تفكيك العقل النخبوي الأكاديموي في "السوشيال ميديا" ( 55)
لسان حال بعضهم يقول: كم أنت مزعج... أيها الرئيس السيسي!!
-------------------------------------------------------------
نُخبُ وسائط التواصل الاجتماعي "السوشيال ميديا" من الأكاديميين المصريين الاختصاصيين في "علوم السياسة" من دون ذكر أسمائهم هُنَا بعضها تنام وتقوم سواء داخل مصر وخارجها؛ وهي تفتح حساباتها على "فيس بوك"؛ و"تويتر" لتعيش هذه الأيام حالة من الإجهاد الخارج عن إرادتها... وهي تتابع اضطراراً الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ هذا الرجل الذي يُحيِّرُها ويرفع درجة حنقها وضغطها؛ لأن متابعته في حركته فعلاً صارت عملية مرهقة.
وهذه النخب تحمل طبولها اضطراراً و"هَاتْ يا دَقْ"؛ مع أية كلمة أو حركة يأتي بها السيسي... سواء أشار بأصبعه؛ أو احتضن راحتي كفيه؛ أدى التحية أو جفف جبينه أو دموع عينيه بالمنديل؛ ابتسم أو قهقه؛ أبدى لمحة غضب أو نظرة رضا، قبل رأس طفلة صغيرة أو سيدة كبيرة هي أم شهيد!!
هذا الرجل بمرور الأيام بالنسبة إليهم... مُتعب؛ مُزعج؛ فهو لا يتوقف ولا يهدأ... افتتاح مشروع هُنا؛ وتدشين شبكة طرق هُناك؛ تتويج تخطيط هُنا؛ وطلب تحقيق مطلب هُناك؛ توجيه مُلاحظة هُنا وتأكيد تعليمات هُناك.
*****
مزاج بعض هذه النخب الأكاديموية - من أساتذة الجامعة - الجمعي الذي تلمسه في تدويناتهم تجده "شعبوياً" ناقماً؛ يتساءل: ما جدوى هذا التكريس الإنشائي في الداخل المصري... في صورة مساكن؛ مصانع؛ مزارع؛ مصائد؛ مسالك ومعابر؛ موانىء ومطارات؛ تقسيمات إدارية متطورة للمحافظات؛ تصورات تنموية جديدة، وتكليفات بإنجازات فورية؛ زيارات واتفاقات، وسيناريوهات اقتصادية براقة؛ والحرص بالإعلان عنها وإنجازها قبل انقضاء المرحلة الأولى من رئاسته. ثم ما كلفة هذه المشروعات التي تزيد الديون أكثر؛ ومتى ستحقق عوائدها؟!!
وتتناسى هذه النخب التي تنافس "العقل الشعبوي" في منظورها السياسي؛ أن هناك حاضنة جماهيرية واسعة "شعبوية التفكير غير أنها وطنية الوجدان" تلتف حول السيسي؛ الذي يَرْتَكِنُ إليها باطمئنان معتمداً في تجاوز مشكلاتها على الظهير المؤسساتي الوطني الذي تمثله المؤسسة العسكرية المصرية؛ بكل التزامها ودقة توقيتها؛ وإدراكها أنها بتوجيهاته تتولى "إدارة أزمة" وطن؛ يخوض حرباً ضروساً في الداخل المتهالك اقتصادياً؛ والخارج المحيط المتربص بإرهابه العقدي المتسيس والمتخلف فكرياً وحركياً منذ أعاد السادات زراعته في تراب الوطن بعد رحيل جمال عبد الناصر؛ فكبر وتسرطن في عهد مبارك؛ ذلك العهد الذي شهد بالاضافة الى ذلك تتويجاً لفساد اداري غير مسبوق في مصر تُضرب به الأمثال.
لكن السيسي "هذا الرجل المُزْعِج" الذي ترى إليه هكذا نُخب "السوشيال ميديا" من بعض أساتذة الجامعة؛ يُصرُّ على إصابتها بالإحباط أكثر؛ فيفعل ما قام بدراسته مع المؤسسة الوطنية العسكرية؛ وخطط إليه وأداره بإصرار، حتى تتماسك الدولة الهشة والمصابة بسرطان الفساد فتراه أنجز كل شيىء بنعومة؛ والناس كلها ساكنة في سكونها أملاً في وعود ذلك المنقذ من الإخوان والتردي الاقتصادي، حتى وإن أبدت شكاواها من ارتفاع الأسعار الذي يؤلمها؛ فإنها تثق أن القادم أجمل لها ولأولادها أكثر.
** هل تُراهن نُخب "السوشيال ميديا" وتحديداً من بعض أساتذة الجامعات المتسيسين على شيء؟!
الاقتراب من "شعبوية" عقل هذه النخب يكشف تهافت خطابها السياسوي. وحين تحاول البحث عن ملامح مشاريعها السياسية البديلة؛ لعلها تكون أفضل مما يطرحه وينفذه عبد الفتاح السيسي في الوقت الراهن؛ فإنك لا تمسك لدى أي منهم مشروعاً متكاملاً؛ يُمكن أن يختطفك من قناعات "الضرورة والواقعية" التي تدعم لديك ضرورة حضور المؤسسة الوطنية العسكرية المصرية بقوة؛ والدور الذي يؤديه الرئيس عبد الفتاح السيسي راهناً!
وتدلف إلى كتاباتهم في أعمدة الصحافة الورقية والمواقع الالكترونية، لعلك تجد المشاريع البديلة تلك فلا تخرج سوى بانطباعات الابتسام الساخر، وهز الرأس عجباً مما بددت وقتك في مطالعته لديهم. ثم تستهلك وقتك أكثر بالتجوال في صفحات مدوناتهم؛ فتشعر بانفصالهم عن فهم الواقع وجُلُّهُم أساتذه في العلوم السياسية والاجتماعية؛ لذلك تؤنب نفسك أنك اهتممت بخطاباتهم.
ليس لدى نخب "السوشيال ميديا" من أساتذة العلوم السياسية هؤلاء سوى عبارات دالة على "عقلهم الجمعي" الملامس لــ"الخطاب الشعبوي" من مثل نوعية: "يجب أن يعود العسكر إلى معسكراتهم"؛ "على الجيش أن يتفرغ فقط للدفاع"؛ "مادخل الجيش في إنشاء المشروعات"؛" لماذا لا يفوض السيسي رجلاً مدنياً للحكم وينسحب هو لموقعه في الدفاع؟"؛ "مطلوب أن تكون الدولة مدنية في مصر"؛ " يجب على الرئيس السيسي حين يتحدث ألاَّ يرتجل الكلام"؛ "لماذا يظهر السيسي في افتتاح المشروعات وهو تحيط به القيادات العسكرية؟"! "ما جدوى المشروعات العملاقة التي تقام الآن"... وقس على ذلك الكثير من العبارات الدالة على تهافت خطاب تفكير هذه النُخب؛ وانفصالهم عن تفكير علم السياسة الذي يلقنونه لطلابهم!
*****
إذا كانت هذه النخب "السوشيال ميديوية" من أساتذة الجامعة... ذات انتماءات دينية وعقدية؛ ألا تعرف ما يُسمى "فِقْه الضرورات"؟ وإذا كانت هذه النخب ذات قناعات وتوجهات إيديولوجية... ألا تعرف ما يُسمى "تَقْدِير الموقف"؟ وإذا كانت إعلاموية ألا تعرف ما يُسمى "بنيوية الواقع"؛ ألا تعرف كل هذه النخب ما يُسمى "سيناريوهات الاستراتيجية" وفعاليالت "مراكز التفكير" (think tanks) ؟
*****
كنت أتمنى على العقل النخبوي الأكاديموي المهيمن في ساحات "السوشيال ميديا" أن يُقدِّم ما يَدل على جدارته السياسية، ومنها على سبيل المثال:
- ذلك الأستاذ الجامعي المنتقد "رايح جاي"... لماذا لا يتوقف عن مسلكية رد الفعل القولي على حركيّة عبد الفتاح السيسي التي ينتقدها، ويبادر بتقديم تصور تنموي أكاديموي مناسب وفق تصوره العظيم يمكن به حل مشكلات الراهن وبناء المستقبل؟ هذا لم يحدث اكتفاء بالانتقاد الشعبوي الغاضب.
- وهذا الأستاذ الجامعي الناقم دوماً، لماذا لا يُقدم تصوراً موثوقاً به حلاً لمشكلة اهتراء الطرق وفقرها في مواصفات السلامة، وكيفية تحقيق خريطة بنية تأسيسية جديدة عبر شبكة ممرحلة لربط أقاليم التنمية النوعية في مصر؛ وهذا لم يحدث.
- وذلك الأستاذ الجامعي الغاضب دوماً، لماذا لم يقدم تصوراً لمشروع وطني لمحو الأمية الالفبائية المخيفة في مصر؛ أو يتطوع بتقديم تصور للتأهيل المهني والحرفي للصناعات الجديدة والمستقبلية في مصر؛ وهذا لم يحدث.
- وهذا الأستاذ الجامعي المتوتر دوماً، لماذا لم يقدم تصوراً واقعياً لكيفية تطوير الحياة السياسية المدنية في مصر؛ وكيفية الارتقاء بأجنة ما تُسمى الأحزاب المدنية الوهمية؛ وهذا ما لم يحدث.
- وذلك الأستاذ الجامعي الحزين دوماً، لماذا لم يقدم دراسة تحليلية موثقة لطبيعة القوى الاجتماعية في مصر ومعايير قوتها؛ وكيفية حفزها للمشاركة الاجتماعية والسياسية؛ وهذا لم يحدث.
- وهذا الأستاذ الجامعي المُتعالي والمغتر وهماً دوماً، والمستهزىء بطبيعة الحركة في الواقع الراهن لماذا لم يقدم دراسة تحليلية لطبيعة وهوية القوة المهيمنة من الرأسمالية الطفيلية وأضرارها؛ وكيفية إجبارها على المساهمة في تطوير الواقع وحل مشكلاته؛ وهذا لم يحدث.
- وذلك الأستاذ الجامعي المتأدلج... لماذا لم يُطور أدواته العلمية وكذلك فهومه الإيديولوجية، ويقدم دراسة معاصرة تكون معياراً لكيفية تطوير أدوات أو قوى التغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في مصر؛ بما يتناسب والتحولات الهيكلية العولمية. وهذا لم يحدث.
ان خطاب أغلبية عناصر "النخب السوشيال ميديوية" المصرية مزري المستوى؛ ويفضح في الوقت نفسه المستوي التعليمي الأكاديموي الهش لبعض أساتذة الجامعة في علوم السياسة؛ والذين ينتجون شباباً يتجمع في "الحظيرة الافتراضية" التي تصنعها وسائل التواصل الاجتماعي؛ لتقولبهم قُطْعَانَاً؛ تجمعهم "تغريدة" في "تويتر"؛ وتقلب مفاهيمهم "تدوينة" في "فيس بوك"؛ وتخدع خيالاتهم "صورة " صنعها "فوتوشوب" ويجري تعميمها في "إنستغرام"؛ وتحرك ألسنتهم الببغائية "تسريبة مكذوبة" تنتشر كالنار في الهشيم وتتصدر الترندات!!
هذه العقول النخبوية الأكاديموية الغاضبة التي تحولت إلى نخب للـ "سوشيال ميديا" مزرية الخطاب؛ تكتفي بكتابة صرخات ولطميات كلامية؛ ولسان حال تدويناتهم يقول: كم أنت مزعج... أيها الرئيس السيسي!... تعمل ونحن نكتفي من الأمر بالكلام؛ لعلك تلتفت لبعضنا ذات مرة بلقب "سعادة الوزير"!!
"رأفت السويركي"
-------------------------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق