تفكيك العقل النخبوي المتأخون ( 47)
"التنظيم الخاص"... لعبة إعادة إنتاج "فرسان الهيكل" في الجماعة!!
--------------------------------------------------
--------------------------------------------------
والنقطة التي ينبغي الإشارة إليها هنا؛ أن هذه الكتابة التفكيكية كما يُقال " لا تخترع العجلة"؛ ولكنها تؤكد وتكشف "حقيقة اختراع العجلة"؛ عبر الإثبات التحليلي تفكيكياً لما وراء الإخباريات والمعلومات التي ذُكرت في الوثائق؛ أو تسربت في الكتب حول تلك الجماعة؛ ومنها ما كتبته عناصر كانت أو لا تزال "متأخونة".

صورة حسن البناء
فالحديث عن الثوابت الماسونية في عقل "حسن البناء" وزمرته الأولى التي احتضنت فكرته، وارتقت تنظيميا إلى مواقع "مكتب الإرشاد" اعترفت كتابة بماسونيتها - "سيد قطب نموذجاً" العضو السابق في قيادة الجماعة والرئيس السابق لقسم نشر الدعوة في الجماعة - وما قيل عن "مأمون الهضيبي" المرشد السادس للجماعة (2002 - 2004)م؛ وصولاً إلى "محمد مهدي عاكف" المرشد السابع للجماعة (يناير 2004 - 16 يناير 2010)م والذي يدور في هذا الفلك؛ وهو ما لم يتم نفيه!!
*****
"حسن البناء" كما ستكشف القراءة التفكيكية راهناً؛ لمْ يَرْكَنْ فقط إلى الوجدان الكامن الأصولي اليهودي الأول؛ ونسق الجماعات التصوفية التي سلك طريقها "الحصافية الشاذلية" ونموذج "إخوان الصفا وخلان الوفا" الذي ربط جمال الدين الأفغاني بينه وبين الماسونية ونمط "المحفل الماسوني"؛ بل يكتشف العقل التفكيكي لدى تحليل حركة "حسن البناء" في إنشاء جماعته أنه أقام بنيان "الذات العنفية" في جماعته، بتكوين "التنظيم الخاص" مستوحيا نمط بناء جماعة أصحاب "الهيكل المقدس" أو بالمفهوم العصري ميليشيات أصحاب "المعبد المقدس".

الصورة النمطية لفرسان الهيكل
وهم حسب – موسوعة ويكيبيديا لمن أراد الاستزادة - الذين "يُلقَّبون بـالجنود الفقراء للمسيح ومعبد سليمان، وعُرفوا أيضاً بالداوية أو تنظيم الهيكل بالفرنسية، وقد كانوا أحد أقوى التنظيمات العسكرية التي تعتنق الفكر المسيحي الغربي،... وقد ارتبط فرسان الهيكل بقوة بالحملات الصليبية".

كان مقر "فرسان الهيكل" في "القدس؛ وقد تشكلوا لآداء وظيفة "حماية الحجاج المسيحيين" إلى الحرم القدسي الشريف أو المسجد الأقصى الذي يدعون أنه "يستقر على أنقاض معبد سليمان" وأطلق الصليبيون عليه "هيكل سليمان"، بعدما استولت الحملة الصليبية الأولى على القدس العام 1099م.
لكن الملاحظ حسب الدراسات أنَّ فرسان الهيكل كانوا أول من قام بابتكار "تحويل المُؤسسة الدينية إلى تشكيل عسكري"؛ أي بالتعبير المعاصر "ميليشياوي" في اقتداء مماثل لمسلكيات الفرق الباطنية في التاريخ الإسلامي. ويكفي ذلك ليكون منطلقاً لإثبات مرجعية المماثلة التي استقى منها "حسن البناء" معيار بنية القوة في نسق العنف العقدي المتسيس الذي حكم قضية إنشاء "التنظيم الخاص" للجماعة المتأخونة في العام 1940م.
وكان هدف " حسن البناء" من إنشاء التنظيم الخاص بحسب محمد مهدي عاكف "إعداد نخبة منتقاة من الإخوان المسلمين للقيام بمهمات خاصة، والتدريب على العمليات العسكرية ضد العدو الخارجي، ومحو الأمية العسكرية للشعب المصري في ذلك الوقت". وفضلاً عن ذلك فقد استعار "حسن البناء" طقوسية قبول عضوية "التنظيم الخاص" من إجراءات قبول العضوية في "المحفل الماسوني" ذاتها:
- أولاً: إن فكرة إنشاء تنظيم "فرسان الهيكل" كانت مقترحا من "الباباوات" بتكوين "تشكيل عسكري على أساس عقدي؛ شعاره صليبي يحارب المسلمين، لينتزع المسجد الأقصى الذي يعتقدون وهماً أنه تم بناؤه فوق ما يسمى "هيكل سليمان".
وفي المقابل لدى الجماعة المتأخونة نشأ "التنظيم الخاص": "فكرة مشتركة بين حسن البنا والحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين؛ بهدف - في البداية - التصدي لليهود والإنگليز، أثناء الاحتلال البريطاني لمصر وفلسطين". ما يعني أيضاً المماثلة في نوعية الشخصية المصدرية الدينية للفكرة؛ هناك "الباباوات" وهنا "مفتي القدس وحسن البناء"، وفي الوظيفة العقدية، مع تقدير المغايرة بين العقيدتين المسيحية اليهودية والإسلام السياسي.
- ثانياً: إن صورة العنصر المنتمي إلى فرسان الهيكل الصليبي كما أوردها كتاب "في مدح تنظيم الفروسية الجديد" هي أن " فارس الهيكل فارسٌ مغوارٌ، لا يشقُّ له غبار. إذ تحتمي روحه بدروع الإيمان، قبل أن يحتمي جسده وراء دروع الحديد. فهو إذ ذاك محمي من كل جانب، لا يهزه الخوف من الإنس أو حتى الشياطين"؛ كما أن شعار هذه الجماعة الميليشياوية الماسونية الصليبية هو "لا علينا لا علينا، يا ربنا، بل على اسمك الأعظم، تنزل بالمجد".
وفي المقابل تكتشف أن شعار الجماعة المتأخونة يتضمن عبارة "... الجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا". ما يعني كذلك تماثل الطابع العقدي بوضوح بين الصورتين، الماسونية لفرسان الهيكل والتنظيم الخاص الميليشياوي المتأخون؛ مع تقدير المغايرة النوعية بين العقيدتين المسيحية اليهودية والإسلام السياسي.
- ثالثاً: نشأ نمط "فرسان الهيكل" للاضطلاع بمهمة "حماية الحجيج المسيحيين" إلى بيت المقدس؛ وكانت أغلبية أفراد ذلك التنظيم من المدنيين أي بالمفهوم العصري "ميليشيا" تؤدي مهمتها الأساس عسكرية؛ وقد نشط ذلك التنظيم الصليبي في جذب المتطوعين وجمع الأموال.
وفي المقابل تجد المماثلة نفسها لدى التنظيم الخاص بالجماعة المتأخونة، حيث "كان أول ما يُختبر به العضو الجديد هو إعلانه رغبته الجهاد في سبيل الله، فيكلف بشراء مسدس علي نفقته الخاصة والذي لم يكن يزد ثمنه في هذا الوقت عن ثلاثة جنيهات..." ما يعني أيضا التشابه في طبيعة ميليشياوية الوظيفة العقدية العسكرية؛ وأيضا ما تمتلكه الجماعة المتأخونة من قدرات اقتصادية؛ مع تقدير المغايرة بين العقيدتين المسيحية اليهودية والإسلام السياسي.
- رابعاً: ذكرت موسوعة ويكيبيديا أن أعضاء تنظيم فرسان الهيكل المدنيين أداروا بنية تحتية اقتصادية واسعة النطاق في كافة أنحاء العالم المسيحي، ويعزى إليهم الفضل في ابتكار بعض الطرق المالية، والتي كانت بمثابة الصور الأولية لنظام المصارف والبنوك الحديث.
والصورة نفسها تجدها بعينها لدى الجماعة المتأخونة؛ حيث تمتلك أرصدة من أموال مخيفة وأصول اقتصادية مريبة تكدست طيلة تاريخ الجماعة؛ وتدير أنشطة مالية متنوعة ذات علانية وأخرى كبيرة تحت المعلن؛ وهذه القضية المالية ستكون مجالا للتفكيك لاحقا؛ لكشف المسكوت عنه المريب فيما يتعلق بالنظرية الاقتصادية المتأسلمة الي تتبعها؛ فضلا عن نمط الاقتصاد الخفي وما يحيط به؛ ويحقق أرقاما غير طبيعية في شكل اقتصاد ريعي في الأصل.
- خامساً: "الجماعة الماسونية" التي تعد المصدر الأصولي لفرسان الهيكل تمارس في منح العضوية بالمحفل الماسوني طقوساً رمزية؛ غرضها إرهاب الشخص المقبل الجديد لاكتساب العضوية إذا خالف تعليماتها؛ والأوامر التي تصدر إليه بطريق التسلسل في الرتبة.

طريقة تعميد عضو المحفل الماسوني المرعبة
وحسب ما ذكره الكاتب الأميركي "غي كيني" في كتابه " الأسطورة الماسونية" السابق الإشارة إليه في التدوينة السابقة ذكر ما نصه: "عندما حضرت إليهم وضعوني في غرفة تحضير، والتي كان فيها بعض الملابس التي كان يجب علي أن أرتديها، ومن ثم أعطوني عصبة للعينين، ويتم إجراء الالتزام أو القسم عند مذبح في منتصف غرفة المحفل،... وهو طاولة موضوع عليها الإنجيل أو أي كتاب مقدس آخر يؤمن به الشخص؛ ويلقي رئيس المحفل في تلك الغرفة على العضو الجديد محاضرة حول تاريخ المجموعة ورموزها التي لم تتغير منذ مائتي عام."

حسن البناء في معسكر تدريبي للمليشيات المتأخونة
وفي المقابل فالأمر نفسه – أي ذلك المسلك الماسوني في التعميد للعضو - تجده لدى ما تُسمى "جماعة الإخوان المسلمين"؛ خاصة في طقوس منح عضوية "التنظيم الخاص"؛ الجناح العسكري الميليشياوي للجماعة المتأخونة الذي يمثل وجه العنف الحقيقي لها؛ والمسؤول عن كل حالات الاغتيال والقتل والتفجيرات التي تقوم بها الجماعة منذ العام 1940م وإلى الآن؛ فضلا عن ظهور أشكال الميليشيات المتأخونة المسلحة، بصورتها العشوائية في واقعتي "رابعة" "والنهضة"؛ وأحداث الشغب الفوضوية خلال وبعد ما سميت" ثورة يناير":
- بالوثائق: يكفي دليلاً على بدء المسألة من المؤسس في اعتراف المرشد السابق "حامد أبو النصر" في كتابه "حقيقة الخلاف بين الإخوان المسلمين وعبدالناصر": أن "حسن البنا قد أعطاه العهد على المصحف والمسدس في منزله في منفلوط"!!
- ويذكر محمود عساف "أمين تنظيم الإخوان للمعلومات - أي المخابرات - في كتابه "مع الشهيد حسن البنا": " في يوم من أيام سنة 1944م دعيت أنا والمرحوم الدكتور عبد العزيز كامل لكي نؤدي بيعة النظام الخاص، ذهبنا في بيت في حارة الصليبة... دخلنا غرفة معتمة يجلس فيها شخص غير واضح المعالم يبدو أن صوته معروف وهو صوت صالح عشماوي، وأمامه طاولة صغيرة منخفضة الأرجل، وهو جالس أمامها متربعاً، وعلى المنضدة مصحف ومسدس، وطُلبَ من كلٍ منا أن يضع يده اليمنى على المصحف والمسدس؛ ويؤدي البيعة بالطاعة للنظام الخاص والعمل على نصرة الدعوة الإسلامية، كان هذا موقفاً عجيباً يبعث على الرهبة، وخرجنا سوياً إلى ضوء الطريق ويكاد كل منا يكتم غيظه".!!

- وهذه الشهادة نفسها تتكرر لدى محمود الصباغ في كتابه "التنظيم الخاص"؛ حيث يقول الشخص الغامض للمبايع وهو مغطى الجسد تماماً من قمة رأسه إلى أخمص قدميه برداء أبيض يخرج من جانبيه يداه ممتدتان على منضدة منخفضة (طبلية) عليها مصحف شريف: "إن خنت العهد أو أفشيت السر فسوف يؤدي ذلك إلى إخلاء سبيل الجماعة منك، ويكون مأواك جهنم وبئس المصير"!!!
والأمر المثير للتوقف هو دلالة "الرداء الأبيض" الذي يغطي به نفسه ذلك الشخص وهو يتلقى البيعة؛ فهذا الرداء يشابه الرداء الرسمي الذي ترتديه عناصر "فرسان الهيكل"؛ وهو حسب "موسوعة ويكيبيديا" يتكون من زي أبيض، يتوسطه صليب أحمر؛ ألا يعد ذلك دلالة على واحدية مصدر الفكرة؟! وأن "حسن البناء" أقام ميليشيات جماعته العنفية بالنمط والطقوس نفسها المستقاة من جماعة "فرسان الهيكل" والجماعة "الماسونية"؟!
*****
وإذا تجاوزنا مفهوم تفسير الأمر بنظرية المؤامرة الذي قد تظنه قاعدة الأتباع من مغسولي الدماغ عبر برامج التربية في دهاليز التنظيم؛ فإن هذه المماثلة حتى شبه الحرفية كما تبدو من تفكيك النمط العنفي لدى الجماعة المتأخونة تعكس القصور الفكري لدي عقل الجماعة المتأخونة في فهم "العقيدة الإسلامية"؛ بماضوية ذلك العقل الفجة التي لا تزال مستمرة؛ ولم تتطور بما يناسب القرن الحادي والعشرين الميلادي بتطوراته البنيوية الهائلة. والدليل على ذلك هو الجمود الماضوي الكامن في وصف "حسن البناء" لجماعته المتأخونة بقوله: "إن الإخوان المسلمين دعوة سلفية، وطريقة سنّية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية وثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية".
وهذا الوصف الفضفاض للجماعة؛ وغير المتماسك في منطوقه يخرج بها من السياق العقدي الإسلامي كجماعة دينية إلى المجال السياسي؛ لتكون الجماعة مشروعا لوطن متخيل عابر للجغرافيا؛ أو "غيتو" نظري؛ مماثل للغيتو اليهودي؛ ويسعى المؤسس بذلك إلى تعميمه من أجل تحقيق مفهوم أستاذية العالم المرتجى!!
*****
إن "عسكرة العمل العقدي" لتحقيق تلك الأستاذية عبر التنظيم المتأخون؛ وكذلك الجماعات التي تناسلت من رحمه السياسي مثل "القاعدة" و"داعش"؛ تقع في خلل وقصور الغيبوبة الزمانية والمكانية؛ نتيجة تعميق إدراكها بالوقوع في أسر المفهوم القطبي "سيد قطب" الإبن الشرعي لفكر "أبي الأعلى المودودي" أو "أبي العلاء المودودي" عن جاهلية المجتمعات الإسلامية؛ التي تسوغ ما يسمى مغالطة "إعلان الجهاد"، الذي هو في حقيقته ممارسة العنف المتجسد في عمليات الإرهاب والقتل والتفخيخ والتفجير.

الميليشيات الإخوانية وعسكرة العمل الديني
إن ما ذكره الراحل الشيخ محمد الغزالي عضو الإخوان السابق في كتابه " من معالم الحق في كفاحنا الاسلامي الحديث " ... يكفي لتفسير ذلك؛ لأن الجماعة المتأخونة عبر "حسن البناء" قامت بتوظيف الدين لتحقيق أهدافها السياسية عبر خديعة الشباب بالدعوة المتسترة بالدين وشعارات القرآن!!
*****
لذلك فإن العقل التفكيكي يرى إلى أن الجماعة المتأخونة؛ منذ تأسيسها من "حسن البناء" لا تزال تعيش في "جُبِّ الماضوية"؛ وتقف عند حد الاستنهاض بإعادة إنتاج نمط "فرسان الهيكل" في صورة عنف ومهمات "التنظيم الخاص"؛ كما لو أن الإسلام بذلك يرتد على أيديهم من جديد إلى مرحلته المكية بكهنوتية وإدعاء "حسن البنَّاء"؛ ولا تزال تلك الجاهلية مستمرة كذلك مع سلسلة ورثة "البناء" من المرشدين؛ ومنهم من التصق اسمه مباشرة بالماسونية من دون حدوث نقض ذلك المفهوم من كتاب ومنظري الجماعة المتأخونة... وفي الحلقات التالية نواصل كشف المسكوت عنه في هذا المجال!!
" رأفت السويركي"
-----------------------------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق