الخميس، 1 ديسمبر 2016

فاطمة المرنيسي "الحُرْمَة الْعَوْرَة"...

يُذكِّرني بها "فيس بوك"!!
-------------------------------------------


حين وُلِدْنَا؛ كان صوت أمهاتنا هو الصوت الأول الذي سمعناه؛ شعرنا بحجم اندفاعنا؛ اندفاع الحياة من رحمها؛ وفي بيئة تكويننا البدئي... كنا نسمع وجيب قلبها؛ وهمسات شفاهها وهي تخاطبنا في مهد التكوين الأول. وحين صرنا وجوداً مادياً له اسم منتسباً إلى مُذكَّر؛ كانت تقودنا إلى تَلّمُسِ معنى الحياة؛ بغنائها وهدهداتها؛ ولمساتها وحليبها؛ وثقافة قيم التنشئة التي أرضعتها لنا.

الأم... المرأة الأرض التي احتضنت تخلُّقَنا الأول؛ ذلك الكائن الشريف المعطاء؛ حين كبرنا ذكوراً؛ هناك من لا يَرْعَوي بوصفها تاريخياً بـ "الحُرْمَةِ"؛ ليس تقديراً واحتراماً وتبجيلاً لشأنها الوجودي؛ ولكن ذكُورياً عُبُودياً؛ كمنطقة وجودية مُحرَّمة، قد يستهدفها الذكور الآخرون في إطار ثقافة نظرة الغزو الاستحواذية لها كجسد.

ومع هذا الظلم التاريخي لكينونة المرأة في عالمنا الذكوري؛ انداحت "استرسلت" المرأة النوع مستسلمة في إطار ثقافة الاستحواذ والأسْرِ كائناً فاقداً لقيمة الكينونة النوعية؛ الوجود الحقيقي المادي وليس الثقافي؛ فأصبحت وجوداً تابعاً لهيمنة الاستجبار والاستكبار الذكوري؛ كائناً من دون قيمة.

ومع امتداد تاريخ هذا الاستعباد النوعي وهيمنة الصورة المشوهة للمرأة؛ خرجت أصوات نسوية تحاول أن ترفع راية التنبيه لمجتمع ثقافة الذكور المهيمن؛ بضرورة إعادة التفكير في حقيقة هذا الوجود الأصيل الذي جرى تشويهه واستعباده التاريخي بطريقة منافية لروح الأديان السماوية التي رسخت المساواة بين النوعين؛ المؤنث الأول والمذكر الأول؛ المنبثين من أصل التأنيث المصدر ومنبعه أي "النفس"؛ مِصداقاً لقوله الكريم المُفْحِم جلَّ جلالُه: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (1)- النساء.

وكذلك لمعنى ودلالة امتداد هذا النهج الإلهي في الخلق؛ بإعجاز ولادة عيسى بن مريم عليه السلام خلقاً من دون أب مذكر وقولها الشريف في القرآن الكريم:( قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ) – ( 47) آل عمران. 

*****

وهذه هي الراحلة الكريمة الدكتورة فاطمة المرنيسي تأتي نموذجاً ثقافياً دالاً على تلك الكينونة النسوية في حضور فكري يُقدِّره أصحاب العقول غير المصابة بالعمى الذكوري؛ وهم كثير، ليعطوا فاطمة المرنيسي بعض حقها، اعتزازا بمنتجها الفكري الكبير، والذي تركته إرثاً للعقول العربية، لعلها تتدارسه؛ وتدرك ما ورد به من جهد جليل؛ لعقل نسوي ينبغي أن تحترمه؛ خلاصاً من ثقافة تشييىء "المرأة / الجسد"؛ وجعلها كذباً موضع الشهوات؛ ومنبع المنكرات؛ وأصل النجاسات؛ وقمة مبطلات الصلوات؛ وصنو الشيطان!!

*****

في ذكرى رحيل العالمة الكبيرة "فاطمة المرنيسي" ذكَّرني "فيس بوك" بتدوينة سابقة لي بعنوان: " فاطمة المرنيسي... غاب صوت "الحُرمَة" العَورَة! أعيد نشرها مع مقدمة جديدة؛ تقديراً لكينونتها.

كما تكرم بنشرها أيضاً الموقع التنويري "إسلام مغربي" وفق الرابط: http://www.islammaghribi.com/…/%D9%81%D8%A7%D8%B7%D9%85%D8%…

                                                                           
                                                                                " رأفت السويركي"
---------------------

فاطمة المرنيسي... غاب صوت "الحُرمَة" العَورَة!
 -------------------------------------------------
كما أحدثت فاطمة المرنيسي صدمة بمشروعها الفكري الكبير، وهي تفتش عن الصورة الحقيقية للنسوية المهملة والمهمشة، وسط محيطات تاريخية من الذكورة، هاهي ترحل رحيل المفاجأة، بصمت بعد رحلة عطاء فكري غنية بمحطاته، تاركة في العقول دهشة الذهول من غياب متفكرة عقلانية ذات حضور وغنى معرفي كبير.

فاطمة المرنيسي ونوال السعداوي والعديد من العقول النسوية الرائدة، هن من علامات ضوء شفيف، في نفق طويل مظلم، من الهيمنة الفكرية الذكورية الحياتية، بكل جبروتها وعنترياتها، وصلفها التاريخي الكذوب، في عالمنا القديم، والأوسط، والمعاصر على حد سواء.

اقتحام "التابوهات" الذكورية
----------------------------

فاطمة المرنيسي ترحل مخلفة وراءها مشروعاً تنويرياً جاداً، يتفق الذكور أو يختلفون معه، فلا ينبغي إلاَّ أن تنظر إليه إلا باحترام وتقدير وإجلال، للجهد العقلي الإنساني النسوي المبذول، في القراءة، والتمعن والتفكر، والاستنتاج والاستنباط، والجرأة في اقتحام "التابوهات" الذكورية الراسخة، وتفكيكها وإبراز اهتراء فهمها، وعوار تصوراتها للنوع الاخر، لأنها كانت أسيرة مسلمات ذكورية صلدة، جاسمة في العقول، لا تقبل التزحزح، ويُعاد انتاجها، واستهلاكها، ثم إعادة انتاجها مرات ومرات، بآلية مكرورة، تصيب بالملل، العقل المتفكر، والمتسائل لرتابتها التاريخية.

إن الإرث التاريخي الثقافي والتأويلي للعقيدة، والسياسي والاجتماعي لواحدية النوع والمضادة للمؤنث، كان يشكل تحدياً كبيراً أمام فاطمة المرنيسي، فتفرغت لتفكيكه بشراسة فكرية، محسودة عليها، فلم تترك نهراً فكرياً ذكورياً إلا عبرته، لتثبت هشاشة مسلماته، وتلتقط منه ما أخفاه الذكور أو تغافلوا عنه، فتعيد قراءة الموروث الظالم للأنثى، وتستخرج من بطونه الأدلة التي تثبت خلل الرؤية الذكورية، وقد صنعت تلك الروءية، ورسخت صوراً ذهنية مسيئة للمرأة، ومضخمة لكينونة الذكر الثقافية والوجودية.

تفكيك الموروث الذكوري
-----------------------

وبمقدار ما قامت المرنيسي بتفكيك الموروث الذكوري العنصري، واجهت طوفانات من الانتقادات الذكورية، ممن "تقولبوا" في مغارات الفكر الماضوي، المضاد للإنسانية والعنصري ضد النوع، وأيضا لقيت الإشادة، من فرسان العقل، والفكر الحر، الباحث عن الحقيقة، لا التسليم المُغمِض العينين تجاهها، باعتبارها جاءت في كتب الأولين ورواياتهم الموهومة، والتي تكتسب قوتها فقط من تاريخيتها، المكتوبة بذاكرة الذكور من الرواة والنساخين الوراقين.

مؤلفات مدهشة
--------------


لم تخرج المرنيسي عن السياق، في دراسة الأصول، ولم تخترع قضاياها، لكنها حركت عقلها، عبر العقل التنويري، الذي وظفته في الجمع والبحث، والتفكيك للخطابات الذكورية الظالمة، التي تجعل من المؤنث سقط المتاع، والكينونة الهامشية، وقالت كلمتها في مجموعة من المؤلفات النيرة الموضوعات والعناوين منها بالعربية:

- "ما وراء الحجاب".

- "السلطانات المنسية في الإسلام".

- " الحريم السياسي: النبي والنساء ".

- " الخوف من الحداثة: الإسلام والديمقراطية ".

- " الجنس والإيديولوجيا والإسلام".

- " المغرب عبر نسائه".

- "العابرة المكسورة الجناح، شهرزاد ترحل إلى الغرب".

- "أحلام النساء الحريم "حكايات طفولة الحريم".

- "هل أنتم محصنون ضد الحريم؟"

****

من المؤكد، أن وفاة فاطمة المرنيسي المفاجئة، بقدر ما تصيب الكثيرين بالحزن لغياب عقل إنساني انثوي، جريء في خطابه العلمي النوعي، ستترك الارتياح في نفوس الكثيرين من مفكري الذكورية، الذين سيتنهدون بارتياح ويقولون: أخيراً غاب صوت "الحُرمة" العورة!


                                                                                "رأفت السويركي"
--------------------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق