تفكيك العقل النخبوي السياسوي المتأدلج (42 )
"يولولون" إلكترونياً... ولم يفهموا معنى "مسافة السكة" و"الساعات الست"!!
-------------------------------------------------------
-------------------------------------------------------
وفي الحقيقة أن نوعيتي العقل: "المتأخون" و"المتأدلج" متشابهتان في الغرض؛ ومختلفتان في التوجه؛ لكن هدفهما المشترك هو القفز على مُعطى الدولة كنظام مستقر نهشاً وتدميراً؛ من أجل حلم أسطوري متخيل من دون وعي بالمخاطر الجمة التي تتحقق حين سقوط الدولة نظام إدارة شؤون البشر وتناسق حقوقهم وواجباتهم.
*****
سيكون مجال تفكيك العقل النخبوي السياسوي المتأدلج في هذه الكتابة بعض ما أفرزه هذا العقل تعليقاً على ما قاله الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في حفل افتتاح مشروع "بشاير الخير" بمنطقة "غيط العنب" بالإسكندرية.
وقد كشفت عملية تفكيك خطاب هذا العقل طبيعة المستوى الذي وصلت إليه "عملية العَمَاء السياسي" والضلالة التي تتميز بها رؤى هذا الفصيل من النخب؛ فضلاً عن العشوائية الفكرية التي يعيشون فيها؛ ربما لحداثة سن هؤلاء وافتقادهم للخبرة السياسية؛ والحنكة الفكرية التي جنبت كثيراً من الرموز الإيديولوجية القديمة أن تتورط باتخاذ موقف عدائي من الدولة ونظامها الراهن.
و"العقل النخبوي السياسوي المتأدلج" يمثله جيلان:
- الجيل الأول: من قدامى المناضلين الذين امتلكوا من الخبرة والوعي السياسي ما جعلهم يقفون على أرضية صحيحة من الوعي بطبيعة الظروف الدولية سياسيا واقتصاديا وثقافيا؛ وما طال العالم من تحولات جوهرية نسقية تترافق والمزيد من التمركز الرأسمالي المتوحش الذي ضرب على الأقل أعتق تجربتين اشتراكيتين؛ وأجبرهما على التحول والتكيف لمواجهة الخصم التاريخي؛ فهذا الاتحاد السوفياتي يتفكك محاولاً استرداد الواجهة القديمة عبر "روسيا" والصين الشعبية التي تحاول أن تنازع النظام الرأسمالي العولمي هيمنته الإنتاجية؛ وتكتسح منتجاتها العالم كله في إطار مناخات العولمة.
إن قدامى المناضلين يدركون المأزق التاريخي الذي دخلت فيه التجربة الاشتراكية؛ فتراهم يتمهلون في الرؤية إلى القضايا السياسية؛ وأغلبيتهم تدافع عن "نظام الدولة الوطنية"؛ لأن سقوط وتفتت وغياب هذا النظام يحقق تمكن قانون التمركز الرأسمالي العولمي؛ وينسف مُعطى الدولة إلى أشكال سياسية تعود إلى ما قبل التاريخ الحضري؛ أي: "القبيلة والجماعة والطائفة والعرق."!!
- والجيل الثاني: من مُحدَثي ومُدَّعي التأدلج؛ ويفتقد أصحاب هذا التيار لكثير مما يحظى به جيل القدامى من خبرات نضالية ومخزون معرفي وتجاربي حقيقي؛ إنه الجيل الذي تم إنتاجه في زمن تمكن ثورة الاتصال الإلكتروني؛ جيل لا يصطبر على التحصيل المعرفي السياسي العميق عبر الكتب والحلقات الفكرية التأسيسية؛ لذلك تسيطر عليه أخلاقيات وسائط التواصل الاجتماعي بالهشاشة والتلقائية والانفعالية التعبيرية عبر التظاهر أو النشر الالكتروني.
إن الجيل الحديث السن من المتأدلجين لا يُنتج خطاباً سياسوياً عميقاً؛ لأنه يفتقد لقدرة الفهم العلمي الجدلي الحقيقي الناتج عن التأصيل التجاربي الحزبي الميداني؛ لذلك يأتي خطابه النخبوي هشاً؛ بل مؤسفاً في منطقه ومستواه؛ وغائباً عن الوعي الفكري الصحيح المبني على دراسة الواقع دراسة موضوعية؛ كما ستثبت محاولة التفكيك التالية ذلك؛ تطبيقاُ على ردودالأفعال تجاه خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في حفل افتتاح مشروع "بشاير الخير" بمنطقة "غيط العنب" بالإسكندرية البديل للوجود العشوائي القديم بهذه المنطقة.
*****
إن هذا الجيل من "المتأدلجين" لا يتوقف عن الصراخ و"الولولة الالكترونية"؛ التي نفكك خطابها الإجمالي حين تروج أو تدَّعي:
- أن المجلس العسكري في مصر المعني بإدارة شؤون الجيش الوطني المصري هو الذي يدير البلاد؛ وأنه في إدارته لشؤون مصر لا يُراعي أحكام الدستور؛ لأن الرئيس ليس مدنياً منتخباً. وأية غيبوبة فكرية تلك التي تتناسى أن لمصر رئيساً نجح في انتخابات مدنية محكومة بدستور مجمع عليه شعبياً؛ ويتولى تحريك كافة مؤسسات الدولة حتى العسكرية منها بما يحقق الأهداف الوطنية الاستراتيجية.
- ويدعي المتأدلجون: أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يفتقد لمشروع تنموي حقيقي يحقق النقلة النوعية لمصر إقليمياً. وأي عَمَاء سياسي هذا الذي يتغافل عن الحركة الميدانية الحقيقية في المجتمع المصري من إقليم سيناء إلى إقليم الصحراء الغربية؛ وإقليم الصعيد شرقاً وغرباُ؛ وإقليم الدلتا بمجمله؛ ومشاريع البحر والنهر التي يُعلن عنها ويجري تنفيذها بالتزام عسكري في التوقيتات المحددة.
- ويزعم المتأدلجون: أن الرئيس السيسي بسياساته وإجراءاته الاقتصادية يَضر بمصالح "الطبقة الوسطى" ومحدودي الدخل تمويلاً لميزانية الحكومة؛ وأية مراهقة فكرية سياسية تلك التي لا تزال تتحدث عن مفهوم "طبقة وسطى" جامد أنتجته مدرسة التحليل السياسي القديمة؛ في زمن تحقق العولمة؛ وأية طبقة وسطى تلك التي ترتبط بوجود طبقتي الفلاحين والعمال اللتين تآكلتا. إن كل التسميات الاصطلاحية تلك قد تغيرت مع متغيرات مجتمعات الحداثة وما بعد الحداثة يا أهل الأدلوجة الجدد.
- ويدعي المتأدلجون أيضاً: إن السياسات التي يتبعها الرئيس السيسي تتسبب في زيادة أرباح طبقة رجال الأعمال والمضاربين. ويتناسى محدثو الانتماء الإيديولوجي هؤلاء أن المشكلة الاقتصادية المصرية العميقة تعود إلى بدايات المرحلة الساداتية وتعمقت في المرحلة المباركية التي انتجت تكويناً سياسوياً طفيلياً متغولاً هو الابن الشرعي للنظام الرأسمالي العولمي. فهل من الحكمة السياسية أن يخوض السيسي حرباً مباشرة معهم ليخسر الداخل أيضاً في مواجهة الخارج الاستعماري المتربص. حقاً إنهم أطفال إيديولوجيون.
- ويزعم المتأدلجون: إن الرئيس عبدالفتاح السيسي يُبدي تمسكاً بالسلطة؛ ولا يوفر الظروف لتداول تلك السلطة والتنافس عليها من خلال الكفاءات. وما أسوأ هذه الإطلاقية في الأحكام الدالة على تمكن الغيبوبة من تفكير هؤلاء؛ أليس الرئيس السيسي أمامه عامان آخران من حكم مصر في الفترة الأولى؛ ويمكن له أن يواصل التزامه بالقيادة لفترة 4 سنوات أخرى دستورياً أمام مسؤوليته التاريخية في حماية مصر الدولة مما يتهددها من أخطار وجودية متربصة بها خارجياً وداخلياً.
- ويدعي المتأدلجون: إن تكليف المؤسسة العسكرية بالأعباء الاقتصادية يمثل إقحاماً للقوات المسلحة في آداء أدوار ليست من مهماتها وهذا قد يضر بها. وكم يمثل هذا الرأي ترهلاً في التفكير المتأدلج؛ لأنه أسير نمط التفكير العولمي الإيديولوجي الذي يعتبر المؤسسة العسكرية مؤسسة تحترف القتال فقط؛ يديرها جنرالات مهمتهم حماية الحدود والسيادة والمصالح العولمية للرأسمال؛ وهذه سذاجة فكرية.
إن الشيخوخة والفساد والعشوائية والتبعية التي مرت بها الدولة المصرية في الزمن المباركي؛ تمثل أزمة وجودية؛ والجيش الوطني المصري بانضباطه وقسمه على حماية الوطن يتدخل وطنياً لإدارة الأزمة في مجتمع الفساد والرخاوة والجلوس بمجمله على المقاهي إلى الصباح يدخن الشيشة ويجرب كل أنواع المخدرات والكيف التي لم يشهدها في تاريخه؛ ويتناسل بشراهة في تجمعاته العشوائية الشرسة.
لذلك لا غرابة أن يقود الجيش المصري الإشراف على العمليات التأسيسية لمشروع التنمية المتعدد في أقاليم الدولة المصرية التي جرى تقسيمها وفق تخصصات الانتاج مثل مدينة الأثاث في دمياط ومدينة الجلود في الروبيكي والمصائد السمكية الكبيرة في بورسعيد والصناعات والزراعات المتنوعة. إنه عمل التزامي إنقاذي في مجتمع الأزمة الوجودية بمصر؛ وكل جيوش الدنيا تتدخل وتدير عمليات الإنقاذ في الكوارث وكم بمصر من تلك الكوارث.
وبالتالي فإن إقحام القوات المسلحة المصرية لا يضر بها إلى أن يُعاد النظر في إعادة تطوير مؤسسات الدولة لتؤدي دورها الحقيقي في تقديم الخدمات للمجتمع كما تتقول بذلك تلك النخب المتأدلجة المتسيسة والفاشلة في قراءة حقيقة الواقع.
- ويزعم المتأدلجون: إن إقحام المؤسسة العسكرية المصرية في التنمية يُعطل ويقوم بتحجيم "ظهور المشروع المدني الوطني القائم علي العلم لقيادة تنمية حقيقية في مصر". وكم في هذا الرأي من تهافت إيديولوجي؛ لأنه يتوقع متخيلاً في الأساس هو موجود في "مجتمع النكبة المباركي" الذي فًكَّكَ الصناعات والزراعات لتسطو عليها الرأسمالية الطفيلية؛ وقت أن كانت المؤسسة العسكرية المصرية تهتم بدورها الدفاعي؛ لكنها خلقت أيضاً مشروعاتها الاقتصادية عبر توجيه الجنود للاندراج في هذه المشروعات فاكتسبت خبرات تعاونها في إدارة الأزمة الراهنة.
- ويدعي المتأدلجون: إن الدولة الراهنة بطابعها العسكري والرئيس السيسي باستخدام الترويج لفكرة المؤامرة يبرر القمع الواقع ويلوح بالعنف لمواجهة الغضب وعدم الارتياح الجماهيري بسبب ارتفاع الأسعار؛ وهذا يفكك الالتفاف الجماهيري من حول الرئيس. ومن دون شك فإن هذه النخب المريضة ببغض الاستقرار تعطي بسذاجة وهماً الإيحاء بخوفها على الرئيس.
إن الجيش الوطني المصري الذي لا يتدخل في تغيير طبيعة التركيبة الاجتماعية السياسية الراهنة بطريقة فجة حتى لا يرسخ ادعاء "المتأخونين" و"المتأدلجين" بأنه قام بانقلاب عسكري؛ يتدخل لإدارة الأزمة بطريقة ذكية عبر الاضطرار للاستيراد السلعي وطرح المنتجات بأسعار في متناول الجماهير للضغط على الرأسمالية الطفيلية التجارية المتوحشة كنوع من إدارة الأزمة.
وكذلك الأمر في علاج الأمراض المتوطنة والمستشرية مثل "الإصابة بفيروس سي"؛ ومشروع الخلاص من التجمعات العشوائية الخانقة للمدن بتجمعات مبهرة تعيد الاعتبار لقاطنيها الذين أنتجهم عصر مبارك الردىء؛ ومنها مشروع "بشاير الخير" بمنطقة "غيط العنب" بالإسكندرية المذهل الذي "تم تطويره خلال فترة زمنية قياسية لا تتعدى 18 شهراً بمبادرة وإشراف المنطقة العسكرية الشمالية، ومن دون تحميل ميزانية الدولة أية أعباء مالية بمشاركة الجمعيات الخيرية وكبار رجال الأعمال والمؤسسات المالية، وفي مقدمتها البنك الأهلي".
- ويزعم المتأدلجون: إن الاهتمام ببعض الأعمال الاجتماعية كمشروع "بشائر الخير" يمثل تهدئة للشارع؛ عوضاً عن عملية البناء الاقتصادي الحقيقي المنتج الذي يستفيد منه الجميع. وما أبأس هذا الرأي الذي يعبر عن غيبوبة قائله الفكرية؛ وفقدانه بوصلة الوعي بحركة الحياة نتيجة المنظار الإيديولوجي الذي يجعله يرى إلى الأشياء مزيفة.
إن بشائر الخير كغيره من مشروعات القضاء على العشوائيات مشروع متكامل أقيم على فلسفة صناعة النطاقات المتخصصة؛ فالتجمع الجديد بجانب المساكن الجديدة المؤثثة يضم جميع منافذ الخدمات الصحية والتعليمية والسلعية والتدريبية بمراكز تدريب اختصاصية عالية المستوى يؤهل المقيمين بها لدخول أسواق العمل بمهارات حرفية عالية؛ في الخياطة والفندقة وصناعات البناء والسيراميك؛ ما يتيح للمتدربين من أهالى المنطقة الحصول على شهادات دولية معترف بها من الدول الأجنبية للعمل بها بالخارج. لكن إخواننا المتأدلجين لا يرون إلا القذى في عيونهم!
*****
ومن المثير للعجب العجاب أن من المتأدلجين من يتوهم أن الرئيس السيسي حينما حدد "الساعات الست" لانتشار الجيش المصري في عموم الدولة فقد كان ذلك نتيجة إحساسه بأنه وصل إلى طريق مسدود لذلك يلوح باستخدام القوة في حالة تغير الأمور في الشارع المصري!!
وهؤلاء الفتية السذج المتأدلجين المتسيسين؛ لا يدركون معنى القول السابق الذي وصف به السيسي حركة الجيش المصري للدفاع عن الخليج العربي أو أية أرض عربية أخرى تتعرض للعدوان وتطلب دعمه بعبارة "مسافة السكة"؛ ولا يدركون بالتالي مغزي عبارة "الساعات الست" لانتشار الجيش المصري دفاعاً عن الوطن من شرقه إلى غربه وشماله وجنوبه؛ لأنهم فتية محدثوا إيديولوجية ولا يجيدون سوى الصراخ و"الولولة الالكترونية" فقط!!
"رأفت السويركي"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق