تفكيك العقل النخبوي العقدي الماضوي المتسلف (60)
تحسسوا رقابكم... "كل من احتفل بعيد الأم يستحق قطع رقبته"!!
-------------------------------------------------
-------------------------------------------------
فتوى مباغتة للدكتور سالم عبد الجليل باستحقاق من يحتفل بعيد الام بقطع راْسه.
وقبل أن أعرف إجاباتكم العفوية البريئة والسعيدة، أحيطكم علماً بأنني رضيت بقضاء الله وما قدَّره؛ حيث انتقلت أمي بعد أبي إلى رحمة الله منذ سنوات؛ ما يجعلني أتجنب الوقوع في دائرة إقامة الحد الشرعي بهذه المناسبة الذي أشهره أحدهم للمرة الأولى بجرأة؛ وكان يمكن - لو أمي لا تزال حية - أن يتربص بي كما يتربص بكم، ويتوعدني كما يتوعدكم بالويل والثبور وعظائم الأمور!!
*****
خير وسيلة لتجاوز الهرب من قطع رقبة من يحتفل بعيد الام.
فصاحب هذه "المقولة القنبلة" التي والحمد لله لن تنطبق على رقبتي كما صارت تنطبق على رقابكم... هو الدكتور سالم عبد الجليل، وكيل أول وزارة الأوقاف المصرية الأسبق، ومكان إطلاقها برنامجه المُسمى "المسلمون يتساءلون" على قناة "المحور"؛ ومناسبتها التساؤل الافتراضي حول شرعية الاحتفال بما اصطُلح على تسميته "عيد الأم".
لذلك على كل منكم أن يتحسس رقبته بعمق؛ ويتخيل كيفية قطعها حسب الفتوى الألمعية لرجل الدين هذا؛ المؤدلج عقدياً بالرِّوايات، ويحمل درجة الدكتوراة التي لم تُتِحْ له وهو يعيش في العصر الحديث إعمال عقله؛ وتحريره من هيمنة بعض المرويات المتوارثة؛ ليفتي بكلماته القاسية باستحقاق من يحتفل بعيد الأم بقطع رقبته!!!
*****
وفي واقع الأمر أن خطاب العقل النخبوي العقدي الماضوي أو "المتسلف" حول ما يتعلق بموقف العنت الذي يبديه إزاء ممارسة الجمهور لبعض المسلكيات الاجتماعية ذات المردود الإنساني؛ يصلح أن يكون مادة دسمة لإجراء فعل التفكيك وكشف ما يخفيه؛ أو يَتَخَفَّى في مُتون كلماته من "المسكوت عنه".
فالدكتور سالم عبد الجليل الذي يأمر الناس بالمعروف وفق تصوره الشخصي؛ ويرفع عليهم حد قطع الرقبة عقاباً لممارستهم تقليداً اجتماعياً إنسانيا راقياً، يتعلق بتكريم الأم... يقع في المحظور الذي يُطارد به الناس؛ وهذا ما سيأتي كشفه وإيضاحه لاحقاً، بعد الانتهاء من تفكيك الخطاب الماضوي المتسلف في موضوعة الاحتفال بمناسبة تَعَارَفَ عليها الناس باسم "عيد الأم".
فتوى الحويني باعتبار عيد الام بدعة من الكفار
لكن معطيات التكنولوجيا التي يوظفها ليست من مستحدثات الغرب.
القرضاوي يعتبر عيد الام بدعة لا ينبغي اتباعها.
** ويعود القرضاوي في تصريح للمراوغة بقوله:" إذا كان لا بد من الاحتفال فلنسمه (يوم الأم) بدل (عيد الأم)؛ لأن فكرة العيد عندنا مرتبطة بالدين. ولا نود أن يكون لنا عيد غير عيد الفطر، الذي نحتفل فيه بإتمام الصيام لشهر رمضان، وعيد الأضحى، الذي نشارك فيه حجاج بيت الله الحرام في يوم حجهم الأكبر"!!
ياسر برهامي كالعادة اعتبر عيد الام مبدعة مرفوضة.
** وهذا سعيد عبدالعظيم النائب السابق لرئيس الدعوة السلفية يُفتي بالقول: "أعيادنا توقيفية تؤخذ دون زيادة ودون نقصان، وهي من أعظم شعائر الدين". أي " يوم الأضحى ويوم الفطر"؛ مضيفاً: "ولذلك فاستحداث عيد الأم وعيد الطفل وعيد الربيع وعيد العامل والمعلم، كلها من جملة الأعياد البدعية، والبدعة أحب إلى إبليس من المعصية وصاحبها ممن زُين له سوء عمله فرآه حسنًا... وعيد الأم ليس من العادات الحسنة بل هو من البدع القبيحة، ومن أراد تكريم الأمهات فعليه بالرجوع للكتاب والسنة".
*****
هل المشكلة التي نعيشها مع هذه الماكينات الإفتائية الاجترارية تعود إلى أشخاصهم المنبتة عقولهم الصلة بالعصر؛ فيما يستمتعون كل المتعة بمنجزات العصر وابتداعات الكفار من علماء الغرب؛ أم في أضابير الكتب والمراجع والمواقع التي يجترون منها الأحكام والأقوال؛ ليظللوا بقتامة لا حدود لها حياة الناس؛ عبر الإصرار الإفتائي على سبيل المثال بتحريم الاحتفال بهذا اليوم وسواه من مناسبات اجتماعية جرى التعارف عليها باعتبارها بدعة وتشبهاً بالغرب، وفعلاً "لم يقم به الرسول – ص- وصحابته والتابعون".
وحين يتأمل العقل التفكيكي فعل هؤلاء ممن يحملون اللقب القديم المسمى بالعلماء وهم يمارسون ما يُسمى "الإفتاء" ذهاباً وإياباً ويصرون على فرض الكآبة والجهامة على حياة الناس من أجل إثبات قاعدة المسمى التي يتشبثون بها؛ وأنهم "العلماء" فإنك تكتشف العجب العجاب:
• أولاً: هؤلاء يتحيزون فينظرون إلى العقيدة من منظور وحيد أحادي الجانب؛ قاعدته: التضييق قدر المستطاع في المسموح؛ منعاً لحدوث الإفراط وما يستتبعه من تفريط!!
• ثانياً: هؤلاء – خللا في منظورهم - لا يلمحون من معنى الحياة إلاَّ كل شقاء ومكابدة طمعاً في الفوز بالجنة؛ وما يستتبع ذلك من تهديد ووعيد وتلويح بالجحيم الذي ينتظر كل البشر.
• ثالثاً: هؤلاء يعيشون على استهلاك بضاعة قولية مُتَنَاقَلة؛ ومنظومات فقهية جامدة كانت صلاحيتها مناسبة لعصور الوقوع في الجُبِّ والحياة في الكهوف؛ متغافلين عن التطور المذهل الذي طال الحياة بتيسير الله، والهام خلقه من البشر مؤمنين كانوا أو كافرين على حد سواء، في إطار الأمر بالسعي في مناكبها ليأكلوا من رزقه؛ واستفادة من تعليم الله لآدم الأسماء كلها بنفحة التمييز بالعقل.
• رابعاً: هؤلاء يتغافلون عمداً وقصداً عن إدراك قاعدة "دوران الحكم مع العلة" ويخفونها؛ فيصرون على إبقاء الحُكْمِ وجُوبياً ولزوماً... مهما "انقضت العلة" وانتهت ولم يعد لها وجود؛ ليضمنوا هيمنتهم الوجدانية على الجمهور ترسيخاً لمُسمى العلماء الذي يحتكرونه!!
• خامساً: هؤلاء يُصرِّون على ممارسة "الوظائفية" طقوسياً أكثر من العمل بروح النصوص، المبني على فتوح حقيقية في "فهم النص" وإدراك ضرورات وتناسب الرواية لتاريخها الذي يتغير بتطور الحياة وتقدم الأزمان؛ وكلما أثقلوا سمع السائل بالأسماء والكنى والألقاب لمرجعياتهم؛ قاموا بالتلبيس على المتسائل؛ فيتبعهم صاغراً مقهوراً؛ لأنه لن يعلم أكثر منهم!!!
• سادساً: هؤلاء بحجج وأسانيد هامشية مرتدة إلى الأزمان الأولى... لا يَفْصِلُون في فهمم الظاهري المُسطَّح بين العادة الاجتماعية الحسنة التي ترسخ مسلكية محمودة واتبعها الناس وبين العادة التي تَجُرُّ إلى الزلل الأخلاقي.
إنهم يظلمون بذلك العقيدة الإسلامية المتوازنة والإنسانية النزوع؛ والتي يمكن أن تهضم في سياقها ما اعتادته الأقوام وأهل الديانات الأخرى خاصة ذات الجذور الخيرة... "صوم عاشوراء نموذجاً" وقد كان اليهود يؤدونه؛ فصار سُنَّةً إسلامية حميدة بقول الرسول "ص":َ "... فأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُم.ْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ".
• سابعاً: هؤلاء بدلاً من قيامهم بخدمة العقيدة عبر إبراز مكنوناتها الاجتماعية والأخلاقية؛ وما استوعبته واستنته من قواعد شاملة تراعي الإنسان ومشاعره؛ تراهم يُصرِّون على تقديم صورة العقيدة باعتبارها نصوصاً جامدة جافة وحادة وأنها لا تُغاير ما استنه الأوائل بتأولهم لخطابها وفق معطيات أزمنتهم؛ لذلك فالمُتَسلِّفون راهناً لا يُوظِّفون نهج السلف العقلي، بتحريك أو توسعة ما استنوه لاستيعاب المتغيرات الحادثة في الحياة إذا كانت حسنة؛ ولا تتصادم مع أحكام العقيدة في جوانب التوحيد وتداعياته العبادية!!
• ثامناً: هؤلاء يضعون على أبصارهم منظاراً لا يظهر لهم سوى عبارة "كل مستحدثة بدعة"؛ متناسين أنهم في عصرنا هذا يغرقون في التنعم بألوف المستحدثات والمبتدعات من المخترعات؛ أما بالنسبة لحياة الناس فيتجمدون عند الوقائع الماضوية في كل شيء؛ ويرفضون أية مسلكية مستجدة حتى لو كانت حسنة وتؤدي غرضاً إنسانياً جميلاً.
• تاسعاً: ألسنا كمسلمين أحق في الاحتفال بالأم من الآخرين الذين خصصوا يوماُ لها؛ يرفضه الماضويون؛ لتأكيد فعالية أهميتها ومنزلتها وأفضالها وجميلها علينا في هذا اليوم وفق نهج العصر؛ لأنه ينطلق من عقيدة التكريم المستمر لها والتي أمرنا بها ديننا؛ وقول الرسول الكريم "ص" : "أمك ثم أمك ثم أمك؛ ثم أبوك".
• عاشراً: لماذا يتناسى أصحاب العقل العقدي الماضوي المتسلفن أن الاحتفال بعيد الأم تذكيري في مناسبته ولا تترتب عليه مرفوضات أو مكروهات عقدية؛ بمعني إقامة مبتدعات شعائرية وعبادية؛ والوقوع في فخ التسمية... كما وقع القرضاوي بقوله:" فلنسمه (يوم الأم) بدل (عيد الأم)؛ لأن فكرة العيد عندنا مرتبطة بالدين"!!
*****
والسؤال الذي يُطرح على العقل العقدي الماضوي المتسلف لكشف المسكوت عنه الفاضح لظاهريته العقدية:
- ماذا تقول في قول النبي الأكرم "ص": "رضا الرب في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما" (رواه الطبراني) .
- وماذا تقول في اقتران حق الأم والأب بحق الله في الآية الكريمة: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) "الإسراء:23"؛ وقوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)"لقمان: 14".
- وماذا تقول في قول الرسول الكريم "ص" إلى "أسماء بنت أبى بكر عندما سألت النبي عن صلة أمها المشركة وكانت قدمت عليها؛ فقال لها: "نعم... صلي أمك"(متفق عليه).
- وماذا تقول في الدلالة الهائلة للنص القرآني الكريم:( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا..) "لقمان". فهل يدرك هذا العقل الماضوي المقولب معنى وقيمة مصاحبة المعروف للوالدين المشركين بالله؛ بل حتى وهما يُجاهدان الإبنَ للوقوع في الإشراك!
أبعد كل هذه المسموحات الإلهية والوصايا النبوية المكرسة لحق الحض على رعاية وتكريم الأم والأب لا يزال يتشبث العقل النخبوي العقدي الماضوي والمتسلف تعنتاً باعتبار عيد الأم من المبتدعات التي تتطلب قطع الرقاب!!
*****
والشىء بالشىء يُذْكَر؛ هل تأمل الدكتور سالم عبد الجليل صورته وسواه ممن أهلكوا الناس بالحديث حول البدعة؛ ليجد أنه يرتدي الساعة في يده اليسرى؛ والساعة مستحدثة من صنع الكفار؛ ويجلس على مكتبه وبجواره حاسوب ايضا من صنع الكفار؛ ويخاطب الناس عبر الشاشة التي صنعها الكفار؛ ويصل صوته المتوعد بقطع الرقاب عبر الاقمار الاصطناعية التي صنعها الكفار.
أليس ركوب الطائرات بدعة صنعها الكفار في الغرب؟
*****
لذلك يا أصدقائي اطمئنوا على سلامة رقابكم من القطع؛ وواصلوا الاحتفال بعيد الأم في توقيته... لأنه بدعة اجتماعية حسنة تؤكدها الوصايا الدينية ولا تتناقض معها، مع مواصلتكم رعايتها في كل الأوقات؛ بل وقولوا "نحن الأولى في الاحتفال بها" تكريما وتذكيراً بحق رعايتها لنا.
"رأفت السويركي"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق