخارجي، فضلا عن الجماعات العقدية المتسيسة؛ وكلهم يولولون على الحرية المتوهمة المفقودة، ويرفعون نبرة الصراخ؛ مما وصف بأفعال أجهزة الدولة القمعية كما يصفونها في غير محل ذلك الوصف، بسبب الظروف الحرجة المحيطة بالوطن راهنا.

*****

ولا يجد المراقب المحايد توصيفا لهذه الزمرة النخبوية أبلغ من عبارة " نخبة ميؤوس منها؛ لأن العلة تكمن في الملة"؛ ولكي لا يفهم البعض المقصود بكلمة "الملة" في غير محلها، فإنني أقصد بها المعنى الذي اعتمدته مراجع اللغة؛ وحددها أساطينها، فالملة في اللغة هي : "السنة والطريقة"، وحسب إجماع البغوي والزجاج، وابن عطية والثعالبي تعني كلمة الملة؛ في توسيع شامل جامع لمعانيها "مجموع عقائد وأعمال يلتزمها طائفة من الناس، ويداومون على فعلها مدة طويلة، تكون جامعة لهم، كطريقة يتبعونها".

*****

إن كثيرا من المصريين الذين يعيشون خارج مصر/ الوطن، يجذعون مما يتابعونه من أخبار بلدهم الصادرة من الداخل؛ فهم يعيشون خارج الوطن؛ لكن الوطن يسكن داخلهم؛ فالمصري يمشي حاملا مصره معه؛ أينما حل أو استقر، لذلك فهم ينزعجون من خطابات الكثير من نخب الداخل؛ والتي لا تشعر بحجم الألم الذي تسببه لهم تلك الخطابات المنفلتة؛ إدراكا لخطورة الأوضاع التي تحيط بمصر؛ منذ ما يسمى وهما أحداث الربيع العربي؛ التي تستهدف تمزيقها أو تفكيك أوصالها؛ وفق نماذج سيناريوهات التفتيت الموضوعة للمنطقة، ولا ينكر هذه السيناريوهات إلا مغيب العقل السياسي، ولا يقلل من خطرها إلا سادر في عشوائية التفكير، ولا ينفي توقعاتها إلا مضيع في أرض الضلالة الفكرية.

*****

وإذا كانت أصوات احتجاجات العمال والفلاحين في مصر؛ قد خفتت مؤخرا مع توجه الدولة الجديدة بالإعلان عن مشروعات الريف المصري الجديد؛ وحركة شق الطرق، التي تشمل شبكتها الجديدة عموم الوطن، وبرامج إنشاء محاور التنمية، وإقامة المدن الجديدة، وأقاليم التخصص الاقتصادي التي يعلن عنها، وكلها تجهز الوطن المتضعضع منذ قرابة العقود الأربعة؛ لحركة ارتقاء اقتصادي مشهودة، ووسط هذه الظواهر المشجعة، يعلو صوت بعض تشكيلات النخب الغاضبة بالصراخ من جديد، بل وتحاول هذه الشريحة الزاعقة أن تخطف الأنظار، إلى أبعد ما يكون عن الاستقرار المستهدف اجتماعيا ووطنيا.

فماذا تريد هذه النخبة الغاضبة والناقمة، والمتمسكة برفع وتيرة ضجيجها الكذوب؟

** هل تحتج هذه النخب في الأساس وتعلن احتجاجها الآن غضبا من تردي الخدمات الطبية في مستشفيات؛ جرى إهمالها طيلة نصف القرن من الزمن الساداتي والمباركي؛ وأين كانت هذه النخب، من هذه القضية قديما؟!

** هل تحتج هذه النخب، وتعلن احتجاجها الآن، نقمة من انهيار المستوى التعليمي في مدارس وجامعات مصر، طيلة نصف القرن من الزمن الساداتي المباركي  وأين كانت هذه النخب، من هذه القضية قديما؟

** هل تحتج هذه النخب، وتعلن احتجاجها الآن انتقاما من شيوع الأمية الألفبائية؛ والأمية الثقافية طيلة نصف القرن، بدءا من الزمن الساداتي المباركي، الذي تحولت فيه الحياة التعليمية؛ وسيلة ارتزاق لطائفة المعلمين الطفيليين، والتي تشكلت ضمن قانون تشكل نمط طوائف الرأسمالية الطفيلية؛ عبر نشوء ظاهرة الدروس الخصوصية، بديلا لمجانية التعليم؟!

** هل تحتج هذه النخب، وتعلن احتجاجها الآن نكاية؛ بسبب تحول الملايين من الموظفين إلى مقاعد التعطل؛ جلوسا على المقاهي وفي"غرز الكيف "، بعد بيع المصانع؛ وتناقص فرص العمل ووصولها إلى درجة الندرة، ولماذا لم ترفع هذه النخب صوتها احتجاجا؛ منذ عقود بناء على ما كشفته لها مناهجها الإيديولوجية، من فضح لنمط التحولات الاقتصادية؛ وتوليد الطبقة الرأسمالية الطفيلية؟!

إن كل تلك الأسئلة الكاشفة؛ للأكذوبة الوجودية لهذه النخبة المثرثرة عديدة، بما يفضح ادعاءها السياسي، وتركيزها على ممارسة عنصر الكلام الآن بديلا عن ممارسة العمل الاجتماعي، لأنها نخب تفتقد العمق الاجتماعي الأصيل؛ وكانت صامتة منذ عقود تلبية لانتهازيتها السياسية، وتنخلع الآن من جذورها الطبقية؛ لتؤدي راهنا وظائف تشهيرية، تجاه عملية ترسيخ تماسك بنية الدولة؛ التي كانت قاب قوسين أو أدنى من الانهيار والتفتت، لو أطلق العنان للتيار العقدي المتسيس؛ المعروف بالإخوان المسلمين، ولم تتم إزاحته؛ إلا بتدخل الجيش الوطني؛ والتفاف الجماهير حول هذا الجيش.

ولا يتوقف الأمر عند ذلك الحد؛ فهناك أسئلة كاشفة أخرى للمشروع الحقيقي لهذه النخب؛ التي تعيش على هامش الجهد الكمي الوطني؛ وكل إنتاجها ليس سوى الصراخ؛ والاستعداء على نظام الدولة، الذي يكرهونه إيديولوجيا؛ من أجل عيون وهم (حكم الطبقة)؛ أو (دولة العقيدة).       

لذلك فمن الأسئلة الفارقة في هذا السياق ما تكشف علة الملة التي تنتهجها هذه النخب كما يلي;

** هل انتظمت هذه النخب؛ وهي تنتمي إلى تشكيلات حزبية الآن في برامج عمل اجتماعية حقيقية مغايرة للكلام؛ لمحو الأمية على سبيل المثال، أو نظمت حملات رعاية طبية لقرى الفقراء، أو شكلت قوافل للتوعية السياسية في المجتمع، و...، و... الخ.؟!

** لم تفعل تلك النخب الغارقة في الوهم الإيديولوجي، أية خطوة مغايرة، لفعل الكلام وفقط، ورفعت لافتات بشعارات الحرية والديموقراطية، وتداول السلطة، والصراخ بعبارات "سقوط حكم العسكر"، والتنديد بالدولة الأمنية، والمطالبة في أحدث الصور بإقالة وزير الداخلية.

** والملاحظ أن تلك النخب التي تعيش وهما تاريخيا؛ تطور مؤخرا من ملاءتها وملتها الرديئة؛ سعيا لتشكيل جبهة ضغط سياسية جديدة؛ عبر محاولة تغيير هوية النقابات المهنية؛ وإدراجها عنوة في سياق نشاط سياسي معلن، يخرج بها عن دورها الاجتماعي الخاص برعاية أعضائها؛ والارتقاء بمستواهم المهني، إلى آداء دور سياسي حزبي مباشر؛ ومغاير لالتزامها المهني الخاص بالارتقاء بمستوى الوظيفة؛ والمستوى الحياتي للأعضاء، ما يحول هيكليا مهمة النقابات لتكون أشبه بالتكوينات الحزبية، وهذا التوجه القسري يخرج النقابات المهنية عن طبيعتها الفئوية، ويضر بها اجتماعيا، وقد يصيبها بالتفكك؛ نتيجة اختلاف المشارب السياسية؛ لجموع الأعضاء داخل كل نقابة مهنية. 

إن المحاولة الجديدة في الواقع المصري لتشكيل حائط نقابي متسيس جامع مستدرج للنقابات، نقابة تلو أخرى، يزرع داخلها بذرة التناحر المستقبلي، في ضوء أن هذه النقابات في الأساس غير منشغلة بممارسة العمل النقابي سياسيا؛ إلا عبر اختراقها، كما حدث ذلك قبلا من التنظيم العقدي المتسيس" الإخوان المسلمين، الذي اخترق بمباركة السادات ومبارك نقابات المهندسين، والأطباء، والمعلمين، وحاول مع نقابة الصحافيين وفشل تاريخيا، لأنها نقابة جامعة لكل التيارات، وهوية النقيب والمجلس العقدية لا تصبغ صورة هذه النقابة الجمعية، لكل الأطياف داخلها.

*****

والملاحظة الجديرة بالاهتمام أن "ملة هذه النخب"؛ لا تقدم على الرغم من ضجيجها أية برامج مدروسة، لتطوير الواقع أو تغييره، فلا تسمع منها سوى ضجيج العبارات المنزوعة الدسم من البرامج التنفيذية:

1 – فهذه النخب؛ تتحدث عن تداول السلطة، وهي تفتقد آليات هذا التداول؛ نتيجة فقدان تكوين الأحزاب القوية، ببرامجها والتي يمكن أن تجمع الجماهير حولها، ولا ترى الآن من هذه الأحزاب سوى كل هش ومحدود العضوية، والمتشابه برامجيا مع غيره من الأحزاب.

2 – وهذه النخب تتحدث عن مدنية الدولة، وكأن مصر يديرها الآن مجلس عسكري مهيمن؛ فيما تشكيل مجالس الوزراء تتشكل أغلبيتها من وزراء العناصر المدنية؛ ومحافظون مدنيون باستثناء المحافظات ذات الخطورة الحدودية؛ فضلا عن أن هذه الدولة يوجد بها دستور؛ حاز على إجماع الشعب، وبرلمان مستقل؛ وقضاء لا يخضع لأية سلطة سواه؛ وكذلك إعلام لا تحده حدود أو ضوابط، يقول ما يقول؛ ويكتب ما يريد؛ حتى وإن كان مضادا للمصالح الاستراتيجية للوطن.

3 – وهذه النخب تتحدث عن الحرية، وتتناسى أن القضاء المستقل؛ صار الحكم الأوحد؛ والذي تعبر كل القضايا من خلاله بعد مرورها بكل درجاته، فضلا عن أن الصحف والقنوات الفضائية، تواصل تجاوزاتها في حق الدولة ليل نهار؛ ولم يتم إغلاق أية صحيفة، أو قناة تغرد خارج السرب الرسمي. 

4 – وتتحدث هذه النخب، عن ضرورة خروج الجيش الوطني المصري؛ من آداء دوره التنموي في الداخل، من دون الإشارة إلى كمية الفساد المخيفة؛ التي خلقتها هيمنة الرأسمالية الطفيلية في مصر، خلال العهدين الساداتي والمباركي، والتي جعلت الدولة تحتل المراتب المتقدمة في مؤشرات الفساد. وما التزام هذه المؤسسة العسكرية الوطنية، بالدور التنموي الداخلي المؤقت، إلا خطوة لإحداث التغيير النظيف على الأرض؛ بعد تغول عمليات الإفساد الاجتماعي.

5 – إن تناسي هذه النخب في ملتها الخطابية النمطية المملة لقضايا الاقتصاد والتنمية، يعكس فقرها الفكري الفادح؛ وتهافتها وسطحيتها؛ حين النظر إلى المشكلة المصرية. وكم يشتاق العقل المصري الناقد لقراءة تفاصيل، أو حتى خطوط مشروع وطني؛ يعكس تصور هذه النخبة، في التنمية والتعليم؛ والتعبير والدفاع، والإدارة ونظام الحكم، ليكون هذا التصور جامعا لقبول وعقول المصريين. للأسف كل هذا مفقود؛ مفقود؛ مفقود؛ يا نخب الثرثرة والكلام.

*****

ومع تناقص؛ أو خفوت حضور أشكال الضوضاء الاحتجاجية الاجتماعية السابقة من العمال والموظفين؛ وتأجيلها إلى حين، بدأت الدولة الإعلان، عن برامج التصنيع والاستزراع؛ وإقامة المدن والتجمعات الجديدة؛ الصناعية والسكانية؛ وشبكة الطرق العملاقة، لذلك فإن الأمل يحدو الناس ببدء مشاهدة النتائج على الأرض.
فقد بدأت الدولة تتفرغ بجيشها العظيم، لتحقيق الأمن والأمان حول الحدود الملتهبة، لمنع تمدد العمليات الإرهابية إلى داخل الوطن؛ وكذلك شرطتها الجديدة التي تحاول حماية الداخل الوطني؛ ويسقط لها ضحايا؛ وصرف النظر عن نمط الممارسات الفردية غير المقبولة؛ التي تحدث من بعض عناصرها؛ فإن الشرطة الجديدة تحاول في المرحلة الراهنة، تقويض مخططات الإرهاب النائم في الداخل، والناشط في الخارج، وأيضا تقديم صورة جديدة؛ تعكس تحولها المواكب لمستجدات ثقافة حقوق الإنسان.

*****

إن مواصلة هذه النخب ممارسة خطاب الصراخ نفسه؛ المضاد بكثافة لوزارة الداخلية المصرية؛ والإصرار على ذلك خلال الأشهر الماضية؛ يأتي في إطار ملة هذه النخب؛ بحصر عداواتها التقليدية؛ في الجهاز الأمني الوطني؛ بهدف كسره وتحطيمه؛ فضلا عن الاستمرار في اجترار منظومة الأقوال التي لا يملون من تكرارها؛ الأمر الذي يجعل من حق الجميع القول أن هذه النخبة ميؤوس منها... لأن" العلة في الملة!!

                                                         "رافت السويركي"

الأربعاء، 3 مايو 2017

تفكيك العقل النخبوي المناضل في الفضاء الافتراضي (63) كارهون للدولة... بتفاهاتهم لا يثمنون أدوار جيشها الوطني!!

تفكيك العقل النخبوي المناضل في الفضاء الافتراضي (63)  

كارهون للدولة... بتفاهاتهم لا يثمنون أدوار جيشها الوطني!!
--------------------------------------------

سألني وظل ابتسامة يرتسم على وجهه ماذا تقول في ذلك الشخص الذي لا يروق له أي قرار تتخذه الدولة المصرية راهنا في الاقتصاد والتنمية، والديبلوماسية، والفعالية العسكرية في مجال الأمن بمفهومه الشامل؛ ولا تلمح في كلماته وكتاباته سوى التشكيك والتسفيه من قدر أية خطوة يجري اتخاذها في إطار مسار إعادة تمكين الدولة من فعاليتها، بعد أن كادت تودي بها الأحداث إلى حيث لا حدود لتصوره بما يتناسب مع مصر وقدرها وقدمها وثقلها؟

قلت له وظل ابتسامة يرتسم على وجهي: هذا الذي تقصده لا يمثل نفسه فقط؛ بل يعبر وأقولها بثقة كبيرة عن نمط نخبوي مسطح المستوى شائع بين النخب المصرية؛ وينتشر وجوده انتشار النار في الهشيم فقط في عالم التعبير الافتراضي؛ حيث كما يقول المصريون الكلام ببلاش!

قال لي وظل الابتسامة يتسع في وجهه: لم تشف غليلي؛ حدد قولك أكثر...

قلت له وظل الابتسامة يغرق وجهي: يا صديقي هذه النوعية هي إنتاج مرحلة حكم التردي المباركي؛ فقد كانت هذه النوعية كامنة كمون الفئران المذعورة في الجحور؛ وفور تضعضع مفصل الأمن الداخلي للدولة تحديدا خرجت معلنة عن وجودها في الفضاء الافتراضي بشهوة التعالم عبر ممارسة الكلام؛ وليتها تدرك انفصالها عن السياقات الصحيحة لقراءة الواقع المصري في متغيراته!

***** 

خطاب هذه النخب الفقيرة فكريا والتي أنتجتها مرحلة التردي المباركي في التعليم والتثقيف والممارسة لا يتجاوز التعميم في إطلاق الأحكام والعموميات في الأقوال؛ وممارسة خلط الأوراق لافتعال صناعة قضية يمارسون في سياقها اللطم والغمز واللمز؛ حيث لا يعجبهم العجب أو الصيام في رجب!!

قال لي وظل الابتسامة يتمدد إلى شدقيه :  زدني من فضلك دام فضلك!!

قلت له بجدية أكثر: بعيدا عن النخب العقدية المتأخونة، والماضوية المتسلفة، والإيديولوجية المتمذهبة سياسويا... التي فككنا بعض منظومات خطاباتها لكشف مستهدفها المضلل للأتباع والمريدين؛ فإن هذه النخب التي نكتب عنها في هذه التدوينة هي نخب لا تنتمي لأي من تلك النوعيات، ولم تمارس في حياتها العمل السياسوي تنظيميا؛ ولا تحكمها أو تتحكم بها عقيدة فكرية، ولا تجمعها روابط جماعاتية يمكن أن تطرح بديلا تنظيميا للأوضاع الراهنة التي تعيشها الدولة المصرية؛ والتي تبدو كذبا أنها ترفضها.

هذه النخب "الفيس بوكية والتويترية" في أغلبيتها وجدت في هذه الفضاءات الافتراضية ساحات لإشباع شهوة النضال بالكلام من أجل الكلام؛ ولا تساندها أية إطارات نظرية محكمة تتناسب وتحولات الواقع، وخصوصياته وجماع قدراته، ومدى أهلية قواه الاجتماعية للعمل السياسوي بالشروط العلموية، وأولها امتلاك الوعي بقدراتها وطاقاته لإحداث التغيير الاجتماعي.

بمعنى أكثر وضوحا إن هذه النخب تمارس نوعا من اللصوصية السياسوية، حيث تحاول سرقة الكتلة الجمعوية الجماهيرية لمصلحتها الذاتية بتزييف وعيها؛ وتقامر بمجموعها ظنا أنها تتحدث بلسانها وتعبر عن جموعها؛ فيما هي ذاتيا نخب غير ذات عمق فكري، ولا تمتلك الوعي الموضوعي ببدائل التنمية البديلة للمطروح من قبل الدولة راهنا. انها ترفض فقط من اجل الرفض.

***** 

إن هذه النخب الافتراضية الخطاب مهجوسة فقط بحقها في ممارسة الكلام، ولا أحد يحرمها من ممارسته في إطار الضبط القانوني المتعارف عليه حتى في أعتى الدول الموصوفة بالديقراطية؛ لكنها تصدع رؤوسنا بشعارات الديموقراطية وجعلها من الأوليات الراهنة التي تسبق أية أوليات اجتماعية أخرى من حق الجماهير، فهل تتفضل وتقول لجمهور الفضاء الافتراضي الذي تسمم حياته بخزعبلاتها واحتقاناتها القولية:

** هل قدمت تلك النخب "المكلمنجية" قبل أن تنتقد الواقع الراهن الذي يعاد فيه تأسيس مصر تحليلات شاملة راصدة للتجريف الذي أحدثته مرحلة مبارك في الزراعة والصناعة والتعليم والتنمية؛ ووضعت تصورات بديلة تعالج التشوه البنيوي الذي طال المجتمع المصرى في ظل هيمنة الرأسمالية الطفيلية التي توحشت في مرحلة مبارك؛ ومنها الرأسمالية الطفيلية العقدية السياسوية مثل الجماعة المتأخونة التي رسخت لقاعدة تسعة أعشار الرزق في التجارة؛ فتحول المجتمع المصري إلى مجتمع متعطل ومستورد لكل شيء ولم يعد يصنع شيئا.

** هل تدرك هذه النخب التعسة سياسويا معنى أهمية ما تقوم به الدولة المصرية من إنشاء مشروعات التنمية الجديدة؛ المتناسبة مع الهيمنة العولمية في الاقتصاد؛ لذلك تنشط بإنشاء الأقاليم الاقتصادوية التخصصية في الأثاث والجلود والأحجار غيرها، وما سيستجلبه إقليم قناة السويس من صناعات تخصصية جديدة في النقل واللوجيستيات والالكترونيات...إلخ

**  هل تتخلص هذه النخب من حالة العماء السياسوي تلك وتدرك ضرورات إنشاء شبكة الطرق والموانئ الشاملة للقطر المصري، وتأثير ذلك على حركة التنمية الجديدة الموضوعة والمستهدفة؛ لتعم مصر من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب؛ لتأهيل الوطن ليكون المعبر المؤهل لمرور صناعات العالم إلى العمق الأفريقي عبر الإطلالة على بحرين استراتيجيين وقناة عملاقة ونهر ممتد إلى العمق الأفريقي. 

** هل تعرف هذه النخب شيئا عن أدبيات العلوم الاقتصادية الخاصة بالتنمية العولمية؛ القائمة على الاستعانة بالتمويل الخارجي والشراكات الإنتاجية والاقتراض المحسوب في عدم وجود مقدرات ثروة خاصة بخامات المواد الأولية مثل النفط والغاز؛ حتى تتوقف تلك النخب الهامشية عن "اللكلكة" في الحديث عن موضوع الديون؛ وكأن مصر في زمانها الحديث كانت من دون ديون؛ وهي السمة المميزة لنمط الاقتصاد الرأسمالي المعاصر؛ فهل لا تعلم هذه النخب الهامشية حجم الدين الخارجي الأميركي؟

** هل تدرك هذه النخب الهامشية الفهوم معنى "فقه الضرورة" وكذلك "فن إدارة الأزمة"؛ الذي تتبعه المؤسسة الوطنية العسكرية المصرية في حماية مقدرات وقدرات مصر من الانهيار؛ لذلك تتدخل بجانب دورها الحمائي العسكري والتزامها الشامل الراقي والاحترافي للمساهمة - وهو أحد مهمات الجيوش الوطنية المعروفة-  في إدارة الأزمة الاقتصادية المستحكمة بفعل انضباطها وقدرتها الحاكمة في التنفيذ؛ بعد أن ترهلت الدولة المصرية في المرحلة المباركية وتخلصت من أعباء دورها التنموي لصالح طبقة الحكم الرأسمالية الطفيلية؛ وكانت هذه المؤسسة العسكرية الوطنية مدركة استراتيجيا للمأزق المجتمعي الذي تذهب إليه البلاد؛ فأنشأت مؤسساتها الصناعية والزراعية والتجارية لتؤمن احتياجاتها من المنظور الاستراتيجي؛ وبعد إزاحة الجماعة المتأخونة تدخلت لإدارة الأزمة الوطنية اقتصاديا بعد أن استحكمت حلقاتها على رقبة الوطن.

** هل تعرف هذه النخب الهامشية أن شركات القطاع العسكري ليست شركات جنرالات خاصة؛ ولكنها تمثل القطاع العام الثاني بهويته العسكرية، وأموالها هي أموال وطنية وليست خاصة للضباط وإن كانت ترتدي اللون الكاكي، فهي للشعب ومن أجل الشعب ويعمل بها أبناء الشعب من المجندين حسب اختصاصاتهم ولصالح الوطن؛ وفي الأغلب تتولى المؤسسة الوطنية العسكرية مهمة الإشراف على التنفيذ الذي تقوم به شركات عامة وخاصة؛ لضمان تطبيق معايير الجودة المفقودة بحكم استشراء الفساد في المجتمع المصري خلال المرحلة المباركية لمستويات غير مسبوقة. فهل تكف النخب الببغائية عن الحديث المكرور حول ما تردده في تلويث سمعة العسكرية المصرية الشريفة؟! 

** هل تتوقف هذه النخب عن الحديث المتهافت حول العاصمة الإدارية؛ وتدرك ارتباطها بشبكة الطرق العملاقة الجديدة؛ وأهمية الانتقال الملائم لمدينة إدارية جديدة تتناسب والمشروعات الاقتصادية العولمية الحديثة؛ حيث صارت القاهرة متخمة بكثافاتها، ومتردية المستوى نتيجة الإهمال واستحكام الفكر العشوائي في رقبتها خلال المرحلة المباركية. إن مصر الحديثة تحتاج عاصمة إدارية مغايرة تخرج من هيمنة الفهوم التقليدية؛ وتناسب نمط الدولة الحديثة؛ باقتصادها النوعي الجديد؛ وهذا ما تتولاه الدولة راهنا.

** وإذا كانت كلمة الديمقراطية هي الكلمة التي تمضغها هذه النخب طيلة الوقت وتعتبرها الحل السحري، وتظن أنها ستحل جميع المشكلات، فما القول في نموذج المجتمع الصيني الذي يحق له الهيمنة على الولايات المتحدة الأميركية إذا أعلنت الإفلاس بحجم المديونية المخيفة للصين الشعبية؛ هل السلطة يجري تداولها في الصين؟ وهل يتشدقون في بكين بكلمة الديموقراطية؟ هناك سلطة قوية وحزب متمكن، وشعب كله يعمل بعد تخلصه من المخدرات وضبط تعداده انجابيا بالحسم. 

** لذلك يا تلك النخب كيف يمارس الفقراء لعبة الديموقراطية وتبادل الجلوس على كرسي السلطة وهم في حالة فقر مزر في فرص العمل وغيبوبة ضياع الضوابط الحاكمة للفعل الفردي والجماعي؟ وكيف يمارس غير المتعلمين ومن لا يعرفون القراءة والكتابة لعبة الديموقراطية، وتوجيه الأصوات قبل وضعها في صناديق الانتخابات مع معدلات الأمية الألفبائية والثقافوية والسياسوية العالية المستويات.  

 ***** 

إن هذه النخب الفقيرة فكريا هي في حقيقتها تمثل منتج مناخات المرحلة المباركية بتهافتها وسطحيتها، ولأنها نشأت في بيئة مجتمعية لا تعرف العمل المنتج ولا تقدس قيمته؛ لأن الحكم المباركي لم يقدم أي نموذج تنموي حقيقي أكثر من شراء البضاعة الرديئة؛ لذلك تعلن هذه النخب تبرمها من حركة العمران الأساس التي يجري إنشاؤها في مصر راهنا بمستويات كبيرة؛ وتشيع أجواء سوداوية بحكم سوداوية التربية المجتمعية التي أحاطت بها لقرابة العقود الأربعة المباركية الماضية.

***** 

لذلك فإن هذه النخب تستحق أن نطلق عليها توصيف مناضلي الفضاء الافتراضي عبر "فيس بوك" و"تويتر" لتبيان مدى تهويمهم الفكري بتفاهاتهم في المسألة المصرية؛ من أجل الفوز بأكبر عدد من اللايكات؛ يتفاخرون بها في جلساتهم على مقاعد المقاهي، حيث تتبخر مع الدخان في اجتماعات تدخين الشيشة. أما صديقي الذي سألني حول هذه الفئة من المناضلين الناقمين في العالم الافتراضي فقد هب واقفا ومبتسما باتجاه احد مقاهي المناضلين، لعله يحظى ببعض جلسات تبخر الكلام مع الدخان.


                                                 "رأفت السويركي"