تفكيك العقل النخبوي السياسوي المتأدلج (26)
تفكيك قضية الجزيرتين؛ الوطن أكذوبة... لاتصدقوهم!!
----------------------------------------
----------------------------------------
تيران وصنافير بين السعودية والمصرية
مقدمة يفرضها المقام:--------------------
هذه التدوينة أعاد "فيس بوك" تذكيري بها لأنني مارست عبرها تفكيك خطاب النخبة المتادلجة في إطار سلسلة تفكيك خطاب العقل النخبوي؛ بغرض كشف تهافت هذا العقل وافتقداه قدرات التحليل العلموي الصحيح؛ وهنا اعيد نشرها:
أحجمت عن الدخول في ساحة الجدل؛ حول قضية جزيرتي تيران وصنافير اللتين أعلن عن سعوديتهما خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى مصر، تلك الزيارة التي أحدثت ما يشبه الزلزال السياسي داخليا في مصر؛ بما ترتب عليها من نتائج سياسية واقتصادية؛ ولوجستية وإعلامية.
وباستخدام منهج (التفكير من خارج الصندوق )؛ الذي يعزل دارس الموضوع محل الجدل عن الانتماء للقضية محل النقاش؛ سعيا للوصول إلى فهم صحيح؛ باعتماد العقلانية يبدو ذلك الموضوع مثارا للتساؤل حين تفكيك العلاقة بين الخطاب ومنتجه؛ أي مدى صدقية القائل في الشعار الذي يرفعه؛ هل هو صادق... أم إنسان كذوب ومضلل، وصاحب غرض.
*****
المتأدلوجون يمارسون شعاراتهم المتهافتة
لا أقصد أحدا من سرد الأمثلة السابقة، ولكنني أذكرها على سبيل المثال؛ لنسف مصداقية خطاب من أثاروا الزوابع طيلة الفترة الماضية في موضوع الجزيرتين، رافعين لافتة " أرض الوطن"؛ وشعار {عواد باع أرضه؛ } واستغلال ذلك في إطار مشروع هدم "الدولة المصرية"؛ ذلك المشروع الذي لا تتوقف حلقاته عن التواصل منذ نكبة ما سمي "الربيع العربي" ؛ والذي تحدد هدفه الاستراتيجي في هدم منظومة الدولة الوطنية ؛ لاحلال منهج " تقسيم المقسم؛ وتفكيك المفكك؛ وتفتيت المفتت"وإبداله بمشروع الأقاليم أو الكانتونات المذهبية والعرقية المحيطة بكانتون ما يسمى " الدولة اليهودية لتصير قلبا لتلك المنطقة المفككة الى "زقاقات" سنية وشيعية وعلوية وكردية ومارونية ومسيحية كاثولوكية أو بروتستانتية؛ على أنقاض الدولة الوطنية العربية بسياقها الضابط للتكوينات العرقية والمذهبية داخلها.
إن حمى مشروع ما سمي " الربيع العربي؛ قامت بفيرسة – من الفيروس- المكونات الداخلية في كل دولة؛ عبر التسييس لتلك التكوينات الطائفية؛ تمهيدا لإعادة إحياء الهوية المسكوت عنها لتلك التكوينات والتي ستتفكك بفعل الصراع الأهلي المفتعل لاحقا؛ اعتمادا على وجود الجذور البنيوية المبنية تاريخيا وفق مشروع الدمج العقدي الذي حققته الهوية الاسلامية الجامعة لكل التكوينات العرقية قبل بدء نزول الرسالة.
*****
وفي ضوء هذه الحقائق؛ وسيناريوهات الأزمة المستمرة والمتغيرة، تبدو الدوافع المحركة لزوبعة جزيرتي تيران وصنافير جلية، لدى القيام بعملية تفكيك اشتعال خطاب النخب التي تضج بملكية الجزيرتين؛ مصرية أم سعودية، وهي القضية التي لا أدلي فيها برأي، لعدم امتلاكي أي دليل خاص بخلاف المنشور يدعم الموقف الذي قد أتبناه، غير أن هناك عناصر منطقية ينبغي التأكيد عليها:
**أن مؤسسة الجيش الوطني المصرية التي تحمي تراب مصر، لا يمكن تاريخيا أن تفرط في ذرة تراب واحدة من ملك مصر، وبالتالي فلا يجرؤ عبد الفتاح السيسي الذي تحكمه عقيدته العسكرية الوطنية؛ على التفريط في أرض مصر التي ربي على أن يموت بها فداء للوطن.
** إن معطيات الترسيم للمجال الحيوي للحدود البحرية؛ الذي أجري بفعل اللجان المختصة، لا يمكن أن تقبل بضياع جزيرتين استراتيجيتين من مصر؛ هما من تكوينها الجيوسياسي؛ ففريق التفاوض كان سيدرس متوقعات الترسيم قبل الجلوس للتفاوض، وسيبحث عن علاج مسبق ومنطقي للمشكلات الجيوسياسية التي تنشأ بخروج الجزيرتين من المجال الجغرافي الحيوي المصري.
** إن المؤسسة الوطنية العسكرية المصرية؛ التي أفسدت صفقة بيع 40 % من سيناء مقابل 8 مليارات دولار قبضها تنظيم ما يسمى "الاخوان المسلمين من أوباما ووقع عليها خيرت الشاطر " لإقامة "دولة غزة" البديل السياسي لفلسطين المحتلة، في إطار مشروع تنقية " الدولة اليهودية " من غير اليهود، لايمكن بأي حال من الأحوال أن تفرط في أرض مصرية الملكية.
** إن المؤسسة الوطنية العسكرية المصرية التي تضع نصب عينيها الدفاع عن مصرية حلايب وشلاتين والتي تمتلك كافة الوثائق الدالة على ذلك لا يمكن في الوقت ذاته أن تمنح جزيرتي تيران وصنافير إلى أية دولة أخرى مهما كانت المبررات والعائد الاقتصادي لذلك المنح؛ أو التفريط في الأرض، وهو ما يتنافى وعقيدة جيش " خير أجناد الأرض". فالجيش المصري قام وجوديا من أجل حماية الارض، ولا يمكن أن يبيعها لأنه ليس جيشا عقديا متسيسا يقايض قيمة الوطن جغرافيا بأموال كما فعل الإخوان في محاولة بيع جزء من سيناء خلال عام تمكينهم المشبوه.
*****
إذن فمن الجدير أن يؤخذ في الاعتبار دوافع العناصر التي ترفع الشعار الرافض لقرار تبعية الجزيرتين للمملكة العربية السعودية، وذلك لنسف ضرورة ذلك الشعار وكشف تهافته، وإدراك محركه في إطار اللعبة السياسية الرديئة؛ التي تنغمس في وحلها عناصر معينة؛ هي أبعد ما تكون عن الشعور الوطني الحقيقي؛ والتي لا تراعي "فقه الواقع" أو "وعي التاريخ".
فمن هم الذين يرفعون لافتة " عدم التفريط في الأرض" أو شعار " عوّاد باع
أرضه".
المتأدلجون والمتاخونون جمعهم عدم الاعتراف بالوطن
---------------------------------------------------
- وهذا الفريق تناسى أن مرشدهم قالها من قبل: " طظ في مصر؛ واللي في مصر؛ واللي جابو مصر"،أي لا قيمة لمصر الوطن لديه، وهو أيضا الفريق الذي قبض المليارات الثمانية من الولايات المتحدة الأميركية لبيع جزء من سيناء لإقامة "دولة غزة السنية"، في إطار مشروع الشرق الأوسط الجديد؛ بحميمية المعزول محمد مرسي المشهورة: "صديقي الوفي بيريز".
- إن هذا الفريق العقدي المتسيس؛ لا يعترف أصوليا بقيمة الوطن الجغرافية، والدليل الحاكم في ذلك هو أن تفكير "حسن البنّا" منشىء التنظيم؛ يقوم وفق المراجع " على أن الإسلام هو الذي يعين حدود الوطن وليست رقعة الأرض أو الإقليم".
- ولا يمكن التغافل عن مدلول اصطلاحي " دار الإسلام " و" دار الحرب"؛ اللذين يروجان في خطاب التيارات العقدية المتسيسة؛ فضلا عن أن الوطن في المفهوم الإخواني يتشكل من الثلاثية المقدسة " الاسلام والجماعة والتنظيم" بديلا للمفهوم المستقر لمعنى الوطن، من أجل إنجاز الحلم المتوهم بإعادة تحقيق " دولة الخلافة".
2- أما الفريق الثاني؛ فهو الفريق المؤدلج سياسيا والمعروف بمسمى "الاشتراكيون الثوريون".
----------------------------------------------------------
- وهذا الفريق في أغلبيته يتشكل من ذوي الحداثة العمرية، وهم يرفعون كذبا شعار " أرض الوطن" متناسين عمدا الحلم اليوتوبي لمفهوم الأممية والذي يمثل مستقبل تطور النظام الاشتراكي؛ بتفكيك نظام الدولة والسعي لإزالتها من الوجود، وبذلك لا قيمة لمفهوم الوطن جغرافيا، ومن هنا فهذا الفريق كما يبدو الآن هو في عداء مع مكونات الدولة وأجهزتها؛ مثل الشرطة والجيش الذي تصفه أدبياتهم بحكم العسكر.
- ويتغافل هذا الفريق المؤدلج أن محيط مشروعهم الايديولوجي المستقبلي المتخيل هو "كوكب الأرض" الذي يتسيده العمال؛ والذين حتميا سيحققون العدالة الاجتماعية؛ بانهاء وجود أرباب العمل؛ وإزاحة البرجوازية من طريقهم، وتقسيم الثروة بين مجتمع العمال والشغيلة المتسيد.
أليست هذه اللقطة تأتي تعبيراً عن المراهقة السياسية
-----------------------------------------------
وهذه النخب، تضع نفسها تحت ما يوصف بمسمى موضة " الناشط السياسي"، وهولاء هم من نوعية محترفي الكلام من أجل الكلام، سعيا لجذب اهتمام السلطة؛ حتى تدخلهم في حظوتها؛ لينطقوا بلسانها؛ وأغلبية هؤلاء ينطقون بلسان انتمائهم الى الطائفة التي تمولهم؛ وهي في الأغلب، من تشكيلات الرأسمالية الطفيلية الضاغطة دوما لتحقيق المكاسب الاقتصادية، عبر تسليط اْبواق الإعلام الخاص بها على الدولة، أو من ممولي ما يسمى تنظيمات المجتمع المدني؛ وجمعيات حقوق الإنسان، التي تلعب بها أجهزة المخابرات العالمية؛ وتوظفها للضغط على أية دولة وطنية مارقة من طوَّق الهيمنة؛ كما يحدث في مصر الآن.
4- الفريق الرابع هو من أصحاب النوايا الحسنة؛ ممن لا تحكمهم أية دوافع عقدية أو ايديولوجية:
----------------------------------------------------------
فهولاء يتحركون في موقفهم من غيرتهم وعاطفيتهم الوطنية، ويرفضون أي موقف عقلاني؛ يمكن أن يقود لإخراج الجزيرتين من الملاك المصري، نتيجة الإعلان المباغت عن حقيقة ملكية الجزيرتين للسعودية.
*****
5- إن الأجهزة الرسمية من دون طعن في مسلكيتها؛ توصلت لما توصلت إليه وأعلنته؛ ولم تمهد بالإعلام المسبق عن موضوع الجزيرتين، نتيجة تفضيل الدولة المصرية عدم الإعلان عن ذلك محكومة بضرورات استراتيجية وسياسية، مفضلة سلوك القواعد المتعارف عليها دولاتيا، بتوقيع الاتفاقات لعرضها على البرلمان لاحقا لاعتمادها قبولا أو رفضا بناء على دراسة الوثاءيق القانونية؛ والدفوع التي تملكها، ويملكها أيضا الطرف السعودي؛ فاذا رفضها البرلمان المصري فليس أمام الدولة غير القبول بتوجه الطرف الآخرإلى التحكيم الدولي، والمؤكد أن كفة هذا الطرف ستكون راجحة؛ بما قدمه مسبقا من أدلة، قبلت بها الحكومة المصرية موضوعيا، وفق دلائل ملكية الجزيرتين لدى كل من الطرفين.
*****
إذن الموضوع شائك؛ وليس في مقدور أي شخص من العامة غير الاختصاصيين تقنيا أن يمتلك ما ينفي مسلكية الدولة المصرية، في ضوء اليقين العقلي بأن الدولة المصرية الوطنية؛ لا يمكن أن تقبل بالتنازل عن تلك الجزيرتين الاستراتيجيتين تحت أية ضغوط تنافي الحق الطبيعي لمصر.
أما هؤلاء الذين تحكمهم العقيدة المتسيسة "بدولة الخلافة" المضادة لمفهوم الوطن الجغرافي؛ أو المتسيسون بالإيديولوجيا "العولمية الطبقية"؛ فهؤلاء يكذبون؛ حين يرفعون لافتة الوطن، فلا تصدقوهم، لأن الوطن في عرف عقائدهم أكذوبة !!
"رأفت السويركي"
--------------------------------------