تفكيك العقل النخبوي السياسوي "فوق الوطني" (59)
"يَمُوتُ الزَّمَّار وأصابِعُه بِتِلْعَبْ"... محمد البرادعي نموذجاً!!
------------------------------------------
------------------------------------------
يفرض نفسه على الذهن... المثال الدارج في اللهجة المصرية بمنطوقه: " يِمُوتِ الزَّمَّارْ وِصَوَابْعُهْ بِتِلْعَبْ" خلال متابعة حلقات الحوار التلفزيوني مع الدكتور محمد البرادعي عبر القناة القطرية "العربي"؛ والذي تواصل ضمن سياق سيناريوهات تَوَهُّم "صناعة الأزمة للدولة المصرية"؛ التي كان يُرتَبْ لها توافقاً مع ما يُسمى ذكرى "ثورة يناير".
الإعلان عن سلسلة الحوارات الخمسة مع محمد البرادعي على قناة العربي القطرية.
وقبل البدء في ممارسة "القراءة التفكيكية" لخطاب الدكتور محمد البرادعي، وكشف "المسكوت عنه" الكامن في سياقات ذلك الخطاب؛ من الأهمية التأكيد على مجموعة من الإشارات:
- إن محمد البرادعي... يمكن توصيفه بأنه شخصية تنتمي إلى نهج "ما فوق الوطنية"؛ إذ لا يزال يعيش مُرتدياً جلباب الموظف الدولي، منذ أن تم اختياره مديراً لــ "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"؛ وحصل على "جائزة نوبل للسلام"؛ وهي جائزةٌ معايير اختياراتها سياسية؛ ويفوز بها الشخص الذي أدى أدواراً سياسوية محددة. لذلك دخل البرادعي إلى "المسألة المصرية" من المنظور "ما فوق الوطني"؛ لتنفيذ أجندة مُتغلِّبة وقتذاك؛ ومحكوم سياقها بتصور "الشرق الأوسط الجديد"!!
- إن البرادعي بعد تجربته السياسية الفاشلة فشلا ذريعا في مصر؛ يدرك إدراكاً لا حدود له بأن "الدولة المصرية" تمتلك قدرتها على تأكيد التماسك الوجودي؛ بفضل قوة حضور مؤسستها الوطنية العسكرية والتفاف جموع الملايين حولها؛ والتي لم تَغِبْ مطلقاً عن المطبخ السياسي المصري منذ دُفِعَ حسني مبارك للتنحي؛ ومحمد مرسي للعزل؛ وقد أدارت اللُّعبة السياسية بمهارة تكتيكية؛ محكومة بمسؤوليتها الوطنية الاستراتيجية عن الأمن الوجودي لمصر، وضمان أمان ملايينها التسعين.
- إن البرادعي يُكثِّف في تلك المرحلة ظهورَهُ الإعلامي، بعد أن سارت الأمور في الواقع المصري على غير ما كان يرجوه؛ وتجاوزت السيناريو الذي أُعيد شخصياً إلى مصر من أجله وقت أحداث يناير؛ وقد غادرها بعد ذلك على عجل... بعد أن أدرك ثوابت وحقائق الواقع المصري التي لا تقبل التلاعب!!
- لذلك ارتضى محمد البرادعي مؤخرا ممارسة لعبته التلفزيونية تلك بدافع نَفْعِي مادي؛ حدده حجم المقابل المالي الذي حصل عليه... على الرغم من نفي قناة "العربي" تقاضيه أية مبالغ مقابل الحلقات الخمس؛ ولكن المعروف حسب تقاليد نجوم العمل السياسي الغربي أنهم حين تنتهي خدماتهم، ويخرجون من أقبية السلطة التي كانوا يعملون بها؛ يتفرغون لإلقاء المحاضرات؛ وأحياناً حمل الرسائل ذات الطبيعة الخاصة؛ وحضور المناسبات الاجتماعية كنجوم مجتمع!
الحوارات كشفت طبيعة شخصية الموظف الدولي فوق الوطني.
*****
إن القراءة التفكيكية التالية تكشف الكثير من "المسكوت عنه" المخبوء في ثنايا حوار محمد البرادعي ببرنامج "وفي رواية أخرى"؛ فماذا أخفى في متون حواره؟!
** دعا البرادعي إلى ما أسماها "مُصالحة وطنية شاملة"، لإيجاد وسيلة لتعايش "كافة قوى المجتمع المصري"، مؤكداً" لابد أن نراجع أنفسنا ونفهم أنه ولا أنا هاقضي على الآخر ولا الآخر هيقضي عليا، وهنستمر في عملية اقتتال، والجميع هيخسر".!!
والذي يحاول البرادعي أن يختلقه هنا أن الوضع السياسي في مصر من منظوره قابل لنشوء الصراع الدموي عبر الميليشيات التي ستشكلها قوى المجتمع المصري للاقتتال؛ كاشفاً بذلك عن طبيعة "سيناريو الشرق الأوسط الجديد" الكامن في ذهنه؛ الذي جرى تطبيقه في ليبيا وسوريا والعراق، ومنح البرادعي بسببه الرئيس الأميركي بوش مبررات مشروعية تدمير الجيش الوطني العراقي بالغزو؛ وزراعة بذرة تفتيت دولته.
البرادعي يروج لتوصيف مضلل لطبيعة القوى الاجتماعية في مصر.
- ويشعر العقل التفكيكي هنا بتهافت محمد البرادعي في توصيفه ذلك وتوظيفه لمفهوم القوى الاجتماعية؛ حيث يُغيِّب عمداً المفاهيم العلمية المتعارف عليها عند تحديد معنى القوى الاجتماعية، فما معنى اصطلاح "أجزاء النظام القديم" وما تقويمها اجتماعياً؟ وما معنى التعميم بدمج الشباب مع ما أسماها القوى المدنية؟ وما دلالة اصطلاح القوى الإسلامية لديه؟ إن البرادعي يتعمد الخلط المفاهيمي لصناعة صورة معينة افتراضية تحتمها سيناريوهات افتعال الأزمات.
- إذا كانت ما تُسمى جماعة "الإخوان المسلمين" لها ميليشياتها عبر التنظيم الخاص؛ وامتداداتها في الفصائل العقدية الأخرى؛ فهل لإجزاء "النظام القديم" ميليشياتها في المجتمع المصري؟ وهل أيضاً لعموم الشباب المصري ميليشيات ستقتتل لاحقاً؟ والأمر نفسه ينطبق على ما أسماها القوى المدنية؟ فهل ستكون كلُّها إذا لم تحدث المُصالحة التي يروج لها البرادعي في مواجهة قتالية مع بعضها أو مع"المؤسسة الأمنية أو القوات المسلحة"؟!
البرادعي في حواره لا يتخلص من سيناريو القتال لتفتييت دول المنطقة.
- إن البرادعي مع هذا الخلط المفاهيمي الذي يخترعه... يُمهِّد لما يُسمى "صناعة سيناريو حالة الفوضى"؛ متغافلاً عن حقائق الواقع المصري السياسية والاجتماعية؛ في وجود دولة متماسكة الأليات الدفاعية بأجهزتها؛ وتمارس راهناً العمل التنموي والدفاعي معاً، ولها تجربتها النيابية؛ وحظيت باعتراف إجماع المجتمع الدولي كله عدا النظام العثمانلي المتأخون وبعض التابعين؛ الذين أحبطهم إفشال سيناريو التدمير بوساطة القوات المسلحة المصرية!
** البرادعي يمتلك قناعة متوهمة بأن كل الأطراف ستخسر بسبب ما افترضه وأسماه "الاقتتال الأهلي" في مصر؛ ويقول: "مين كسبان في ليبيا النهاردة؟ مين كسبان في سوريا؟ في اليمن؟ كله خسران، مقدرش أقول حد كسبان. النهاردة لو رجعت سوريا هتبقى رجعت ايه؟".
يبرر دوره في تدمير العراق بعبارة ينسبها الى مبارك ولم يقم بالتيقن من صدقها!
ومن العًجَبِ العُجَاب أن يستخدم البرادعي هنا "القياس الفاسد"... لوضع المتلقي لإجاباته في حالة القبول بهرطقاته السياسية المتمثلة في استنتاج أن الدولة المصرية ينتظرها ما جرى في سوريا وليبيا واليمن؛ إذا لم تستمع لنصيحته التي أسماها تحقيق "المُصالحة الوطنية الشاملة". ويقوم هذا "القياس الفاسد" للبرادعي هنا على تجاهل الاختلاف الجيوسياسي بين مصر وكل حالة ذكرها؛ وخصوصية وفعالية حضور القوة الضابطة المصرية؛ وطبيعة تماسك النسيج الوطني المصري.
** ويسفر البرادعي عن وجهه السياسوي العشوائي بقوله: "الثورة لم تحكم ولا أهدافها تحققت، حتى لما قلنا مش مهم نحكم ونسيب المجلس العسكري يحكم ويبدأ تحقيق أهداف الثورة لم يحدث، ولا مع الرئيس مرسي حصل، ومازلنا نشهد غياب الحرية عندما نجد الشباب في السجون نتيجة قوانين قمعية، وأشخاص أعرفهم شخصيا يختفوا قسرياً".
- إن لغة العجز التي يكشفها البرادعي في حواره التلفزيوني؛ تؤكد أنه يمثل أكذوبة في حقل القيادة... والتي يفترض أنه تقدم لحمل أعبائها بقوله " حتى لما قلنا مش مهم نحكم ونسيب المجلس العسكري يحكم، ولا مع الرئيس مرسي حصل..."؛ وهذا يعني فقدانه للمهارة السياسية؛ فهل يمكن للقائد المحنك أن يعتمد فقط على النوايا في العمل السياسي هكذا? وكيف لم يقرأ بوعي طبيعة الدور الوطني للمجلس العسكري أيام "فوضى يناير"؛ وكيف وقع في فخ التغرير به من الرئيس المتأخون المعزول محمد مرسي؟!!
- يمارس البرادعي اللُّعبة القولية التحريضية؛ ويقوم بتزييف الوعي عمدا بمسميات الوقائع؛ حين يتحدث عن وجود "الشباب في السجون... وأشخاص يختفوا قسرياً "؛ متغافلاً عن أن عمليات السَّجْنَ تمت بأحكام قضائية؛ نتيجة قيام هؤلاء بكسر القوانين التي وصفها بالقمعية؛ وفضلاً عن ذلك والذي يثبت تهافت ادِّعاءاته إنه لم يمتلك الشجاعة لإحراج الدولة المصرية بذكر أسماء هؤلاء الأشخاص الوهميين الذين يعرفهم شخصياً وادعى أنهم اختفوا قسرياً!!
موقع "ساسة بوست" يفضح "بهلوانية" محمد البرادعي
في ابرز عشرة تصريحات سياسية تتعلق بالجيش الوطني المصري.
** ويواصل البرادعي كشف تداعي خطابه بقوله: " المجلس العسكري واضح إن له رؤية مختلفة للثورة، وتدريبهم وفهمهم للحياة المدنية فهم مختلف"! فمفهوم البرادعي الشعبوي الشخصي هو:"أصحى الصبح أتكلم محدش يحبسني، أقدر أغيره لو عايز، أقدر أكل واشرب".!!
ومن دون شك فإن هذه العبارات تكشف حجم تدليس البرادعي سياسياً؛ فقد اكتشف مؤخرا ما اكتشفه حول طبيعة الرؤية العسكرية المختلفة للثورة، واختلاف فهم العسكريين للحياة المدنية... فهل هناك رجل سياسة متمرس خبير كالبرادعي لا يُدرك طبيعة الضوابط العسكرية حين تتولى الحفاظ على أمن ووجود وطن؛ في منطقة مضطربة تتجه بالسيناريوهات للتفتت!!
كان ينبغي أن يبرز البرادعي حنكة وذكاء سياسوياً؛ على الأقل لكي يبدو محايدا... بالحديث الاحترافي حول مبررات المؤسسة الوطنية العسكرية لما قامت به، وبما لا يتصادم مع صورتها الوطنية، ولا يشيع صورة مغلوطة حولها؛ ولكنه في الحقيقة يقول بطريقة أخرى فاضحة "يسقط حكم العسكر" من أجل تعميم الفوضى التي عاد من أجلها!!
** والملفت للانتباه كذلك طبيعة لغة البرادعي المستخدمة في حواراته؛ حيث يفتعل العاطفية بقوله: "بتكلم النهاردة لأن دي بلدي وصعبانة عليا وضعها، وصعبان عليا الشباب اللي قاموا بالثورة ...". وأضاف: "الثورة بدأت بحلم، واليوم الشعب يعيش على الخوف من عدم توافر الغذاء، والدواء".
وبتجاوز تلك العاطفية المدَّعاة في لغة البرادعي، والتي كشفت تسريبات صوتية كان يقوم فيها بسب ولعن الجميع أكاذيبها ينبغي عدم تجاهل عبارته:" اليوم الشعب يعيش على الخوف من عدم توافر الغذاء، والدواء..."؛ إنه هنا يقوم بالعزف التحريضي مستغلاً تطوراً طارئاً يرتبط بتحرير سعر العملة؛ ويحدث ارتباكاً معلوماً تتوقعه كل الدراسات الاقتصادية؛ مع الإحاطة بوجود فعل غير مشروع لعناصر مرتبطة بمسلكية "الرأسمالية التجارية الطفيلية المهيمنة" والتي توحشت في مرحلة حسني مبارك وتسعى دوماً لتعظيم الربحية.
إن البرادعي كان يصر على تأطير الصورة المصرية باللون القاتم الظلام؛ فلم يتحدث أو يتطرق في الوقت نفسه لما تتم إقامته في الواقع المصري من مشروعات البنية الأساسية الكبيرة؛ ومخططات الأقاليم والمناطق الاقتصادية الساعية لتوفير فرص للعمالة الكثيفة؛ لذلك ظل يلعب محرضاً بالحديث عن الغذاء والدواء!!
** ويكشف البرادعي في الحوارات عن جانب من صورته المسكوت عنها عندما أجاب على سؤال حول إجرائه عملية نقد ذاتي فيقول: "حقيقةُ ومش عايز يبان نوع من الغرور أنا مشفتش خطأ، وأكيد فيه حاجات رفيعة كتيرة لكن خطأ جوهري مفيش، ويمكن كان لازم قبل الثورة نكون اتفقنا على ما سنفعله في اليوم التالي، هيكون شكل يوم رحيل مبارك ايه خطتنا، لكن الثورة سبقتنا، فده الخطأ الجوهري أننا مكناش مستعدين"!!
وهنا يتعالى محمد البرادعي بتنزيه "الأنا المقدسة" لديه عن الاعتراف بالخطأ الذي قاده إلى مغادرة مقعد نائب الرئيس في خلط للأوراق أيام فض انفلات رابعة المتأخون؛ ويكشف فقدانه حاسة القيادة بقوله " الثورة سبقتنا، الخطأ الجوهري أننا مكناش مستعدين"!!!... فهل هناك قائد متميز ومتمرس عاد ليقود الجماهير والدولة يمكن أن يعلن عدم استعداده للثورة؟! إنه في الحقيقة كان موظفاً دولياً جاء لتنفيذ سيناريو في مصر، ولدى فشله والحمد لله غادر مصر!
*****
إن تفكيك الحلقات الخمس لحوار محمد البرادعي مع قناة "العربي" يمكن أن يكشف المزيد والمزيد من السوءات السياسوية لهذا الرجل؛ الذي يحاول التلبيس على المجتمع المصري عبر هذا الحوار كما يلي:
** إنه يحاول إعادة الحياة لما تسمى جماعة الأخوان المسلمين، على الرغم من كل الموبقات التي ارتكبتها تاريخيا؛ ويكسبها وزنا أكبر من وزنها الحقيقي، وقد فقدته بتوصيفها جماعة إرهابية طمعا في إعادتها من جديد إلى الحياة السياسية المصرية!
** إنه يحاول أن يصنع وزنا سياسويا ثقيلا لما أسماها القوى المدنية؛ فيما هي تكوينات فردية في أغلبيتها هزيلة الحضور الاجتماعي في الساحة المصرية.
** إنه يلعب كعادة الكثيرين بعواطف أبناء المرحلة السنية الشابة ذات الأغلبية في مصر، ويداهنها من دون أن يكون له تصور موضوعي لكيفية تنمية هذه الكتلة الاجتماعية الكبيرة وكيفية حل مشكلاتها الوجودية.
** إنه يحاول أن يزرع شكوكا في المؤسستين الوطنيتين العسكرية والأمنية؛ ويضعهما في موقع الخصم المضاد لبقية مكونات الوطن؛ ويروج لافتراض تواجد صراعات وهمية معهما؛ فيما هما المؤسستان المسؤولتان عن أمن هذا الوطن وجماهيره.
*****
نوبل للسلام تمنح لشخصيات أدت ادوارا محددة محل التامل والريبة، وقد فاز بها البرادعي كذلك.
إن إصرار محمد البرادعي على مواصلة الحضور فيما يتعلق بالمسألة المصرية على الرغم من فشله الذريع سابقاً يدل على صدق المثل المصري: " يموت الزمَّار وصوابعه بتلعب"؛ فالبرادعي لم يكتف كزمَّار بالهروب من الساحة المصرية منهياً دوره السياسوي بنفسه؛ لكنه يواصل اللعب بأصابعه في الكتابة التحريضية على "تويتر"؛ وقد توَّجَها بحوارات برنامج "وفي رواية أخرى"؛ ليقدم في الحقيقة "الصورة الأخرى الحقيقية للبرادعي"... بكل ما بها من ارتباكات؛ وتهافت منطق؛ وعشوائية وفقدان حنكة؛ وحضور مشتت لموظف دولي "فوق وطني"؛ حاول ركوب "عربة الفوضى" ليس أكثر!!
"رأفت السويركي"
-------------------------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق