الأحد، 26 فبراير 2017

"مصر المتماسكة"... تتعافى وهذا "سر الخلطة" كما يقولون!!

"مصر المتماسكة"... تتعافى وهذا "سر الخلطة" كما يقولون!!
-------------------------------------------

يمكن القول بثقة أن الدولة المصرية استردت جزءا كبيرا من عافيتها راهنا؛ وتماسكت قواها في مواجهة التحديات المختلفة خارجيا وداخليا؛ وصارت رقما له وزنه الذي يوضع في قوائم التقديرات والحسابات؛ بعد أن تردت سياسيا واستراتيجيا خلال السنوات الخمس الماضية، عقب أن دفع مبارك للتنحي، تجاوزا لسيناريوهات الفوضى والتفتييت التي ظهرت ذروتها فيما يسمى "ثورة يناير".

***** 


إن ما وصلت إليه الدولة المصرية من تماسك؛ هو كما يقال يعود إلى "سر الخلطة"؛ ويمثل النتاج الطبيعي والمناسب لسيناريوهات الأزمة التي تولتها المؤسسة الوطنية العسكرية، في مواجهة مخطط أميركي تدميري طال المنطقة؛ لتحويل دولها الى مقاطعات وكانتونات وأزقة عرقية ومذهبية؛ تتحارب وتشتري السلاح الغربي لتصفي ثرواتها وتفتح أسواقها؛ وتمارس الانبطاح أمام "الدولة الصهيونية" الغاصبة لفلسطين المحتلة.

ولولا قدرة هذه المؤسسة الشريفة، لما سلم وجه مصر من الخدوش التي كانت "الجماعة المتأخونة" أكبرها؛ وقد عالجتها العسكرية المصرية الوطنية بجراحة الإزاحة من مقعد السلطة... التي أجلست تلك الجماعة في رحابه وفق حسابات "الغاية تبرر الوسيلة"؛ والغاية كانت الحفاظ على سلامة مصر، وأمن مجالاتها البحرية والجوية والبرية؛ والوسيلة كانت ترك المساحة لتمكينها المؤقت بهدف تجاوز السيناريوهات الأميركية في حال فشل تمكين المتأخونين، الذي كان "مشروع أوباما" وأجهزته الاستخبارية.

***** 

وحين دفعت المؤسسة الوطنية العسكرية المصرية بأحد أبنائها؛ الرئيس عبد الفتاح السيسي لقيادة مصر فهي كانت تمارس مهمة وطنية طبيعية من منظور إدراكها للتحديات الوجودية للوطن؛ لذلك دفعته لتلبية رغبة جماهيرية مباغتة لكل التوقعات بملايينها غير المسبوقة؛ للخلاص من سطو الجماعة على مصر الوطن؛ وهي الجماعة التي وطنها الحقيقي هو فكرة الجماعة... وليس الأرض التي قال عنها مرشدها ذات يوم "طظ في مصر"!

وتحمل السيسي المسؤولية الشاقة؛ ليبدأ مهمة إعادة بناء الدولة المتهالكة بمشكلاتها البنيوية، التي تراكمت وتوحشت في "المرحلة المباركية" من حكمها، وانتجت بتوجهاتها غير التنموية تسرطن الرأسمالية الطفيلية وتمكنها من مفاصل الدولة؛ فتراجع الدور والمنزلة للوطن؛ وتشكلت تحت الرعاية المباركية كل أنماط التوغل العقدي المتسيس ليلعب بها استراتيجيا.

لذلك نشاهد الرئيس عبد الفتاح السيسي يقود الدولة المصرية للنهوض والتعافي في خطين متوازيين:

- الأول إنشاء البنية التحتية الأساسية العملاقة التي تقوم عليها استراتيجيات التنمية النوعية التخصصية المتناسبة مع العولمة، والتي تطبع شكل العالم؛ وتصوغ استراتيجيات التصنيع والاستزراع والتجارة والتمويل.

- والثاني بناء وتثبيت آليات الأمن الوطني المصري عبر حلقاته المحلية والإقليمية والدولية؛ بما يضمن القضاء على التحديات الأمنية بفعل الإرهاب المستصنع لتكون المنطقة مجاله للتدمير البنيوي.

***** 

وفي هذا الإطار ذكرني "فيس بوك" بما كتبته من قبل بعنوان "وأخيراً... هل كشَّرَ السيسي عن أنيابه؟!"، وتعرضت في متنه إلى الرسائل العديدة التي حملتها كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي، في مؤتمر إطلاق "رؤية مصر 2030"؛ والتي تضمنت استراتيجية الدولة، المستهدف منها دفع مصر؛ إلى مصاف أفضل 30 دولة في العالم بحلول عام 2030، عبر مؤشرات حجم وقوة وفعالية الاقتصاد، ومكافحة الفساد، والتنمية البشرية، والتنافسية، وسعادة المواطنين.

وتتشكل هذه الاستراتيجية، التي تتبنى مفهوم التنمية المستدامة، تزامناً مع تحقيق أهداف العدالة الاجتماعية، من 12 محوراً تحددت في: التنمية الاقتصادية، والطاقة، والشفافية وكفاءة المؤسسات الحكومية، والبيئة، والتنمية العمرانية، والثقافة، والصحة، والعدالة الاجتماعية، والتعليم والتدريب، والمعرفة والابتكار والبحث العلمي، والسياسة الداخلية، والسياسة الخارجية والأمن القومي. 

ولعل أبرز دلالات هذا الحدث؛ هو ارتباطه بالتوقيت الذي يجري فيه افتتاح العديد من المشروعات البنيوية الكبيرة، كالطرق، والمشروعات الإسكانية، والطاقة، ثم افتتاح مشروع شرق بورسعيد اللوجستي الضخم، الذي يُكمل تجهيز بنية النقلة الضخمة لقناة السويس؛ وكلها من علامات استراتيجية دعم قوة الدولة في عهدها الجديد.

*****

ولعل أبرز تلك الدلالات هو أن التحديات الداخلية هي الأكبر تهديداً لوجود مصر، ووعي القيادة الراهنة بحجم هذه التحديات كبير، وأن الالتفات للتنمية الحقيقية صار ضرورة لازمة، بتوظيف قدرات مصر المادية الهائلة ليبطل كل مخططات هدم الوطن، التي تتكىء على ارتفاع معدلات الفقر والحاجة، لإحداث قلق وجودي ناقم بين المصريين، يدفعهم للتفريط في عناصر قوتهم الاستراتيجية.

فارتفاع معدلات الفقر وتخلي الدولة عن دورها في الصحة والتعليم والتوظيف، أتاح الفرصة للتيار العقدي المتسيس ليتسلل للفقراء، بزجاجات الزيت وأكياس السكر والعيادات رخيصة الأجر، والهيمنة على جموعهم، عبر صورة مخادعة، بأنهم "يراعون الله" في الناس، ويعطفون على الفقراء، فيما هم اجتماعيا يمثلون أجلى صور الرأسمالية الطفيلية، التي تعتمد مقولة "تسعة أعشار الرزق في التجارة"؛ وليس في الصناعة والزراعة، وكانت النكبة الاجتماعية بقفزهم على كرسي الحكم، ولولا يقظة المؤسسة العسكرية الوطنية، لكانت مصر لا قدر الله الآن؛ بقايا وطن في حالة احتراب وتدمير.

***** 

  غير أن الملفت للانتباه كانت لغة الحزم التي أبرزها الرئيس السيسي بقوله:

- إن مصر دولة كبيرة "وإحنا مش هنسيبها"، مضيفا: " لا والله أنا هفضل أبني وأعمَّر فيها، لغاية ما تنتهي حياتي أو مدتي".

- " لن أسمح بتمزيق مصر؛ خلي بالكوا أنا مش هسمح بكده، محدش يفكر إن طولة بالي، وخلقي الحسن، معناه إن البلد دي تقع، قسماً بالله اللى هيقربلها لأشيله من فوق وش الأرض..."

- أنا "باقول لكل مصري بيسمعني انتم فاكرين الحكايه إيه... أنا مسؤول أمام الله عن 90 مليون، وسأقف أمام ربي يوم القيامة أقول له أنا خليت بالي منهم.. عايزين تخلوا بالكم منهم معايا أهلا وسهلا، مش عايزين لو سمحتوا اسكتوا".

****

وليس أمام المراقب للمسألة المصرية، ومستجداتها وتحدياتها، في ضوء الزوابع الفارغة الجارية، والضجيج المتنوع، الذي يُثار الآن وسط النتائج التأسيسية القوية المتحققة على الأرض، إلاّ أن يصل إلى نتيجة مهمة كما ذكرني "فيس بوك" بها ، وهي أن السيسي الذي كان يواجه التحديات بكلمات هادئة، وعبارات حميمية من نوعية: " مصر أم الدنيا، وهتبقي قد الدنيا"، و"خدوا بالكم من بلدكم"... بهدوء سلوكي مشهود، بدأ يُكشِّر عن أنيابه؛ ردعاً لمن يريد أن ينهش لحم الوطن، فهل يتقون "شر الحليم إذا غضب"؟ وهل يعرفون "سر خلطة" تماسك وتعافي مصر، بمعارك البناء التنموي؛ ومعارك القضاء على كوادر الإرهاب؟!


                                                                               "رأفت السويركي"

التعليقات:
---------
Hesham El-Asmar تعلم شغفي بارائك ولكني اختلف معك فما يحدث في الداخل عجب عجاب...مصر تحتاج عقود حتي تعيد بناء الداخل....بناء الانسان اصعب مما نتوقع.....الانسان المصري تم تدميره عن عمد.... التحديات صعبه والضغوط والفساد و التمييز اضعاف ماتتوقع...تحياتي

Raafat Alswerky الصديق الغالي الاستاذ الدكتور هشام الأسمر، اولا ما اجمل حضورك البهي الذي خبرته من زمان اخا كريما، وثانيا ارحب باختلافك معي في هذا الطرح، وأدرك دوافعه تماما، وأدرك طبيعة وتعقد المشكلات البنيوية للمجتمع المصري الذي تم تجريف عقوله وأخلاقياته وقيمه خلال مرحلة مبارك التي كان الفساد فيها فيتامين بناء الطبقة الطفيلية المهيمنة على الاقتصاد والدين وكل مقومات القوة.
وثالثا انني في كتاباتي هذه مدفوع بثابت الحفاظ على الدولة وانقاذ حياة اكثر من تسعين مليونا من الموت في الشتات لو تفتت الدولة، وهذا ما ينبغي دعمه لعدم الشك في قدرات الموءسسة الوطنية العسكرية، وقيادة الدولة التي تحاول ان تقيم مشروعا تنمويا مناسبا لتطور اقتصادات العولمة.

رابعا المشوار طويل والتحديات كثيرة ودورنا المرحلي هو دعم تماسك الدولة، واتاحة الفرصة للعمل لاعادة بناء الأجهزة بشروط التنمية الاقتصادية العولمية التي تقوم على الشفافية وفضح الفساد ومنعه.

لذلك فالامر كما تقول التحديات صعبة، ولكن لا مجال لليأس، هكذا نتفاءل ونزرع التفاوءل الذي تحاول قتله في نفوسنا خطاب الجماعة المتأخونة وكل قوى التربص بمصر. وختاما لك محبتي.

Hesham El-Asmar تماما استاذنا الفاضل همنا الاول لاخلاف عليه الحفاظ علي تماسك الدوله ولكن الايقاع بطئ والاختيارات والادوات مرتعشه وكاننا نعيش،ترف التجربه في وقت لانملك اي اتراف


مهندس طه العاصى انشاء الله مصر بخير بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بفضل أبناءها الشرفاء المخلصين رغم كيد الكائدين. سلمت أستاذ رأفت وسلم قلمك المبدع .

Raafat Alswerky سلمك الله الاخ الحبيب المهندس طه العاصي ومتعك بالعافية، حقا مصر بخير وستبقى بحفظ الله.


Amr Elhady رائع كالعاده ياأستاذ رأفت ومتفق تماما مع حضرتك في كل ما ذكرته ولكن توجد دائما مشكله جوهريه في مصر اتعقد انها ستكون حاسمه وفاصله وهي الاسس والمعاير والاليه التي يتم بها اختيار الوزراء والمحافظين رأيي الشخصي يجب اختيار وزير او محافظ ان يكون شخص له رؤيه سياسيه لديه المرونه في اتخاذ القرارات. وحل المشاكل ويجيد التعامل مع الجمهور والمسئولين هو من يختار الكفاءت لتنفذ هذه الرؤيه اعتقد ان لو تم الاختيار علي هذا الاساس سيكون اسهل واسرع في حل كثر من المشاكل وتفيذ الرؤيه العامه للدوله

Raafat Alswerky اشكرك صديقي الكريم الاستاذ Amr Elhady لثقتك وتقديرك لكلماتي، وشعورنا بالمشكلات متفق عليه، وهو واقع مدرك لكل دارس، وأول أسبابه افتقاد معايير بناء الدولة الحديثة المنضبطة خلال مرحلة مبارك وما تلاها، وهى مرحلة تحقيق الربحية الهائلة من دون جهد التي أسس لها السادات بقوله ذات يوم في خطاب علني اللي ما يكسبشي الأيام دي مش حيكسب تاني، لذلك تأسست دولة الوساطة واهل الحظوة وجرى تجريف عقول الدولة بالسماح لهجرة وسفر العقول الى خارج مصر، ما يجعل من الصعوبة توافر الخامات المهنية التي بجري الاعتماد عليها مرحليا.

ان اعادة البناء تتطلب بناء الانسان والواقع وهي مشكلة تحتاج جهودا مذهلة نامل ان تكون الدولة وضعتها في الحسبان ببرامج تخصصية وتاهيلية وبرامج سياسية مدروسة لصناعة القيادات. حفظك الله ورعاك يا صديقي.

Amr Elhady الف شكر لإهتمام حضرتك وبردوا رائع وتحليل محترم ومتزن جدا ..وانا شخصيا بتعلم واستفيد كتير من مقالات حضرتك ومنافشاتك كل التحيه والتقدبر لحضرتك.

Fatemah Kassabashy مصر قوية بكم وبأمثالكم ..

Raafat Alswerky حفظك الله ورعاك، وحمى بلادنا من كل متربص.

El Sayed El Swerky احسنت كالعاده تحلبل موضوعي رصين وواقعي.شكرا اخي رافت

Raafat Alswerky حفظك الله يا شقيق الروح، دعمك الكريم لهذه الكتابات يسعدني دوما.


Halloo Yaholloo رائع كالعاده ياأستاذ رأفت فى وصف وتحليل الحالة الراهنة لمصر ومبشرا بالامل
Raafat Alswerky اشكرك يا صديقي العزيز وأشد على يديك.


د.أحمد يوسف ماتزال مصر قوية عزيزة رغم الوهن ومظاهر اليأس والقنوط. وسر قوتها من سر قدمها الراسخة في عمق التاريخ ومعادلات القوة في كل عصر. وقد أدرك الأمي محمد علي هذا بفطرته ولم يكن مصريا وأدركه عبدالناصر ويعمل عليه الآن السيسي. أما الناعقون ليل نهار فهم الصوت النشاز. تحياتي ومحبتي صديقي الكبير ا.رافت

Raafat Alswerky دام حضورك البهي استاذي ا.د. أحمد يوسف وحفظ الله مصر من كل شرورهم.

عادل محمد تسلم ايديك يا باشا .. مقال رائع )سر الخلطة)

Raafat Alswerky حفظك الله الصديق العزيز المهندس عادل محمد مع محبتي.
 

---------------------------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق