السبت، 21 يناير 2017

تفكيك العقل النخبوي الأميركي السياسوي (57) خطاب "ترامب"... ارتداد للداخل يفضح توحش "العولمة الأميركية"!!

تفكيك العقل النخبوي الأميركي السياسوي (57) 

خطاب "ترامب"... ارتداد للداخل يفضح توحش "العولمة الأميركية"!!
-------------------------------------------------



حين يتأمل العقل التفكيكي خطاب تنصيب دونالد ترامب في عملية تفكيك أولية وسريعة يضع يده بوضوح على مفردات جديدة ومغايرة لنمطية الخطاب السياسوي لحزب الصقور الأميركي أي الحزب الجمهوري.

- كان خطاب ترامب غريبا وغير متوقع في محموله السياسي؛ ومغايرا لكل الثوابت المنتظرة من رئيس ينتمي إلى اليمين الأميركي الفظ السلوك؛ وصاحب الكوارث البنيوية التي طالت مناطق كثيرة في العالم بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وتداعي منظومة الدول الشيوعي، وخلال مرحلة بوش الجمهوري بتفتيت العراق.

- كان خطاب تنصيب ترامب مثيرا في مفاجآته السياسوية؛ ومباغتا لكل المراقبين والمتابعين والباحثين؛ بتعهده اعتماد "رؤية أميركية جديدة للحكم" منظورها هو "أميركا أولا " في الشؤون الخارجية والضرائب والتجارة والهجرة.

- كان خطاب ترامب شعبويا اكثر مما كان متوقعا أن يأتي تكريسا لشراسة قبضة منقار النسر الأميركي.

- كان خطاب ترامب قاسيا في تحديد تحدياته المقبلة التي سيخوضها؛ إذا كانت المعطيات التي سيتكىء إليها تعكس تحولا بنيويا لدى تفكير حزبه الجمهوري ومكاتب التفكير التي ترسم له حدود سيناريوهات الحكم الأميركي الجديد.


*****

لقد رفع ترامب في خطابه أصبع الاتهام إلى قوى اقتصادية ونخبوية أميركية عاتية ليس من السهولة أن يقف منفردا في مواجهتها لشراستها البنيوية.

** ترامب يتحدى علامات "الرأسمالية العولمية الأميركية المتمركزة"؛ والتي تمددت عولميا، انسحابا من الارض الاميركية لتقيم المصانع في أطراف العالم استغلالا لقيمة "تعظيم الربح" نتيجة هزالة الأجور في تلك الدول؛ وغزو أسواق جديدة، وصنعت من "نيويورك" بورصة العالم اكتفاء بتحريك ودولرة الاقتصاد العالمي، فيما فككت الصناعات الأميركية، فتناقصت فرص العمل للأميركيين؛ وازدادت معدلات البطالة والتعطل، لذلك يعود ترامب للتأكيد على استرداد قيمة التصنيع الأميركية التي بدأت منها مشروعية "تطور نظام الرأسمالية" العالمية قبل أن تنطلق إلى "طور العولمة".

** ترامب يتحدى النخبة الأميركية السياسوية والاقتصاديوية والأدارية الحافة بالرأسمالية الأميركية المركزية المتعولمة من النخب الأميركية التي وصفها بالقلة من الحكومة والتي تتمركز في واشنطن العاصمة، موجها لها الاتهامات بأنها كدست الثروات والمميزات على حساب جموع الأميركيين؛ بقوله البين : "السياسيون في بلادنا عاشوا برخاء لوقت طويل بينما الوظائف تقلصت والمصانع أقفلت".

** ترامب الراسمالي الأميركي. يحمل شعورا عميقا باشكالية بنيوية في المجتمع الأميركي فيما يتعلق بأزمة الطبقة الأميركية الفاعلة بقوله : "لقد تمت سرقة الطبقة الوسطى في بلادنا ولكن هذا أضحى في الماضي الآن، سأحارب من أجلكم ولن أخذلكم أبداً".

** ترامب يشعر بالتشوهات البنيوية الأميركية التي كما طالت الطبقة الوسطى، تدمر "الطبقة العمالية" نتيجة "عولمة الصناعة"؛ مؤكدا أن أميركا ستعود من جديد في أيدي العمال، وسيتم اتباع سياسة "اشتر منتجات أميركية ووظف عمال أميركا".

** ترامب في خطابه يستشعر خطر التلاشي الهوياتي النوعي للاميركيين؛ عبر فقدان النموذج الأصولي الوطني، بغياب الحضور الأميركي الذي كانت تحمله وتروجه المنتوجات الاصطناعية الأميركية إلى العالم، لتحل بدلا عنها المنتجات الحاملة للإسم الياباني والصيني والأسيوي والأوروبي.

  

** ترامب في خطابه يضع يده بوضوح على الأزمة الأميركية الوجودية المتمثلة في تردي مستويات البنية الأساسية الأميركية، لذلك سيسعى الى إعادة أمجادها المتمثلة في بناء شبكات الطرق الجديدة والجسور والأنفاق، والمطارات والسكك الحديدية والمصانع والمدارس في جميع الولايات الأميركية. 

** ترامب في معادلة صعبة يعيد الاعتبار إلى احياء شعور "الكينونة الوطنية الأميركية" بقوله بالتحديد "إن الحكومة موجودة لخدمة بلادها ومواطنيها، مدارس جيدة وأحياء آمنة ووظائف جيدة للأميركيين، وهى مطالب معقولة". وقد وصفها بقوله إن إدارته ستعيد الوظائف إلى البلاد، في تطبيق لقاعدة بسيطة، وهي "اشتر منتجات أميركية ووظف مواطنين أميركيين"؛ وأن " أية صفقة تجارية سيتم عقدها من الآن فصاعدا مع دول العالم، ستضع في الاعتبار الولايات المتحدة أولا".

** ترامب يفضح الرأسمالية الأميركية البشعة التي حولت المجتمع الأميركي بانسحابها داخليا إلى مجتمع يعاني مشكلات وجود "أمهات وأطفال فى دائرة الفقر، ومصانع موزعة كالمقابر، ونظام تعليمى يحمل كثيرا من النقد، ويترك الطلاب محرومين من كل معرفة، والجريمة والعصابات والمخدرات التى سرقت الكثير من الأرواح...".

** ترامب مقابل الاصابع التي وجهها إلى الداخل الأميركي وجه أصابعه إلى الخارج : "سوف نسعي في تشكيل صداقات مع دول العالم بما يتناسب معنا، ومن حق كل الدول ان تضع مصالحها أولا، ولن نفرض أنفسنا علي أحد، وسنوحد العالم ضدالإرهاب المتطرف وسوف ننهي عليه تماماً".
** ترامب حدد الاٍرهاب خصمه الاستراتيجي، مؤكدا أن إدارته "ستواجه الإسلام الراديكالي وتستأصل الإرهاب من على وجه الأرض" .

** ترامب تعهد في خطاب الداخل وهو خطاب الأساس بـ"ببناء البلاد، واستعادة الحلم، وتنفيذ المهمة"، لذلك حبَّذا لو درست النخب العربية مهما كان موقعها السياسوي والأيديولوجي خطاب ترامب لإدراك حجم وطبيعة المتغيرات التي تشهدها أميركا، واهمية واقعية تكتيكات تغيير خطابها بما يتناسب مع التحولات الهيكلية للمجتمعات الحية.

*****

  

لو كان الرئيس الأميركي الجديد "دونالد ترامب" في خطابه الأول بعد التنصيب ينتسب إلى "الحزب الديموقراطي" المنافس لكانت طروحاته متسقة مع المفهوم الحزبي الديموقراطي؛ غير أن "برجماتية " العقل السياسوي الأميركي تسوِّغ للسياسي الانتقال بين المربعات المتغايرة بمبرراته النفعية. 

لذلك فخطاب دونالد ترامب الجمهوري يحول الاهتمام من جديد الى الداخل الأميركي ليكشف المسكوت عنه السياسوي بثقل الأزمة البنيوية الأميركية التي تعاني ديونا مذهلة الحجم؛ وانسحاب الرأسمال الأميركي من الداخل المحلي الى أطراف الكوكب مستثمرا صناعيا؛ ما أحدث تشوهات خطيرة في الواقع الأميركي بالأمراض الاجتماعية الأكبر. إنه يفضح بصراحة طور توحش الرأسمالية العولمية الأميركية، لذلك يقول للأميركيين شعبويا "الآن سيتغير الوضع. هذه هي لحظتكم". 

"رأفت السويركي"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق