الثلاثاء، 15 نوفمبر 2016

مخادعة "العقل الماضوي" الموصوف بـ "السلفية"!!
-----------------------------------------------

توهم كبير تعيش فيه الأمة ويغيب جهاز الفهم لديها حين تستهلك اصطلاح" السلفية"، ذلك الاصطلاح المُضلل في حقيقته، فالسلفية تعبير عن حالة تعد ابنة زمانها الذي انقضى منذ قرون بعد اكتمال تبليغ رسالة السماء، ورحيل الرسول الأكرم "ص" عن دنيانا.

ما تُسمى مخادعةً "السلفية" في زماننا هذا؛ في حقيقتها هي تعبير عن تفكير عبادة الماضي، وليس مسلك السلف الصالح. "زمن السلف" كان "زمن الناقة" بكل ترجماتها الحياتية، و"زمن الخلف" هو "زمن الصواريخ والسفن الفضائية".

لذلك فمن يطلقون على أنفسهم لقب "السلفية" يُخادعون الجمهور، فهم ماضويون في التفكير، ولا يغادرون سياق الزمن الماضي. لذلك يُقدِّمون راهناً مسلكيات خارجة عن التطور الذي تشهده الدنيا، واصطلاح "الجهاد" دال على ذلك.

والسؤال: جهادٌ ضد من؟ وجهادٌ من أجل ماذا؟ والغزو لمن؟! الإسلام انتشر وصار في الموقع الثاني عالمياً، والتوقع أنه سيكون الدين الأول انتشاراً في المستقبل، هل الجهاد بالقتل والتلغيم؛ واستعباد النساء وبيعهن في أسواق العبيد يمثل حقيقة الإسلام دين الرحمة؟

أكاذيب العقل الماضوي وغيبوبته وتهويماته كثيرة، يُذكِّرني "فيس بوك" بتلك الكتابة التي وضعتها على جداري منذ عام، فاسترجعوها معي.
-------------------------------------

تفكيك العقل النخبوي الإسلاموي الماضوي (8)
خدعوك فقالوا: "السلفية الجهادية"!
-------------------------------

عدد لا بأس به من الزملاء الإعلاميين والباحثين في شؤون الفكر والعقيدة والإعلام السياسي، عن طيب طوية، ومن دون إعمال العقل في المسمى والظاهرة يستخدمون اصطلاحات معينة، من دون أن يعيدوا النظر إليها بعين النقد والتحليل قبل استخدامها، حتى يبدو أنهم مقتنعون بها، على الرغم من أن خطابهم الفكري والإعلامي يُندد بالمعنى الذي يقصده الاصطلاح المعني، توصيفاً وتحليلاً ونقداً.

ولعل اصطلاح ما يُسمى "السلفية الجهادية" من أبرز هذه الاصطلاحات، التي طُرحت عبر الخطاب الإعلامي خلال الفترة الماضية، وأفرط الكثيرون في كتابته، أو استخدامه تلفزيونياً، بعد الحوادث الدموية التي وقعت في فرنسا بالدرجة الأولى.

مفهوم مغاير للسلف الصالح
--------------------------


إلى ماذا يشير اصطلاح "السلفية الجهادية"؟، وهل ينبغي أن يفرط أصحاب الوعي العلمي والفكري والسياسي والإعلامي، في استخدامه، وترداده بإفراط، حتى رسخ هذا المسمى رسوخاً، جعل منه أحد ثوابت ومفردات الخطاب التوصيفي، لعمليات القتل والتفجير، والتدمير اللامحدودة التي تقوم بها جماعات، أو أفراد بفعلهم ذلك يقدمون صورة مغايرة للمعنى الصحيح لاصطلاح "السلف".

إن جماعات ما يُسمى "السلفية الجهادية"، تتمسك وتفتخر بالتسمية، حرصاً منها على تثبيت التصاقها بـخيرية "السلف الصالح"، ممن أعقبوا تاريخياً جيل الصحابة المكرمين، ويحتمون بظل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي رواه البخاري ومسلم، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ".

والخيرية في هذا التحديد تتمثل في أن رجال القرون الثلاثة الأولى من عهد الدولة الإسلامية، أسبغت عليهم الروايات، صفات الورع والزهد وتغلغل العقيدة في نفوسهم، فخرجوا فاتحين، رافعين كلمة الله لنشر دينه، خاتم رسالات الله إلى البشر.

ما فعله الفقهاء
-------------


ومع الحركية الإيمانية في الفعل لنشر العقيدة، وإقامة دولة الإسلام والإيمان، بكل أخلاقياتها السماوية، كانت هناك ثوابت التقوى وفهم العقيدة الفهم الصحيح، الذي ألقاه النص القرآني، على القلوب أو العقول، بعيداً عما أحاط به من نصوص حافة مغلقة، من إنتاج عقول ما تم التعارف عليه بمسمى "العُلماء" أو "الفقهاء"، الذين وضعوا نصوصاً تُعبِّرُ عن فهمهم الخاص بزمنهم للنص، وهو الفهم المحكوم بمعارف عصرهم المحدودة، والمتداولة من خلال كلمات "العنعنات" عن"المرويات"، وكلها نصوص في الحقيقة كَبَّلت تأثيرات النص المقدس المباشرة، وما يحتويه من القيم الإيمانية المتفقة مع فطرة الخلق، والتي تَقرُّ في العقول المكني عنها قرآنياً باصطلاح "القلوب".

لقد احتكرت الجماعات الموصوفة بـ "السلفية الجهادية" الفهم القرآني، لتفرض تأويلاً خاصاً من منظورها، لعماد هذا الدين السمح وهو القرآن، وتنتقل، من ثابت الدعوة بالموعظة الحسنة، إلى متحرك العنف الدموي، الخارج عن روح وجوهر العقيدة، التي انتشرت ولم تعد الآن تواجه الغربة والعزلة والحصار والمقاومة، كما كان الأمر وقت نزول رسالة السماء على قلب الرسول الأكرم، بدعوته الناس إلى التوحيد والإيمان بالله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً".

مزاوجة الإيمان بالجهاد
----------------------


لقد زاوجت هذه الجماعات في اشتراط تعسفي، بين الإيمان وما وصفته الجهاد، عبر التأويل الخاص، الذي لا يُراعي متغيرات الزمان وموازين القوى، وثوابت وحقائق امتداد العقيدة الهائل من دون العنف الراهن والبشع في نتائجه، إذ وصل عدد المسلمين في العالم الآن إلى 2.5 ملـيار مسلم.

والتوقعات الإحصائية تشير حسب دراسة أميركية أجراها مركز "بيو" للأبحاث إلى تساوي عدد المسلمين في العالم بعدد المسيحيين بحلول عام 2050، بمراعاة معدل الخصوبة، وعدد السكان الشباب وعنصر الهجرة. وسوف يتزايد انتشار الإسلام بمعدل ارتفاع من 23% العام 2010 إلى 29% سنة 2050. وتتوقع تلك الدراسة انتشار الدين الإسلامي خلال الـ 40 سنة المقبلة بفضل كثافة عدد الشباب المسلمين، وارتفاع معدل الخصوبة لديهم، ليصل إلى 75%، وهو ما يمكن أن يجعل الديانة الإسلامية الأولى في العالم بإذن الله من سنة 2070.


التقسيم الحاد للناس إلى مسلم وكافر
---------------------------------


لقد وقعت هذه الجماعات في خلل التقسيم الحاد للناس إلى مسلم وكافر، وأعطت لنفسها الحق، بتحويل الخلق جميعهم إلى مسلمين، متناسين قول الله جلَّ وعلا في القرآن الكريم: "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" (يونس: 99)، و" لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغيّ "، تأكيداً على أن اختيار الدين هو فعل اختياري، وليس عملاً جبرياً، بما يتفق مع غاية الله من منح الإنسان عقلاً، به يفكر، وبه يقرر، وعليه وزر الاختيار غير الصائب، مقابل تمتعه بحرية الاختيار.

إن هذه المسلكية القاسية، التي تتبعها ما تسمى جماعات "السلفية الجهادية"، تساهم بالتنفير من اتباع الدين الحق في مساحة أرض الله الواسعة، وتعمق صورة ذهنية رديئة للإسلام، فهو دين الرحمة والتسامح، الدين الذي تتجلى قوته في رحمته، ودعوته لإقامة مجتمع العدل والحق، والتواد والتراحم والدعوة إلى الله بالتي هي أحسن، أي الدعوة إلى دين الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، وتقديم المسلك الصالح، وليس بارتداء الأحزمة الملغمة والسيارات المفخخة.

حماية النفس مقصد الشريعة
---------------------------


إن الدين الحق يخسر كثيراً نتيجة تقديمه بهذه الصورة المرعبة، التي تتناسى أن من قتل نفساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ، أي بغير حق، فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا... لأن الحفاظ على النفس ورعايتها من مقاصد الشريعة المحكومة بميزان المصالح والمفاسد، في العمل، لذلك ينبغي أن تتوقف تلك الجماعات الدموية عن القتل المتعدد الأنماط، حتى لا تضر الشريعة بمسلكياتها.

وعلى الإعلاميين والباحثين أن يستخدموا التوصيف الصحيح لها، ولا يضللوا الناس بنسبتها إلى السلف الصالح، ولا يخدعوا الجمهور بترسيخ المسمى المُضلل، لأن هؤلاء لا يَمتُّون إلى السلف الصالح بصلة.



                                                                                "رأفت السويركي"
 ------------------------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق