السبت، 5 نوفمبر 2016

تفكيك العقل النخبوي الإعلامي والأكاديمي المهيمن ( 45 )

"ثلاجة عبد الفتاح السيسي"... لا تروي عطش النُّخَبِ اللاَّهِثَة!!
---------------------------------------------

للمرة الثانية على التوالي نتوقف عن مواصلة سلسلة "تفكيك العقل النخبوي الإسلاموي المتأخون" لنتابع رصد خطاب "العقل النخبوي الإعلاموي المهيمن"؛ في ضوء الجلبة والضوضاء التي تحدثها نخبة هذا العقل تجاه الدولة المصرية ورأسها عبد الفتاح السيسي؛ في تظاهرات كلامية منهم تجاه تعبيراته من نوعية: "ثلاجتي كانت خالية إلا من المياه لمدة 10 سنوات"؛ و"أنا لو ينفع اتباع... هتباع والله"؛ و"ماتسمعوش كلام حد غيري أنا لا أكدب ولا ألف وأدور..."!!

إن تلك النخب الإعلاموية المهيمنة؛ في إطار هياجها المفتعل لم تتوقف للحظة واحدة عن ممارسة الصُراخ الكيدي السياسي؛ الذي يَصُبُّ في إطار إحداث قلق سياسي يظنون أنهم يتمكنون بذلك من السيطرة على عقول الجماهير؛ إذ فريق من هذه النخب يُمارسُ التأدلج السياسي وفق قناعاتهم النظرية؛ والفريق الآخر ينتمي إلى الحقل الأكاديمي وجزء منه غير متحرر من وجدانه العقدي أو الإيديولوجي الكامن.

وكلا الفريقين يتشابه في الاستراتيجية؛ بل وأسلوبية العمل؛ عبر استخدام وسائل الإعلام المرئي ووسائط التواصل الاجتماعي؛ بغرض صناعة صورة مزيفة للدولة المصرية وقيادتها. والسؤالُ ما الغرض المحرك لهذه النخب المتغافلة عن التحديات الوجودية المحيطة بمصر؛ الدولة والمجتمع؛ والموقع والدور؛ والمستقبل؟!

والإجابة على هذه الأسئلة الاستراتيجية؛ ستقوم على تفكيك العقل النخبوي؛ الذي يتمظهر حضوره في إشارات؛ وعلامات دالة على نمطية تفكير أصحاب ذلك العقل؛ وجمعية توجههم المتربص بالدولة المصرية في الظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة.

وفضلاً عن ذلك فإن تفكيك خطاب هذا العقل المتسيس والمتأدلج يؤكد صواب وسلامة "المقاييس المعرفية" التي تُصنِّف تلك النخب، وتضعها سياسياً في "مربع المثقفين"؛ أو "منتجي الأفكار"؛ وتصفُّهُم طبقياً في حيز الطبقة الوسطى؛ وما أدراك ما تلك الطبقة الوسطى في هذه المرحلة؛ حيث يُوصف أفرادُها بتعبير "المثقف العضوي"؛ أو "البتي برجوازية" أي "البرجوازية الصغيرة" بتعبير آخر!

لذلك فإن الصراخ المتزايد راهناً لأفراد هذه الشريحة الاجتماعية؛ يكتسب حضوره البارز من تَغِّيُرِ أنماط الاتصال بالجماهير عبر وسائط التواصل الاجتماعي: "فيس بوك" و"تويتر" والمواقع الالكترونية؛ التي توفر لهم بيئة مناسبة لإطلاق خطاباتهم التحريضية إثباتاً لحضورهم الاجتماعي؛ بما يُنازع الدولة ظنّاً أنها يمكن أن تلتفت إلى هذه النخب؛ الباحثة عن دور سياسي بمحصلاته التي تطمع فيها من المكتسبات المادية اللاحقة!

وإذا كان آداء هذا العقل النخبوي الهارب إلى الخارج المصري مرتبطاً تعبيرياً بالموقف العقدي المتأخون في أغلبيته؛ ويبرز "هياجه العاطفي" بسبب خلع التنظيم المتأخون من سُدَّةِ السلطة بعد التمكين المشبوه؛ فإن تحليل آداء العقل النخبوي غير العقدي في أغلبيته بالداخل المصري؛ يكشف الطبيعة الانتفاعية الضابطة لأفعال هذا الفريق؛ والباحث بالتعبير النفعي عن حصته من "قطعة الكيكّ"!!

ويكشف تفكيك خطاب هذا العقل النخبوي الإعلاموي والأكاديمي أن دوافعه الوجودية يحكمها وعيه بموقعه الاجتماعي كمنتج أفكار؛ هذه الأفكار تُعتبر سلعته التي يسعى إلى بيعها في السوق الاجتماعية للوطن؛ بحكم تعليمه وتأهيله المعرفي والمهني؛ وهُنا يطلق عليه توصيف "المثقف العضوي"؛ أو في الوقت نفسه كبائع بضاعته الفكرية في السوق الاجتماعية؛ يطلق عليه هنا توصيف "البِتِي برجوازية" أو "البرجوازية الصغيرة".

ولأن سلعَتَهُ التي يُساوم عليها هي الأفكار؛ فيبدو المثقف في أغلب الأحيان رجراجاً نفسانياً، ومتحولاً سياسياً. إذ حينما تلتفت إليه سُلطةُ الدولة؛ وتدفعه إلى مواقع القيادة للعمل معها يتحول إلى وظيفة "مُنظِّر السُّلطة" والمدافع عن تصرفاتها؛ وينطبق عليه القول الدارج" يكون ملكياً أكثر من الملك"؛ ولكن حينما تتجاهله السلطة؛ أو تهمله من التكليف بأي تفويض؛ فإنه يقفز فوراً إلى صفوف الجماهير العريضة "ثائراً"؛ ويصنع من نفسه "مُفَكِّراً لها"؛ و"ناطقاً باسمها"؛ و"مدافعاً عن قضاياها"!!

ومن دون شك يمكن لأي "مراقب تفكيكي" أن يكتشف هذه المسلكية الانتهازية؛ والنفعية التي يبرزها العقل النخبوي الإعلاموي والاكاديمي المهيمن. ويستطيع أبسط جهد أن يكشف المُربَّعَات التي تقفز منها وإليها كثيرٌ من تلك النخب ببهلوانية سياسية هابطة؛ فما تنْحازُ إليه مُسبقاً تنْقلبُ عليه لاحقاً؛ وما تُعلن بُغْضَها له مُسْبَقَاُ تُمَارِسُ "الغُنْجِ السياسي" لاسترضائه لاحقاً؛ أي أن لسان حالها يقول:"من يشتري مِنِّي فأنا أنتمي إليه فوراً"؛ والنماذج التطبيقية من الإعلاميين والأكاديميين الدالة على ذلك كثيرة في الساحة المصرية.

*****

وانطلاقاً من هذه الأرضية النظرية التوصيفية؛ يمكن بتفكيك مقولات خطاب العقل النخبوي الإعلاموي والأكاديمي المهيمن إدارك لا علمية؛ أو لا معقولية ما تُلِحُّ تلك النخب في تكراره على سبيل "التشويش السياسي" في مواجهة الدولة المصرية ورئيسها؛ بهدف البحث عن دور مفقود؛ أو تحلم به هذه النخب؛ ومنها:

- مقولة الرئيس عبد الفتاح السيسي الخاصة: "أنا واحد منكم... والله العظيم أنا قعدت 10 سنين ثلاجتي كان فيها مية بس، ومحدِّش سمع صوتي، وأنا من أسرة غنية جداً، وأنا آسف أنني أقول ذلك عن نفسي، ولكن هي عزة النفس وعفة النفس، أمر لا يأتي بالسهل، أن تعتمد على نفسك فقط، أمر ليس بالسهل".

- مقولته باكياً التي عبرت عن موقف إنساني: "انا لو ينفع أتباع... هتباع والله" خلال إلقائه كلمته في احتفالية إعلان إستراتيجية مصر للتنمية المستدامة "رؤية مصر 2030"؛ تحفيزاً لدعم الجماهير لصندوق "تحيا مصر" الذي جمع ملياراً ونصف المليار، ويخصص لعلاج مرضى "فيروس "سي" وبناء المساكن البديلة لقاطني العشوائيات. 

- مقولته التي طالب فيها الجماهير بعدم الاستماع لكلام المتربصين بالدولة المصرية: "أنا عارف مصر وعلاجها، لو سمحتوا متسمعوش كلام حد غيري، أنا لا بكذب ولا لي مصلحة غيرها، أنا فاهم أنا بقول إيه".

- مقولته "اتركونى مع شعبى" التي تشعر تلك النخب أنه يحاول أن يقلل من تأثيرها؛ أي يحرمها من ممارسة دورها "التحريضي إلى حد الإحباط" كما تظن، لذلك هناك منها من يدَّعي أنَّ عباراته تجىء "مبتورة من سياقها"، و"متداخلة مع عبارات أخرى" وتنتقل " من قضية لأخرى دون استكمال أي منها"!!

وهناك العديد والعديد من التعبيرات التي تتصيدها تلك النخب وتحولها إلى مادة خصبة لتمارس بها انتهازيتها الضاغطة على رأس الدولة المصرية. ومن دون شك فإن هذه النخب المتخصصة بخبراتها العلمية والأكاديمية تدرك إدراكاً مطلقاً دوافع تلك العبارات ومعناها؛ لأنها تُقال باللهجة الدارجة المصرية؛ أي يفهمها حتى الطفل؛ ويعرف دلالاتها العاطفية؛ والتحفيزية لدى الجماهير.

ولأن العَرَبَ قديماً قالت: "البَعْرةُ تَدُلُّ على البعير... والأثر يدل على المسير"؛ فإن تفكيك "بَعْرَات خطاب هذه النخب المضاد" يكشف أغراضها؛ والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها؛ وفي مطلعها إبراز اشتياقها لأن تستقطبها السلطة لتُفكِّر لها، أو تكتب؛ أو تتحدث باسم الدولة!

*****

ولمزيد من التفكيك لكشف "المسكوت عنه" في خطاب هذه النخب الإعلاموية والأكاديمية؛ فإنها لا تتورع عن:

- الطلب من الرئيس المصري ألا يرتجل الكلام في اللقاءات والمؤتمرات.

- أن يلتزم فقط بالخطابات المكتوبة له ولا يخرج عن ذلك المكتوب.

- أن يُقلل من الإمساك بالميكرفون للحديث في المناسبات المختلفة.

- أن يتجاوز اللغة العاطفية في مخاطبة الجماهير؟ فالمشاريع التي يُعلن عنها تؤثر عليها "التعابير المرتجلة له".

- أن يُدْرِك مقام رئاسة مصر؛ فيفكر قبل الكلام!!

وهذه الشروط الكهنوتية لذلك العقل النخبوي تدل دلالة قاطعة على طبيعته الانتهازية؛ التي سبق إيضاح دوافعها الطبيعية؛ فهو عقل يعرض بضاعته في سوق العمل المجتمعي؛ إذ أن أغلبية هذه العناصر النخبوية تُمني نفسها بدخول المطبخ الرئاسي؛ كاتبة للخطابات؛ أو واضعة لتصورات الكلمات والخطابات الرئاسية؛ ولا بأس أن تكون صانعة للسيناريوهات السياسية.

*****

ولا تدرك هذه "النخب الانتفاعية" أن تفكيك مقولات خطابها يفضح "المسكوت عنه" لديها؛ فهي تُقيمُ خطابها المتشوق للاقتراب من دائرة السلطة متغافلة عن حقائق واقعية:


أولاً: أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي - حسب موسوعة ويكيبيديا - مؤهل علمياً؛ فهو حاصل على درجة البكالوريوس في العلوم العسكرية؛ ودرجة الماجستير من كلية القادة والأركان العام 1987م؛ ودرجة الماجستير من كلية القادة والأركان البريطانية العام 1992م في التخصص نفسه؛ وزمالة كلية الحرب العليا من أكاديمية ناصر العسكرية العليا العام 2003م؛ وزمالة كلية الحرب العليا الأميركية العام 2006م؛ أي أن تأهيله العلمي في العلوم العسكرية لا غبار عليه؛ والمعروف أن "العلوم العسكرية" تُعدُّ جامع العلوم كلها وعبر تطورها غادر الإنسان الأرض إلى مجاهل الفضاء الكوني.

ثانياً: أن السيسي؛ كقائد تَمَرَّسَ على "الخطابة" في الجموع التي أدارها من الجنود والضباط؛ وهو بعلمه العسكري ومعرفته السياسية المرتبطة بالعسكرية قادر على أن يكون خطابه المُعبر عن شخصيته فعالاً في مخاطبة الجماهير.

ثالثاً: أن المناصب العسكرية التي تولاها السيسي أكسبته معرفة معلوماتية وسياسية كبيرة؛ فالعمل في قطاع المخابرات الحربية دالٌ على تحصيل معلوماتي استراتيجي متعدد الزوايا؛ كما أكسبه مهارات إدراك نفسانية عالية المستوى.

رابعاً: أن قضية الخروج عن نسق الخطابات المكتوبة يمثل في "علم التخاطب السياسي" ما يُعدُّ وقفات لجذب انتباه المستمعين؛ الذين قد يغيبون عن التواصل بحكم أن النص المكتوب والمقروء يكون نمطياً وفاقداً للعاطفية والحميمية في لغة القول وهي تستهدف اكتساب انفعال عقول وعواطف المتلقين.

خامساً: حينما يرتجل الرئيس السيسي الكلام؛ فهو يُخاطب – أيتها النخب الأكاديمية مجتمعاً له صفاته المحسوبة حين القول؛ وهي أن نسبة الأمية الألفبائية حسب جهاز الإحصاء تبلغ 29.7%؛ باجمالي يفوق 16.5 مليون شخص وفقاً لإحصاء 2011م؛ ونسبة أمية الذكور نحو 18.8% مقابل 33.6% للإناث. ونسبة الأمية بين الشباب في الفئة العمرية من 15 إلى 24 عاماً نحو 10.2% مقارنة بكبار السن "60 سنة فأكثر" والتي بلغت 65.1%!!.

كما أن الأمية الثقافية في العالم العربي وفقا لدراسات التنمية الصادرة عن مؤسسة الفكر العربي يكشفها معدل القراءة في العالم العربي كله الذي "لا يتجاوز 4% من معدل القراءة في انجلترا وحدها على سبيل المثال؛ فماذا إذن عن مصر البلد الذي يحتل المركز الأول بسكانه في الأمية الأبجدية عربياً؛ و"بأية لغة مقعرة التي تتفذلك" بها تلك النخب يمكن للرئيس السيسي أن يُخاطب هذه الجموع؟!!

سادساً: إن القاعدة التصويتية التي فوضته في الرئاسة تعتبر نسبة كبار العمر فيها كبيرة؛ وهذه القاعدة تحتاج إلى مواصفات خاصة في القول بعيداً عن لغة الصالونات المتقعرة ومنصات الخطابة النخبوية.

سابعأ: إن "الميل العاطفي في الكلام" يعتبر من المواصفات التي تشترطها أدبيات علوم الخطابة؛ لأن نجاح الخطابة يقاس كثيراُ بمعدلات الاستقطاب العاطفي والانفعالي للجمهور المتلقي.

ثامناُ: في المناخ المصري يمكن أن يستهجن الجمهور العريض استخدام قارىء الخطاب للاصطلاحات والتعبيرات العلموية التي تروج لدى شرائح من النخب؛ ولكن نزوع مُلقي الخطاب إلى الاتكاء أحياناً لاستخدام التعبيرات الشعبية والعامية يحقق نجاحا اتصالياُ مع الجمهور.


تاسعاً: تتناسى هذه النخب أن الإعلام الخارجي المتربص بالقيادة المصرية يعتمد إلى حد كبير على ما تروجه النخب الناقمة عبر حساباتها في وسائط التواصل الاجتماعي؛ بحكم رصده لخطاب تلك النخب المتوترة الباحثة أساساً عن دور سياسي انتهازي برعاية نظام قيادة الدولة.

عاشراً: إن ذلك الإعلام الخارجي؛ يعتبر ما تبثه تلك النخب مقياساً لعدم الرضا؛ يمكن توظيفه لتعميق الصورة السلبية للواقع الداخلي في مصر؛ بما يشكل ضاغطاً على إدارة الدولة المنشغلة بتحديات داخلية وخارجية متعددة.

*****

ولعل خير دليل يثبت نتائج هذا التفكيك لخطاب العقل النخبوي الإعلاموي والأكاديمي المهيمن؛ هو ما نطق به الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، إياد مدني بخلطه العمدي في نطق اسم الرئيس التونسي "السيسي" بدلاً من "السبسي"؛ وأكملها بالحديث عن ثلاجة السيسي الفارغة!!

وما كان لهذا الشخص الذي أجبرته بلاده المملكة العربية السعودية على الاستقالة والاعتذار للرئيس المصري يحدث ذلك الفعل المعبر عن وجدانه السياسي العقدي إلاّ لأنه غَرِقَ في الخطابات الساخرة التي أنتجتها النخب المتأخونة الهاربة إلى خارج مصر؛ وكذلك النخب الإعلاموية والأكاديمية في الداخل المصري؛ لماذا؟... لأنها تلهث، وتتشوق لأن تحتضنها السلطة المصرية وتشتري بضاعتها الكلامية؛ وهي بضاعة رديئة الخامات؛ لكنها تريد أن تبيع؛ فمن يشتري غثاءها؟!!

"رأفت السويركي"



ابدع فنان الكاريكاتور المصري ابراهيم حنيطر في فضح نمطية خطاب النخب الاعلاموية ومواقفها الانتهازية.



صورة عاكسة لخطاب النخب الاعلاموية حين تُمارس السياسة مستخدمة تعبيرات عبد الفتاح السيسي.
نموذج اخر لخطاب النخب الاعلاموية والاكاديمية المثيرة للدهشة.
توظيف وسائل التواصل الاجتماعي في تمرير المفاهيم السياسية.
هكذا لخص فنان الكاريكاتور ابراهيم حنيطر القضية ببراعة.
----------------------------------------------------------------------
 





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق