تفكيك العقل النخبوي الإسلاموي المتأخون (43)
في التنظيم المُغْلَق... المُتَأَخْوِنُ لا يتزوج إلاَّ مُتَأَخْوِنَة لماذا؟!!
-----------------------------------------
"حسن البناء"... لماذ أقام بناء جمعيته وفق النسق اليهودي في الزواج؟-----------------------------------------
وجدان "حسن البناء" تكشف الوثائق القديمة عن أصوله
منير الدلة القيادي الإخواني في أربعينات القرن الماضي يتزوج من آمال عشماوي أخت حسن عشماوي القيادي بالجماعة المتأخونة 1940م؟.
صورة من حفل زواج يهودي
في إطار مواصلة تفكيك العقل النخبوي الإسلاموي المتأخون؛ يمكن القول أن ما تُسمَّى "جماعة الإخوان المسلمين" تُمثل أفضل نموذجٍ يُعَبِر عن الجماعات المغلقة والغامضة؛ هكذا نشأت؛ وهكذا تستمر... مشابهة للجمعيات السرية؛ ومماثلة لما تُوصف بجمعيات "حكومة العالم الخفية"!
ولعل "مسلك الزواج" الذي تعتمده الجماعة المتأخونة منذ بدء التأسيس وإلى الوقت الراهن يمثل تجربة مريبة دالة على مسلكيات الجمعيات الخفية؛ بشروطها المفروضة على الأعضاء وطقوسها المنافية لإشهارية الزواج وعلانيته المفترضة؛ وكذلك حرية الأطراف المعنية في تطبيقه.
والسؤال المهم هنا: لماذا لا يتزوج المتأخون إلاَّ من متأخونة؟ ولماذا لا يمكن القبول بزواج المتأخونة من غير المتأخون؛ حتى لو كان هذا الشخص منتمياً لإحدى التيارات الإسلاموية الأخرى؛ مثل الماضوية والتي توصف خطأ بالسلفية؟! ولماذا تجد شجرة النسب في قمة الهرم التنظيمي مغلقة على عائلات رأس الهرم فقط؟ في هذا "التنظيم الجمعياتي" تجد العائلات الأصغر تتناسل من العائلات الأكبر ولكن ترتبط بها عبر علاقة شجرية يمكن تسميتها بــ "شجرة الدماء الإيديولوجية" التي تدور في العروق من نوعية محددة لا تتجاوز حلقتها المغلقة!!
*****
إن خصوصية مسألة "الزواج المتأخون" تمثل قضية مهمة أمام العقل التفكيكي؛ وهو يُعمل فعله في الوقائع؛ فهذه القضية تكشف كثيراُ من الدوافع الحاكمة لحركة هذا التنظيم؛ وتدل على نوعية العمل السراديبي الناظم لتكوينه وفلسفة تطوره منذ البدايات.
إن إعمال العقل التفكيكي في بنية هذا التنظيم يكشف وجود ما يمكن وصفه بــ "نظام العرقية التنظيمية"؛ ذلك النظام الذي يتجلى في بروز خاصية الانتقاء العضوي، ثم الاندراج في طُقُوسية " نظام الأسر" بشكل عام؛ ونمط " نظام الزواج المغلق" بشكل خاص... وهذا هو مربط الفرس في الكتابة الراهنة.
والسؤال المنهجي هنا: لماذا يعتمد التنظيم المتأخون نمط "العرقية المغلقة" في بُناه التكوينية التي لها أساسات تشكلت منذ المؤسس الأول "حسن البناء"؛ ومن غير المقبول أو المسموح تجاوزها؛ بدءاً من قيادات أعلى الهرم، هبوطاً إلى قاعدته الأوسع من الأتباع؟
لماذا بشكل أساس لا يتزوج الرجل/ الشاب المتأخون شرطاً إلاَّ من امرأة/ فتاة متأخونة؟ ولماذا تتشابك عائلات قمة التنظيم المحدودة في علاقات النسب والمصاهرة الخاصة وتدور في سياقها؟ إن هذه الظاهرة تحتاج تفكيكاً يكشف "المسكوت عنه" في مجال الدوافع والأهداف؛ بما يقدم إجابة حقيقية للأسئلة التي تفرض نفسها على الذهن حينما يقف أمام طقوسية هذه الدائرة الزواجية المغلقة جداً!
والإجابة المنطقية على هذا السؤال ترى إلى أن التنظيم المتأخون بذلك يعمل على تأصيل صناعة منتوجاته البشرية؛ ويتحكم في "نقاء صفاتها الإيديولوجية" عبر المحضن الأول أي " البيت الأول المتأخون"؛ لإنتاج "العائلة المتأخونة"، والتي تندرج لاحقاً بأبنائها ضمن نظام "الأسرة الإخوانية" الجامعة لممارسة أنشطة الجماعة.
ومن شروط هذا "المحضن" الأول أن الرجل المتأخون الذي - لا تتقدم عليه المرأة تنظيمياً مطلقاً- لا يتزوج إلاَّ من متأخونة؛ يُقدمها له التنظيم حسب القواعد المستقرة؛ وهو كرجل لا يستطيع الزواج من غير المتأخونة - في أضيق الحدود - إلاَّ بعد الحصول على الموافقة التنظيمية؛ تحقيقاً للنفعية التنظيمية بأن يقوم هو بأخونة تلك الزوجة لاحقاً إذا لم تكن إخوانية الهوية والعقيدة مثله؛ ضماناً للنشوء المتأخون للأبناء؛ فالأم لها فعالية السحر على أبنائها؛ ومستقبل نمو التنظيم مرهون برغبتها وعملها التربوي في البيت!
أما ما يصل إلى درجة الاستحالة وفق الضوابط المغلقة للتنظيم؛ فهو زواج المتأخونة من رجل غير متأخون؛ وتلك إذا حدثت تمثل الكارثة؛ لأنه سيكون زواجاً خارجاً عن النمط والنهج؛ فقد يُنتج – وهذا في الأغلب - أطفالاً غير متأخونين بحكم فعالية الرجل التربوية؛ ما يُقلل من حجم المجتمع المتأخون المستهدف تكوينه من ذوي الدماء الإيديولوجية الإخوانية؛ والتي تُعتبر في عُرف "التنظيم الجماعاتي" دماءً إخوانيةً نقيةً خالصةً كما يظنون!!
إننا إذن أمام معضلة نوعية؛ فالبيت الإخواني يُعدُّ مصدر المادة البشرية الخام لعضوية التنظيم، ويؤدي دوره الناعم من خلال "العائلة البيولوجية" التي تحقق تطبيق برامج التربية الإخوانية، وفق نهج اقتداء الأبناء بالأبوين المتأخونين.
وبذلك فإن محضن العائلة الصغيرة التنظيمي يمثل الضمان الأساس لنمو العضوية المُنَشَّأَة منذ صغرها على اتباع أوامر ونواهي التنظيم؛ والتسليم لمن يعلوه في الدرجة التنظيمية حسب الأنظمة المتبعة كنظام الأسر في الأحياء واجتماعات المساجد؛ ومعسكرات الإعداد البدني؛ والندوات وجلسات القراءة وملتقيات الحوارات. وتلك الأشكال التنظيمية ستكون مجالا للتفكيك في الكتابات التالية.
وتعالوا نقرأ التفسير الظاهري لهذه النمطية الإجبارية من ضرورات تشكيل العضوية؛ فحين يتم حصر عمليات الزواج بين الأعضاء المتأخونين فقط فذلك يعني:
أولاً: ضمان مواصفات الخلية المتأخونة الأولى "العائلة الصغيرة" وفق المقاييس الموضوعة؛ حيث يقوم الوالدان بتنشئة الأبناء وتأسيس عقولهم حسب النظم والقواعد المعتمدة من التنظيم في التربية والتي تحدد مساحات المسموح والممنوع.
ثانياً: ضمان صناعة أفراد ملتزمين بآلية ضوابط الجماعة؛ وأهمها الطاعة المطلقة للقيادات التي تكتسب قداسة متوهمة وكأنها وصلت من تحصيل العلم الشرعي الى ما لم يحصل عليه غيرها؛ بحكم ادعاء التنظيم المتاخون أنه يسعي إلى إقامة دولة الإسلام المطلقة!!
ثالثاً: إن قيام العلاقة الزواجية بين الأبوين المتأخونين؛ يضمن برامج تنظيم انتاج الأسرة المتأخونة من دون تقاعس أو تراخ من أحد الأبوين؛ إذا كان أحدهما غير منتمٍ.
رابعاً: إن قيام علاقة الزواج بين الأبوين المتأخونين يضمن الحفاظ على كل أسرار وطبيعة السيناريوهات الموضوعة في التنظيم من دون كشف لها أو التقصير في الحفاظ على خصوصيتها المغلقة عن المجتمع العمومي الذي يعمل التنظيم خلاله.
خامساً: إن تنشئة "العائلة المتأخونة" بأطفالها من بداية تشكلها يضمن للتنظيم تجنب أعباء استقطاب عناصر أكبر في العمر؛ لم تمر بالخطوات التربوية الموضوعة؛ وبالتالي تكون محل شك في الولاء التنظيمي!
سادساً: التنظيم الذي يقوم بناؤه على التكوين العائلي تحت عين قياداته منذ البداية يضمن عدم الاختراق الأمني لسراديبه عبر من يأتي إلى العضوية ولم يمر بمشوار التأسيس الأول ويخوض معاناة التنصيب.
هذه الهواجس الظاهرية في حقيقتها تعكس الطبيعة الخاصة التي يخفيها التنظيم المتأخون؛ ويسعى لتخبئتها في خزائن الأسرار المغلقة؛ وغير المكشوف منها سوى القليل... عبر اعترافات وتصريحات من غادروا أروقة التنظيم وتحرروا من سطوته بعد ما اكتشفوه من أخطاء العمل به فتحرروا من عضويته فعلياً؛ وهم من يوسمون بالمنشقين عن الجماعة؛ وأسماؤهم معروفة ومقدرة بالاحترام لما أصدروه من مؤلفات ودراسات ومذكرات قديما وحديثاً.
*****
لكن ماذا تقول القراءة الباحثة خلف هذه الظواهر حول "المسكوت عنه". السعي التفكيكي هنا لا يستهدف تقديم تفسير مغاير للقراءة الظاهرية التي تكتسب وجاهتها مما استقر عليه الفهم في الواقع؛ بل تسعي إلى الإمساك بدافعية هذه الأفعال الحقيقية؛ والتي جرى تغييبها عن قصدية؛ لأنها تعبر عن الحقيقة الكامنة في الباطن التنظيمي منذ أن أسسه "حسن البناء".
سيجري التركيز هنا فقط على طقوسية "الزواج المتأخون"؛ تاركين بقية العناصر إلى الكتابات اللاحقة؛ عبر طرح الأسئلة التالية:
- لماذا يأخذ الزواج المتأخون ما يمكن تسميته بنمط مماثل لــ"الزواج العرقي المغلق"؟ ولماذا وضع "حسن البناء" نظامه هكذا؟ فالمعروف أن الزواج في المجتمع الإسلامي هو سلوك حر مفتوح لا تحده ضوابط خاصة سوى شروط الرغبة والتقوى والمقدرة؛ وإلا فالصوم يكون وقاءً لغير مستطيع الباءة؟
- لماذا صرامة الشروط المتعلقة بهذا الزواج؛ وجبرية التدخل التنظيمي في عقده؛ والتحكم في آليات عقده؛ ومسلكية الزواج تخضع للقبول المتبادل من المقبلين على الزواج ورعاية أسرتيهما وليس تنظيم خارج العائلة؟
- لماذا يضع هذا النمط من الزواج شرط الأخونة التنظيمية؛ ويمنع ما أباحته العقيدة السليمة؛ بجواز الزواج حتى من شخص مغاير في المذهب والعقيدة للرجل المسلم.
وللإجابة على هذه الأسئلة يمكن طرح سؤال على درجة كبيرة من الأهمية؛ هل كان المؤسس الأول للتنظيم المتأخون "حسن البناء" يمتلك العقلية التنظيمة الفذة التي تجعله يضع في تقديره المخاوف الظاهرية في قضية الزواج بين أعضاء التنظيم هكذا؟ أم أنه تحرك في هذا الأمر محكوماً بدافعين على درجة كبيرة من الخطورة؟
*** الدافع الأول الذي تَحَكَّمَ في عقلية "البناء" هو أنه كان يشكل "جماعة" ظاهرها الدعوة الإسلامية؛ وباطنها الحقيقي سياسي بأنها ستكون "جماعة فوق دولاتية"؛ وهذا ما تحقق لها بالدعوة لإعادة إنشاء دولة الخلافة عبر المرشد؛ وإنشاء التنظيم الدولي المتجاوز للحدود بأدواره التدميرية المشهودة الآن.
***الدافع الثاني؛ وهو على درجة كبيرة من الأهمية؛ ويرتبط بمصدرية تلك الفكرة التي أدخلها "البناء" بنمط "الزواج المغلق"؛ فقد اقتبس نمطها أو أعاد تكرارها من نمطية "الزواج اليهودي" المغلق!!
ولعل هذا الدافع الثاني المثير للدهشة يُحيل العقل التفكيكي إلى التفكير في ضرورة فهم أن العقل المؤسس الأول لحسن البناء يتحرك بدافعية كوامنه الوجدانية؛ لأنه استنبط هذا النوع الزواجي لتنظيمه المتأخون من "الزواج العرقي اليهودي المغلق".
ففي الزواج اليهودي؛ يُمنع زواج اليهودي أو اليهودية من بقية الديانات الأخرى؛ وتحديداً لدى الطائفة "اليهودية الأرثوذوكسية" التي ترفض - حسماً - الارتباط بالزواج من غير اليهود؛ فيما تجيزه الطائفة اليهودية المحافظة - نفعياً - طمعاً في أن يَتّهَّود الزوج أو الزوجة من غير اليهود!!
وفي الزواج اليهودي تتخذ الإجراءات الرسمية للزواج بطلب إلى "الحاخام" يتضمن لقب واسم وعمل وتاريخ ميلاد طالب الزواج؛ وقيمة المهر والمؤخر الذي يرغب في تسجيله، فيحدد سكرتير الحاخام له موعداً لا يتجاوز خمسة عشر يوما لتوقيع وثيقة الزواج، قبل الاحتفال بالزواج وفق القواعد الدينية.
• إن النرجسية النفسانية للكائن اليهودي تجعله يشعر بالتمايز العرقي عن بقية الأقوام والأعراق؛ فيحرص على عدم اختلاط "الدماء اليهودية" بدماء الآخرين عبر الزواج؛ لذلك لا يسمح باختلاطها مع الدماء الأخرى؛ فيحصر زواجه في النمط العرقي المغلق أي من اليهود فقط!
• والمثير للدهشة هو ذلك التماثل مع نمط زواج المتأخونين؛ وحسب ما نُشر من تصريحات بعض الأعضاء يقوم "مسؤول الشُعْبة" أو "مسؤول الأسرة" الجامعة للأعضاء بدور "الخاطبة"؛ حيث يقوم بترشيح "إحدي الأخوات" للزواج من أحد شباب الإخوان؛ ويطلب منه رؤيتها مع أخوات الجماعة في مسجد معين؛ ليحدث الارتباط الرسمي في المسجد إسباغاً للطابع الديني على الزواج الإخواني.
إن ذلك التماثل في نسق طقوس "الزواج اليهودي" وطقوس "الزواج المتأخون"؛ يُحوِّل الجماعة "المتسيسة" تحديداً إلى "جماعة دينية" مماثلة للمسلك اليهودي وتُكفِّر غيرها من المسلمين باعتبارها "الفرقة الناجية" ويُسمى مؤسسها "الإمام حسن البنا" ولتصير بذلك طائفة مغلقة اجتماعياً ومماثلة لليهود؛ فتُحرِّم في طقوسها الزواج من غير المتأخون أو المتأخونة؟!
ولا تغيب عن الذاكرة ما ذكره المتأخون صبحي صالح، المحامى وعضو لجنة إعادة صياغة الدستور المصري أيام حكم الإخوان بتحريم زواج الإخواني من غير الإخوانية، بدعوى أن غير الإخوانية غير مكتملة الإيمان؛ ومن ثم لا يجوز الزواج منها؛ حتى ولو كانت مسلمة؛ لأن زواج المتأخون من المتأخونة يؤدي إلى إنجاب إخواني بالوراثة!!
وربما تُعيد هذه النمطية المغلقة في طبيعة الزواج الإخواني التذكير بالوجدان اليهودي المُسْبَق لدى المؤسس الأول "حسن البناء" الذي تعود جذوره حسب المصادر والمراجع ورواية الأستاذ عباس العقاد إلى "يهود المغرب" من أسرة قَدِمَتْ إلى مصر فِراراً من أحداث الحرب العالمية الأولى؛ وقد ولد "حسن البناء" لاحقاً في أكبر منطقة يهودية بمصر في محافظة البحيرة التي يوجد بها " ضريح أبو حصيرة" مقصد حج اليهود إليه إلى اليوم!!
وبذلك فإن قاعدة الزواج المتأخون التي أسسها "حسن البناء" كان محركها الأول الرغبة في "القولبة الوجدانية" لأعضاء الجماعة لتصير نسيج وحدها ومغلقة؛ بما يضمن تكريس الترابط العضوي بين الأعضاء؛ وهو ما يتحقق أيضاً لدى التنظيم المتأخون؛ باعتماد المصاهرة بين الأعضاء نهجاً تنظيمياً يرفض الزواج من خارج إطار التنظيم؛ بل إن مكتب الإرشاد نفسه يشهد صلات مصاهرة عميقة على سبيل المثال لأربعة أعضاء على رأسهم المرشد من دون ذكر بقية الأسماء!!
*****
إن حرص التنظيم المتأخون على ممارسة هذه الطريقة المغلقة في الزواج تكشف العلل الكامنة في العقل النخبوي الإسلاموي المتأخون؛ وبأنه عقل تنظيمي مغلق لجماعة مُبْتَدِعَة دينياً... تُمارس بِدعةً لا دينية مماثلة لليهودية؛ فكما أن اليهودي لا يتزوج إلاَّ من يهودية... فالمُتَأَخْوِنَ لا يتزوج إلاَّ مُتَأَخْوِنَة؛!!
"رأفت السويركي"