تفكيك العقل النخبوي الماضوي "المتسلف" (83)
الاعتداء الذكوري على جسد من الحجر... "التمثال الجزائري" نموذجاً!!
----------------------------------------------------------

غيبوبة ماضوية تظن انها تُمارس فعل تطبيق العقيدة،
فمن يعبد هذا التمثال لكي يشوهه؟ والصور كلها من شبكة الإنترنيت.

غيبوبة ماضوية تظن انها تُمارس فعل تطبيق العقيدة،
فمن يعبد هذا التمثال لكي يشوهه؟ والصور كلها من شبكة الإنترنيت.
هل هذه النوعية من البشر "مكشوف عنها الحجاب" كما يقول "أهل الكرامات" و"أولياء الطريقة"؛ لأنه من دون ملايين البشر سمع غُنجاً للحجر الأملس الناعم وقد توهم أن التمثال تتجلى قدراته الخاصة له والمناظرين من نوعيته بدعوة لممارسة الفحش؛ أو أنه في لحظات اهتياج شعوري ذكوري ذاتية لمح في عيني الحجر البض الملامح نداءات لـ "الملامسة"؛ أو "المفاخذة" حسب التعبير الفقهوي؛ أو أنه التقط تحريضاً مثيراً للاهتياج من نهدي التمثال؛ الحجر الأملس يدعوه لامتزاز الحليب والارتداد "الفرويدي" إلى طفولته الأولى؟!
*****
المسألة أن "تفكيك خطاب الصورة" التي تناقلتها وسائل التواصل الإعلاموي، ومواقع "الميديا" لما يُسمى خطأ "السلفي الجزائري" وهو ينفرد أمام الملأ في وضح النهار بتمثال "عين الفوارة"، الموصوف برمز "ولاية سطيف" الجزائرية فيمارس عليه مشاعر وأفعال التشويه الانتقامي الكذوب من نقاط محددة لها دلالاتها الجنسوية وقد تخيرها للتدمير؛ والإخفاء من هذا العمل "النحتي" المتميز.
وقبل أن تتداعى الأسئلة في الأذهان؛ وتتوالد حول دلالة تلك الكلمات التوصيفية السابقة في هذه الكتابة؛ يمكن القول إن مشاعر وأفعال هذا الشخص "الماضوي الذهنية" و"ليس السلفي التفكير" كلها مشاعر كذوب؛ وهو يمارسها ظاهرياً فيما هو يفتقد الإدراك للأفخاخ التي قام الموروث القولي والرواياتي المهيمن على فهم العقيدة بتلغيمها في الأذهان الذكورية تاريخانياً.
*****
إن تركيز هذا "الفحل الذكوري" شكلانياً كما يبدو في الصورة على تدمير نقاط ذات محمول اشتهائي محددة في التمثال الأنثوي؛ دال على خصوصية طبيعة الذهنية العقدية المتكرسة لتناسل وإعادة انتاج تصور محدد بأن جسد الأنثى شيطاني الوظيفة؛ حتى ولو كان حجراً صلداً مصمتاً لا روح به ولا حياة؛ جسد ليس سوى مصدر لا يخمد لاستثارة الفتنة والإغواء والتحريض لمشاعر الشره والنهم للتعاطي الجنساني الرابض بداخله ذكراً!!
إن القراءة التفكيكية الراصدة لصورة واقعة الفعل "الانتقامي في ظاهره/ والاشتهائي في المسكوت عنه" من هذا الرجل؛ وهو يعمل باجتراء مشهود فعله الذكوري العنيف بقوة انتقامية في التمثال الرقيق الحضور... هذه القراءة تكشف طبيعة الذهنية الذكورية الهمجية المتغلبة على مثل هذه النوعيات؛ ممن جرى تأسيسهم وفق منهجيات التفكير الماضوي المهيمن، بكل اختلالاته الاحتقارية النوعية للأنثى التي هي من خلق الله عبر تشكيل الخطابات المشوهة للعقيدة؛ والتي تتحكم في صياغة ذهن التلقي للذكور ليكون جهازاً إذعانياً لمحمول قراءات وفهوم البشر المعلمين من الذُكْراَن المتفيقهين، الذين أنتجوا هذا الخطاب الماضوي الموروث بما يكفل التحكم في مناهج التفكير والتطبيق لعقيدة العقل؛ أي الإسلام.
*****
إن هذه القراءة التفكيكية الراهنة تسعى إلى كشف "المسكوت عنه" في خطاب فعل التشويه الذكوري العمدي للتمثال الرخامي؛ سعياً لإدراك عناصر الدافعية المضللة للفاعل، ومستهدفه المغلوط؛ ومدى صواب تلك الفعلة حسب المفاهيم الحضارية؛ ومقدار تناسبها مع متغيرات العصر الحداثي الفكرانية.
أولاً: الدافعية المغلوطة:
---------------------
يكمن خلف هذه الفعلة الذكورية الماضوية الأصولية موروث عقدي عميق؛ كانت له مبرراته في الماضي؛ بارتباط فعل التجسيم والتجسد ونحت التماثيل بالإشراك في العبودية للخالق الواحد المنزه عن التشبيه والتمثيل؛ وصرف العباد عن الاقتناع بحقيقة الألوهة؛ وواحديتها المطلقة.
وقد كان الفعل الإبراهيمي الكريم يمثل النموذج المُقتدى به في فعل هدم التماثيل لوظائفيتها التضليلية؛ وقد تواصل بعد ذلك القيام بالنهج الإبراهيمي الحنيف من دون إدراك لدلالات الفعل الحنيف في زمانه ومكانه؛ فالمقصود الإبراهيمي كان السعي لإثبات أن هذه التماثيل عاجزة حتى عن الدفاع عن نفسها في بيئة الوثنية أو حتى تذكر اسم الفاعل الذي حطمها؛ ما يعني أنها لا تمثل القوة الإلهية المستحقة للعبادة؛ فالإله أكبر ولا نستطيع إدراك كنهه الجليل؛ لأنه ليس له مثال؛ وحتى الشمس والقمر؛ كما برز من الحواريات الإبراهيمية مع الكافرين والمنكرين في النص القرآني الشريف.
وانقضى زمان إبراهيم الخليل؛ وجاءت الرسل بالتتابع؛ وتكرس التوحيد الإبراهيمي في اليهودية والمسيحية والإسلام. وانمَّحت "عبادة الأصنام" أو ما تسمى "الوثنية"؛ مقابل تعميم وانتشار عقيدة التوحيد؛ وصار الإسلام الدين الثاني في العالم؛ وفي طريقه ليكون العقيدة الأولى قريباً.
لذلك تستحضر القراءة التفكيكية من النصوص المقدسة؛ ما يؤكد مبدأ الغائية من قضية التماثيل، بارتباط العلّة بالغاية؛ التي فلسفياً يقابلها مبدأ العدمية؛ ولأن دعوة الرسل كلهم التي أشار إليها القرآن تقوم على أنّ الدِّين الذي دعت إليه الرسل جميعاً واحد هو الإسلام، ( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ) [ آل عمران : 19 ] فإن انتهاء وانتفاء ذريعة أو وظيفية تحقيق العبادة عبر وجود التماثيل؛ يصبح أمرها كالعدم؛ وهنا يمكن استحضار ما ذكره القرآن الكريم بنصه الشريف عن النبي سليمان الموحد والداعي إلى الوحدانية عليه السلام بنص الآية أن الجن كانوا "يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ".] (وَتَمَاثِيلَ) تعني أنهم يعملون له تماثيل من نحاس وزجاج بالطبع؛ والمنطق يقول ان هذه التماثيل لا تكون محلاً للعبادة.
معنى ذلك "فقهوياً" أن "عِلَّة" صناعة التماثيل من أجل العبادة انقضت أو انتفت العلة الموصوفة بــ "الذريعة"؛ فلم تعد تلك الظاهرة قائمة في المنطقة العربية والإسلامية كما كان يحدث قديماً. والقاعدة الفقهية الأساس تربط ربط التلازم الضروري بين وجود العلة "الذريعة" والحكم الفقهي المتعلق بها. لذلك لإن التماثيل لم تعد تعبد؛ فإن حكم هدمها "الشرعاني" يسقط لانتفاء الغرض العبادوي القديم ذلك الذي انبنى وأقيم عليه شرع / حكم التحريم.
*****
إن مواصلة البعض راهناً ممارسة ذلك الطقس البشري الهادم للتماثيل باسترداد تقليد ماضوي قديم، كما حدث مع الآثار العراقية والدعوات لهدم الآثار المصرية بما فيها الأهرامات يؤكد غيبوبة ماضوية تفكير هؤلاء وليس سلفيتهم؛ لأن المسلك السلفوي يرتكن إلى وجوبية الحكم بوجود العلة؛ وطالما انقضت العلة يصبح ممارسة المسلك الراهن اقتفاء لأثر الفعل الماضوي؛ ومن يمارسه ينفصل عن "السلفية الصحيحة" منتقلا إلى "الماضوية المصطنعة"؛ بتقديس مسلك انقضى أثره؛ وتلاشت علته التي بُني عليها.
ووفق هذا التفكيك لا ينبغي وسم ذلك المعتدي على ذلك الاثر وأمثاله بالسلفية؛ قدر ما ينبغي نسبته إلى الماضوية؛ وبالتالي ينتقل التفكيك إلى البحث عن "المسكوت عنه" المضمر في أفعاله من المنظور الذكوري.
الحجر الصامت الذي ظن صاحب التفكير الماضوي انه يمارس الإغراء.
ثانياً: الدافعية المغلوطة:
---------------------
قراءة "المسكوت عنه" دوماً تأتي بما هو مختبئ في متن الفعل والخطاب؛ ويكون مضمراً تحت الظاهر؛ بحيث يحتجب عن البروز؛ ولكنه الحاكم المحرك للأفعال والاقوال؛ والقبض على هذا المضمر يُساعد في فهم الظاهرة وفق حقيقتها.
وبتأمل الصورة الراصدة لفعلة التدمير للتمثال؛ ستكتشف علامات غير منظور إليها بوعي في القراءة؛ ما يعيد تجليس الواقعة وفق حقيقتها المختبئة:
** الصورة تقوم على كتلتين متضادتين في فضائها المؤطر؛ الكتلة الأولى خاصة بالتمثال الرخامي الرشيق القوام؛ الذي يجمع أنسب المقاييس المتصورة للأنثى؛ لكنها كتلة جامدة صماء لا حياة فيها ولا فعل أو رد فعل لها. والكتلة الثانية تعبر عن افتقاد المقاييس الحجمية المثالية لكائن حي يفكر ويفعل وينفعل؛ وينبغي أن يدرك هذا الشخص أهمية مواصفات الجسد المناسبة ومخاطر غياب هذه المقاييس لديه والمحكومة بالقاعدة العقدية "ثلث لطعامك وثلث لشرابك وثلث لنفسك".
** الصورة تجمع الضدين المتناقضين في المظهر؛ القوام الرخامي اللون المتناسق التفاصيل؛ والقوام الاسطواني القالب بجلبابه الأبيض؛ المجزوز من أسفل مع /شبشب/ في القدمين؛ مرسخاً لقيمة لا تعبر عن اللباس الإسلاموي، قدر ما تدل على أزيائية جغرافية شرق آسيوية، تنتمي إلى أفغانستان وباكستان، وتكرس الفهم الفكراني الماضوي المهيمن على تصورات طقوسات الممارسة العقدية المحققة لــ "أفغنة العقيدة"؛ وهي بعيدة عن روح وحقيقة هذه العقيدة الصواب.
** الصورة تكشف أن خصلات الشعر الأنثوي المنسابة انسدالاً بكثافة على كتفي التمثال الرخامي؛ يقابلها نقيض ذكوري مغاير بتكتل كثيف من شعر ذقن مفرط في كتلته للإيحاء بعقدية الظاهر؛ وهو ما يوحي بوحشية وهمجية فعل الاعتداء غير المتكافئ والمتحقق في الواقع وصورته؛ بين حجر تزييني رقيق لا حيلة له وشخص متضخم يتوهم أنه يمارس فعلاً عقدياً.
*****
انتقام ذكوري متوهم من الجسد الأنثوي حتى لو كان حجرا!!
إن قراءة الصورة تكشف إذن طبيعة الكوامن المختبئة لدى فاعل التحطيم للتمثال؛ فلو كان ذلك الشخص - على سبيل المثال - قد استخدم أداة ضخمة لفصل رأس التمثال أو تحطيمه وتفتيته لكانت المسألة محلا للنظر؛ غير أنه تخير نقاطاً محددة في التمثال اعتبرها تمثل "عورة التمثال" ومارس تهشيمها أو تشويهها؛ وهذه النقاط المتخيرة تمثل مفاتيح مهمة للقراءة النفسانية لذلك الشخص؛ وتهدي للإمساك بالمثيرات المادية المحركة لدوافعه:
- قام التهشيم الذكوري بالتركيز على نقاط اعتبرها الفاعل إخفاء لمكامن الإغراء والتحريض الجنسوي في التمثال؛ أي في العينين والشفتين والنهدين؛ ثم الشروع في تشويه الفخذين؛ لولا تدخل رجال الشرطة الجزائرية والإمساك به.
- إن كل موضع في التمثال الأنثوي طالته أداة التهشيم؛ يمثل دالة كاشفة لتصورات ذكورية عميقة تجاه الجسد الأنثوي؛ وينظر علم النفس الفرويدي وتطوراته لدلالة ذلك، بدءا من ممارسة الرضاعة بالفم في المرحلة الطفولية التي تتحكم في الانفعالات والسلوكات اللاحقة بما يتناسب مع تتابع مراحل النمو.
- إن تراتبية فعل التهشيم للجسد التمثالي طالت العينين مصدر الإغواء؛ نزولاً إلى الشفتين مصدر التواصل الشبقي والدعوة التحريضية المحفزة للذكورية؛ وصولاً إلى النهدين المرتبطين بمعيارية علاقة الفعل الرضاعي الذي تحدث عنه فرويد وعلماء النفس؛ خلال دراسته تشكلات الذات الطفولية الوليدة؛ ثم الوصول إلى فخذي التمثال بما يمثله من استثارات العلاقة الإخصائية الكامنة في الذات الذكورية.
*****
ومن دون شك فإن القراءة التفكيكية لهذه الصورة تنظر إلى فعل تهشيم التمثال الأنثوي باعتباره معادلا تطبيقيا للفهم الذكوري العدواني على النساء؛ بالتأويل الذكوري المفرط في قسوته للمعنى القرآني (واضربوهن)؛ والذي يعني مع صحيح لغة العرب وضع المرأة الناشز في محل الانفصال والابتعاد عنها وتجاهلها؛ فالضرب الحليم؛ وفق تراتبية الأمر القرآني الكريم (( وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً ) النساء/.34
والجدير بلفت الانتباه أن القواميس والمراجع اللغوية تذكر أن العرب إذا شاءت التعبير عن الإيذاء البدني تستخدم "اللطم" فيما فعل "الضرب" يعني في أحد وجوهه المنطقية "المفارقة"؛ فمن درجات استخدام فعل اليد يأتي "الصفع" و"الوكز"؛ فيما يكون "الركل" بالقدم. والدليل على ذلك ما قالته العرب أيضا:" ضرب الدهر بين القوم أي فرّق وباعد بينهم".
وبذلك يتبين التفسير الذكوري المفرط في قسوته لآيات تقنين العلاقة مع الأنثى. والذي يمنح الرجل حقا احتكاريا غير مقبول بضرب المرأة؛ وهو ما يكشفه فعل ذلك الرجل حين يدمر التمثال الحجري في الجزائر؛ والتدمير نتيجة من نتائج الضرب القاسي الذي يتوهم الماضويون أنهم يمتلكون أهلية ممارسته شرعا على الأنثى؛ فهل يظلم ربك أحدا؟ حاشا لله. إنه التأويل الذكوري الفاسد!!
*****
وعبر هذه الواقعة تتكشف خيوط بعض "المسكوت عنه" المضمر في الذات الذكورية العربية والإسلاموية؛ والتي تتغطى اختباء بالسطح الظاهري لطقوس العقيدة؛ حين تتصدى لتدمير دلالات الجسد الأنثوي حتى لو كانت لتماثيل أو تمثال من الحجر؛ ولو كان عاريا عرياً فاضحا، فهو لا يشكل أي إغراء للرجال الأسوياء؛ ممن لا تتغلب عليهم التصورات الباطنية؛ والمتخيلات الجنسانية.
فيما هناك من يرى إلى التمثال الحجري المصمت؛... بأنه مصدر إغراء تحريضي مهما كان الجسد صخرياً لا يُغري في حقيقته سوى المرضى؛ والمشبَّعين بموروث احتقاني متكلس حاف بمفاهيم العقيدة؛ وكذلك بالموروث القولي للمجالس الذكورية؛ التي تتفنن في استصناع خطاب مشبع بالشبقيات الحافة بصورة جسد المرأة؛ كما فعل ذلك الذكر بعقله النخبوي الماضوي الذهنية المتسلف في ولاية "سطيف الجزائرية"؛ وهو يقترف فعل التدمير القصدي في عيني وشفتي ونهدي تمثال من حجر!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق