تفكيك العقل النخبوي العربي المتأدلج المضاد للدولة المصرية ( 65)
قد يكونون إذا زاروها غنائم وجواري متعة... لو تمكنت منها "داعش"!!
--------------------------------------------------
--------------------------------------------------
روح ومسلك الاخوة والأصالة تجمع مصر بالأشقاء الخليجيين دوما.
أصدقائي من النُخَب العربية كثيرون؛ منهم الخليجي واللبناني والسوري والعراقي والتونسي والمغربي... إلخ؛ جمعتنا على مدى السنوات إما صداقة علم أو عمل أو معرفة وإبداع.
وقد دربت بدأب عميق ذاتي على عدم الاختلاف المتعنت في قضايا السياسة والدين والثقافة مع أي منهم؛ ونهجت مسلك الإنصات المُدْرِك لكل كلماتهم؛ بهدف قراءة الدوافع والثوابت التي تنبني خطاباتهم وفق قوانينها، سعياً لمعرفة حدود مساحاتهم، وإطارات سياقاتهم.
إن دَرَبَة ممارسة فنون تفكيك العقل، وإدراك مقصودات الخطابات تجعلك تنزع ذاتك من أية قضية خلافية؛ لكي تصل إلى حكم متوازن وصائب لدى الاختلاف الناشئ عن تعارض المواقف. لذلك فإن الفعل البدهي الأول الذي تفرضه على ذاتك هو: أن تضع نفسك في موقف من يُحاوِرُك؛ لتعرف دافعيته في المواقف؛ وتتبين مدى الصواب والخطأ اللذين يتحكمان في مواقفه. وقد ساعدتني هذه المنهجية التكتيكية، على إدراك ما كان يمكن أن يحكم على مواقفي من الآخرين بفقدان الموضوعية أو تحققها.
أسوق هذه المقدمة مُدخلاً لتدوينة أتمنى ألا تكون انطباعية من منظور الأصدقاء المختلفين معي والذين أحترمهم؛ وأقدرهم... حين أقف من مواقفهم الخاصة بالمسألة المصرية على مستوى النقيض عبر المنظور السياسوي الراهن، وما يتعلق بالدولة المصرية ومؤسستها العسكرية الوطنية؛ وقيادتها المتمثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي.
*****
على صعيد الفضاء الأزرق الافتراضي "فيس بوك" و"تويتر" شهد جداري العديد من المداخلات الحادة جداً من قبل بعض الأصدقاء الافتراضيين؛ والتي وصلت إلى حد اتهامهم المتهافت ضدي بـ"عبادة" الحذاء العسكري أو ما يصفونه "البيادة"، والانتماء إلى فكر الانقلاب، والدفاع الظالم عنه كما يدَّعون؛ ووقوفي في المعسكر السيسوي تحديداً؛ وممارسة إشهار العداء تجاه التيارات العقدية المتأخونة، والماضوية المتسلفة والمتمذهبين طوائفيا؛ وكذلك مواقف العديد من الأصدقاء المتأدلجين والمتمذهبين سياسوياً من عُبَّاد النظرية. وكل هذه النوعيات من الفرق السياسوية لم تعد الرؤية النقدية فكرياً تتحكم في قناعاتها؛ فظلوا أسرى نمط ما يوصف بعبادة عقائدهم الإيديولوجية والسياسوية.
وقد لفت اهتمامي بعد ممارسة التفكيك لخطابات هذه الفرق المتباينة ومداخلاتهم أن العديد منهم - وبالتحديد ممن يعيشون في جناح الخريطة العربية والإسلامية الجغرافي بدول الشمال الأفريقي بالمغرب؛ المنطقة التي أعتبرها راهناً باعتزاز مَفْرَخَة العقول التنويرية في الأمة - أجدهم ينتمون باطنياً إلى التنظيم المتأخون قلباً وقالباَ؛ حتى وإن لم يكن للجماعة وجود رسمي مُعلن في بلدانهم؛ لكنهم يرفضون من فرط عشقهم للجماعة المتأخونة أن تتحدث بسوء عن التنظيم سيء السمعة لدى الجموع إلا بما اعتادوا على معرفته لأنه ذات قدسية لديهم؛ ويغضبون حين تتعرض لبعض عناصره بأية ملاحظات موضوعية وكاشفة لمخادعاتهم المقامة على نهج التقية السياسوية والعقدية المذهبية.
وكما اتسع الفضاء الافتراضي لكل المداخلات؛ فإنني أتركها محفورة على جداري من دون ممارسة التبرم، أو الغضب والمبادرة لإزالة مداخلاتهم كما يفعل البعض. إن ترك كتاباتهم كما هي والتعقيب عليها يتيح الفرصة لمن يتابع الحوارات لتبيان وجهات النظر، وإدراك قوة الحجج لتحديد المواقف الحاكمة. وبالعودة إلى جداري سيجد من يشاء كل المناقشات كما هي، لأنها كانت ابنة اللحظة وينبغي أن تحتفظ بذلك.
*****
جهاز الفعالية الذي يخوض معركة التنمية المصرية المفتقدة منذ عقود، لذلك يكرهه العقديون والمتادلجون.
إن العديد من الأصدقاء الذين تداخلوا مع تدويناتي؛ وهم من أعضاء أو عُشَّاق الجماعة المتأخونة تحديداً كانوا يهربون من تفنيد الحجج التي تم سوقها خلال النقاشات؛ ويكتفون بتكرار مفردات وعبارات أجهزة الجماعة الإعلاموية حول ما يسمونه تهافتاً الانقلاب وحكم العسكر، ومذبحة رابعة؛ ووهم شرعية الرئيس الإخواني محمد مرسي الذي ركب وتنظيمه الكرسي المصري في غفلة من الزمن؛ وكلها اصطلاحات فاسدة؛ جرى تفكيكها وهدمها بعد كشف تهافتها وكذبها؛ ولم يَسُقْ أيٌّ من الأصدقاء ما يهدم النتائج التي دعمت الموقفية السياسوية والفكرية المضادة للمتأخونين والماضويين المتسلفين.
وأيضاً... إنَّ من الناشطين في التضاد للمسألة المصرية من هم خلاف المنتمين للفكر المتأخون والماضوي؛ وتجدهم يمارسون بإلحاح تكرار الخطاب نفسه بفجاجة مطلقة؛ وتكتشف بتحليل المضمون لجدرانهم على "فيس بوك" و"تويتر" أن المسألة المصرية تشغل الحيِّز الأعرض من هذه الجدران.
وحين تتبين الدافعية المحركة لمواقف هؤلاء الناشطين، ستعرف أنها لا تنبع إلاَّ من قناعات نظرية تقليدية؛ انتهى زمانها السياسوي بسقوط الاتحاد السوفياتي، والتضخم المفرط في نمط رأسمالية الدولة في الصين الشعبية؛ لكن هذه النخب تبدو مشابهة للأنماط العقدية؛ يجترون ما حفظوه من نظريات؛ ولم يقوموا بإعادة النظر التجديدية في تلك النظريات الكلاسيكية، والتي أصابتها الشيخوخة ودخلت حالة الهرم الفكري.
إن هؤلاء الناشطين والناشطات يطلقون الخطاب ذاته واصطلاحاته حول الانقلاب وحكم العسكر؛ وتعجب مما يرددونه بإفراط عن القمع وغياب الديموقراطية في إدارة الدولة المصرية؛ ويضخمون إلى حد الافتعال الحديث عما يعتبرونه فشل إدارة الدولة في الحقول الاقتصادية.
ولعل هذه الحالة تعبر عن أمنياتهم وما يتمنون للدولة المصرية؛ فهم يقررون تلك الأحكام المعممة من دون موضوعية، بعشوائية انطباعية غير مقامة على معلومات اقتصادوية موثوقة؛ أو عبر سلوك تجاهل التوظيف الصحيح لمنهجهم؛ والذي يفترض أنهم نشأوا على تفعيله؛ للقيام بعملية تحليل الواقع بعلمية عبر تشكلات وتطورات قواه الاجتماعية، وقوانين الفعل السياسوي؛ ويتناسون ما طال النظام الدولي من تطورات عولمية، ذاهبة إلى مزيد من التمركز الرأسمالي المفكِّك لدول العالم وتجمعاته التنظيمية السياسوية؛ والمحيط أيضا بما كانت تسمى دول المعسكر الاشتراكي ودول رأسمالية الدولة.
*****
إن هذه الشريحة من النخب المتأدلجة لا تقوم في الفضاء الافتراضي بإبراز مهاراتها في التحليل الفكري؛ لما تنشر مقولاته القيمية قدر ما تتحول إلى طائفة نخبوية تمارس رفاهية الصراخ والصياح الانتقادي التشهيري الذي لا يخرج عن ممارسة ما يُشابه ضجيج العامة المفتعل بفعل فاعل.
والظاهرة الجديرة بالملاحظة هو مدى توافق واتفاق المتأخونين والماضويين بكل رجعيتهم السياسوية وتلك النخب المتأدلجة في الخطاب؛ من دون تمايز؛ حيث - على الرغم من تناقضهم الجوهري - تجمعهم الكراهية للعسكرية الوطنية المصرية؛ ويشهرون حقداً مُضاداً لوطنية الرئيس عبد الفتاح السيسي لا حدود لحجمه؛ ويواصلون التقليل من جهد ومعنى إقامة البنية الأساسية الجديدة في الدولة المصرية؛ وسياسة الأقاليم الصناعية التخصصية في كافة المحافظات المصرية.
*****
والظاهرة البارزة، هي إعلان العداء المطلق، والانتقاد غير الموضوعي من هذه النخب العربية المتأدلجة رجالاً ونساءً لمجمل أفعال الدولة المصرية وجيشها ورئيسها بسبب الإشراف على مشروعات التنمية والتحديث الجارية بكل أعبائها، والتضحيات الاصطبارية التي يقدمها الشعب المصري من أجل الخروج من عنق الزجاجة الاقتصادوية؛ ثقةً في انتظار تحقق الوعود بالرخاء، ومعالجة المشكلات البنيوية الخاصة بالبطالة والصحة والتعليم.
إن تركيز هذه النوعيات النخبوية على خصوصيات المسألة المصرية بإفراط مفتعل لا يُخلِّف لدى المتلقي المُراقب والدارس لخطاباتها سوى الشكوك بطبيعة الدوافع والشبهات المحيطة بها؛ إذ كان ينبغي لهذه النخب العربية أن تُمارس التفكير بنضج الرؤية للمسألة المصرية من خارج الصندوق؛ وتتذكر مبررات حضور الدولة المصرية ومؤسستها العسكرية الوطنية الراهن حسب الضرورة؛ لأن هذه النخب المتأدلجة سياسوياً لا تعيش حجم معاناة المصريين النوعية؛ والتي يتحملونها بقبول وطني الشعور؛ لتكون انطباعات تلك النخب وأحكامها موضوعية، وليست أقرب إلى انفعالات مرحلة المراهقة العشوائية؛ كما تبدو مسلكياتها.
*****
إن العقل التفكيكي العِلماوي الذي يدرس كافة ملابسات المسألة المصرية؛ يخرج من عملية التفكيك بضرورة الدفاع عن "حضور الضرورة" للمؤسسة الوطنية العسكرية المصرية راهناً في بلد احتلتْ خلال الحكم المباركي مراتب متقدمة وغير مسبوقة من الفساد، والإفقار والإهدار، وقد تسرطَّنت خلال تلك المرحلة تكوينات الرأسمالية الطفيلية المصرية بشقّيها البيروقراطي والعقدي المتأخون؛ لتهيمن على الدولة المصرية بالمطلق؛ وتدمر قدراتها التصنيعية والاستزراعية، وتحل بدلاً عنها أنشطة "الاستيراد" للسلع الرديئة؛ متكئة عقدياً للمنطوق الشائع في زمان روايته بأن "تسعة أعشار الرزق في التجارة"؛ وليس في التصنيع والاستزراع كما تفعل الأمم الكبيرة والحية. لأن العرب وقتها لم تكن تستزرع أو تستصنع؛ ولكن تقوم فقط برحلتي الشتاء والصيف لاستجلاب احتياجاتها والتجارة فيها فتحقق الرزق المقصود!!
*****
وتجاه تهافت خطاب هذه النوعيات النخبوية العربية؛ رجالاً ونساءً؛ يطرح العقل التفكيكي أسئلة جوهرية من نوعية:
** لو لم يتحرك الجيش الوطني المصري، ويعيد ضبط الأمور في الدولة المصرية بعد انفلاتات يناير الفوضوية المشبوهة والمصطنعة؛ هل كان سيتوفر الأمن والأمان الذي يتيح لتلك النخب المؤدلجة وهي تزور مصر دوما... أن تواصل سياحتها الترفيهية وإقامتها السكنية المستقرة في هذه البلاد المطمئنة بحفظ الله؟!
** لو تقاعس الجيش الوطني المصري عن التحرك لإنقاذ مصر من مشروعات التفكك الماسونية الصهيونية المشابهة لما حدث في ليبيا والعراق بمخاطرها الأمنية... هل كانت هذه النخب الثرثارة ستملك ترف السفر إلى مصر والسُكني في أية مدينة بها تختارها من دون أية مخاطر جمة مماثلة لما حدث في دول "الانتكاب العربي" المزيف باسم "الربيع العربي"؛ والتي لم يعد سكانُها أنفسهم يأمنون على حياتهم؟!
** لو تمكنت فرق الضلالة العقدية المصطنعة، من المتأخونين والماضويين المتسلفين والهمجيين الداعشيين من الإمساك برقبة السلطة في المجتمع المصري؛ هل كانت نسوة النخب العربية... يمكن أن تُفلت من الوقوع ضحية تطبيقات زواج "ملك اليمين" و"السبايا" و"نكاح الجهاد"؟!
** لو استكمل السيناريو الأميركي فصوله بتمكين الجماعات العقدية سياسوياً من حكم مصر لا قدَّر الله؛ هل كانت أية امرأة أو فتاة مصرية أو من نساء هذه النخب العربية المتشدِّقة بالنضالية الورقية يمكنها النزول إلى الأرض المصرية حسب التعبير العقدي متبرجة؛ وكاشفة الشعر ولا ترتدي النقاب؟ لو فعلت ذلك لأقيمت عليها الحدود كما يحدث في البلدان المنتكبة بهذه الفرق الضالة؛ حيث تمارس الجلد والرجم وقطع اليد والإطاحة بالرقاب؟!
** لو لم يتحرك المواطن العسكري المصري عبد الفتاح السيسي الذي قدمته المؤسسة العسكرية بذكاء تكتيكي للقيادة في وجود التنظيم المتأخون؛ ويتحمل مسؤولية أمن مستقبل وجود مصر؛ هل كانت مصر ستبقى وجوداً أم يتحول لا قدر الله الـ 90 مليوناً طعاماً لقروش وحيتان وتماسيح البحار والأنهار هرباً من الأوضاع المخيفة؛ فهل كانت النخب السياحوية المتشدِّقة بالكلام المتهافت ستمتلك حرية الوصول بالطائرات إلى "مصر المحروسة" وممارسة الحياة الطليقة وسط أهلها كما فعلت ولا تزال تفعل بأمان واطمئنان!!
الموءسسة العسكرية تقوم بإعادة تأسيس البنية التحتية بدأب والرئيس المتأخون يحضر تدشين هذا المشروع،
لذلك كانوا يستريحون لدور القوات المسلحة والآن يكرهون دوره الذي لم يتغير لانهم خلعوا من السلطة.
** منذ تخلت البيروقراطية بالمناخ المباركي عن تفعيل ودعم نظام القطاع العام الذي دعم الدولة في مواجهة التحديات الوجودية فقدت مصر قدرتها البنيوية؛ واندرجت في قوائم الاستدانة وتلقي المعونات والمنح المالية؛ لذلك تدخلت المؤسسة العسكرية بالقطاع الانتاجي الحربي الشامل والمناظر للقطاع العام؛ ليتولى إنجاز والإشراف على معظم مشروعات البنية الأساسية الضرورية، بانضباط العسكرية في الإشراف على الشركات الوطنية العامة والخاصة التي تتولى تنفيذ هذه المشروعات.
فلماذا تُعلن هذه النخب المرفهة استياءَها من حضور جيشنا الوطني المصري بقوته لدعم الدولة في مرحلة التحدي الاقتصادوي بـ "منطق الضرورة"؛ ولماذا تواصل الترويج لمقولة أن مهمة الجيوش حربية فقط؛ والمريب أن هذه النخب لا تعي القاعدة بأن الجيوش كلها مهما كانت هويتها تتدخل في أوطانها لتساهم في إدارة الأزمات؛ لأن فنون إدارة الأزمات من فروع العلوم الاستراتيجية؛ والقطاع الانتاجي العسكري ليس مملوكاً للضباط الجنرالات والجنود المصريين.
الاعلام المتأخون كما يمارس أكاذيبه في العقيدة يمارسها في الحياة، والصورتان تكشفان الاحتيال. فالرئيس المعزول يقبل رأس بعض المتاخونين، وفِي الصورة الثانية ينسبون كذبا صورتين من دول آسيوية للجيش والشرطة المصريبن، وملابس الجنود والافراد لا تدل على انتساب الصورتين الى الجيش المصري الوطني أو الشرطة..
لذلك يبقى التساؤل وجوبياً لماذا إذن تقف تلك النخب المؤدلجة والمرفهة موقف العداء المرضي من هذا الجيش العظيم؟ الأسئلة عديدة؛ والإجابة عليها تفكيكياً يسيرة؛ وتكشف مدى عشوائية العديد من النخب ذات التوجهات المتأدلجة والتي تلتحق موضوعياً بالنخب العقدية المتأخونة والماضوية المتسلفة؛ ويجمعهم الشعور السياسوي بالكراهية للدولة المصرية المتماسكة ومؤسستها العسكرية الوطنية القوية؛ والتي حطمت تنفيذ حِلم دولة الوهم المتخيلة المسماة "دولة الخلافة"؛ وحِلم دولة الإيديولوجيا الطبقية المتخيلة والغائبة كذلك في بطن المستحيل السياسوي!!
*****
إذا كانت نخب العقل العقدي المتأخون والماضوي المتسلف تسلك هذا الموقف المضاد بفجاجة بسبب تبدد حلم الدولة الدينية؛ فهل تدرك نخب العقل المتأدلج بالنظرية وبيع تعبيرات الديموقراطية أنهم إذا زاروا مصر لو كانت تمكنت منها "داعش" لا قدر الله فقد يكونون غنائم وجواري متعة...!!
" رأفت السويركي"
--------------------------------------------------