الأربعاء، 14 ديسمبر 2016

 تفكيك العقل النخبوي الإسلاموي المتأخون ( 51) 

"سحب المقاتلين" من فلسطين... خيانة تعادل "الأسلحة الفاسدة"!!
------------------------------------

حين يعمل العقل التفكيكي أدواته في الكتب والوثائق الخاصة بضياع فلسطين، وتكريس الوجود الاغتصابي لما تُسمَّى "الدولة اليهودية"؛ يشعر بالارتياب الكبير إزاء ما هو مستقر في بطون تلك الكتب والوثائق؛ والذي يُعمِّقُ صورةً ذهنية تُرَسِّخُ وتلصق الخيانة في الحكومات العربية في تلك المرحلة وهذه حقيقة صحيحة من هذا الجانب؛ بينما تتناسى طرفاً آخر تحيط الشكوك بمواقفه؛ أو تغض الطرف عنه، أي ما تسمى "جماعة الإخوان المسلمين".

إذ تضع تلك الكتب والوثائق "حسن البنَّاء" المُؤَسِّس في موقع "الرجل المُقَدَّس"؛ وتتحدث عن دورٍ تاريخي له في هذه المسألة؛ يتمثل في تحقيق حشد الشعور الجماهيري الكبير لحماية فلسطين من العصابات الاستيطانية اليهودية؛ بل وتضخيم الصورة الإيجابية المتشكلة حول دور "الكوادر المتأخونة" في تلك الوقائع؛ مقابل تشويه كينونة الجيوش النظامية؛ لأهداف استراتيجية تعمل عليها تلك الجماعة.

إن العقل الأكاديمي والسياسوي المتأخون، الذي وضع هذه الكتب والوثائق، وجمع الشهادات كان عقلاً منحازاً لجماعته؛ فمهمته الأولى كانت تجميل وجود جماعته وتنصيع - "من النصاعة" - وجهها وتاريخها؛ في إطار التضليل الذي يمارسه "العقل المتأخون"؛ بدءاً من "حسن البناء"، وصولاً إلى أحدث الكوادر الأكاديمية المندرجة في التنظيم، علانية أو في الخفاء. ويتركز كل جهدها في ترسيخ صورة خيانة الحكومات العربية؛ وتمكين الصورة القديمة المصنوعة لجماعتهم في المسألة الفلسطينية من السيطرة على الوجدان والعقل الجمعي للجماهير العربية.

وحقيقة الأمر الذي تكتشفه القراءة التفكيكية أن الخيانة لم تكن فعلاً خاصاً وقتذاك بالحكومات العربية فقط؛ ولكن أيضاً بـ"حسن البناء" نفسه. وفي قضايا الحِجَاجِ الفكري قد يكون حَدَثٌ ما؛ أو قولٌ هامشيٌ دليلاً ناصعاً يهدم الحجة القائمة أو التي هي محلٌ للحجاج؛ وهذا ما ستتولى الكتابة الراهنة الكشف عنه لاحقاً.

*****

 حسن البناء كان المتطوع الأول


إن الكتب والشهادات، والوثائق الرائجة؛ مستخدمة أسلوب الرصد والرواية والاستدعاء وتهمل التحليل تصنع دوراً أسطورياً، حول مساهمة الجماعة المتأخونة في محاولة إيقاف ضياع "فلسطين"؛ ولأنها معطيات معلوماتية ضخمة الحجم فيمكن الاكتفاء بتحديدها في عناصر موجزة:

- إن "حسن البناء" حدد في العام 1931م في رسالة إلى المؤتمر الإسلامي بالقدس واجباً بضرورة أن " يُعالج المؤتمر مسألة شراء اليهود للأراضي الفلسطينية".

- وفي مارس/ آذار العام 1935م دعا ذلك المؤسس في "اجتماع مجلس الشورى العام للإخوان إلى جمع التبرعات لمساندة قضية فلسطين".

 - وحين أعلنت الأمم المتحدة قرار تقسيم الأراضي الفلسطينية بين العرب واليهود في 29/11/1947م، نظمت ما تسمى جماعة الإخوان المسلمين في 15/12/1947م مظاهرة خرجت من الأزهر شارك فيها الآلاف من طوائف الشعب منهم أعضاء الجماعة. وخطب فيها "حسن البناء" مؤكداً: "أن الإخوان المسلمين قد تبرعوا بدماء عشرة آلاف متطوع للاستشهاد في فلسطين... وهم على أتم استعداد لتلبية ندائكم"!!!
 صحيفة حسن البناء تبيع الوهم بعشرة آلاف مقاتل


- أبرق "حسن البناء" إلى "مجلس الجامعة العربية" بأنه "على استعداد لأن يبعث كدفعة أولى عشرة آلاف مجاهد من الإخوان إلى فلسطين".

 المصريون تدفقوا للتطوع من أجل إنقاذ فلسطين


- شرعت الجماعة بعد ذلك "في شراء السلاح وتشكيل كتائبها المسلحة"، واندرجت مع مختلف القوى السياسية بمصر في تشكيل جبهة "هيئة وادي النيل لإنقاذ فلسطين" و"مع اشتداد الضغط الجماهيري على الحكومة المصرية سمحت للمتطوعين بالمشاركة في الجهاد تحت راية الجامعة العربية".

- سافرت كتائب المتطوعين من مصر والعراق، والأردن ولبنان، وتونس وليبيا والسودان، وتركيا ويوغسلافيا؛ - حسب المراجع الإخوانية - وتضم في تشكيلها عناصر الإخوان؛ ومنها ما كان بقيادة الكوادر المتأخونة مثل:" مصطفى السباعي/سوريا، ومحمد الصواف/ العراق، وعبد اللطيف أبو قورة/ الأردن".

رسالة عبد القادر الحسيني إلى الجامعة العربية

- وتحركت الحكومات العربية ومنها الموصوف بـ "صنيعة الإنجليز" آنذاك للدخول في المسألة الفلسطينية؛ محكومة بدافعية الخشية من الاتهام بالتقاعس عن حماية فلسطين؛ وكذلك خشية أن يُنسب ما يتحقق على الأرض الفلسطينية لاحقا لصالح التنظيم المتأخون تحديداً والناشط بين الجماهير أكثر من بقية الأحزاب التقليدية الأخرى.
- والوثائق تحوي من المعلومات الدفينة التي تثبت ما قام بتزيينه المستشارون الفاسدون للملوك العرب؛ خاصة الملك فاروق بقولهم إن المزاج الشعبي المصري "تجاه قضية فلسطين أقوى من أن يُقاوَم، ولكن يمكن استيعابه وإجهاضه"؛ فقرر الملك فاروق دخول الجيش المصري إلى فلسطين كي لا يُزايد التنظيم المتأخون عليه؛ وقد انضمت إليه في الميدان جيوش ست دول عربية أخرى في 15 مايو/آيار 1948 م.

*****

ونأتي إلى "الغاطس العميق" كما يقولون في هذه القضية؛ حيث باغت "حسن البناء" الجميع: الحكومات والجيوش العربية فور دخولها إلى فلسطين؛ والمقاتلين المتطوعين والمتأخونين أيضاً المتواجدين في فلسطين؛ وكذلك الذين يستعدون للسفر إلى فلسطين بقرار غريب ومريب؛ فيأمر بسحب المتطوعين المتأخونين من فلسطين، وإيقاف الاستمرار فى إرسال المزيد منهم من الدول العربية والإسلامية؛ وإخلاء المعسكرات من المتطوعين!!

وقد أحدث قرار " حسن البناء" ذلك هزة مدوية حتى في أوساط جمهور الجماعة؛ جعلته في محل الاتهام بالخيانة؛ ولكن بقدرته الذاتية استوعب الغاضبين والمتمردين؛ وعقد اجتماعاً لأعضاء التنظيم الخاص، مسفراً عن استراتيجيته الحقيقية من لعبة المشاركة في المسألة الفلسطينية.

إذ تتناقل بعض المراجع قول "حسن البناء" الكاشف لهدفه العميق والخفي بعيدا عن توهم إنقاذ فلسطين:  "العمل هنا فى مصر وليس فى فلسطين، والطريق إلى القدس لابد أن يمر عبر القاهرة، وما يحدث الآن فى فلسطين إنما هو مؤامرة لتسليمها إلى اليهود بأسلوب يحبط الإرادة العربية والإسلامية لعدة أجيال قادمة".

واختتمها بكشف "المسكوت عنه": "كنا نعمل على تنظيف سُلَّم الحياة فى مصر- بالتربية- من أسفل إلى أعلى، فأبى النظام إلا أن يقنعنا بأن السلم لا يُنظف إلا من أعلى إلى أسفل..!!".

ويرى العقل التفكيكي أن هذه العبارة تمثل تُرجمان الحالة المتأخونة، وتكشف المختبىء، وتشهر حقيقة الغاية من إنشاء هذا التنظيم الجمعياتي الذي حدده "حسن البناء" بأنه:" دعوة سلفية، وطريقة سنّية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية وثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية". أي بالتوصيف الدارج المصري:" سمك، لبن، تمر هندي"!!

*****

لذلك يَخْرُجُ العقل التفكيكي بمجموعة مكتشفات، يؤكدها المسلك المتأخون من المسألة الفلسطينية:

أولاً: إن الضجيج الذي أحدثه "حسن البناء" بمناسبة النكبة الفلسطينية؛ لم يكن إلاَّ خطوة محسوبة لتقنين ورسمنة "العمل الميليشياوي"؛ فقد فاز بالموافقة الرسمية على إتاحة الفرصة الذهبية لجماعته بتخصيص معسكرات التدريب للمقاتلين المتطوعين للجهاد في فلسطين كبداية. لكن العناصر المتأخونة الأساسية بجانب التي يتم استقطابها للتأخون لاحقاً تمثل رصيداً للتوظيف في ماكينة العنف الجماعاتي ويجهز لما يأتي تالياً، وفق قوله:" الطريق إلى القدس لابد أن يمر عبر القاهرة... والسُّلم لا يُنظف إلا من أعلى إلى أسفل..!".

ثانياً: إن الخبرات الميدانية التي تحصلت عليها تلك الكوادر المتأخونة في أرض العمليات الفلسطينية بممارسة عمليات الحصار، وقطع خطوط الإمداد والتموين تفيد في دعم النهج القتالي للجماعات الميليشياوية؛ وهذه الخبرة ما كان يمكن أن تتوفر لولا الاستفادة من العمليات في فلسطين المحتلة.
 حسن البناء يشرف على تدريب جماعته على حمل السلاح



ثالثاً: كان التكتيك القتالي غير النظامي آنذاك يقوم منذ البداية على تمركز المتطوعين المقاتلين "المجاهدين" تحت القيادات العربية المحلية التي تتبع "جيش الإنقاذ أو جيش الجهاد المقدس" حول "الكيبوتزات" الصهيونية فى جبال فلسطين وطرق مواصلاتها... وقد شرعوا فى القتال المتلاحم مع المستوطنين اليهود فى المستعمرات. وتحققت نتائج طيبة بفعل  الدافعية العقدية للعرب المسلمين التي تُقَدِّم قيمة الاستشهاد لديهم على حب التمسك بالحياة لدى اليهود "المتوطنين المتصهينين". وهذا ما اعترف به موشى ديان بقوله :" إنهم يريدون أن يستشهدوا ونحن نريد أن نبني أمة"!

رابعاً: ينبغي إدراك أن  نجاح العمليات في أرض المعركة بالطريقة المستخدمة ما كان يمكن أن يحقق الغرض الاستراتيجي بحصار "الكيبوتزات الصهيونية"؛ لأن زيادة الضغط على المستعمرات الصهيونية كان سيستتبعه التدخل الخارجي الغربي لإنقاذ وإنفاذ مخطط وسيناريو ترسيخ "الوطن" القومي للصهاينة في فلسطين.

خامساً: إن جيوش الحكومات العربية المترهلة آنذاك، والتي ضربها الفساد في أسلحتها؛ فوجئت بالغياب المباغت من عناصر المقاتلين الذين خبروا طبيعة أرض المعركة؛ فتحررت القوى الصهيونية بسحب تلك العناصر التي تقاتل بمنطق الموت الاستشهادي من الضغط؛فتحول الصهاينة من حالة الدفاع إلى الهجوم وقطعوا خطوط الإمداد والتموين عن تمركزات الجيوش العربية؛ وحاصروها "حصار الفالوجا نموذجاً".

 سادساً: ما هو المحرك الحقيقي الذي دفع "حسن البناء" إلى قرار السحب المباغت للمقاتلين من أرض المعركة فور دخول الجيوش العربية إلى فلسطين؛ فهذه العناصر ذهبت في الأساس محصنة بالشعور العقدي لإنقاذ "أولى القبلتين وثالث الحرمين"؛ وتمتلك الشعور بأنها ذهبت للموت فداء لفلسطين، وليس للعودة انسحاباً، وإخلاء مواقعهم الاستراتيجية بطريقة مفاجئة؛ وهو نفسه القائل أنه يتبرع بدماء عشرة آلاف؛ فضلاً عن قيامه بإيقاف دعمهم لوجستياً بالعتاد والمقاتلين الجدد المؤهلين من العواصم العربية بعد قراره المريب !!

 مجموعات المقاتلين العرب يحملون بنادقهم دفاعا عن فلسطين


سابعاً: أحدث سحب المقاتلين المفاجىء ارتباكاً عملياتياً ولوجستياً للجيوش العربية في الميدان، بما يخل بقدرة الضغط على اليهود؛ ويتيح لهم استرداد الفعالية القتالية التي كما قال شهيد الجيش المصري أحمد عبد العزيز - حسب ويكيبيديا-: "إن قتال اليهود يجب أن تقوم به كتائب الفدائيين والمتطوعين". فسبب هذا القرار المباغت خللا في القدرات العملياتية؛ فواجهت الجيوش الحصار؛ ثم الهزيمة فالانسحاب؛ وجرى تثبيت المخطط الصهيوني الغربي بخلق "إسرائيل" الدولة الصهيونية؛ مع ما طال الفلسطينين 1948م من قتل وتشريد وتهجير.

 شهيد الجيش المصري في فلسطين أحمد عبد العزيز


والسؤال... مع فساد الحكم القائم آنذاك الذي تسبب في صفقات الأسلحة الفاسدة التي أفقدت الجيوش العربية فعالياتها؛ هل كان من الإيمان والوطنية أن يفرغ "حسن البناء" ساحة الصراع العسكرية من العناصر المناسبة لطبيعة تلك المعركة؛ فالشهيد أحمد عبد العزيز نفسه كان يقود ما يُعرف بالقوات الخفيفة في "حرب فلسطين".

*****

ويصبح العقل التفكيكي مواجهاً بالسؤال المنهجي: ما تفسير مسلكية "حسن البناء" إذن لاتخاذ هذا القرار المريب؛ بسحب المقاتلين وإخلاء معسكرات التدريب؟ إن هذا القرار المخفي في بطون الكتب والتاريخ، لا يعلمه أو يذكره الكثيرون من عموم الجماهير العربية وحتى القواعد المتأخونة نفسها؛ ولا يشير إليه أيضاً المتأخونون الذين وثَّقوا لتاريخ مساهمة الجماعة؛ فيما يتفاخرون بما يعدونه المنجز الإخواني في المسألة الفلسطينية 1948م؛ فيركزون بالعمد على تكرار القول بهزيمة الجيوش النظامية العربية؟!!
 حاصروا المستوطنين ببنادقهم


حين طالب "حسن البناء" الحكومات العربية أن تكف عن التدخل بجيوشها في فلسطين، تاركة المهمة للشعوب العربية لتقود المعركة بتشكيلات مسلحة من المقاتلين؛ فهذا يكشف طبيعة "الفكر الميليشياوي" الذي جسده بثابت تعطيل الوظيفة التي وُجِدَتْ الجيوش النظامية من أجلها؛ وأنه يأخذ موقفاً مضاداً لقيمة الجيوش النظامية في الوقت الذي يواصل نظام بناء أدوات الجماعة المتأخونة الميليشياوية. وعلى العقل التفكيكي أن يتذكر نمط العمل العسكري لجماعات "فرسان الهيكل" الصليبية في فلسطين القديمة.

 الطائرات البريطانية تقذف المقاتلين في فلسطين ببنادقهم


لقد كان حسن البناء يعلم علم اليقين أن العصابات الصهيونية المدعمة تسليحيا بالمدافع والطائرات من دول الغرب الاستعمارية ستحسم الصراع بفعل قدراتها التسليحية أمام مقاتلين بالبنادق؛ وهذا ما حدث بتحليل عناصر القوة والضعف على الأرض من منظور العلوم العسكرية. لذلك فمشاركته كانت لها أهداف أخرى لا تنفصل عن مشروعه الجمعياتي.

والأمر الملفت للانتباه في أرض المعركة؛ والذي يكشف طبائع جماعته هو ذلك التشابه بين العقل المتأخون في المسألة الفلسطينية؛ ومنهجية العقل المتصهين نفسها؛ حيث قام المتأخونون في وقائع 1948م بإطلاق تسميات جديدة على بعض المواقع التي استردوها من "المتصهينين"؛ على سبيل المثال: "تبة اليمن"؛ في 20/10/1948م... إذ قاموا بتغيير اسمها إلى "تبة الإخوان المسلمين"! 

 وهذا يعني أن المشروع السياسي المتأخون ذاته غير وطني؛ والعقل المتأخون بطبيعته يمارس المسلك الاستيطاني المماثل للفعل الصهيوني نفسه؛ بصناعة وطن بديل مُتَخَيَّل عقدياً؛ لذلك يقوم بتغيير المسميات التاريخية للأماكن في فلسطين العتيقة إلى أسماء ذات دلالات خاصة بالعقيدة الصهيونية لدى "اليهود"؛ ففي الوقت الذي ينبغي الحفاظ على الأسماء القديمة "لأنها علامة إشهار فلسطينية الأرض التاريخية ؛ فإن الجماعة العقدية المتأخونة تقوم بإحلال إشهار اسمها على الأرض التي تغنمها!

فهل لهذا السلوك الاستبدالي في الأسماء علاقة بطبيعة الوجدان اليهودي الأول للمؤسس "حسن البناء"؛ إذ أن اليهود يغيرون الأسماء الفلسطينية؛ والمتأخونون أيضاً يبدلون الأسماء الفلسطينية؟!  

 حسن البناء قال كلمته وصافحهم وغادر السفينة

إن ما يفضح ذلك "المسكوت عنه" كذلك هو ما ذكره علي مصطفى نعمان في كتابه "شاهد على جهاد الإخوان المسلمين في حرب فلسطين 1948" من قول "حسن البناء" للمقاتلين المسافرين من مصر إلى فلسطين: "أنتم تمثلون بَعْثَاً جديداً للإسلام، فاحرصوا على أن تكونوا مثل أسلافكم من الصحابة والمجاهدين الذين ثبتوا في القتال، ولم يفروا، والذين بنوا دولة الإسلام ولم يضنوا بمال أو دماء حتى بلَّغوا أمر هذا الدين للعالمين، ثم صافحنا فرداً فرداً، ثم غادر الباخرة".! 

 وهذا القول يميط اللثام التنظيمي عن استغلال توهم "شعار إنقاذ فلسطين"؛ إلى تطبيق مشروع دولة التأخون التي تستتر برفع شعار "بناء دولة الإسلام"؛ فلم تكن المشاركة في المسألة الفلسطينية إذن بهدف إنقاذ فلسطين التاريخية، ولكن البدء في إعلان إقامة دولة الجماعة من فلسطين!!

 إن القول الفصل في كشف دافعية حسن البناء عبر المسألة الفلسطينية يرتبط بالمفهوم المركزي في تفكيره ووجدانه، الذي يكشفه ما ورد في كتابه "أحاديث الثلاثاء" عن اليهود بقوله: "لقد وُجد الإسرائيليون في مصر، وإن كان وطنهم الأصلي فلسطين، وكان أول من أقرهم يوسف عليه السلام:( اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا، وائتوني بأهلكم أجمعين... إلى قوله تعالى وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين( - يوسف 99-93.

 والسؤال... هل نبه الوجدان الأصولي اليهودي حسن البناء بأن بقاء المقاتلين المتطوعين للجهاد بنتائجهم مع زخم الجيوش العربية قد يقضي على الوجود اليهودي في فلسطين بالكامل؛ وهذا ما لا يجد هوى لديه؛ فهو القائل عنهم في الكتاب نفسه أنهم جنس:" انحدر من أصول كريمة، ولهذا ورث حيوية عجيبة... لم يظفر بها جنس كما ظفروا بها"، وهم "ورثة أقدم كتاب سماوي عرف الناس عنه شيئا وهو التوراة"، وأن "وطنهم الأصلي فلسطين"؛ لذلك في اللحظة المفصلية التي تحركت فيها الجيوش عليه أن يسحب مقاتليه؛ فغضب الجميع لقراره حتى أفراد جماعته.

*****

وهنا السؤال المنطقي في مسألة النكبة الفلسطينية تحديدا العامرة بالتاريخ المكذوب الذي كتبه العقل المتأخون: حتى لو كانت الجيوش العربية آنذاك فاسدة بسبب الخيانة؛ فماذا يمكن أن يقال عن تنظيم يسحب مقاتليه من أرض المعركة؛ أليس ذلك يمثل أيضاً نموذجاً للخيانة نفسها؟! في الكتابة التالية يتواصل تفكيك خطاب العقل النخبوي المتأخون لكشف دوره الحقيقي في ضياع فلسطين الوطن التاريخي؛ وتثبيت وجود "الدولة اليهودية" وطناً مختلقاً!!!

                                                                                                                                                                                       "رأفت السويركي"
----------------------------------------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق