-----------------------------------------------
لا يزال الجمهور العربي يعيش أزمة محيرة، تدور حول موضوعة وجود فكرة
المؤامرة من جانب ومن جانب آخر نفي وجود فكرة المؤامرة من الأساس. ولكل طرف
أسانيده الفكرية التي يظن أنها تدعم موقفه الفكري.
رافض وجود "فكرة المؤامرة" ينطلق من الشعور بأن الآخر المتهم بالتخطيط
والتنفيذ لفكرة المؤامرة لا يتحرك بهذا الشعور ولا حتى يفكر حوله؛ وأن
"فكرة المؤامرة" تعبر عن توهمات نفسانية وفكرية لدى الطرف الذي يظنها؛
وعليه أن يتخلص منها ويعمل بجدية أكثر ليفرض وجوده السياسي والفكري.
وعلى النقيض يأتي من يقتنع بفكرة وجود المؤامرة، والذي يبني موقفه من تحليل ثم توصيف ملابسات وجود هذه الافتراضية؛ ويدعم افتراضاته بكشف سيناريوهات وطبائع حركة الآخر القادر على حبك السيناريوهات وتنفيذها، وبالتالي حصد ثمار سيناريوهاته، وتحريك الأحداث في الاتجاهات التي يشاء أن توجه قوة الحركة.
في علوم المنطق والفلسفة توجد قاعدة تقول أنه "لا نفي لغير موجود"؛ بمعنى استحالة التفكير في موضوع ليس له وجود حقيقي، حتى وإن اختفى ظاهريا عن الحضور؛ إذ لا يمكن للذهن البشري أن يخترع كينونة فكرية لموضوع لا وجود له. ومن هنا يتداعي فلسفيا الموقف الرافض لوجود فكرة المؤامرة.
ولعل العقل الذي يروج لنفي وجود "فكرة المؤامرة" هو عقل منتم لسياق المؤامرة؛ حين يلقي بظلال الشك حول وجود فكرة المؤامرة؛ صرفا للنظر حولها ودراستها لكشفها والدعوة لمواجهتها؛ لذلك يستخدم في النفي تأسيس الشعور بأن الطرف الذي يتحدث عن "فكرة المؤامرة" لديه توهمات شعورية أكثر من القناعة بأن الآخر لا يتآمر ولكن يسعى لتحقيق مصالحه.
الآخر محل الوقوف في مربع الاتهام بالمؤامرة؛ هو عقل مستند إلى تاريخ فكري وسياسي عميق؛ يستخدم منهج السيناريوهات، التي يضعها في اطار نمط تفكيره الإداري، مستهدفا تعظيم المكاسب التي يسعى الى تحقيقها؛ أي أنه يتبع مسلك التخطيط المتغير للوصول إلى تحقيق أهدافه؛ وأحداث السياسة المتتالية تثبت ذلك ؛ من مراعاة المصالح الذاتية للطرف الآخر.
لعبة السيناريوهات؛ واستصناع الأزمات؛ وإدارة صناعات الأزمات المتنوعة هي التي تعبر عن "مفهوم المؤامرة"؛ ونفي وجود هذه النمطية من حركة الآخر يرتبط بفكرة نفي وجود المؤامرة الموجودة منطقيا.
حول إثبات ونفي "فكرة المؤامرة" ذكرني "فيس بوك" بكتابة سابقة نشرها لي موقع التنوير الإسلامي المتميز "إسلام مغربي"؛ وهنا أعيد تقديمها لأهمية قضيتها في حياتنا الفكرية والسياسية.
"رأفت السويركي"
-------------------
ولمزيد من الإيضاح، كما علمتنا أساسات المنطق الفلسفي؛ فإن نفي وجود الله كما يفعل الملاحدة، هو اثبات لوجود الله في الوقت ذاته، لأن العقل البشري، لا يمكن أن يقوم بفعل التفكر في موضوع غير موجود بالأصل، لذلك حينما تحاول نفي فكرة وجود الله، فإنك من دون أن تدري تثبت بالضرورة وجود الله في اللحظة ذاتها، إذ لا نفي لغير الموجود، ولا انتفاء لموجود بذاته، حتى وإن كان غير معلوم إلا بالضرورة، وهنا تعتبر قاعدة إثبات النفي والوجود لغير الموجود باطلة منطقيا، بحكم انتفاء وجود الموضوع، المطلوب نفيه أو إثباته!
ما تقود إليه هذه المقدمة، هي الإشارة المهمة التي قدم بها الباحث المتميز في الفكر التنويري الديني الصديق Mountassir Hamada الذي تروق لي متابعاته المهمة والجادة، لاتجاهات التفكير الإنساني بدأب علمي قيم، شاهد على عقليته التنويرية الكبيرة، ومشروعاته الفكرية المهمة مثل موقع "إسلام مغربي" ومجلة "أفكار"، وكلاهما أسعد بالتشرف والانتماء إلى قوائم كتابهما.
وقد تابعت إشارته الأخيرة إلى عدد مجلة "ايسبري" الفرنسية الراهن، واهتمام ذلك العدد بظاهرة عقيدة ‘المؤامرة‘ في الفكر الفرنسي المعاصر، ولفت اهتمامي هذا المحور بقوة، لأننا في ساحة التفكير العربي والإسلامي نصطدم كثيرا بوجود فكرة المؤامرة ونفيها، ونعيش صراعات الاثبات والنفي؛ بما يستنفد جهودا كبيرة، إما للنفي أو الإثبات، فيما القضية محسومة فكريا، منطقيا وفلسفيا، بوجود نهج المؤامرة وجودا، وإن كان التوصيف لتسمية الفكرة مختلفا، إذ يقوم الفعل ذاته على قاعدة التخطيط، فعلا ومفهوما.
ويلمس المتلقي المتفحص لطبيعة التناول في الكتابة، أن عدد الدورية الفرنسية، يهدف إلى نفي ‘فكرة الموءامرة‘، ونحن هنا إزاء فخ فكري بتكريس نفي الفكرة، إذ أن نفي ‘فكرة المؤامرة‘، يعد إزاحة لوجود منهج تفكير نفعي غربي، مبني على قاعدة تغليب حاكمية المصالح، وهو النهج الوجودي المتحكم في منهج حركة الآخر المتغلب في حياته؛ وقوائم دوافعه الوجودية، القائمة على قيمة الاستحواذ المطلق على ما دونه.
****
وإذا كانت لفظة "المؤامرة"، ذات ظلال مكروهة، معرفيا لنا، وتحيل في التفكير إلى الهامش القيمي، فإن جانبها الآخر المسكوت عنه، يستهدف في حقيقته صرف تفكير متلقي الخطاب عن التوجس إزاء ما يفعله الطرف الآخر، وما يقوم بترتيبه من مخططات أعماله وأنشطته الاقتصادية أو الانتاجية أو تدجين فعله واستئناسه في مواجهة ما يسعي إلى تحقيقه في لعبة الصراع الوجودي.
"المؤامرة" لفظيا، هي تسمية تعبر عن توصيف فعل الآخر، أو تحدد هدف الآخر، وتحيل في مضمونها إلى أنماط أفعاله غير الشريفة، أو غير الإنسانية في حركته في الحياة، لتحقيق هدفه الوجودي، وهو ماديا تحقيق أكبر هيمنة لقوى الرأسمال العولمية على المواد الأولية، والأسواق وتعظيم الربح، وهي فكريا، تشير إلى آلية فرض نمط تفكيره الثقافي والعقدي، من أجل خدمة هدفه الرأسمالي النازع إلى الهيمنة الكلية على الكوكب.
ومن هذا المنظور فإن "المؤامرة" ثقافيا، هي لفظ كاشف لعقلية التفكير القيمي المنحاز إلى موقفية فكرية سياسية محددة؛ تقوم على تحريم أو تعطيل المنهج ذاته الذي يمهد لإتاحة مبررات اعتاد نهج الاستغلال، وهو النهج المقام على توظيف قواعد العلم الكلية لتحقيق أهدافها الخاصة، وهي منهجية مراوغة منافية قصديا في الوقت ذاته لاستخدام الآخر منهج التحليل والتفكيك للخطاب عينه؛ الذي تحتكره لذاتها ومنفعتها، وتحرم في الوقت نفسه إعماله في الحقل المعرفي ليكون أداة دفاع وجودي لدى الطرف المستهدف المقابل، والذي يمثل مشروعا مرشحا للاستباحة؛ ممن يرفع لافتة نفي تفكير المؤامرة.
****
إن اصطلاح أو مسمى "المؤامرة"؛ هو لفظ من حقل تسمية مماثل للفظ أو مسمى ‘التكفير‘، ومعبر عن عقليتها، فاستخدام اصطلاح "التكفير"، هو توظيف اصطلاحي قيمي؛ منطلق من موقف قيمي، ظان بأنه بمفرده يمتلك صك قيمة الإيمان؛ لذلك يعكس التوصيف النقيض لما يظن أنه يحتكره على الطرف المقابل له؛ ليجرده من آلية الدفاع عن ذاته؛ ويضعفه، في فعل المجادلة حين إيضاح خرائط الكلام.
وما يدعو للدهشة أن من العقول العربية؛ من ينتهز استخدام هذا الاصطلاح تكئة لممارسة جلد الذات، والتقليل من أهمية الحديث حول فكرة المؤامرة؛ باعتبارها ممارسة لمسلكية المظلومية؛ مع غض البصر عن استدعاء آليات الدفاع الذاتية؛ أو إدراك عوامل الضعف الذاتية؛ التي تحيل إلى تزييف الوعي بالأسباب الموضوعية الذاتية إلى تربص الآخر ومخططاته.
*****
إن فكرة المؤامرة هي فكرة موضوعية، متحققة في الواقع؛ ونفيها فلسفيا ومنطقيا، يعتبر دليل اثبات لوجودها؛ وعلى حد قول الفلاسفة: أن إنكار الفلسفة هي فلسفة؛ ليثبت بالتواتر ان إنكار المؤامرة هي مؤامرة فعلا!!
"رأفت السويركي"
http://www.islammaghribi.com/%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D9%8A/%D9%86%D9%81%D9%8A-%D9%81%D9%83%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A4%D8%A7%D9%85%D8%B1%D8%A9-%D9%87%D9%8A-%D9%85%D8%A4%D8%A7%D9%85%D8%B1%D8%A9.html
-----------------------------------------------
وعلى النقيض يأتي من يقتنع بفكرة وجود المؤامرة، والذي يبني موقفه من تحليل ثم توصيف ملابسات وجود هذه الافتراضية؛ ويدعم افتراضاته بكشف سيناريوهات وطبائع حركة الآخر القادر على حبك السيناريوهات وتنفيذها، وبالتالي حصد ثمار سيناريوهاته، وتحريك الأحداث في الاتجاهات التي يشاء أن توجه قوة الحركة.
في علوم المنطق والفلسفة توجد قاعدة تقول أنه "لا نفي لغير موجود"؛ بمعنى استحالة التفكير في موضوع ليس له وجود حقيقي، حتى وإن اختفى ظاهريا عن الحضور؛ إذ لا يمكن للذهن البشري أن يخترع كينونة فكرية لموضوع لا وجود له. ومن هنا يتداعي فلسفيا الموقف الرافض لوجود فكرة المؤامرة.
ولعل العقل الذي يروج لنفي وجود "فكرة المؤامرة" هو عقل منتم لسياق المؤامرة؛ حين يلقي بظلال الشك حول وجود فكرة المؤامرة؛ صرفا للنظر حولها ودراستها لكشفها والدعوة لمواجهتها؛ لذلك يستخدم في النفي تأسيس الشعور بأن الطرف الذي يتحدث عن "فكرة المؤامرة" لديه توهمات شعورية أكثر من القناعة بأن الآخر لا يتآمر ولكن يسعى لتحقيق مصالحه.
الآخر محل الوقوف في مربع الاتهام بالمؤامرة؛ هو عقل مستند إلى تاريخ فكري وسياسي عميق؛ يستخدم منهج السيناريوهات، التي يضعها في اطار نمط تفكيره الإداري، مستهدفا تعظيم المكاسب التي يسعى الى تحقيقها؛ أي أنه يتبع مسلك التخطيط المتغير للوصول إلى تحقيق أهدافه؛ وأحداث السياسة المتتالية تثبت ذلك ؛ من مراعاة المصالح الذاتية للطرف الآخر.
لعبة السيناريوهات؛ واستصناع الأزمات؛ وإدارة صناعات الأزمات المتنوعة هي التي تعبر عن "مفهوم المؤامرة"؛ ونفي وجود هذه النمطية من حركة الآخر يرتبط بفكرة نفي وجود المؤامرة الموجودة منطقيا.
حول إثبات ونفي "فكرة المؤامرة" ذكرني "فيس بوك" بكتابة سابقة نشرها لي موقع التنوير الإسلامي المتميز "إسلام مغربي"؛ وهنا أعيد تقديمها لأهمية قضيتها في حياتنا الفكرية والسياسية.
"رأفت السويركي"
-------------------
نفي فكرة المؤامرة... هي مؤامرة!
- نشر بتاريخ الإثنين, 25 كانون2/يناير 2016 15:19
- كتب بواسطة: رأفت السويركي
في
أبسط قواعد المنطق الفلسفي المعروفة، يعد نفي وجود الشيء؛ قاعدة لإثبات
وجوده، لأن الموضوع المطلوب نفي وجوده، لا يتحقق انتفاء وجوده بنفي فكرة
وجوده بذاته، حيث التفكير في نفي وجود الموضوع غير المتحقق، لا يتحقق
منطقيا؛ إذ لا تفكير أساسا... في وجود موضوع غير موجود بالأصل.
*****
ولمزيد من الإيضاح، كما علمتنا أساسات المنطق الفلسفي؛ فإن نفي وجود الله كما يفعل الملاحدة، هو اثبات لوجود الله في الوقت ذاته، لأن العقل البشري، لا يمكن أن يقوم بفعل التفكر في موضوع غير موجود بالأصل، لذلك حينما تحاول نفي فكرة وجود الله، فإنك من دون أن تدري تثبت بالضرورة وجود الله في اللحظة ذاتها، إذ لا نفي لغير الموجود، ولا انتفاء لموجود بذاته، حتى وإن كان غير معلوم إلا بالضرورة، وهنا تعتبر قاعدة إثبات النفي والوجود لغير الموجود باطلة منطقيا، بحكم انتفاء وجود الموضوع، المطلوب نفيه أو إثباته!
ما تقود إليه هذه المقدمة، هي الإشارة المهمة التي قدم بها الباحث المتميز في الفكر التنويري الديني الصديق Mountassir Hamada الذي تروق لي متابعاته المهمة والجادة، لاتجاهات التفكير الإنساني بدأب علمي قيم، شاهد على عقليته التنويرية الكبيرة، ومشروعاته الفكرية المهمة مثل موقع "إسلام مغربي" ومجلة "أفكار"، وكلاهما أسعد بالتشرف والانتماء إلى قوائم كتابهما.
وقد تابعت إشارته الأخيرة إلى عدد مجلة "ايسبري" الفرنسية الراهن، واهتمام ذلك العدد بظاهرة عقيدة ‘المؤامرة‘ في الفكر الفرنسي المعاصر، ولفت اهتمامي هذا المحور بقوة، لأننا في ساحة التفكير العربي والإسلامي نصطدم كثيرا بوجود فكرة المؤامرة ونفيها، ونعيش صراعات الاثبات والنفي؛ بما يستنفد جهودا كبيرة، إما للنفي أو الإثبات، فيما القضية محسومة فكريا، منطقيا وفلسفيا، بوجود نهج المؤامرة وجودا، وإن كان التوصيف لتسمية الفكرة مختلفا، إذ يقوم الفعل ذاته على قاعدة التخطيط، فعلا ومفهوما.
ويلمس المتلقي المتفحص لطبيعة التناول في الكتابة، أن عدد الدورية الفرنسية، يهدف إلى نفي ‘فكرة الموءامرة‘، ونحن هنا إزاء فخ فكري بتكريس نفي الفكرة، إذ أن نفي ‘فكرة المؤامرة‘، يعد إزاحة لوجود منهج تفكير نفعي غربي، مبني على قاعدة تغليب حاكمية المصالح، وهو النهج الوجودي المتحكم في منهج حركة الآخر المتغلب في حياته؛ وقوائم دوافعه الوجودية، القائمة على قيمة الاستحواذ المطلق على ما دونه.
****
وإذا كانت لفظة "المؤامرة"، ذات ظلال مكروهة، معرفيا لنا، وتحيل في التفكير إلى الهامش القيمي، فإن جانبها الآخر المسكوت عنه، يستهدف في حقيقته صرف تفكير متلقي الخطاب عن التوجس إزاء ما يفعله الطرف الآخر، وما يقوم بترتيبه من مخططات أعماله وأنشطته الاقتصادية أو الانتاجية أو تدجين فعله واستئناسه في مواجهة ما يسعي إلى تحقيقه في لعبة الصراع الوجودي.
"المؤامرة" لفظيا، هي تسمية تعبر عن توصيف فعل الآخر، أو تحدد هدف الآخر، وتحيل في مضمونها إلى أنماط أفعاله غير الشريفة، أو غير الإنسانية في حركته في الحياة، لتحقيق هدفه الوجودي، وهو ماديا تحقيق أكبر هيمنة لقوى الرأسمال العولمية على المواد الأولية، والأسواق وتعظيم الربح، وهي فكريا، تشير إلى آلية فرض نمط تفكيره الثقافي والعقدي، من أجل خدمة هدفه الرأسمالي النازع إلى الهيمنة الكلية على الكوكب.
ومن هذا المنظور فإن "المؤامرة" ثقافيا، هي لفظ كاشف لعقلية التفكير القيمي المنحاز إلى موقفية فكرية سياسية محددة؛ تقوم على تحريم أو تعطيل المنهج ذاته الذي يمهد لإتاحة مبررات اعتاد نهج الاستغلال، وهو النهج المقام على توظيف قواعد العلم الكلية لتحقيق أهدافها الخاصة، وهي منهجية مراوغة منافية قصديا في الوقت ذاته لاستخدام الآخر منهج التحليل والتفكيك للخطاب عينه؛ الذي تحتكره لذاتها ومنفعتها، وتحرم في الوقت نفسه إعماله في الحقل المعرفي ليكون أداة دفاع وجودي لدى الطرف المستهدف المقابل، والذي يمثل مشروعا مرشحا للاستباحة؛ ممن يرفع لافتة نفي تفكير المؤامرة.
****
إن اصطلاح أو مسمى "المؤامرة"؛ هو لفظ من حقل تسمية مماثل للفظ أو مسمى ‘التكفير‘، ومعبر عن عقليتها، فاستخدام اصطلاح "التكفير"، هو توظيف اصطلاحي قيمي؛ منطلق من موقف قيمي، ظان بأنه بمفرده يمتلك صك قيمة الإيمان؛ لذلك يعكس التوصيف النقيض لما يظن أنه يحتكره على الطرف المقابل له؛ ليجرده من آلية الدفاع عن ذاته؛ ويضعفه، في فعل المجادلة حين إيضاح خرائط الكلام.
وهكذا يكون التشهير بتوظيف "اصطلاح المؤامرة"؛ ومحاولة ممارسة السخرية من
الفكرة ذاتها، والتقليل من اهميتها، ومحاولة إبراز تهافتها، ادعاء بأنها
تمثل هاجسا مرضيا؛ دالا على ضعف الذات، ووسيلة هروب من مواجهة هذا الضعف
الحضاري، تعطيلا لاستخدام منهج التحليل والتفكيك للخطاب النافي لنهج
التخطيط المقصود من الاخر، بهدف كشف محموله السياسي، الذي يقصده الطرف
الباث في إطار صناعة فكر المؤامرة.
وما يدعو للدهشة أن من العقول العربية؛ من ينتهز استخدام هذا الاصطلاح تكئة لممارسة جلد الذات، والتقليل من أهمية الحديث حول فكرة المؤامرة؛ باعتبارها ممارسة لمسلكية المظلومية؛ مع غض البصر عن استدعاء آليات الدفاع الذاتية؛ أو إدراك عوامل الضعف الذاتية؛ التي تحيل إلى تزييف الوعي بالأسباب الموضوعية الذاتية إلى تربص الآخر ومخططاته.
*****
إن فكرة المؤامرة هي فكرة موضوعية، متحققة في الواقع؛ ونفيها فلسفيا ومنطقيا، يعتبر دليل اثبات لوجودها؛ وعلى حد قول الفلاسفة: أن إنكار الفلسفة هي فلسفة؛ ليثبت بالتواتر ان إنكار المؤامرة هي مؤامرة فعلا!!
"رأفت السويركي"
-----------------------------------------------