تفكيك العقل النخبوي الإعلاموي المتأدلج ( 67)
"الأسئلة الحرجة"... هل يعلم عمار علي حسن أنها "آثمة"!!
--------------------------------------------
--------------------------------------------
هكذا تناقلت المواقع مقالة عمار علي حسن للتعريض بالدولة المصرية، والصور كلها من شبكة الانترنيت.
اشتعلت المواقع الإخبارية الالكترونية التي تحركها الجماعة المتأخونة في تناغم مع بعض صفحات التجمعات المتأدلجة وهي تتناقل مقالة للكاتب الدكتور عمار على حسن نشرها على جداره في "فيس بوك" بعنوان: «إلى الرئيس... أسئلة "حرجة" عن تيران وصنافير» في إطار الحملات المحمومة التي تصطنعها بعض النخب تعبيراً عن عجز وجودها الحركي في الواقع المصري الراهن؛ فاكتفت بالعودة وفق عادتها إلى ممارسة مسلكيتها القديمة بإمساك "الدفوف والطبول والصاجات وهات يا رزع" كما يقول المصريون.
*****
وتواكباً مع استشراء هذه الظاهرة الافتعالية النخبوية فإن مقالة عمار على حسن تصلح موضوعا لممارسة الفعل التفكيكي؛ باعتبارها نموذجاً دالاً على تردي وتهافت منطق وآليات إنتاج خطاب نماذج تنتسب للعقل النخبوي المتأدلج.
وهنا ينبغي القول بأنني لا أنطلق راهنا من فرضية إثبات مصرية أم سعودية جزيرتي "تيران " وصنافير"؛ لعدم الامتلاك الشخصي المتيقن لأية وثائق مقننة تدعم الموقف المنحاز لطرف التناقض مع الدولة المصرية بأجهزتها المختلفة؛ والتي أثق أنها لا يمكن أن تخون ثوابتها الوطنية، بيقظة جيشها الذي تاريخيا لا يخون أرضه وعرضه، عكس ما فعلته الجماعة المتأخونة حين تمكنت بفعل فاعل من حكم مصر قبل عزل محمد مرسي.
*****
مقالة عمار علي حسن التي نشرها على جداره في فيس بوك
لذلك فهذه الكتابة ستعمل في إطار مشروعها التفكيكي الدؤوب على كشف عوار ومحركات خطاب العقل النخبوي؛ مكمن الخيبات في المسألة الوطنية الراهنة... ونشرع في البدء:
ذكر الدكتور عمار على حسن أن مقالته تطرح أسئلة وصفها بالـ "حرجة"، ووضع الكلمة بين علامتي تنصيص؛ ولم يُدْرِك الدكتور الأديب صاحب الدراسات السياسوية والروايات أن (مادة حَرَج في "لسان العرب" - وسواه من المعاجم اللغوية العربية – هي في أحد حقول استخدامها: "الإِثمُ"؛ والحارجُ: الآثم؛ قال ابن سيده: أُراه على النسب، لأَنه لا فعل له). ليضع بذلك الكاتب عمار علي أسئلته كلها بجدارة من دون إدراك المعنى في هذا المربع اللغوي؛ وهذا ما ستكشفه عملية التفكيك التالية:
صورة لترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية.
• أولاً: كشف الكاتب للوهلة الأولى مقصده من الكتابة بطريقة دالة على فقدانه الاحترافية؛ إذ سقط في المباشرة التي يقع فيها الكاتب المبتدئ غير الاختصاصي؛ حين اعترف من بداية الكتابة أنه لم ينتخب الرئيس السيسي وطالب بعدم ترشحه "أصلاً". وحبذا - فنيا - لو كان أضمر هذا النزوع ولم يعلنه في المقدمة ليستدرج القارئ المحايد؛ ولكنه ورَّط نفسه بذكر ذلك، متوهما أن ما سيرصفه لاحقاً سيكشف عبقريته السياسوية التي توهم أنها ستثبت صواب قراره الرافض للرئيس السيسي؛ فيما ظهرت فعالية السيسي في الواقع المصري مخيبة لأمنيات تلك النوعية من النخب!
• افترض عمار علي حسن أن أسئلته "الحرجة" أي "الآثمة" لغوياً تمثل: "ما يدور في أذهان المصريين الآن، حتى بمن فيهم، من ساقوهم إلى الموافقة داخل "مجلس النواب" وكذلك من ينتمون إلى الأبواق الإعلامية التي مهدت ودافعت وبررت ومارست أقصى درجات "الخطيئة السياسية". وفي ذلك تعميم قيمي في الحكم أبعد ما يكون عن النهج العلمي يقع فيه الكاتب ويستند إلى قائمة أمنياته العاطفية.
• ويقع الدكتور عمار في شِراك التعميم المفرط حين يعتبر أن من يُسيِّرون أمور الدولة المصرية "يُعانون من أمُية سياسية فادحة وفاضحة"... هل هكذا بالإطلاق يصنف جميع من هم في أقنية السلطة المصرية بأجهزتها العميقة التي تضم نخبا تخصصية في المعلوماتية والاستراتيجية والاستخباراتية بأنهم أميين؛ فيما هبطت عليه رسالة الحكمة شخصياً بالمعرفة السياسوية التي يطرح عبرها أسئلته "الحرجة" أي "الآثمة" والدالة على تهافت منطقه الكتاباتي!!
• يَدُسُّ الكاتب عمار على حسن حين يوجه التساؤل للرئيس السيسي:" هل انفردت كعادتك بالقرار ووقعت اتفاقاً سرياً حول تيران وصنافير دون استشارة أحد، ثم أعلنت عن رغبتك فيما أسميته "إعادة" الجزيرتين إلى المملكة العربية السعودية..."؛ إنه يروج لصورة مُزيفة عن حقيقة إدارة الحُكم في مصر بأنه فردي ينفرد فيه الرئيس السيسي بالقرار المصيري؛ وكان ينبغي على الكاتب أن يتذكر وهو يعرف دور المؤسسات السيادية العميقة في دعم القرار الرئاسي!
اجتماع الرئيس السيسي الذي حضرته قيادات الدولة
ومؤسساتها السيادية وكذلك الدكتور مفيد شهاب.
• ثم يواصل عمار علي حسن التهافت بالتعريض الأخلاقي والإساءة لشخصيات وطنية تفوقه في قَدْرِها العلمي التخصصي وخبراتها السياسوية والقانونية مثل الأستاذ الدكتور مفيد شهاب؛ إذ ذكره بقوله:"... في الاجتماع الشهير الذي عقدته مع شخصيات قريبة من السلطة وأذيع على الهواء، وأحضرت فيه الدكتور مفيد شهاب ليبرر ما وافقت عليه من وراء الجميع؟"؛ فهل يجهل الكاتب أن مفيد شهاب هو أحد فرسان "ملف استرداد طابا"؟، وأن إشكالية الجزيرتين مماثلة في الموضوع لقضية طابا؛ ما يعني اللجوء الرسمي من الدولة لذوي الخبرات الدقيقة في مثل تلك الملفات الخطيرة؛ وفضلا عن ذلك فإن الدكتور مفيد لا يمكن أن يبيع ضميره الوطني في قضايا الأرض.
• ويصل الكاتب عمار على حسن إلى أعلى درجات التهافت السياسوي بقوله: "... أم أن القوات المسلحة والمخابرات العامة والمخابرات الحربية كانت على علم بما يتم منذ اللحظة الأولى؟"؛ وهذا التعريض المنفلت يستهدف التشكيك في موقف مؤسسات وطنية شريفة مشهود لها بحرصها الوجودي على كل حبة رمل مصرية. لذلك ما كان ينبغي له الوقوع في هذا الزلل السياسوي الذي يشكك في ثابت الوطنية لهذه الأجهزة.
• ثم يبرز عمار ألمعيته الفذة بالتساؤل: هل التنازل عن تيران وصنافير مربوط حقاً باتفاق أشمل تدخل فيه إسرائيل، وترعاه أميركا، والهدف منه صناعة حدود بحرية بين السعودية و"إسرائيل" بما يوجب دخول المملكة طرفا في "اتفاقية السلام" المصرية ـ "الإسرائيلية"، أو فتح باب لتفاوض بين الرياض وتل أبيب؟ وهل لهذا علاقة بدخول إسرائيل في تحالف عربي تسنده واشنطن ضد إيران ومن معها؟"
ولا يدرك عمار بهذا القول أنه يعيد تكرار المفاهيم المشبوهة التي ينتجها العقل النخبوي لتبيان ألمعيته الكذوب عن سيناريوهات متخيلة ومفترضة بإدراج الرياض في "اتفاقية السلام" إياها؛ فما حاجة الرياض لذلك؟ بعد عقود من تكريس اتفاقية السادات التي صارت أمراً واقعاً لا يسبب أيَّ ألم أو توتر للدكتور عمار وكل النخب "المتثورنة" كذبا والمتاجرة بالكلام؟!
• هل حقاً وقع الكاتب "المتسيِّس" عمار على حسن في فخ أميركي قديم جديد بتصديق سيناريو تحويل "إيران" إلى "وحش شيعي افتراضي" يحتاج إلى صناعة "وحش افتراضي سني" مناظر تقوده تركيا؛ فلماذا لا يدرك عقلانيا أكذوبة هذا الافتعال المروج له بوجود تناقض أميركي إيراني؛ وتغذية ذلك استراتيجياً باختلاقه في الرؤوس والأذهان النخبوية المريضة لتصدقه وتشرع في تكريسه واقعيا؟!
والسؤال الذي ينبغي أن يجيب عنه عمار على حسن... من الذي يمنع "إسرائيل" من المرور عبر باب المندب، ومن خليج العقبة، وحتى قناة السويس بعد اتفاقية السادات، إلى ممر جديد سيكون محكوما أيضا بسلطة سيادة دولة أخرى طالما أنها تلتزم ببنود تلك الاتفاقية؛ بل وقد وافقت تجاوزا على التمركز العملياتي للجيش المصري في المنطقة "ج" بسيناء لمقاومة الإرهاب؟!
أهكذا يا دكتور أكاديمي في السياسة؛ تتغافل عن فعاليات القوات المسلحة المصرية وتتناسى قدراتها الاستراتيجية الفذة في البحر الأحمر بدءاَ من باب المندب؛ ومعنى تمركزها باتفاق المملكة في "جزيرة فرسان" أكبر جزر البحر الاحمر السعودية "دون قيد أو شرط للدفاع عن الأمن الوطني المصري إذا اقتضت الحاجة"؛ وأيضا يا دكتور تتجاهل معنى عبارة السيسي السابقة "مسافة السكة"؟!!
• ويبلغ التهافت الفكري مبلغه من التوهم بتساؤل الكاتب عمار على حسن المتداعي في قوله: " هل هناك علاقة بين موافقة إسرائيل على انتشار جيشنا في سيناء لمحاربة الإرهابيين... وبين قضية تيران وصنافير؟ وهل أدخلتنا إسرائيل في "حرب استنزاف" ضد الإرهابيين... لنقع تحت ضغط يفضي في النهاية إلى التنازل عن الجزيرتين؟".
ألهذا المستوى الفج يصل العقل النخبوي السياسوي في تسطيحه الأسئلة؟ فهل الإرهاب في سيناء الآخذ في الضمور يستهلك جهد كل جيشنا العملاق المصنف عاشرا عالمياً هكذا لكي يتنازل مُضطراً عن "تيران وصنافير" حتى يتخلص من دعم "إسرائيل" للإرهاب مقابلاً لذلك؟ أي تهافت فكري هذا... ألا يدرك الكاتب عمار علي حسن حجم الإنجاز العسكري الذي تحقق في تطويق الإرهاب الذي زرعته الجماعة المتأخونة في سيناء أم أن الغرض يشوش الرؤية لديه؟!
• لقد وصل الخيال لدى الكاتب عمار علي حسن مبلغه بتجاوز حقائق الجغرافيا الاستراتيجية والجيولوجيا والاقتصاد والسياسة، وقدم إليه الإيحاء باستخدام إسرائيل للجزيرتين في خدمة قناتها المروج لها بين خليج العقبة والبحر المتوسط؛ ويخشى الدكتور بذلك على مستقبل قناة السويس مع الغمز فيما أحدثه السيسي من تطوير للقناة والتغافل العمدي عن إدراك دلالات التخطيط الاستراتيجي القابض في البحر الأحمر بين مصر والمملكة السعودية والذي يتوجه إقامة الجسر العابر للجزيرتين بزخمه اللوجستي والاقتصادوي الهائل.
• ويجمح الخيال الفذ الفاسد لدى الكاتب عمار علي حسن أكثر عندما يقوم بربط الاستثمارات السعودية في أثيوبيا بموضوعة إقامة سد النهضة من أجل الضغط على القاهرة لترسيم الحدود البحرية بين البلدين وبالتالي ذهاب الجزيرتين إلى السعودية؛ متناسياً أن مخططات الترسيم البحري مستمرة بين الدولتين منذ سنوات قبل قدوم السيسي إلى كرسي الرئاسة؛ وفضلا عن ذلك فإن الرأسمال في مرحلة العولمة سواء الصيني والخليجي والأوروبي والصهيوني هو رأسمال فرداني متغلغل في أفريقيا القارة البكر لتعظيم الأرباح بعيدا عن حسابات التوظيف السياسوي الدولاتي.
• ويمارس عمار علي حسن كعادة النخب الدسيسة السياسوية بإعلان تيقنه أن المحكمة الدستورية المصرية ستقود إلى إجراء استفتاء شعبي على تبعية الجزيرتين ما يلغي شعبية الرئيس السيسي التي حسب تعبيره اليقيني" هبطت الآن إلى أدنى حد؟"
ويلعب الكاتب عمار علي حسن لعبة النخبة المزيفة الوعي مُدَّعياً عدم احترام السيسي للقضاء المصري بقوله:" وكيف تدعو الناس فيما بعد إلى احترام القانون بعد أن ضُرب بحكم المحكمة الإدارية العليا عرض الحائط؟". وهذا التوجه المضلل من عمار يأتي في الوقت الذي تتناقض فيه حالة الأبيض والأسود آراء وتحليلات جهابذة القانون حول طبيعة وتكييف الأحكام في هذه القضية ومدى اختصاصيتها بالنسبة للأمور السيادية.
• ويتعسر أيضا عمار علي حسن حين يحاول صناعة تصور تآمري يربط بين الدراسة التي قدمها السيسي في ختام دورة دراسية عسكرية خاضها في الولايات المتحدة الأميركية وردت بها دعوته إلى دمج الإخوان المسلمين وأمثالهم في الحياة السياسية المصرية... وبين موضوع تيران وصنافير؛ ليصل إلى صناعة افتراض فاسد بتشابه السيسي حين "التنازل عن الجزيرتين" مع تنازل الإخوان عن جزء من سيناء وضمه إلى قطاع غزة إهداراً لقيمة الأرض المصرية لدى المتأخونين؛ وهذا افتئات من الدكتور عمار ضد الرئيس المصري!!
• ويتردى التفكير لدى الكاتب عمار علي حسن بثقة مفرطة إلى المستوى الذي جعله يغوص في وحل التعريض بسمعة الجيش المصري وفق عبارته:" كيف سيجري بعد اليوم الحديث بين قادة الجيش وجنوده عن تقديس الأرض وأن التضحية بالنفس في سبيل حتى ولو حبة رمل واحدة واجب وطني؟" وكأن قيم هذا الجيش المصري الوطنية انتهت حسب ما يستهدفه ذلك الكاتب !!
• ثم يصل عمار علي حسن إلى مستهدفه، أو مربط الفرس، أو متمناه بقوله للرئيس عبد الفتاح السيسي: "هل تدرك الآن أن مصلحة هذا البلد تقضي أن تفسح الطريق لغيرك بعد أن ثبت لك أن المسألة أكبر مما تصورت،... هل يدفعك ضميرك إلى الاعتراف بأنك وصلت إلى نهاية الرحلة؟!!
إن الكاتب عمار علي حسن بذلك القول كعادة أقرانه من نخب الفشل السياسوي المصري يكذب على نفسه ويخدعها؛ ويتوهم ويتمنى أن يشعر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأنه فشل في مهمته؛ وأن الشعب سيقوم بتغييره في الانتخابات التالية؛ وكل ذلك يمثل دلاله على سذاجة هذه النخب المفاهيمية وسطحيتها السياسوية؛ وضحالتها الثقافية المفترض أن تكون عميقة.
*****
الكاتب عمار علي حسن بأسئلته "الآثمة" التي ظن أنها "حرجة" للرئيس عبد الفتاح السيسي يكشف بتفكيك خطابه المتداعي الذي روَّجته المواقع عن بؤس نخب "مقاهي السوشيال ميديا"؛ حين تجتمع في قطعان العالم الافتراضي؛ منبتة الصلة بالواقع وحركته؛ لتدعو إلى الفوضى المجتمعية؛ وتروج لتوهماتها السياسوية؛ وتصطنع بطولاتها الزائفة لعل وعسى تلتفت إليها السلطة... فتطلب خدماتها الساذجة!!
"رأفت السويركي"
---------------------------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق