"فيس بوك" يذكرني بقضية نشرها موقع "اسلام مغربي" التنويري
------------------------------------------------
------------------------------------------------
الأعزاء في موقع "اسلام مغربي" ، اكرموني بنشر مقالتي " الصحوة الاسلامية:
الشجرة الطيبة تثمر فاكهة مريرة!"لهم شكري واعتزازي، املا المزيد من
التفاعل الفكري حول ظاهرة هي مثار حديث الساعة، لعل الحوار المتبادل يرسخ
وعيا علميا، بتلك الظواهر.
"الصحوة الإسلامية": الشجرة الطيبة تثمر فاكهة مريرة!
الصديق العزيز Abdellah
Lourigaصاحب الحضور الفكري المتميز على "فيس بوك"، دفعني ببراعته إلى ساحة
ملعب ملغومة بأفخاخ فكرية عميقة، عندما استدعاني للكتابة حول مفهوم أو
اصطلاح "الصحوة الاسلامية "، عقب أن كتبت مقالاً بعنوان "السلفية
الجهادية"، في إطار مراجعات فكرية ذاتية أجريها، وتتعلق بالاصطلاحات
والمفاهيم التي تروجها وسائل الإعلام، سواء العالمية أو العربية، حتى صارت
كأنها من المسلمات التي اتفق عليها الجميع، فيما هي تعكس مواقف عقدية
وفكرية وسياسية، تخدم حقولاً معينة، قد لا تتفق مع الحق، أو المصالح
العامة، أو الإنسانية إجمالاً.
وتأتي مراجعاتي، التي تتخذ صورة
التساؤلات ومحاولة الإجابة عليها، بغرض إلقاء الأضواء الكاشفة على هذه
الاصطلاحات أو المفاهيم، تجريداً لصفة البراءة التي ترتديها، سواء
باعتبارها اصطلاحات دخلت السياق الأكاديمي، وتسند إحالاتها إلى اختصاصيين
جامعيين، أو العلم السياسي بإسنادها إلى مفكرين في هذا العلم، أو علوم
الاتصال، أو حتى الخطابات الدينية والفقهية، إذ أن أول شروط الفهم العقلي
الصحيح، أن نطرح الأسئلة، على الموضوع المبحوث، لنصل إلى الإجابات الكاشفة
لانتماءات الإجابة، بغرض الإمساك عبر إعمال العقل والتفكيك للمفاهيم
بالمشارب الفكرية، وارتباطاتها بالمظلات العقدية أو المذهبية أو النظرية،
ومعرفة أي طريق يسعى الاصطلاح ببراءته الظاهرة إلى قيادتنا إليه.
واصطلاح "الصحوة الإسلامية" تنطبق عليه الشروط السابقة، فهو في الظاهر ينسل بنعومة إلى أجهزة أفهامنا، حيث لا يتصادم مع الجانب العقدي في رؤوسنا وصدورنا، ولا يتصادم مع الطابع "الهوياتي" لنا، وهنا هو الخطر، فمن يمكن أن يكره هذا الاصطلاح، أو يرفضه، أو يقلل من أهميته، فيما جبال من المؤلفات العربية والإسلامية والغربية تتناول الاصطلاح، وتُنظِّر، وتقنن له، الأمر الذي يعني أن الاصطلاح دارج، ومشغول عليه فكرياً في لغتنا العربية، أي أنه يشكل هاجساً فكرياً عربياً، والمؤكد أن أغلبية متابعات الاصطلاح تنظر إليه النظرة الإيجابية للأسباب التي حددتها مسبقاً.
كشف "استراتيجية التسمية"
ولكن في مجال إعادة النظر في الاصطلاح، ينبغي الالتفات إلى "استراتيجية التسمية" الموظفة في تعميم هذا الاصطلاح، وفق منطق " الثمرة تدل على الشجرة"، أو كما قال الإعرابي بفطرته: "البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير..."، بمعني في حالتنا هذه ماذا أنتجت هذه الحالة الموصوفة بالصحوة، أي ما ثمرة الشجرة؟ والسؤال ليس طعناً في الشجرة، وإنما قراءة للمنهج الذي أنتج الثمرة.
فالأدبيات الخاصة بالصحوة الإسلامية، تُعيدها تاريخياً إلى جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ورشيد رضا وعلي عبد الرازق، وحسن البنا، ومحمد إقبال، ومحمد على جناح، وأبو الأعلى المودودي... إلخ، بعد وقفات تأمل من هذه النخب العربية والإسلامية، لحال الأمتين، عقب الانهيار الإمبراطوري العثماني في القرن التاسع عشر، مخلفاً تركة ثقيلة من الفساد والإفساد الحضاري للمنطقة والتسلطية السياسية، وأنماط ولايات الموالي والإقليم، وأشكال الحكم المتكلسة، العاجزة عن إنتاج منظومات حكم عصرية، تتجاوز نظامها الإقطاعي المهيمن، فيما العالم الآخر يشهد بدايات صعود العصر الرأسمالي، بزخمه العقلاني والعلمي الابتكاري، والذي سيرث إمبراطورية الرجل العثماني المريض، ويبسط هيمنته على كل أقاليمه التي تركها ترزح تحت ميراث ثقيل، من التخلف والتجهيل والفقر، نتيجة تخلف نمط الحكم العثماني الاقطاعي، الذي عاش عالة على المستجلبات الريعية من الولايات والأقاليم المستعبدة للدولة العثمانية.
ثمرة المودودي والبنا وقطب
ونتيجة لنمط الحكم العثماني المترهل، بدأت النخب الإسلامية تستدعي نموذج الدولة الإسلامية أيام عزها ومجدها في العصور الوسطى، فظهر اصطلاح "الصحوة الإسلامية" تحف به النوايا الطيبة في بداياته، عبر الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وإقبال، الذين اعتبروا الإسلام منظومة أخلاقية أداتها العقل، غير أن هناك مناحي خطرة التصقت بالاصطلاح، واتخذت أشكالا انتجت الثمرة المُرة المذاق، التي يعاني منها التطبيق الإسلامي الآن، في مواجهة نموذج الدولة المدنية.
فالشجرة التي زرعها أبو الأعلى المودودي وحسن البنا وسيد قطب والعديد ممن يضيق المقام بذكرهم، بهذا الاصطلاح حولت العقيدة إلى مُعطى إيديولوجي، فأنتجت ثماراً مريرة الطعم، تجلت في جر مفهوم "الصحوة" إلى إنتاج مشروع سياسي، قاصر عن إدراك متغيرات الواقع، والتحولات الكمية والكيفية التي حدثت في حركة الحياة والحضارة، مع تطورات الآخر المهيمن، والأبنية الهيكلية لشكل الحكم الممثل في الدولة، التي قام بتعميقها وفق منظور يزيح الجانب العقدي جانباً، والاكتفاء بممارسته في الكنائس والمعابد المساجد والزوايا، ليطلق العنان للإبداع العقلي في تنمية شكل الحياة الأخر بالمكتشفات والمبتكرات والاختراعات، والآلات التي بدأت عصر النهضة الصناعية.
إن الهيمنة التي حققها الجانب الحركي في العالم الإسلامي باحتكار رسم طابع اصطلاح "الصحوة الإسلامية"، اعتبرها مشروعاً سياسياً الجانب الشكلي من العقيدة يمثل إيديولوجيته، وكان مُفتقداً لآليات وإمكانات تنفيذ ذلك المشروع، فالتطور البشري التاريخي في العصر الحديث، يزيح من طريقه المنظور العقدي الديني في مشوار تطوره، باعتباره منظوراً خاضعاً للمتخيلات الافتراضية غير التجريبية، والعصر هو عصر التجريب، الذي اتبع منهج الشك الجدلي، القائم على قاعدة رهن الوجود بالشك، والدخول بكل شيء إلى المعمل، لإثباته، أو لاكتشاف قانونه الوجودي، وهو ما يتفق مع فريضة منهج إعمال العقل والتفكر، الذي جرى تعطيله في العالم الإسلامي الواقع تحت نير الاحتلال العثماني.
فقه الملبس، والمأكل، والمضجع، والمتجر والمربح
لقد اهتم منظرو الصحوة الإسلامية الحركية، بالجانب الشكلاني من المشروع الإسلامي، الذي يهتم فقط وقبل كل شيء بالمظاهر الاجتماعية للمسلم، فنشَّطوا فقه الملبس، والمأكل، والمضجع، والمتجر والمربح، ووقعوا في هيمنة نمطية ذكورية قامت بـ "تشيئ" المرأة، أي جعلها شيئاً، والحط من قدر ونوعية وجودها، عبر تحويلها إلى وعاء يستقبل ماء الرجل، وينتج له أبناء، يؤكدون ذكوريته النوعية.
والمثير في الأمر أن هذا الاصطلاح، تمت صياغته اتكاء على نمط المنهج النقلي للمشروع الإسلامي، بجذوره المُعطِّلة لحركة العقل والتفكير، من المرويات والمأثورات القولية، والمنهج الظاهري في النظر إلى دساتير العقيدة، والمانع لقراءة ما تحت الظاهر من القرآن الكريم، الذي لم يتوقف عن دعوة الناس إلى التأمل والتفكر في خلق الموجودات كلها.
وانطلاقاً من منهج "القولبة" الشكلانية للمجتمع المسلم، هيمن مفهوم تكفير المجتمع واعتباره مرتداً إلى زمن الجاهلية الأولى، فاستخرجوا من المبررات ما يدعو إلى العمل العنفي، المرتدي كذباً مسوح "الجهاد"، وتجلى ذلك التوجه في انتاج أبرز المشروعات الحديثة، ممثلة في "القاعدة"، ثم أحدث أنماطها ما يسمى "داعش"، صرف النظر عن ظروف ومسببات انتاج هذه المشروعات الدموية السياسية، ودور "الآخر الغربي الكافر" في إنشائها وتنميتها ودعمها، واستخدامها "فزاعة" الكرة الأرضية، وتوظيفها في تنفيذ مشروعاته السياسية العولمية.
"القاعدة" و"داعش" وليدها المبتسر
لقد خرجت "القاعدة" ووليدها "داعش" من رحم الجانب الحركي من مشروع "الحركة الإسلامية"، الإنتاج السرطاني المبتسر لما يسمى مشروع "الصحوة الإسلامية"، بعد اختفاء طابعها الفكري العقلاني، عبر الافغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وعلى عبد الرازق بجذورها السلفية المنهج، ويأخذ هذه الصحوة طيبة النوايا في بدايتها إلى إنتاج ثمرة مريرة، بمذاق الدم والتفجير والقتل والنسف، لتقضي على الصورة الربانية للإسلام، العقيدة التي تخيرها الله ختاما لرسالاته إلى أهل الأرض والكون.
والمقام لا يطول أكثر للكتابة حول هذا الاصطلاح، لذلك على الجميع التأمل والتفكر في علائق الاصطلاح، وعدم ترداده من دون تدقيق مفاهيمي أكثر، حتى لا نقول لهم أيضاً: خدعوك فقالوا: "الصحوة الإسلامية"، فالشجرة الطيبة تثمر فاكهة مريرة!!
"رأفت السويركي"
---------------------------------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق