الخميس، 30 مارس 2017

في نقض وصف "عيد الأم"بالبدعة... "فقهاء التحريم" حين يستمتعون بكل المبتدعات في موقع "إسلام مغربي"!!

في نقض وصف "عيد الأم"بالبدعة...

"فقهاء التحريم" حين يستمتعون بكل المبتدعات 
في موقع "إسلام مغربي"!!
-------------------------------------------

أية جهود منشودة لتطوير الخطاب الديني سيكون مسارها الفشل الذريع؛ لأن هذا الخطاب المُفَارِق لروح وغايات النص القرآني الكريم... لايزال وسيبقى يستجلب مفاهيمه وأسلحته من موروث فقهي ومقولاتي؛ يُعدُّ تعبيراً عن فُهُوم بشرية ابنة زمانها القديم.

وهذا الموروث القولي غير المُحدَّث - وفق "فقه المواءمات" و"فقه الضرورات" و"فقه الغايات"- ارتقي في قداسته المتوهمة إلى الدرجة التي يتحكم فيها بشراسة في كل طرائق الوصول إلى غايات رسالة السماء القرآنية، التي أبلغها الرسول الأكرم "ص" ناصعة جلية بينة؛ تُراعي أسباب النزول وزمانها؛ وتستوعب كل المتغيرات "السماح بتأبير/ تلقيح النخل نموذجاَ"؛ وما ستأتي بها الأيام إلى أن تقوم الساعة إثباتاً لصلاحية هذه الرسالة وإعجازية دستورها. 

لذلك فالرأي الإفتائي الذي أطلقه مؤخراً الدكتور سالم عبد الجليل بالقول: "من يحتفل بعيد الأم يستحق قطع رقبته"!!! يُمثِّل اجترارا لمقولات متهالكة منذ قرون وهي مفروضة على أسماعنا؛ حيث تدور في إطار توصيف البدعة والابتداع من دون تقدير متغيرات الزمان.

إن المشكلة التي نعيشها مع مثل هذه الماكينات الإفتائية الاجترارية، الساعية لإثبات قاعدة المسمى الذي يتشبثون به بأنهم "العلماء"... تدعو إلى ضرورة إدراك الجوانب المسكوت عنها في نهجهم وخطاباتهم؛ حيث ينظرون إلى العقيدة من منظور وحيد أحادي الجانب؛ قاعدته: التضييق قدر المستطاع في المسموح؛ منعاً لحدوث الإفراط وما يستتبعه من تفريط!!

لذلك فهم يتغافلون عن التطور المذهل الذي طال الحياة بتيسير الله، ويتعمدون إخفاء قاعدة "دوران الحكم مع العلة"؛ فيصرون على إبقاء كل الأحكام الفقهية وجوبية ولازمة... مهما "انقضت العلل" وانتهت ولم يعد لها وجود؛ ليضمنوا هيمنتهم الوجدانية على الجمهور ترسيخاً لمُسمى لقب العلماء الذي يحتكرونه!!

كما أنهم لا يَفْصِلُون في فهمم الظاهري المُسطَّح بين العادة الاجتماعية الحسنة التي ترسخ مسلكية محمودة واتبعها الناس، وبين العادة التي تَجُرُّ إلى الزلل الأخلاقي؛ فيظلمون العقيدة الإسلامية المتوازنة والإنسانية النزوع؛ والتي يمكن أن تهضم في سياقها ما اعتادته الأقوام وأهل الديانات الأخرى خاصة ذات الجذور الخيرة... "صوم عاشوراء نموذجاً" وقد كان اليهود يؤدونه؛ فصار سُنَّةً إسلامية حميدة بقول الرسول "ص":َ "... فأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُم.ْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ".

إن هؤلاء لا يُوظِّفون نهج السلف العقلي المنتسبين إليه زوراً، بتحريك أو توسعة ما استنوه لاستيعاب المتغيرات الحادثة في الحياة إذا كانت حسنة؛ ولا تتصادم مع أحكام العقيدة في جوانب التوحيد وتداعياته العبادية!!

لذلك فهم يضعون على أبصارهم منظاراً لا يظهر لهم سوى عبارة "كل مستحدثة بدعة"؛ متناسين أنهم في عصرنا هذا يغرقون في التنعم بألوف المستحدثات والمبتدعات من المخترعات؛ أما بالنسبة لحياة الناس فيجمدونها عند الوقائع الماضوية في كل شيء؛ ويرفضون أية مسلكية مستجدة حتى لو كانت حسنة وتؤدي غرضاً إنسانياً جميلاً.

لقد تناسى أصحاب العقل العقدي الماضوي المتسلفن من "فقهاء التحريم" أن الاحتفال بعيد الأم تذكيري في مناسبته ولا تترتب عليه مرفوضات أو مكروهات عقدية؛ بمعني إقامة مبتدعات شعائرية وعبادية؛ والوقوع في فخ التسمية... كما وقع يوسف القرضاوي بقوله:" فلنسمه (يوم الأم) بدل (عيد الأم)؛ لأن فكرة العيد عندنا مرتبطة بالدين"!!

                                                                                    "رأفت السويركي"

  ويمكن متابعة المقالة على الرابط التالي:
 goo.gl/fe6Pvx

-------------------------------




الأربعاء، 29 مارس 2017

في نسف غايات ما تسمى "السلفية الجهادية"... هل وافق الرسول الأكرم على دعوة انطباق الجبلين على الكفار؟!!

في نسف غايات ما تسمى "السلفية الجهادية"...

هل وافق الرسول الأكرم على دعوة انطباق الجبلين على الكفار؟!!
-----------------------------------------------

 
 
العقل الماضوي الذي يصر على جر العالم إلى مرحلة الكهفية التاريخية لا يزال يواصل إحداث الخدوش التشويهية في وجه عقيدة العقل والسماحة... الإسلام؛ عبر التمظهرات الحركية بما درج على توصيفه بالإسلام السياسي، في ما تسمى جماعة الإخوان المسلمين ووليديها الشرعيين؛ القاعدة وداعش.

ولأن الثدي الذي تمتح منه هذه التكوينات السياسوية حليبها؛ أي الموروث القولي الموصوف بالفقه البشري الماضوي المهيمن والذي يمثل أس البلاء لا يزال يحظى بالرعاية المطلقة من المؤسسات الاجتماعية الرسمية تاريخيا؛ ولا يتعرض هذا الموروث لتفكيك الفكر العقلي النقدي الإيماني - وأعيد التأكيد على القول الفكر العقلي النقدي الإيماني - فإن هذه التكوينات المصطنعة والتي جرى تخليقها في معامل الاستخبارات الاستعمارية سيظل توظيفها مستمرا؛ مهما ادعى الغرب مكافحتها؛ لأنها تحقق غاياته وتمهد الأرض لتطبيق سينايوهاته، فيما يتعلق بالتفتيت وإشعال حروب الطوائف لتكريس سيناريوهات الشرق الأوسط الجديد، الذي تتوسطه في القلب الدولة اليهودية!!

وفي هذا الإطار ستبقى المنطقة تعيش تحت وطأة حضور هذه التنظيمات الحركية المعممة بالأسلوب الهوليودي كما في حادث برجي التجارة بنيويورك؛ وتخترع لها دوما المزيد من السيناريوهات لترسيخها مسخا كابوسيا يعيد انتاج التطبيق العقيدي وفق مفاهيم ماضوية في المعاملات كانت مناسبة لزمانها الأول؛ فيما فعل التوحيد الإيماني وحصاده في نماء من دون فعل أعمال عسكرية موصوفة خللا بالجهاد القتالي.

***** 

لقد تناسى هؤلاء أن دعوة الجهاد القتالي الأولى كانت ظرفية ومتواكبة مع شروط موضوعية تحكم لها بالنجاح؛ وقد تغيرت هذه الظروف، وتحتاج لإعادة تغليب حضور العقيدة السمحاء دعويا بمنهج الحكمة والموعظة الحسنة؛ وهو منهج العمل الرسولي والنبوي في نشر العقيدة الذي تتناساه هذه العناصر التي تصر على العودة إلى نهج الحياة في الكهوف.

كيف لهذه العناصر الكهفية التفكير أن تتناسى فعل الرسول الأكرم ( ص ) وقوله الشريف بعدما لقي ما لقي من أهل الطائف وقول جبريل له: «... إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ. فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ أُطَبِّقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ، لَا يُشْرِكُ بِهِ شيئًا».

إنها فعلا الثيمة الدعوية الإسلامية الحقيقية التي تقوم على نشر العقيدة بالدعوة؛ وهي الثيمة التي لم يحد عنها الرسول الكريم (ص ) والذي لم يحتج في مطلع الدعوة إلى معجزة سماوية مادية تدمر الكافرين والمشركين بانطباق الجبلين على رافضي الدعوة بالتوحيد. 

لقد بدأ انتشار الإسلام في مطلع نزول الرسالة وأغلبية مراحل تاريخه بالدعوة القولية، استهدافاً للعقل مناط التكليف؛ فيتحقق الاقتناع المستجيب للفطرة التي خلقها الله، ولم تكن مسلكية المجاهدة العسكرية إلا توافقاً مع شروط تاريخية؛ سمحت لنمط التوسع التأسيسي للعقيدة ليكون بهدف زيادة رقعة انتشارها، عبر التبليغ الدعوي السيَّار مع القوافل التجارية أو الجيوش؛ فيما تلك الشروط كلها تغيرت الآن، بدءأً من موازين القوى، والقدرات الاستراتيجية للمستهدف غزوهم.

*****  
 

وقد أعاد "فيس بوك" تذكيري بكتابة سابقة بعنوان نسف مشروعية ما يُسمى "السلفية الجهادية" في إطار سلسلة "تفكيك العقل النخبوي الإسلاموي الماضوي المهيمن"، ذكرت خلالها وصفي للعقل الماضوي المسمى السلفي بأنه عقل سياوسوي مُخادع في خطابه؛ ونسق صناعة مقولاته؛ لأن هدفه يتجسد في الهيمنة على عقول جموع المؤمنين، من ذوي النوايا الحسنة؛ خاصة ممن لم تتوفر لهم التجربة العقلية، لمساءلة ما يسمعونه من تلك النخب الماضوية الهوى والتفكير التي تمارس فعلاً سياسياً؛ حتى وإن هربت كالعادة من الاعتراف بأنها تؤدي دوراً سياسياً؛ يرتدي مسوح الدين.

فالدعوة التي تقوم بها تلك النخب الماضوية؛ عبر منابرها المختلفة، تستهدف تحقيق هدف سياسوي؛ هو إحياء نمط المجتمع القديم؛ القائم على نسق العقيدة ولكن عبر المفهوم الماضوي لهذا المجتمع، ولعل الدعوة الجامعة لكل ما يُسمى - مع التحفظ - "تيارات وفصائل الإسلام السياسي"؛ لا تتجاوز ما يُعلنه " تنظيم داعش" على رؤوس الأشهاد، ومن قبله "تنظيم الإخوان المسلمين"، بسعيهما لاستهداف إعادة نمط الدولة الدينية المسماة "دولة الخلافة".

***** 

وماضوية تفكير عقل هذه النخب؛ في ذلك المسعى السياسي، تتأسس في مجملها على النصوص البشرية الحافة بالقرآن الكريم، مع توظيف آياته الكريمة بعمليات تأويل ابتدعتها لأنها مُغايرة لروح النص المقدس؛ وحُمولاته الدالة على كل شيء كريم؛ وسماوي القيمة؛ من فيض الله على جميع خلقه.

ولعل خطاب ما يُسمى "الداعشية"؛ هو أوضح كاشف لفساد التفكير الماضوي؛ بل وغيبوبته العقلية؛ المتوغلة في غابات المجهولية، إذ أن هذا الخطاب لا يخجل من إعلان قناعاته المزيفة بالفهم الخاص المتراكم حول أفكار السلف الصالح، فيما أهل هذا السلف؛ بُرءَاء مما ينسبه هؤلاء إليهم؛ من غرائب الأقوال والأفعال؛ لأن منها ما هو مكذوب؛ أو منحول؛ أو مدسوس عليهم عبر الرواة؛ لتنافيه مع قيم الإسلام الحقيقية وحكم العقل الإيماني.

*****

لقد جاءت "الداعشية" لتكون الصورة المثلى المعاصرة للتعبير عما وصلت إليه أمور الدعوة المزيفة، في جانبها الحركي بفكرها السياسوي المضلل؛ الذي يرتدي مسوح العقيدة ويسيء إليها؛ أكثر مما يخدمها. 

إن "الجهاد" هو الشعار المخادع الذي ترفعه الماضوية عبر وليدي تنظيم الإخوان الشرعيين: "تنظيم داعش" الآن؛ ومن قبله "تنظيم القاعدة"؛ وهذه الماضوية الموصوفة بـ "السلفية الجهادية" تُمارس الاحتيال بلفظة "الجهاد"، وتعطيها الأولوية من منظور أن تلك "القيمة الجهادية" هي صورة من صور ضرورات خروج التبليغ بالعقيدة في البدايات حين كان "الإسلام غريباً"، كما كانت الحال في مكة والمدينة أول الهجرة؛ ووقتها لم يستجب له إلاَّ الفرد بعد الفرد بسبب نقص الاتصال التبليغي؛ لكن هذا الدين القويم لم يعد غريباً الآن:

- حسب دراسة أجراها "منتدى بيو للأبحاث" في العام 2010، بلغ عدد المسلمين 1.62 مليار مسلم حول العالم، ليكون ثاني أكبر الأديان في العالم من حيث عدد المعتنقين بعد المسيحية، بنسبة تفوق 23% من سكان العالم." موقع ويكيبديا". 

- تتوقع الدراسة أيضاً أن تكون الديانة الإسلامية هي الديانة الأولى في العالم؛ بعد الديانة المسيحية بدءاً من سنة 2070؛ بفضل عدد الشباب المسلمين، وارتفاع معدل الخصوبة لديهم، الذي سيصل إلى 75 % مقابل زيادة بنسبة 35 في المائة عند سكان العالم.

- الإسلام هو دين الأغلبية في الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا ومناطق من آسيا؛ فضلًا عن مجتمعات كبيرة في الصين، وفي البلقان وأوروبا الشرقية وروسيا، وهناك أيضًا عدد كبير من المهاجرين المسلمين في أجزاء أخرى من العالم، مثل دول الاتحاد الأوروبي التي يبلغ عدد المسلمين فيها حوالي 16 مليون 3.2%.

وبالتالي فإن عِلَّة رفع شعار "الجهاد" لنشر العقيدة هي علة فاسدة؛ لأن القانون الطبيعي بالتوالد يعمل تلقائياً لتغليب عدد المسلمين في كافة أنحاء العالم؛ ورفع هذا الشعار غير الواقعي في زماننا الراهن من المنظور الماضوي يَضُرُّ بالعقيدة أكثر مما يفيدها.

*****

إذ أن أنماط الخلل الماضوي في تطبيق هذا الشعار عبر "العُنف المقدس" بالتفجيرات والتفخيخات والانتحاريين؛ سيتسبب في التضييق على المسلمين في دول المهاجر، بينما هم يقومون بيولوجياً بتغيير تركيبتها العقدية، وينشرون الإسلام بتؤدة عبر الامتداد البشري في مجتمعاتها التي تفتقد الخصوبة الإنجابية.

ولأن هذه المجتمعات "عِلمانية العقيدة"؛ فإنها تحترم بل وتقدس قناعات؛ ومعتقدات وديانات الناس، وتعتبر ديانة الفرد شيئاً خاصاً به، فلا تقترب منه؛ طالما أنه يحافظ على حقوق الآخرين، ويحترم الضوابط الحاكمة. 

ولكن استمرار صناعة صورة ذهنية عنفوية تحت مسمى "الغزوات" سيهدد وجود المسلمين في هذه الدول، ويدفع التيارات السياسية والعقدية المختلفة بها إلى بدء التضييق على من يهدد السلام الاجتماعي لهذه المجتمعات، وفق ما يرسخ حالة "الإسلاموفوبيا"، التي تدفع العقيدة الإسلامية السمحة ثمنها كبيراً بسبب انتشار وهيمنة الغيبوبة الماضوية المؤلمة.

وإذا كانت "غربة الإسلام" في البدء منطقية ولها ما يبررها، فإن عودته "غريبا فى آخر الزمان كما بدأ لا يعرفه حق المعرفة إلا القليل من الناس، ولا يعمل به على الوجه المشروع إلا القليل من الناس وهم الغرباء" حسب قول "بن باز"، فإن السبب وراء ذلك، سيكون بفعل الفهم الماضوي المغلوط لعقيدة السماحة والدعوة الحسنة، التي تتبناها عقول ماضوية شكلية الانتماء للعقيدة وليس روحها؛ لأنها تتيح للانتحاري قاتل نفسه والأخرين، غطاءات فقهية، توفر تبرير الفعلة بقولهم المشهود في المراجع الفقهية: " إذا كان في قتله نفسه إيمان أمة؛ أو صلاح أمة أو ما شابه"!، وكتب ومواقع الفقه تمتلىء بمثل خطابات الغيبوبة هذه وأكثر وأعجب!!

*****

إن ما يبطل وينسف فكرة "الجهادية " الماضوية الراهنة، هي أن الطرف الآخر المستهدف الجهاد في أراضيه هو الأقوى الآن، وقادر على الرد بشراسة تدميرية فضائية وبحرية وأرضية، ولكن مع توافر وسائط التبليغ الإعلامي العولمية، يمكن أن تؤدي الدعوة العقدية الغرض الترويجي الجهادي بالدعوة القولية كما كانت البداية؛ والذي يسانده نموذج مسلكي مشرف؛ ومعاصر إنسانياً وثقافياً، وليس ماضوي المسلك والملبس، وخرافي الخطاب في عصر العلم والتجريب، وهو يفكر بإيقاع زمان خطوات الدابة ناقة وحصانا، فيما العالم يفكر بسرعة وفعالية المسابير والسفن الفضائية.


*****

لقد جاهد السلف الصالح بمعايير عصرهم فنحجوا، وانتشرت علي أيديهم عقيدة العقل والقلب والسماحة؛ لكن الخلف الماضوي التفكير والمسيء بأفعاله لهذا السلف، يضرُّ الآن بمسلكياته الكهفية بالعقيدة، لأنه يرفع شعارات "فقه الغزو، والجزية، والغنائم وأسواق السبايا وبيع العبيد"؛ وهذا ما سيكون حقل التفكيك في كتابات تالية. 

                                                                                       "رأفت السويركي"
----------------------------------------



الجمعة، 24 مارس 2017

تفكيك العقل النخبوي العقدي الماضوي المتسلف (60) تحسسوا رقابكم... "كل من احتفل بعيد الأم يستحق قطع رقبته"!!

تفكيك العقل النخبوي العقدي الماضوي المتسلف (60)

تحسسوا رقابكم... "كل من احتفل بعيد الأم يستحق قطع رقبته"!!
-------------------------------------------------

 
 فتوى مباغتة للدكتور سالم عبد الجليل باستحقاق من يحتفل بعيد الام بقطع راْسه.

أصدقائي الأعزاء دعوني أوجه إلى كل منكم سؤالاً على درجة كبيرة من الأهمية: من منكم حمل باقة ورود، أو حتى وردة واحدة وذهب بها إلى أمه؛ ليُقبِّل يَدَها ويطبع قُبْلَةَ حبٍ وامتنان فوق جبينها في يومٍ متعارفٍ عليه اجتماعياً باسم "عيد الأم" ؟! 

وقبل أن أعرف إجاباتكم العفوية البريئة والسعيدة، أحيطكم علماً بأنني رضيت بقضاء الله وما قدَّره؛ حيث انتقلت أمي بعد أبي إلى رحمة الله منذ سنوات؛ ما يجعلني أتجنب الوقوع في دائرة إقامة الحد الشرعي بهذه المناسبة الذي أشهره أحدهم للمرة الأولى بجرأة؛ وكان يمكن - لو أمي لا تزال حية - أن يتربص بي كما يتربص بكم، ويتوعدني كما يتوعدكم بالويل والثبور وعظائم الأمور!!

*****
 
خير وسيلة لتجاوز الهرب من قطع رقبة من يحتفل بعيد الام.
 
لا تعتبروا يا أصدقائي هذه الكلمات نوعاً من الأحاجي والألغاز؛ لأنَّ كل من احتفل منكم بأمه، وطوقها بامتنانه في مناسبة "عيد الأم"؛ عليه أن يتحسس منذ الآن رقبته؛ بل ينبغي أن يبادر متعجلاً ويشتري واقياً من المعدن الذي كان يستخدمه الفرسان أيام حروب الجاهلية الأولى ليطوق به رقبته؛ حفاظاً عليها من تفعيل قطعها؛ تنفيذاً للوعيد الذي أعلنه أحد رجالات الإفتاء الأفاضل بقوله التلفازي المشهور الذي تناقلته المواقع الإخبارية بحرفه ونصه: "من يحتفل بعيد الأم يستحق قطع رقبته"!!! 

فصاحب هذه "المقولة القنبلة" التي والحمد لله لن تنطبق على رقبتي كما صارت تنطبق على رقابكم... هو الدكتور سالم عبد الجليل، وكيل أول وزارة الأوقاف المصرية الأسبق، ومكان إطلاقها برنامجه المُسمى "المسلمون يتساءلون" على قناة "المحور"؛ ومناسبتها التساؤل الافتراضي حول شرعية الاحتفال بما اصطُلح على تسميته "عيد الأم".

لذلك على كل منكم أن يتحسس رقبته بعمق؛ ويتخيل كيفية قطعها حسب الفتوى الألمعية لرجل الدين هذا؛ المؤدلج عقدياً بالرِّوايات، ويحمل درجة الدكتوراة التي لم تُتِحْ له وهو يعيش في العصر الحديث إعمال عقله؛ وتحريره من هيمنة بعض المرويات المتوارثة؛ ليفتي بكلماته القاسية باستحقاق من يحتفل بعيد الأم بقطع رقبته!!!

*****

وفي واقع الأمر أن خطاب العقل النخبوي العقدي الماضوي أو "المتسلف" حول ما يتعلق بموقف العنت الذي يبديه إزاء ممارسة الجمهور لبعض المسلكيات الاجتماعية ذات المردود الإنساني؛ يصلح أن يكون مادة دسمة لإجراء فعل التفكيك وكشف ما يخفيه؛ أو يَتَخَفَّى في مُتون كلماته من "المسكوت عنه".

فالدكتور سالم عبد الجليل الذي يأمر الناس بالمعروف وفق تصوره الشخصي؛ ويرفع عليهم حد قطع الرقبة عقاباً لممارستهم تقليداً اجتماعياً إنسانيا راقياً، يتعلق بتكريم الأم... يقع في المحظور الذي يُطارد به الناس؛ وهذا ما سيأتي كشفه وإيضاحه لاحقاً، بعد الانتهاء من تفكيك الخطاب الماضوي المتسلف في موضوعة الاحتفال بمناسبة تَعَارَفَ عليها الناس باسم "عيد الأم".
 
 فتوى الحويني باعتبار عيد الام بدعة من الكفار
 لكن معطيات التكنولوجيا التي يوظفها ليست من مستحدثات الغرب.

** فهذا حجازي محمد يوسف شريف المشهور والمُتَكَنِّي بأبي إسحاق الحويني، أحد أشهر ما يُطلق عليهم توصيف "دعاة الدعوة السلفية" يؤكد: "أن كل الأعياد التي تُخالف الأعياد الشرعية بِدَعٌ حَادِثَةٌ لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح وربما يكون منشؤها من غير المسلمين أيضاً". ليؤكد حسب ما نشرته المواقع أنه "لا يجوز في العيد... المسمى عيد الأم، إحداث شيء من شعائر العيد؛ كإظهار الفرح والسرور، وتقديم الهدايا وما شابه..."!!!
 
 القرضاوي يعتبر عيد الام بدعة لا ينبغي اتباعها.

** وهذا يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي ينتمي قولاً وفعلاً؛ نشأة وشيباً إلى "الجماعة المتأخونة"؛ يؤكد تحريم عيد الأم في فتوى له العام 2014م بالقول: "عندما اخترع الغرب أعياداً مثل ما يُسمى عيد الحب وعيد الأم، قلدناهم في ذلك تقليداً أعمى، ولم نفكر في الأسباب التي جعلت الغرب يبتكر عيد الأم... فالمفكرون الأوروبيون وجدوا الأبناء ينسون أمهاتهم، ولا يؤدون الرعاية الكاملة لهن، فأرادوا أن يجعلوا يوماً في السنة، ليذكروا الأبناء بأمهاتهم، فتقليدهم بشكل أعمى يُعد بدعة مُحدثة".!!

** ويعود القرضاوي في تصريح للمراوغة بقوله:" إذا كان لا بد من الاحتفال فلنسمه (يوم الأم) بدل (عيد الأم)؛ لأن فكرة العيد عندنا مرتبطة بالدين. ولا نود أن يكون لنا عيد غير عيد الفطر، الذي نحتفل فيه بإتمام الصيام لشهر رمضان، وعيد الأضحى، الذي نشارك فيه حجاج بيت الله الحرام في يوم حجهم الأكبر"!!

 
ياسر برهامي كالعادة اعتبر عيد الام مبدعة مرفوضة.
 
** وهذا ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية في إجابته عن الحكم في هذه القضية يُفتي: "بِرُّ الأم من الواجبات العينية، ولا يُعرف عند المسلمين هذا العيد، فهو من البدع المستوردة من الكفار، وقد نُهينا عن التشبه بهم، وفى الحديث: (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ)"؛ لذلك اعتبر الاحتفال به حراماً ولا يجوز للمسلمين المشاركة فيه!!!

** وهذا سعيد عبدالعظيم النائب السابق لرئيس الدعوة السلفية يُفتي بالقول: "أعيادنا توقيفية تؤخذ دون زيادة ودون نقصان، وهي من أعظم شعائر الدين". أي " يوم الأضحى ويوم الفطر"؛ مضيفاً: "ولذلك فاستحداث عيد الأم وعيد الطفل وعيد الربيع وعيد العامل والمعلم، كلها من جملة الأعياد البدعية، والبدعة أحب إلى إبليس من المعصية وصاحبها ممن زُين له سوء عمله فرآه حسنًا... وعيد الأم ليس من العادات الحسنة بل هو من البدع القبيحة، ومن أراد تكريم الأمهات فعليه بالرجوع للكتاب والسنة".

*****

هل المشكلة التي نعيشها مع هذه الماكينات الإفتائية الاجترارية تعود إلى أشخاصهم المنبتة عقولهم الصلة بالعصر؛ فيما يستمتعون كل المتعة بمنجزات العصر وابتداعات الكفار من علماء الغرب؛ أم في أضابير الكتب والمراجع والمواقع التي يجترون منها الأحكام والأقوال؛ ليظللوا بقتامة لا حدود لها حياة الناس؛ عبر الإصرار الإفتائي على سبيل المثال بتحريم الاحتفال بهذا اليوم وسواه من مناسبات اجتماعية جرى التعارف عليها باعتبارها بدعة وتشبهاً بالغرب، وفعلاً "لم يقم به الرسول – ص- وصحابته والتابعون". 

وحين يتأمل العقل التفكيكي فعل هؤلاء ممن يحملون اللقب القديم المسمى بالعلماء وهم يمارسون ما يُسمى "الإفتاء" ذهاباً وإياباً ويصرون على فرض الكآبة والجهامة على حياة الناس من أجل إثبات قاعدة المسمى التي يتشبثون بها؛ وأنهم "العلماء" فإنك تكتشف العجب العجاب:

• أولاً: هؤلاء يتحيزون فينظرون إلى العقيدة من منظور وحيد أحادي الجانب؛ قاعدته: التضييق قدر المستطاع في المسموح؛ منعاً لحدوث الإفراط وما يستتبعه من تفريط!! 

• ثانياً: هؤلاء – خللا في منظورهم - لا يلمحون من معنى الحياة إلاَّ كل شقاء ومكابدة طمعاً في الفوز بالجنة؛ وما يستتبع ذلك من تهديد ووعيد وتلويح بالجحيم الذي ينتظر كل البشر.

• ثالثاً: هؤلاء يعيشون على استهلاك بضاعة قولية مُتَنَاقَلة؛ ومنظومات فقهية جامدة كانت صلاحيتها مناسبة لعصور الوقوع في الجُبِّ والحياة في الكهوف؛ متغافلين عن التطور المذهل الذي طال الحياة بتيسير الله، والهام خلقه من البشر مؤمنين كانوا أو كافرين على حد سواء، في إطار الأمر بالسعي في مناكبها ليأكلوا من رزقه؛ واستفادة من تعليم الله لآدم الأسماء كلها بنفحة التمييز بالعقل.

• رابعاً: هؤلاء يتغافلون عمداً وقصداً عن إدراك قاعدة "دوران الحكم مع العلة" ويخفونها؛ فيصرون على إبقاء الحُكْمِ وجُوبياً ولزوماً... مهما "انقضت العلة" وانتهت ولم يعد لها وجود؛ ليضمنوا هيمنتهم الوجدانية على الجمهور ترسيخاً لمُسمى العلماء الذي يحتكرونه!! 

• خامساً: هؤلاء يُصرِّون على ممارسة "الوظائفية" طقوسياً أكثر من العمل بروح النصوص، المبني على فتوح حقيقية في "فهم النص" وإدراك ضرورات وتناسب الرواية لتاريخها الذي يتغير بتطور الحياة وتقدم الأزمان؛ وكلما أثقلوا سمع السائل بالأسماء والكنى والألقاب لمرجعياتهم؛ قاموا بالتلبيس على المتسائل؛ فيتبعهم صاغراً مقهوراً؛ لأنه لن يعلم أكثر منهم!!!

• سادساً: هؤلاء بحجج وأسانيد هامشية مرتدة إلى الأزمان الأولى... لا يَفْصِلُون في فهمم الظاهري المُسطَّح بين العادة الاجتماعية الحسنة التي ترسخ مسلكية محمودة واتبعها الناس وبين العادة التي تَجُرُّ إلى الزلل الأخلاقي. 

إنهم يظلمون بذلك العقيدة الإسلامية المتوازنة والإنسانية النزوع؛ والتي يمكن أن تهضم في سياقها ما اعتادته الأقوام وأهل الديانات الأخرى خاصة ذات الجذور الخيرة... "صوم عاشوراء نموذجاً" وقد كان اليهود يؤدونه؛ فصار سُنَّةً إسلامية حميدة بقول الرسول "ص":َ "... فأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُم.ْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ". 


• سابعاً: هؤلاء بدلاً من قيامهم بخدمة العقيدة عبر إبراز مكنوناتها الاجتماعية والأخلاقية؛ وما استوعبته واستنته من قواعد شاملة تراعي الإنسان ومشاعره؛ تراهم يُصرِّون على تقديم صورة العقيدة باعتبارها نصوصاً جامدة جافة وحادة وأنها لا تُغاير ما استنه الأوائل بتأولهم لخطابها وفق معطيات أزمنتهم؛ لذلك فالمُتَسلِّفون راهناً لا يُوظِّفون نهج السلف العقلي، بتحريك أو توسعة ما استنوه لاستيعاب المتغيرات الحادثة في الحياة إذا كانت حسنة؛ ولا تتصادم مع أحكام العقيدة في جوانب التوحيد وتداعياته العبادية!!

• ثامناً: هؤلاء يضعون على أبصارهم منظاراً لا يظهر لهم سوى عبارة "كل مستحدثة بدعة"؛ متناسين أنهم في عصرنا هذا يغرقون في التنعم بألوف المستحدثات والمبتدعات من المخترعات؛ أما بالنسبة لحياة الناس فيتجمدون عند الوقائع الماضوية في كل شيء؛ ويرفضون أية مسلكية مستجدة حتى لو كانت حسنة وتؤدي غرضاً إنسانياً جميلاً.

• تاسعاً: ألسنا كمسلمين أحق في الاحتفال بالأم من الآخرين الذين خصصوا يوماُ لها؛ يرفضه الماضويون؛ لتأكيد فعالية أهميتها ومنزلتها وأفضالها وجميلها علينا في هذا اليوم وفق نهج العصر؛ لأنه ينطلق من عقيدة التكريم المستمر لها والتي أمرنا بها ديننا؛ وقول الرسول الكريم "ص" : "أمك ثم أمك ثم أمك؛ ثم أبوك".

• عاشراً: لماذا يتناسى أصحاب العقل العقدي الماضوي المتسلفن أن الاحتفال بعيد الأم تذكيري في مناسبته ولا تترتب عليه مرفوضات أو مكروهات عقدية؛ بمعني إقامة مبتدعات شعائرية وعبادية؛ والوقوع في فخ التسمية... كما وقع القرضاوي بقوله:" فلنسمه (يوم الأم) بدل (عيد الأم)؛ لأن فكرة العيد عندنا مرتبطة بالدين"!! 

*****

والسؤال الذي يُطرح على العقل العقدي الماضوي المتسلف لكشف المسكوت عنه الفاضح لظاهريته العقدية: 


- ماذا تقول في قول النبي الأكرم "ص": "رضا الرب في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما" (رواه الطبراني) .

- وماذا تقول في اقتران حق الأم والأب بحق الله في الآية الكريمة: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) "الإسراء:23"؛ وقوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)"لقمان: 14".

- وماذا تقول في قول الرسول الكريم "ص" إلى "أسماء بنت أبى بكر عندما سألت النبي عن صلة أمها المشركة وكانت قدمت عليها؛ فقال لها: "نعم... صلي أمك"(متفق عليه).

- وماذا تقول في الدلالة الهائلة للنص القرآني الكريم:( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا..) "لقمان". فهل يدرك هذا العقل الماضوي المقولب معنى وقيمة مصاحبة المعروف للوالدين المشركين بالله؛ بل حتى وهما يُجاهدان الإبنَ للوقوع في الإشراك!

أبعد كل هذه المسموحات الإلهية والوصايا النبوية المكرسة لحق الحض على رعاية وتكريم الأم والأب لا يزال يتشبث العقل النخبوي العقدي الماضوي والمتسلف تعنتاً باعتبار عيد الأم من المبتدعات التي تتطلب قطع الرقاب!!

*****

والشىء بالشىء يُذْكَر؛ هل تأمل الدكتور سالم عبد الجليل صورته وسواه ممن أهلكوا الناس بالحديث حول البدعة؛ ليجد أنه يرتدي الساعة في يده اليسرى؛ والساعة مستحدثة من صنع الكفار؛ ويجلس على مكتبه وبجواره حاسوب ايضا من صنع الكفار؛ ويخاطب الناس عبر الشاشة التي صنعها الكفار؛ ويصل صوته المتوعد بقطع الرقاب عبر الاقمار الاصطناعية التي صنعها الكفار.

 أليس ركوب الطائرات بدعة صنعها الكفار في الغرب؟

وكذلك حين يخاطب الحويني جمهوره وهو يضع ميكروفونا صغيراً مشبوكا على صدره الا يعرف أنه من ابتداع الكفار؛ وحينما يمتطي القرضاوي أفخم السيارات ويتجول بالطائرات؛ ويضع على وجهه المنظار الطبي أليست كلها من ابتداعات الكفار؛ وقس على ذلك الكثير؟!! 

*****

لذلك يا أصدقائي اطمئنوا على سلامة رقابكم من القطع؛ وواصلوا الاحتفال بعيد الأم في توقيته... لأنه بدعة اجتماعية حسنة تؤكدها الوصايا الدينية ولا تتناقض معها، مع مواصلتكم رعايتها في كل الأوقات؛ بل وقولوا "نحن الأولى في الاحتفال بها" تكريما وتذكيراً بحق رعايتها لنا.


                                                                           "رأفت السويركي"

الأربعاء، 22 مارس 2017

"شجرة التنوير العربية"... تواصل دورة تساقط أوراقها مباغتة رحيل "السيد ياسين"... في ذكرى غياب "علي مبروك"!!

"شجرة التنوير العربية"... تواصل دورة تساقط أوراقها

مباغتة رحيل "السيد ياسين"...

 في ذكرى غياب "علي مبروك"!!
---------------------------------------------

هكذا شجرة الفجيعة تكبر ساقُها القاسية؛ وتضغط علينا بأفرعها الجرداء المقفرة من الورق المتساقط بفعل إقفار الموت والفقد والغياب.

 الراحل الكبير السيد ياسين

 
الراحل الكبير الدكتور علي مبروك
*****

ما كدت أتهيأ للتذكير بالراحل الدكتور "علي مبروك" الذي غاب العام الماضي عن دنيانا في صباح يوم الأحد 20‏ مارس/ آذار 2016م وقد أصابني غيابه بهزة كبيرة؛ حتى باغتني هذا الفعل الوجودي الذي لا مهرب منه بخبر إعلان اختطاف الموت للراحل الكبير منزلة في عقلي وقلبي... المفكر الكبير السيد ياسين؛ يوم الأحد 19 مارس/ آذار 2017م.
لذلك كانت حيرتي لدى الكتابة بحجم الحيرة أمام فعل الموت. إنها كتابة المباغتة التي تفقدك الاستعداد للمفاجأة؛ فلا يكون رد فعلك سوى الدوران في سياق الصرخة وهز الرأس تعبيراً عن فقدان الحيلة. هل يملك أحد منا أمام حادث الإخبار بفقدان عزيز سوى صرخة الفجيعة.

ما أقسى الشعور بالفقد الذهني حين يباغتك الخبر بموت السيد ياسين ومن قبله الدكتور على مبروك وجورج طرابيشي ومحمد عابد الجابري ونصر حامد ابو زيد وسواهم من العلامات التي تشعر أنها أحدثت انقلاباً في حياتك؛ انتشلتك من محيط التبعية الصماء لتلقي بك إلى شاطىء التفكر والتعقل وممارسة الإنسانية. انتزعتك بجهدها الفكري - الذي تتفق معه أم تختلف مع بعض فروعه- من أزقة ببغائية الموروث والخرافة لتضعك في قلب ساحات الجدل والمحاورة والوعي وصولاً إلى نور اليقين.

غياب العلامات الفكرية المبدعة والريادية بفعل الموت المتواصل يمثل خسارة فادحة للإنسان العربي والمسلم؛ فهؤلاء كانوا شموعاً شاحبة في خيمة مظلمة عاتية السواد يطوقها الموروث القولي المتمكن بتسرطنه من تلابيب الأمر لدى فهم العقيدة والسياسة والثقافة.

وهؤلاء هم أساتذتي الذين علموني بما أنتجوه من كتب ودراسات ومقالات؛ والذين كما كتبت مسبقاً أنني أدين لهم بثقافتي ومعرفتي الحرة؛ تطبيقاً للمقولة الشهيرة المنسوبة إلى علي ابن أبي طالب "من علمني حرفاً صرت له عبداً أربعين عاماً"؛ أجر التعلم منه وليس عبودية المخلوق للخالق كما يفهم المقولة العقل المغلق الذي يأخذ بظاهر القول في لغة ذات كميائية إبلاغية غير محدودة بقدرتها اللامحدودة لتولید الألفاظ واستيلاد المعاني عبر تقنية الاشتـقاق؛ والذي يجعلها تحمل رسالة السماء إلى أن تنقضي الحياة على الأرض بطاقة وقدرة ما تتيحه من فعالية التأويل.

*****

** السيد ياسين "علامة التحليل السياسي والاجتماعي":
-----------------------------------------------------


الراحل الفذ السيد ياسين ماذا يمكن أن تكتب حوله؟ كلماتك المتعجلة لا بد أن تكون مناسباتية؛ يحكمها فعل الموت المباغت؛، لذلك فالعبارات تضيق عن الإحاطة بقيمة ومنزلة السيد ياسين؛ ذلك الرجل الهادىء الرزين المتأمل العميق.

التقيته لمرة واحدة شخصياً فأسرني بطبيعته الإنسانية؛ لكني ترحَّلت في عوالمه الفكرية لسنوات وسنوات وتعلمت من كتاباته وكتبه الكثير الكثير؛ فأغنى فهمي وعقلي، وفتح لي آفاقا مشرعة باتساعها المعرفي في التعامل مع الراهن السياسي اليومي والمعرفي المتسع بسياقات ترصد التحولات العولمية في واقعنا.

الراحل السيد ياسين كان رحلة من الغنى المعرفي في العلوم الاجتماعية والسياسية؛ وقد منحته خبراته السياسية والاكاديمية المعرفية قدرات وازنة ثقيلة القيمة عبر ممارساته السياسية والمعرفية والبحثية؛ وقد تجلت قيمته المعرفية في إنتاجه القيم المدعم بقدرات الإمساك المحكم باساسات علوم الاجتماع والسياسة والاقتصاد السياسي في حقولها المتسعة والمختلفة. 

*****

لم يكن الراحل السيد ياسين أسير الماضي بعلومه ولكنه ممن فتحوا لي آفاق التصورات الاستراتيجية المستقبلية السياسية؛ حيث أعطى جهدا دؤوبا للنظر في قضايا ومستجدات ومستحدثات العولمة وهي تهيمن وتعيد صياغة العالم من جديد. الراحل في كتابه البارز" آفاق المعرفة في عصر العولمة"؛ يضع نصب عينيه تعظيم الاستفادة من التحول الهيكلي العولمي؛ بالاستفادة من المعلومات المتاحة عبر الانترنت وتحويلها إلى مصدر التطور المعرفي الذي نحتاج إليه في هذا الزمان الذي نعاني عربياً من تردي العملية التعليمية؛ عبر الاستفادة من ظاهرة "التعليم عن بعد".

في المسألة الفكرية بتعقيداتها المختلفة لا ينبغي وأنت تعيش عوالم الراحل السيد ياسين ألا وتغوص في ثراء قدرته التحليلية؛ وإذا كنت عروبي النهج والانتماء وطنياً لا يجوز لك أن تتجاهل كتابه البارز "تحليل مفهوم الفكر القومي"، وإذا كنت تعيش الاعتزاز بهويتك وتحاول أن تفهم تصوراتها عليك أن تخوض جهد التفاعل مع كتابه "الشخصية العربية بين تصور الذات ومفهوم الآخر"؛ وإذا كنت مصرياً مهجوساً بشعورك الوطني وتعيش قضايا وتحديات الواقع ومتغيراته وتطوراته؛ فينبغي أن تثري ذاتك المعرفية بكتابه "مصر بين الأزمة والنهضة". 

الراحل السيد ياسين بموسوعيته المعرفية البناءة في كتاباته يطالبنا بـممارسة "النقد الذاتى المعرفى" لكشف العيوب الفلسفية العميقة "لما نعتنقه من إيديولوجيات" ولا نكتفي "فقط بنقد الممارسات السياسية السلبية". 

*****

وفي "الزمان العالمي من التنمية إلى العولمة" يطالبنا الراحل بالاقتداء بـ "نموذج الدولة التنموية – الذي- وجد تكريسا له أساسا فى اليابان وتسيطر فيه وزارة التجارة والصناعة MITI على مجمل النشاط الاقتصادى، ثم ظهور الصين من بعد باعتبارها دولة تنموية جبارة".

وفي "الزمان العالمى من التطرف إلى التنمية" يرصد الراحل الكبير العقبات المتعددة التي منعت المجتمعات العربية من أن تعيش عصر صعود العقل والعقلانية، لعل أهمها الجمود الفكرى والتعصب المذهبى وطغيان النصوص...، ووضعت الخطوط الحمراء أمام انطلاق العقل النقدى لكى يعرض كل شىء على المساءلة...، خصوصا بعد تطور مناهج العلوم الاجتماعية واللغوية التى سمحت بتفسير وتأويل النصوص الدينية فى أى دين وفق المناهج اللغوية الحديثة التى ركزت على تشريح النصوص بشكل عام...">

وحين النظر إلى موضوعة "الهوية العربية والهويات الوطنية" يطالب الراحل بالوصول إلى "الهوية الإنسانية" التي يقول حولها:" إننا جميعا - بشكل أو بآخر- متشابهون مهما اختلفت جنسياتنا لأننا بشر"؛ وحسب ما قرر الكاتب الأميركى مارك توبن فى كتابه - ما الإنسان- حين قرر أن الإنسان هو الإنسان فى كل مكان. وهى الفكرة الجوهرية التى ركز عليها الفيلسوف جيرمى ديـكين فى كتابه الأخير - حضارة التعاطف- والتى يرى أنها تمثل مستقبل الإنسانية فى القرون المقبلة بعد أن تمر بمرحلة العنف الدموى والإرهاب المعولم".

ولأن الراحل الكبير كان إخوانياً في مرحلة شبابه الأولى ثم تحرر من الانتماء لهذه الجماعة، فقد وصف مسلكيتها في إحدى كتاباته بأنها تمارس "سياسة خداع الذات الإخوانية". وذكر بحرفه:"لا يمكن وصف سلوك جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية بعد أن أسقط الشعب حكم الإخوان الديكتاتورى فى 30 يونيو إلا بخداع الذات! وقد برزت مؤشرات خداع الذات بالزعم الإخوانى أن الملايين التى خرجت فى 30 يونيو أقلية ولا يكونون أغلبية. والزعم الثانى أن 30 يونيو التى خططت لها المبادرة الشعبية التى تمثلها حركة «تمرد» هى انقلاب عسكرى وليست ثورة".

إن هذه المتابعة السريعة لعوالم المفكر الراحل السيد ياسين تدور على حواف بعض كتاباته؛ لكن التفرغ لقراءة أعماله لا تعادله متعة؛ فالدعاء أن يرحمه الله؛ إذ ترك فراغاً كبيراً على الشجرة حين سقطت ورقته.

*****
 
  فيس بوك يذكرني بكتابتي حول غياب علي مبروك

** ذكرى رحيل علي مبروك "مفكك فكر الخرافة ":
------------------------------------------------


أما الراحل الذي أعاد "فيس بوك" تذكيري بكتابتي المسبقة حوله؛ فهو الراحل الدكتور على مبروك الذي افتقده عالم التنوير الإسلامي في صباح الأحد 20 مارس 2016 م وكانت بداية معرفتي القرائية بعقل "علي مبروك" باقتنائي كتابه " ما وراء تأسيس الأصول - مساهمة في نزع أقنعة التقديس"، الذي اشتريته من أحد باعة الكتب في شوارع القاهرة خلال عطلة صيفية، وقد أدهشني الكتاب بعنوانه المتحرك في عوالم خفايا تأسيس الأصول، وزاد الأمر تشويقاً بعبارة "مساهمة في نزع أقنعة التقديس"، وفي هذا الكتاب عمل "علي مبروك" على كشف تمازج الديني والسياسي في العمل، واضعاً اليد على إشكالية ذلك التماهي الوجودي العميق، ومدى هيمنة الديني على السياسي، حتى صار السياسي يرتدي قناعاً دينياً في حياة الأمة.

وبذلك يقدم علي مبروك رؤية مقلقة حول كيفية تفكيك الديني عن السياسي، وصعوبات هذا التفكيك لدينا، وليكشف كيف أن هذا التمازج يؤسس لعجزنا الذي نشعر به ونراه، لأن هذا التماهي والتمازج لم ينتج لدينا سوى العقل التابع، لسطوة ما أسسه الشافعي والأشعري. وهو المعاكس لفعل التفكيك الذي صار في المسيحية بين العقيدة والسياسة.
وعليَّ الاعتراف شخصيا أن هذا العمل أسهم كثيراً في مساعدتي على فهم كثير من الظواهر التاريخية المهيمنة على عقولنا، ودفعني للبحث عن كل مؤلفاته التي تعيد النظر والتفكيك في تراثنا الإسلامي ونصوصه الحافة المؤسسة.

إن شعوري بغياب "على مبروك" فادح، لأنه أيضاً من أصحاب العقول الممنهجة؛ التي أضافت لي في رحلة المعرفة الكثير؛ وكلما أمسكت أحد كتبه قفزت إلى ذهني صورة وسيرة المرحوم الدكتور نصر حامد أبوزيد، فكلاهما تناول الإمام "الشافعي" بعمل فكري متميز، ونصر ابوزيد وعلي مبروك كلاهما من المدرسة الفكرية التنويرية الراسخة، التي رعاها المفكر الكبير الدكتور حسن حنفي أطال الله في عمره بانتاجه الكبير والثمين.

*****

كان الراحل "علي مبروك" مهجوساً بمصدرية الفكر المهيمن على حياتنا والمكبل لإمكانات التطور المنشود، ولا غرابة في ذلك لأنه ابن عقلية رواد التنوير، وعلى نهجهم مضى، يُشرع عقله في مساءلة الموروث، استكمالاً لجهد الآباء الأولين، في رحلة تحرير "العقل النقدي" من تكلسه التاريخي، واجتراره للمسلمات، واستسلامه للقداسات البشرية؛ المصنوعة لكلام البشر السابقين أيضاً، ممن صنعوا وقوننوا الجُدُر الحافة بصلابة حول النص القرآني المقدس، وجعلوا من أنفسهم الخاصة المميزين باحتكار تأويل كلام الله، وهو الكلام المنزل على قلب الرسول الأكرم للناس جميعاً من دون وساطة.

*****

كان "علي مبروك" خطوة إضافية في مشوار الوعي المعرفي العربي والمسلم، ليذكرنا بضربات طه حسين، وعلي عبد الرازق، ونصر حامد ابو زيد وسواهم، ممن ينبغي أن تفخر بهم الأمة، لأنهم حاولوا تحريرها من ركامات المستهلكات الفكرية. "علي مبروك" كان امتداداً شرعياً لهم. وكان إضافة جديدة للجيل التنويري العربي المعلم، ومنه الجابري وطرابيشي ومحمد الطالبي وعبد المجيد الشرفي، ومحمد مفتاح وطه عبد الرحمن، وعبد الله العروي ومحمد اركون، ومالك بن نبي والمهدي المنجرة، والعشرات ممن تروج أسماؤهم لدى النخب المهتمة بقضايا الفكر والعقل العربي والإسلامي. 

*****

إن مشروع "علي مبروك" الفكري ينبغي أن يلتفت إليه الكثير من المثقفين ممن يغيب عنهم رصد أعماله المميزة، والتي سيجدون في ضفافها الكثير من الجهد التفكيكي المهم المتصدي لفكر الخرافة والجمود. لذلك أعيد التذكير بغيابه داعياً له بالرحمة وخير الثواب جزاء إعماله عقله المعرفي. 

                                                                                 "رأفت السويركي"
------------------------------------

الثلاثاء، 21 مارس 2017

جورج طرابيشي علَّمني "كيف تحاور الحجة بالحجة"!


جورج طرابيشي علَّمني "كيف تحاور الحجة بالحجة"!
----------------------------------------

 

في الزمن الرقمي تغيرت قدراتنا، الحواسيب مثلت ذاكرتنا ومخزن ذكرياتنا. "فيس بوك" يمثل تطبيقا لهذا التحول الذي طالنا وجوديا؛ صار أكثر انضباطا ودقة بالتذكير بالمواقف والمناسبات. أذكر ذلك بمناسبة اعادة تذكيري باعترافي المسبق بافضال المفكر الراحل جورج طرابيشي على قدراتي في التفكر والتحليل والتفكيك المعرفي حول القضايا الخاصة بالعقل العربي والمسلم.


في تلك الكتابة أعلنتها واضحة من دون مواربة في إطار رد الفضل إلى أهله أن المفكر الراحل "جورج طرابيشي" هو أستاذي الذي علَّمني "كيف تحاور الحجة بالحجة"! ففي فضاء المعرفة المفتوح والاتصال غير المحدود بحدود أو موانع؛ يمكنك أن تكون طالباً في مدرسة من تشاء.

وعبر الكتب أدين بتربية عقلي وأدواتي؛ وتنمية قدرات حُجَّتي إلى كل كاتبٍ عكفتُ على كتبه؛ جامعاً حصاد اجتهاده المعرفي، وهم كُثْرُ، منذ بداية ارتباطي بالقراءة المتخصصة أو الحُرّة، والصفحات تنوء بأسمائهم الكريمة إذا ذكرتها، ولا يمكن أن أنسى فضل كل هؤلاء الذين ساهموا من بعيدٍ في تربيتي الفكرية.

اخترتهم عن طيبِ خاطر؛ حتى وإن لم أكن أظن يوماً أنني سأقترب من مؤلفاتهم، ومنهم من كانت تحيط باسمه الوصايا الحافة المُحذِّرة من الاقتراب مما يكتبون؛ إما بمفاهيم ومحاذير دينية؛ أو سياسية أو فكرية، لكن منهج تقييد العقول بالممنوعات والمحرمات، يُعطِّل فضيلة ينبغي على الإنسان أن يسعى إليها، انطلاقاً من أنه مأمور بالسعي، والتفكر والتأمل؛ لذلك اقتربت عقلانياً من كُلِّ صاحبِ حُجَّةٍ وبُرهانٍ، لاكتشاف عالمه الفكري، واختبار أدواته، حيث أنه بمنهج اللا ممنوع، يُمكنُك أن تُشكِّلَ عَقْلاً مُدْرِكَاً الحقيقة من جميع أوجهها، وتباينات النظرِ إليها.

*****

وكانت رحلة الاقتراب الراصد من جورج طرابيشي تتم في هذا السياق؛ خاصة وقد تنقل مشروعه بين الأنماط المختلفة من المدارس الفكرية؛ سياسياً وفلسفياً وثقافياً، بتنوع مدهش؛ جامعٍ بين الفكر النفساني، والسياسي القومي، والماركسي، والفلسفي، وكذلك حسب توصيف أستاذتنا الدكتورة اعتدال عثمان Etidal Osman "النقد الثقافي"؛ فدخل الفذ الراحل جورج طرابيشي في عوالم القامة الفكرية الكبيرة محمد عابد الجابري، في سِجَالٍ غير مُتناظر؛ حول مركزية فكرة "نقد العقل العربي" للجابري، وليقدم طرابيشي مشروعه المناظر في" نقد نقد العقل العربي".

وقد التهمت كتب العلمين الكبيرين؛ من دون انتماء أو تحيُّز لأيٍّ منهما، تحيز العصبية الفكرية؛ وتعلمت منهما الكثير، بل وفتح كلاهما لي خزانة البحث عن المرجعيات التي لم أكن أفكر يوماً في السعيِّ للحصول عليها، أو حتى تصفحها؛ لقِدَمِهَا، أو لصعوبة احتمال الصبر على التجوال في متونها، بلغتها الحجرية؛ وعنعناتها السردية طويلة النَفَس. 

وقد توَّجَ الراحل جورج طرابيشي مشروعه الفكري بمؤلفات متنوعة عديدة، أبرزت موسوعية طاقة عقله المبدع؛ ودأبه المعرفي الذي لا يَكل؛ ومهارته في كيفية بناء حجته، ومصدرية هذا البناء الحجاجي، التي لا تخضع للتهويمات، قدر اعتمادها على المعلومات من مصادرها، ليُقدم جهداً موثوقاً، عليك أن تحترمه؛ سواء قَبِلْتَ بما توصل إليه أو اختلفت معه؛ لأن طرابيشي، كان يُعلمك أيضاً: كيف تُحاوِر الحُجَّةَ بِالحُجَّة.

*****

إن مشروع جورج طرابيشي التنويري الجامع؛ والذي يبقى لنا بعد رحيله جسداً إلى حيث ترحل كل الخلائق، تحتاجُ إليه الأمةُ، للخروج من نفق ماضويتها العقلية؛ بكل أسطورياتها ومتخيلاتها، لتعيد تأسيس رحلةِ نهوضها من جديد؛ كي تسترد ما فقدته وهي متخلفة؛ ومتقاعسة في رحلة الحضارة.

وفي مناسبة غيابه، أعاد "فيس بوك"تذكيري مرتين بحادث الغياب المفجع الذي حرمنا طاقة عقلية فذة لها مالها وعليها ما عليها؛ لكن يكفي أنه حاول إثبات قدرة العقل العربي المغيب بممارسة التفكر تلك الفضيلة المفقودة لقرون في حياتنا.



                                                                                  "رأفت السويركي"
-----------------------------------

الخميس، 16 مارس 2017

قالها جورج طرابيشي: هكذا استقال العقل العربي " العقل... لا يكون عقلا إلاَّ إذا كان نقدياً"!!

قالها جورج طرابيشي: هكذا استقال العقل العربي

" العقل... لا يكون عقلا إلاَّ إذا كان نقدياً"!!
--------------------------------


في السادس عشر من مارس/آذار 2016م لفظت الشمعة آخر أنفاس ضوئها. ارتعشت عروق المصباح من فعل إنهاك وهو الذي لم يخمد اشتعاله وتوقده منذ بدأ رحلة الوعي؛ واستسلم المصباح إلى قدر كل الموجودات في الكون بفعل الكينونة "كن" فوضعت روحه نقطة النهاية في ختام السطر... ورحل جورج طرابيشي. 

*****

أكتب هذه الكلمات بمناسبتين جمع بينهما التوافق غير المرتب له؛ الأولى ذكرى رحيل المفكر العربي الكبير جورج طرابيشي والثانية صدور العدد 14 من الدورية الشهرية المغربية المتميزة "أفكار" التي يرئس تحريرها الباحث المتميز الأستاذ منتصر حمادة؛ وقد احتضن هذا العدد مقالتي التي كتبتها في إطار "ثقافة الاعتراف" بعنوان: "جورج طرابيشي... من هنا تبدأ رحلة اكتشاف الحقيقة"! لتكون هذه الكتابة رد فضل معرفي بسيط للمفكر الراحل الكبير.

 

وجورج طرابيشي بالنسبة لي أحد الذين تنطبق عليهم المقولة المشهورة المنسوبة إلى أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه: " من علَّمني حرفاً صرت له عبداً أربعين عاماً"، عبودية انصياع المُتعلّم القديم لخدمة المُعلِّم على سبيل المجاز رداً لدين تعليمه؛ بعيداً عن الوقوع في فخ ما تظنه بعض الفرق إشراكاً في عبادة الله؛ ودمجاً بين كُنْهِ الربوبية والإخلاص للمُعلِّم والعياذ بالله.

*****

جورج طرابيشي واحد ممن ساهموا بمشاريعهم الفكرية في بناء ذهنيتي ومقدرتي على فعل القراءة؛ منذ طفولتي، إذ أن كلاً منهم أضاف لقدراتي الكثير الكثير؛ طالما أنني تَخيْرتُه وطالعت كُتُبَه؛ وتعلمتُ من قدراته التعبيرية.

تعلمت من الراحل طريقته في التفكير التي تكشفها كتابته؛ ومنهجه في بِنَاءِ مَنْطِقِهِ؛ وتحريضه للعودة إلى المصادر المرجعية؛ لتتعرف إلى أساسات القضايا محل الاهتمام.

*****

حب القراءة العميقة في قضايا الفكر الجوهرية قادني إلى جورج طرابيشي؛ المتنوع المتنقل بين أقاليم الفكر السياسي والإيديولوجي، والنفسي، والنقدي والتنويري. جورج طرابيشي كان طائراً غير مهادن حلق في حقول مختلفة من الأفكار؛ وفق كل مرحلة من حياته المتراوحة بين الفكر القومي، والماركسي، والوجودي، والنفسي، وختامها في حقل الإبستمولوجيا؛ ولا ضير في ذلك لأنها تصنع عقلاً شاملاً متمرساً بكل أسرار وخفايا التفكير والإحاطة؛ ما يُنضج أدواته المعرفية والنقدية؛ فيكون خطابه عميقاً وقادراً على تلبية تحديات الحوار والانتقاد والمحاججة.

*****

لذلك فالراحل جورج طرابيشي كان قامة فكرية تُحْتَرَم لجديته في التفكير، وجرأته في خوض السجالات الفكرية؛ فضلا عن منهجه الإحاطي الشامل بتفاصيل القضايا التي يخوض غمار مناقشاتها ودراساتها؛ مع دأبه الذي لا يكل في تفكيك القضايا محل النقاش الذي يمارسه بعلمية قوية.

جورج طرابيشي قدم دراسات نقدية مبهرة لرواسخ علامات الفكر العربي الحديث؛ ومنهم الدكتور محمد عابد الجابري، والدكتور حسن حنفي والدكتورة نوال السعداوي، والعديد سواهم ممن خضعت أعمالهم الفكرية لمبضع التفكيك الذي مارسه جورج طرابيشي في عوالمهم الفكرية بالمبضع المناسب للحقل الابستمولوجي الذي ينتمون إليه.

وقد كان عمله الثمين المعنون بـ " نقد نقد العقل العربي" بأجزائه الخمسة يمثل سفراً فكرياً مهماً؛ تضمن تفكيكاً عميقاً لمشروع محمد عابد الجابري " نقد العقل العربي" بأجزائه الأربعة.

*****

لقد توصل جورج طرابيشي إلى أن استقالة العقل العربي من فعاليته الحضارية تعود إلى شروط وآليات ذاتية من داخله؛ جعلته منكمشا على نفسه؛ واشترط للنهوض... أن يقوم العقل العربي الإسلامي بشكل أخص بثورة عقلية من داخل ثقافته ليقلع باتجاه الحداثة؛ يُعيد الأولوية الفاعلة للنص القرآني؛ بعد أن هيمن النص الحديثي الذي تحيط به الكثير من الرؤي والتوجهات؛ في ضوء ما قام به الرواة والمدونون وأهل الفقه وهيمنة السياق السياسي وصراعاته على مقتضيات الرواية؛ فضلا عن اتساع الرقعة الجغرافية لانتشار العقيدة؛ وغلبة نزاعات الفرق وأهل الكلام؛ وانتشار الموالي في الحياة الإسلامية؛ ممن قاموا بتحويل الإسلام من القرآن إلى الحديث المتضخم في حجمه وإكسابه القداسة المعادلة للنص القرآني.

لقد ربط جورج طرابيشي بين "هيمنة أهل الحديث" وغياب العقلانية العربية الإسلامية؛ بانعدام الاجتهاد وتعطيله لوجود البديل الحديثي المهيمن بديمومة على الرغم من تاريخية الحديث؛ التي صارت تتحكم في النظر إلى المتغيرات ابنة زمان مغاير للزمان الماضي الذي أنتج الحديث.

*****

لقد اعتبر جورج طرابيشي "الإبقاء على المنظومة المعرفية القديمة والمفاهيم التقليدية إنما هو نقش على الماء؛ وأننا ينبغي أن نستنطق التراث للحصول على أجوبة جديدة تناسب أسئلة الأبناء؛ وأن " العقل لا يكون عقلا إلا إذا كان نقدياً".

لذلك قدم طرابيشي ذروة مشروعة الفكري في الجزء الخامس من مشروع "نقد نقد العقل العربي". والمعنون بـ "من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث." وأعتقد أن جهده العلمي والتفكيكي في هذا الكتاب يمثل علامة تنويرية بارعة؛ يمكن الاهتداء بها إذا أراد العقل العقدي أن يطور خطابه الديني!!

                                                                               "رأفت السويركي"
التعليقات:




د.أحمد يوسف هكذا استقال العقل العربي. لقد طالت هذه الاستقالة واستطالت .والسؤال متى يعود المستقيل؟ كنا بالأمس القريب نتحدث عن دور الطليعة والنخبة الحقيقية ومضى هؤلاء واحدا تلو الآخر. وامتدت الاستقالة إلى الجماهير العريضة المتعلمة تعليما يوصف بأنه عال والجماهير من عامة الناس. أعتقد يا صديقي أن أخطر ما أصيبت به هذه الأمة هو استقالة العقل والتسطيح والتغييب. فمتى نعود إلى خطة عملية منهجية؟ لقد وفقت حين تناولت هذا المفكر القومي العملاق وهكذا انت ذاكرة الأيام والأعلام. تحياتي


Raafat Alswerky الاستاذ الدكتور احمد يوسف كعادتك يا استاذنا تحمل هموم الامة وتشعر بالمأزق التاريخي الذي تعيشه وأزمتها وازمات نخبها والخطاب المهيمن، وما يساهم به في استمرار انتاج الأزمة. العقل العربي خسارته فادحة بغياب جورج طرابيشي وغياب بقية فراءيد العقد التنويري التي تمثل الضمير الحي لهذا العقل، والامل في شباب مفكري الامة ليواصلوا، او هكذا نتمنى. حفظك الله استاذنا لتواصل مشروعك الفكري في متون القران الكريم.


Hachmi Ahram فعلا كما تطرقت في مقالك أستاذنا الكريم الإسلام يحتاج إلى إحتجاج كبير من أهل العقل والفكر النقدي لإخراج الإسلام من النفق المظلم المعتمد على الفقه الحديثي المروي على الأهواء والذي رسخته أنظمة دكتتورية لإستمراريتها والتي تساير الزمن إلى وقتنا الحاضر . نعم تجريد الإسلام من مفهومه الفقهي والاعتماد على الإسلام الموحي (القرءاني) الذي يعتمد على القيام اﻹنسانية ورفع المظالم والاعتراف بالآخر والحرية والعدالة وعدم الاعتداء والقتل والتقتيل لمن لا يوفقني الرأي والابتعاد عن الكراهية والعنف وجعل العدالة الاجتماعية للجميع والإصلاح في شتى المجالات للقيام بالنهضة العلمية نعم النهضة العلمية ،بمقدورنا أن نكون ونرد وجودنا في هذا العالم اذا استقال العقل العربي من الدين لكنه يبقى مؤمنا على ما أوحى به الله

Raafat Alswerky سلمت الصديق Hachmi Ahram بهذه الإضافة المعلوماتية المهمة عن ضرورة اعتماد اسلام النص القراني وليس السياق الروائي الحاف والذي صنع منه الفقهاء حاجزا عطل فعالية النص السماوي لصالح الرواية البشرية. نتمنى ان يستعيد العقل العربي رشده المسروق ويعيد تقديم الصورة الحقيقية للإسلام.

Hachmi Ahram نتمنى هذا أستاذ Raafat Alswerky وخصوصا من المفكرين النقاد لأن المهمة صعبة جدا، ويصعب رفع هذا الحلم المخيم على كثير من التابعين لهذا النمط التديني المبني على الرويات والشيوخ الدالين على العنف والكراهية للآخر

Raafat Alswerky الكارثة ان هذا المهيمن الروائي عمره طويل وأدبياته بحجم الجبال، وقد تمكن من ركوب دابة الاتصالات الحديثة ليواصل هيمنته عبر التلفاز والهواتف، غير ان هذه الثروة الاتصالية تتيح التعرف الى الرأي الاخر لعل وعسى يتحقق التوازن ذات يوم.

Hachmi Ahram إن شاء الله


Ibrahim Henetar لم يستقيل ....بل مات

Raafat Alswerky تحياتي فناننا الكبير ابراهيم حنيطر، وقد وضعت يدك على الجرح، وايضاً في استقالة العقل وظيفيا موت.


Mostafa Rahma فعل بك مافعله بي دطه حسين ، كبير التنويرين ، چورچ طرابيشي تتبعته ثم عزفت عنه لأنه لايحط على حالة ومن ثم يجعل منها أسلوب تفكير يخصة وحده ، كانومتعدد المشارب ومعاركه كثيرة ، وأغلب كُتبه ردود على ردود ، أحترم خيارك مؤكد ، فأنت الأديب ومؤكد قرأت مالم أقرأه ، وامتلاكك للحرف لهو دال على ذلك

Raafat Alswerky تسعدني دوما الصديق الفنان التشكيلي مصطفى رحمة بتواصلك الثقافي المتنوع. ولا أخفيك القول ان الراحل جورج طرابيشي كان قدوة ثقافية لي بتنوع اهتماماته الفكرية والحقول التي خاض مجاهيلها. استفدت من نهجه كثيرا بالتنوع والعمق وقوة المحاججة. لك محبتي واعتزازي.

Abdellah Louriga شبه أحد أصدقائي -على سبيل فكاهة مرة - العقل العربي المعاصربعجوز ظل سنوات طويلة رهين عالمه الخاص منتشيا بثراتياته دون تمييز، فلما صدمته الحداثة ،ارتدى قشورها طلبا للشباب حينا ، ثم عاد إلى قوقعة عالمه القديم ناكصا في غالب الأحيان، في محاولات تبريرية سطحية تعكس مدى تمزقه ،لأنه لم يستطيع التـأسيس لحداثته الخاصة التي تعيد توازنه وتصالحه مع الذات والعصر بفكر نقدي له ما يكفي من آليات التفكيك والتركيب . والعهدة على المتفكه في سياق مبكٍ!! سلمت صديقي المنور.

Raafat Alswerky لقد اتيت بها صديقي البهي المبدع الاستاذ Abdellah Louriga. ازمة هذا العقل العربي كبيرة، حيث اصابه الترهل ولا اريد القول الخرف على الرغم من محاولات الرواد، لان الموروث القولي العميق مخيف، ويحتاج جهودا مذهلة في تفكيكه وهدمه من اجل إبراز الحقيقة. سلم حضورك الجميل.

Mountassir Hamada دام لك الانتصار لثقافة وأخلاق الاعتراف صديقي رأفت، ورحم الله الفقيد طرابيشي.


Raafat Alswerky سلمت الباحث الكبير الاستاذ منتصر حمادة ، وأشكر لك دعمك لجهودي واحتضان كتاباتي في اسلام مغربي وافكار الشابة، ودمت ايضا حامل مشعل مهم في حقل الفكر العقدي.


Mostafa Rahma لو سمحت ياأديب ، رشح لي عنوان أو اثنان لطرابيشي ، أريد التعرف عليه مرّة أُخرى  كل الشكر

Raafat Alswerky فناننا التشكيلي الكبير يمكنك ان تتفرغ وتستمتع بجهد جورج طرابيشي الفائق في كتابه:" من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث- النشاة المستانفة" من إصدارات دار الساقي؛ ويمكنك إرسال الإيميل الخاص على ماسينجر لكي أرسل إليك نسخة pdf إذا كنت من هواة القراءة الالكترونية؛ فحجم الكتاب يتجاوز الـ600 صفحة ويتضمن جهدا مميزاً.

Mostafa Rahma هاأبحث عنه ياأديب ، جربت وأنزلت بالفعل كتب على الآي باد ولم أقرأها  كل الشكر يارائع ، وأفدنا من علمك

Raafat Alswerky يمكنك أن تعثر على النسخة الورقية لدى مكتبة مدبولي أو اطلب منهم أن يوفروها لك.او في مكتبة الشروق المقابل لمكتبة مدبولي؛ واتنمى ان تستمتع به.


Fatima Zahra رحمة الله عليه. ..

Raafat Alswerky استاذتنا الفاضلةFatima Zahra حقاالراحل طرابيشي يستحق كل مشاعرنا الطيبة بجهده العقلي الكبير. أشكر حضورك الكريم.


Fayez Abd El Hady أخيرا تحقق املى فيك اخى وصديقى الأستاذ رافت السويركى بان تسعدنا من جديد و دايما بابداعاتك الثقافية والإنسانية لم ناخذ من اعماقك الا صفحات واعرف جيدا ان بداخلك موسوعة لاتنضب ابدا بارك الله فيك

Raafat Alswerky الصديق والأخ الغالي الاستاذFayez Abd El Hady هكذا دوما هو كرم اخلاقك الكبير الذي لمسته منذ عقود؛ كنت نعم الاخ والصديق والمهني الاعلامي المميز؛ لا حرمنا الله من محبتنا المشتركة أو تواصلنا. وحفظك الله واسعدك.
 

-----------------------------------------