هل فكرتم مرة أن تُحاوِروا ظِلَّكُم... لتعرِفوا من أنتم؟!!
---------------------------------------------


يحاور ظله والصورة من الانترنيت
 
كم يكون كريهاً ذلك الشخص الذي يتابعك مثل ظلك؛ كلنا نكره أن يلاحقنا أحد أينما حللنا؛ بل ونصفه بثقل الظل؛ أي ثقل الحضور؛ لأنه يعتدي على خصوصياتنا ولا يترك لنا لحظة الانفراد الذاتية من دون عيون تتلصص علينا... تتابعنا.

نقول: "ثقيل الظل"؛ فما معنى ذلك؛ وهل نسيء للظل بهذا الوصف العامر بشحنات سلبية؟ أم أن الظل برىء ويعاني ظلماً ترجمناه بلغتنا بالثقل؟

إننا ينبغي أن نعيد النظر تجاه مواقفنا من الظل؛ من ظلالنا؛ لأنها – ظلالنا – ظاهرة جامعة بين الجانب الفيزيائي والجانب المعنوي.

*****

الظل مساحةٌ مُعتمةٌ يشكلها اعتراض أجسامنا لمسار الضوء؛ أي أننا بدخولنا المادي حرم النور نتشكل نحن في عالم الضوء صورة؛ هي تعني وجودنا؛ فلماذا إذن نكره ظلالنا وهي الدالة على وجودنا؟!

تجربتي التأملية مع الظل لا تتوقف؛ وحقاً هي تجربة ممتعة؛ حين ممارسة التفكر في الدلالات الظلِّية؛ وأيضاً تفكيك معاني الظل وتشكلاته؛ ألم يدَّعِ المذكر المُغتر بذاته وثقل ظله في ثقافتنا العربية الذكورية على لسان الأنثى: "ظل رجل ولا ظل حائط"!!

تجربة التأمل في الظلال ممتعة. وقد ذكرني "فيس بوك" بكتابة سابقة لي حول ظلي الذي أعتز به. الكتابة كانت من نوع القصة القصيرة؛ وهذه دعوة شخصية لكم لمعرفة قصتي مع ظلي.

" رجل... يحاور ظله"!!
--------------------- 


وقف الرجل يحاور ظلَّه: لماذا تتبعني أينما حَللتْ؟ إذا جلستُ تلاشيتْ؛ وإذا مشيتُ تماديتَ طولاً... أم قِصَراً؛ كنت أمامي... أم خلفي؛ لماذا لا تبتعد عنِّي؟ أنتَ لست أنا... وأنا لست أنت.

قال الظلُّ للرجل متراقصاً: بل أنا أنت، وأنت... أنا؛ ولكي تعرف نفسك شاهدني؛ راقبني... إذا مشيت أمامك اعرفْ لماذا؛ وإذا كنت خلفَكَ تَسَاءلْ؛ وإذا ركضت تحت قدميك توقفْ... وتأملْ.

قال الرجل إلى ظله: هل أنا مجنونٌ لكي أحاور ظلي؟... أكُلِّم وهماً... اسوداداً يتبعني على الأرض، أو يتحرك فوق جدارْ ؟

رَقَصَ الظلُّ معاوداً استفزاز الرجل: تخيل نَفْسَكَ من دون وجودي حين تمشي، أو تجلس، أو تركض، أو ترقد... هل تعرف يا رجل معنى رَجُلٍ من دون ظل؟

باغت السؤالُ الرجلَ، فبدا وكأن ظلَّهُ بالمنطق أفحمه... كيف أنه لمْ يُفكر يوماً في معنى أن يفقد ظله؟

*****

حكَّ الرجلُ رأسه؛ فحكَّ الظلُّ رأسه في الوقت ذاته. انتفخ الرجلُ غروراً وقال في خُيلاء: إنه يتبعني... إنه ظلي؛ يلازمني، لا يفعل خلافَ ما أفعل... أنا الذي أحكمُ عليه بالحركة والجمود؛ الحياة أو الموت... إنني ضرورته!

سَخِرَ الظلُّ من رَجُلِهِ قائلاً: مهلاً ... مهلاً يا ظلّي، أنا الأصلُ وأنتً الصورة ... أنا الحقيقة وأنت التَّجسد؛ أنا الماهيةُ وأنت الكينونة... فلا تنسَ نَفْسَك.

فَغَرَ الرجلُ فاه؛ كيف لظلِّه أن يُجادِله بهكذا رعونةٍ واستفزاز؛ وبهكذا قلباً للمعروفِ والمألوفِ والممكن؟!

قال الظلُّ إلى رجله: إذا وقفت وظلُّك أمامك؛ فهذا يعني أنك "مفضوحٌ" ومكشوفٌ؛ وإذا وقفتَ وظلُّك خلفك فهذا يعني أنك مشهورٌ ومعروف؛ وإذا وقفتَ وظلُّك تحت قدميك؛ فهذا يعني أنَّكَ مطموسٌ ومخسوف؛ وإذا مشيتَ ولم تجد ظلَّكَ فاعلم أن ظلَّكَ مخطوفٌ ... التهمه ظلٌّ آخر... أكبر!

*****

"نقطة الصفر"؛ أننا لا نُفكِّر في ظلالِنا؛ لا نُحاوِلُ معرفَتَها، لكي نعرف أنْفُسَنَا في حَقِيْقَتِها!

                     "رأفت السويركي"      

 ---------------------------------------------------