"فيس بوك" يُذكِّرني ببرلمان انتقدوه بالقول:"يا أحمر الخدين"!!
----------------------------------------
----------------------------------------
العقل الافتراضي في "فيس بوك" لا تصيبه آفة النسيان؛ إنه دؤوب في ممارسة
وظيفة الدعوة للتذكر؛ ليكون بديل ذاكراتنا الطبيعية التي تهرم فتسقط منها
بالتقادم أوراق الذكريات.
"فيس بوك"
أعاد تذكيري بتدوينة سابقة من العام الماضي مارست في متنها "تفكيك خطاب
العقل النخبوي الإعلاموي المهيمن" تحديداً في موضوعة الهجوم على البرلمان
المصري قبل أن يبدأ دورته القانونية؛ والعجيب أن رؤية النخب الإعلاموية
تغيرت خلال المرحلة الراهنة تجاه فعالية هذا البرلمان؛ نظراً لما صدر من
هذه المؤسسة النيابية من قرارات هدفها الحفاظ على كيان الدولة الذي كان
مستهدفاُ من برلمان أغلبية العقديين المتسيسين.
ومن يقرأ هذه الكتابة ويتابع ما تبثه أجهزة الإعلام والنخب التي كانت تهاجم ذلك البرلمان سيكتشف مدى بهلوانية هذه النخب وعشوائيتها؛ بل وسطحيتها حين التعرض لقضايا وطنية جوهرية كثيرة؛ ما يثبت أن هناك عللاً هيكلية يعاني منها ذلك العقل النخبوي الإعلاموي المهيمن.
"رأفت السويركي"
------------
ومن يقرأ هذه الكتابة ويتابع ما تبثه أجهزة الإعلام والنخب التي كانت تهاجم ذلك البرلمان سيكتشف مدى بهلوانية هذه النخب وعشوائيتها؛ بل وسطحيتها حين التعرض لقضايا وطنية جوهرية كثيرة؛ ما يثبت أن هناك عللاً هيكلية يعاني منها ذلك العقل النخبوي الإعلاموي المهيمن.
"رأفت السويركي"
------------
تفكيك العقل النخبوي الإعلامي المهيمن (11)
برلمان... " ملقوش في الورد عيب قالوا أحمر الخدين"!
---------------------------------------
---------------------------------------
قاعة البرلمان مزدحمة بالنواب
في إطار مواصلة الرؤية من خارج الصندوق للمسألة المصرية، جذبت اهتمامي
تسمية جديدة، أطلقت وتم ترويجها في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بعد
انتهاء الانتخابات البرلمانية، تلك التسمية تصف البرلمان المصري الجديد
بأنه " برلمان رجال الأعمال والمحامين والضباط"، فقفز إلى رأسي المثال
الشعبي المصري الشهير" ملقوش في الورد عيب، قالوا أحمر الخدين"، إذ أن
إنجاز الانتخابات النيابية المصرية، يعني إنجاز الاستحقاق الثالث، ضمن
فاتورة الالتزام بتنفيذ أجندة الخروج الجماهيري المذهل في 30 يونيو/ حزيران
2013 والذي أكد خلع التيار الديني المتأسلم من سُدَّة الحكم في مصر، بعد
تمكين كان في حقيقته مثاراً للشبهات، من منظور الإعلام السياسي الناقد،
وذلك في إطار سيناريوهات إعادة تفكيك وتفتيت المنطقة، فضلاً عن توظيف
العقيدة، توظيفاً خارجاً عن مضمونها الإنساني، ومهتما بشكلانية إظهار
طقوسها، حين قام أحد نواب برلمان التيار العقدي المتسيس بالآذان في قاعة
البرلمان خلال إحدى الجلسات، فرد عليه رئيس المجلس التابع لتنظيم ما يُسمى الإخوان
المسلمين: " لا تزايد علينا لست أكثر منا إسلاماً"!!!
وهذه التسمية التي تحاول بعض المواقع ترويجها الآن، أي " برلمان رجال الإعمال والمحامين والضباط"، تأتي بعد فوز 116 رجل أعمال، و99 من المحامين و71 من الضباط السابقين في الانتخابات، ولا يعنيني هنا بقية تكوين الخريطة النيابية التي تحققت، لتشكل للمرة الأولى برلماناً مغايراً في التركيبة، لكنها تبقى محل الانتظار، لرصد فعالياتها وانتماءاتها داخل القاعة البرلمانية، وتلمس ملامح مشروعها النيابي، الذي ستبدو مفاصله، عبر فعاليته النيابية، خلال الجلسات، والقوانين التي ستخرج من القاعة، ملزمة للحكومة والدولة بتنفيذها.
إلغاء نسبة العمال والفلاحين دستورياً
-----------------------------------
ونعود إلى مسمى "برلمان رجال الأعمال والمحامين والضباط" لتحليله، بتفكير خارج الصندوق، البعيد عن الانفعالية، والتأثر بلهيب الأحداث في المجتمع المصري. والتساؤل الأول الذي يطرحه هذا المسمى هو، من كان يمكن أن يفوز في الانتخابات بصفة مخالفة، لما نص عليه الدستور الجديد، استجابة لما قدمته لجنة الخمسين، المنوط بها كتابة الدستور الجديد، وكانت تلك اللجنة بأغلبية تركيبتها المعتمدة على النخب ذات التوجهات الليبرالية أو المدنية، بلافتاتها وشعاراتها الديمقراطية، مُنظِّراً ودافعاً لإلغاء نسبة العمال والفلاحين، بدعوى أن تلك النسبة، المقررة منذ العصر الناصري، كانت لأسباب سياسية، وأنها الآن تتنافى من وجهة نظرهم، ومبدأ المساواة المستهدفة من العمل الديمقراطي بصورته العامة، والتي لا تشترط لدى إجراء العملية الانتخابية أن يكون الناخبُ مُلزماً باختيار فئة معينة قانوناً، إذ يختار الإنسان من يمثله، بإرادة حرة، غير مشمولة بموانع.
ومن دون شك فإن هذا التغيير والتحول في إزاحة مبدأ كان من المستقرات السياسية الاجتماعية، وأكسب قيمة معنوية سياسية كبيرة، لأغلبية سكانية من المصريين، جاء - هذا التغيير - تحقيقاً لرغبات ودعوات من النُخب، المهمومة بتكريس مفاهيمها السياسية الشكلانية، في مجتمع مُهْتز طبقياً، ممن سعوا للقفز على مُسمى العمال والفلاحين لإلغائه، وهم لم يلتفتوا سياسياً إلى وجود أكثر من 25 مليون إنسان في مصر، حسب التوصيف الاجتماعي، والسياسي والاقتصادي، يحمل هوية عامل، وقرابة نسبة الـ 51% من الفلاحين من تعداد الشعب المصري، وأغلبيتهم من الفقراء والعمال الزراعيين، وذوي الملكية المحدودة من الأرض.
منع الـ "مُتَفَلِّحِين"، والـ "مُتَعَمِّلِين"
-------------------------------
لذلك جاءت الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بعناصر فلاحية وعمالية وفق "كوتة" غير متناسبة، مع كتلة السكان من الفلاحين والعمال في المجتمع المصري، وإذا كان تخصيص العمال والفلاحين، جاء إلى كراسي البرلمانات السابقة في مصر، بعناصر بعيدة عن التوصيف الحقيقي للعمال والفلاحين، حيث دخل الأثرياءُ والفئات عبر عباءة ذلك المسمى، بصورة الـ "مُتَفَلِّحِين"، والـ "مُتَعَمِّلِين"، فقد كان على لجنة الخمسين النخبوية، ألا تطيح بنسبة الـ 50%، ذلك المكتسب السياسي العميق، بل يكون بوضع الضوابط الحاسمة التي تضمن أداءه وظيفته السياسية، أو تخفيض النسبة في أسوأ الأحوال، وليس الإطاحة بها، في عصف سياسي نخبوي، بدد ثوابت اجتماعية بارزة كانت من ملامح العصر الناصري، عصر مجانية التعليم، والتخطيط والتصنيع والزراعة، والدولة التنموية الشاملة.
والسؤال الجوهري والبريء: ماذا تتوقعون من عملية انتخابية نيابية، جرت وفق تعديلات قانونية، تجاوزت فئة العمال والفلاحين، لذلك فالطابع المنطقي الذي سيكتسبه البرلمان الجديد، هو الطابع النخبوي المتشكل، من رجال المال والأعمال والتجار، والمحامين والموظفين والمهنيين، ورجال القوات المسلحة والشرطة، ممن أنهوا خدمتهم الوظيفية وتقاعدوا، وصار من حقهم ممارسة العمل السياسي والعام، وليس معنى دخولهم إلى معترك العمل السياسي والنيابي، كما يروج إعلام الفريق السياسي المُعبَّأ بأحاسيس الطرد من جنة الحكم، أنهم يساندون أجهزة الدولة، كنوع من الالتفاف على السلوك الديمقراطي، وأنهم رجال عبد الفتاح السيسي كما يشيعون.
حقائق جيدة كشفها الصندوق
---------------------------
إن إعلام الفريق المتسيس الديني المأزوم، بخروج فريقه من العملية السياسية، يفتش كل حين عن ذريعة، لتوظيفها في الهجوم على أية تطورات واستحقاقات يتم إنجازها، مُغْمِضاً بعين الغرض، عن رؤية حقائق موضوعية تحققت، وهي:
· الحياد الواضح، للمرة الأولى لأجهزة الدولة تجاه جميع المرشحين، لذلك فاز من حملت اسمه بطاقات الناخبين في الصناديق، وليس من تم اختياره مسبقاً.
· إن الحضور البارز لنساء مصر، حقق نسبة تمثيل مشرفة، بعدد الفائزات ومن قمن بالتصويت.
· إن هناك حضوراً ملموساً للفائزين من الأشقاء المسيحيين، لم يكن يتحقق من قبل، لكنه تحرك إلى الأمام في هذه الانتخابات بشكل يدعو إلى التفاؤل.
· إن الصناديق جاءت أيضاً، بعدد من أصحاب المرحلة السنية الشابة، في ظاهرة لم تكن حاضرة سابقاً. وقيل حولها ما قيل، من التهويل بأن الشباب قاطع الانتخابات، ونتائج الصندوق هدمت هذا الافتراء.
· إن حق التمثيل السياسي، قد تحقق في هذا البرلمان لفئة ممن يسميهم الإعلام العربي بعنصرية لافتة ظلماً "أصحاب الإعاقة"، أو "متحدي الإعاقة"، والواجب أن يسميهم: "أصحاب القدرات الخاصة"، أو على الأقل:" أصحاب الحاجات الخاصة".
· إن المصريين في الخارج وهذا مكسب، حصلوا على عدد من المقاعد البرلمانية، ولم يكن ذلك يتحقق من قبل، باعتبارهم رصيداً استراتيجياً لبلدهم، يساهمون بوجودهم الخارجي في دعمه، والمساهمة في تخفيف العبء الحياتي عن أسرهم، ويخففون من علة البطالة بمستوياتها المخيفة، نتيجة الزيادة السكانية المتنامية بمعدلات غير مسبوقة، وتقلص دور الدولة طيلة العقود الأربعة الماضية في إقامة مشروعات تمتص فائض العمالة الكبير، فضلاً عن لجوء الرأسمالية المحلية إلى اعتماد منهج النشاط التجاري القائم على الاستيراد بحجم كبير والتصدير بقدرات معينة.
توقعات نتائج البرلمان إيجابية
----------------------------
وبدلاً من أن ينساق البعض، خلف ترويجات، وأكاذيب الكتائب الالكترونية للعقديين المتأسلمين، ورافعي الشعارات الفضفاضة، من بقية الطيف السياسي المضاد لوجود الدولة، ينبغي النظر من خارج الصندوق للصورة بهدوء، ليس تبنياً للمواقف، ولكن تفكيكاً للمسببات والدوافع، ثم مراقبة النتائج المتحققة، وهل هي إيجابية، أم سلبية؟، ومحاولة القراءة المستقبلية، لنتائج الحركة النيابية، لاستنباط التوقعات ومدى الرضى المتوقع عنها.
والقراءة الاستبطانية، لتشكيلة الخريطة النيابية الجديدة، تتوقع تحقيق نتائج مقبولة، في ضوء أن الدولة برئاستها الراهنة، تسعى لتحقيق ما يمكن من الأهداف التي طالبت بها الجماهير، لدى خروجها السياسي الجامح في 25 يناير/ كانون الثاني 2011 ضد نظام الموات الحضاري، المندفع إلى تكريس التوريث عبر عائلة مبارك، و30 يونيو/ حزيران 2013 ضد نظام التمكن الديني المتسيس، والمندفع إلى تفكيك الدولة المصرية الراسخة تاريخياً، حيث تغيرت طبيعة رأس الدولة، المحكوم بالتزام تنفيذ فاتورة التفويض السياسي الذي رهنته الجماهير بتخليص الدولة من نمط حكم، كاد أن يرتد بها إلى الزمان الماضوي، القائم على فهم مزيف للعقيدة وروحها، ومكبل لإمكانات التكيف التشريعي المواكب لمستجدات الحياة التي طرأت طيلة 14 قرنا مضت، منذ نزول الوحي على قلب الرسول الأكرم" ص" في مكة المكرمة.
توظيف الجيش الوطني تنموياً
----------------------------
ومن علامات العافية، التي تؤكد استرداد الدولة لأرضية الحركة التي كادت تهرب منها، هو حجم الاندفاع، بتوظيف قدرات وإمكانات "مؤسسة القوات المسلحة" الجيش الوطني في التنمية الداخلية، بجانب يقظتها الوظيفية، في الحفاظ على الوطن من تربصات الخارج، وتحديات الداخل. والشاهد على ذلك هو شبكات الطرق العصرية، بطول وعرض الخريطة، والتي تهيئ كافة المحافظات لمشروعات التنمية المختلفة، بما يترتب على ذلك، من استهداف استيعاب الطاقة البشرية المعطلة، وتوظيف القدرات الخاصة لكل محافظة في تقديم شكل انتاجي خاص بها. ولا نريد التذكير بإقليم قناة السويس، وما أعلن عن مستقبله التصنيعي في مجال اللوجستيات.
****
ومع هذا التوجه التنموي الجديد، تتوقع الرؤية من خارج الصندوق، أن يكون أداء البرلمان هذه الدورة، وما سيتلوها، متطوراً عما سبقه من دورات، أما لطميات الكتائب الالكترونية والإعلامية، فلا رد عليها سوى التذكير بالقول المصري الشائع: "ملقوش في الورد عيب قالوا أحمر الخدين". !!
"رأفت السويركي"
----------------------------------
النائب يؤذن مزايداً خلال الجلسة ورئيس المجلس ينهره
وهذه التسمية التي تحاول بعض المواقع ترويجها الآن، أي " برلمان رجال الإعمال والمحامين والضباط"، تأتي بعد فوز 116 رجل أعمال، و99 من المحامين و71 من الضباط السابقين في الانتخابات، ولا يعنيني هنا بقية تكوين الخريطة النيابية التي تحققت، لتشكل للمرة الأولى برلماناً مغايراً في التركيبة، لكنها تبقى محل الانتظار، لرصد فعالياتها وانتماءاتها داخل القاعة البرلمانية، وتلمس ملامح مشروعها النيابي، الذي ستبدو مفاصله، عبر فعاليته النيابية، خلال الجلسات، والقوانين التي ستخرج من القاعة، ملزمة للحكومة والدولة بتنفيذها.
إلغاء نسبة العمال والفلاحين دستورياً
-----------------------------------
ونعود إلى مسمى "برلمان رجال الأعمال والمحامين والضباط" لتحليله، بتفكير خارج الصندوق، البعيد عن الانفعالية، والتأثر بلهيب الأحداث في المجتمع المصري. والتساؤل الأول الذي يطرحه هذا المسمى هو، من كان يمكن أن يفوز في الانتخابات بصفة مخالفة، لما نص عليه الدستور الجديد، استجابة لما قدمته لجنة الخمسين، المنوط بها كتابة الدستور الجديد، وكانت تلك اللجنة بأغلبية تركيبتها المعتمدة على النخب ذات التوجهات الليبرالية أو المدنية، بلافتاتها وشعاراتها الديمقراطية، مُنظِّراً ودافعاً لإلغاء نسبة العمال والفلاحين، بدعوى أن تلك النسبة، المقررة منذ العصر الناصري، كانت لأسباب سياسية، وأنها الآن تتنافى من وجهة نظرهم، ومبدأ المساواة المستهدفة من العمل الديمقراطي بصورته العامة، والتي لا تشترط لدى إجراء العملية الانتخابية أن يكون الناخبُ مُلزماً باختيار فئة معينة قانوناً، إذ يختار الإنسان من يمثله، بإرادة حرة، غير مشمولة بموانع.
ومن دون شك فإن هذا التغيير والتحول في إزاحة مبدأ كان من المستقرات السياسية الاجتماعية، وأكسب قيمة معنوية سياسية كبيرة، لأغلبية سكانية من المصريين، جاء - هذا التغيير - تحقيقاً لرغبات ودعوات من النُخب، المهمومة بتكريس مفاهيمها السياسية الشكلانية، في مجتمع مُهْتز طبقياً، ممن سعوا للقفز على مُسمى العمال والفلاحين لإلغائه، وهم لم يلتفتوا سياسياً إلى وجود أكثر من 25 مليون إنسان في مصر، حسب التوصيف الاجتماعي، والسياسي والاقتصادي، يحمل هوية عامل، وقرابة نسبة الـ 51% من الفلاحين من تعداد الشعب المصري، وأغلبيتهم من الفقراء والعمال الزراعيين، وذوي الملكية المحدودة من الأرض.
منع الـ "مُتَفَلِّحِين"، والـ "مُتَعَمِّلِين"
-------------------------------
لذلك جاءت الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بعناصر فلاحية وعمالية وفق "كوتة" غير متناسبة، مع كتلة السكان من الفلاحين والعمال في المجتمع المصري، وإذا كان تخصيص العمال والفلاحين، جاء إلى كراسي البرلمانات السابقة في مصر، بعناصر بعيدة عن التوصيف الحقيقي للعمال والفلاحين، حيث دخل الأثرياءُ والفئات عبر عباءة ذلك المسمى، بصورة الـ "مُتَفَلِّحِين"، والـ "مُتَعَمِّلِين"، فقد كان على لجنة الخمسين النخبوية، ألا تطيح بنسبة الـ 50%، ذلك المكتسب السياسي العميق، بل يكون بوضع الضوابط الحاسمة التي تضمن أداءه وظيفته السياسية، أو تخفيض النسبة في أسوأ الأحوال، وليس الإطاحة بها، في عصف سياسي نخبوي، بدد ثوابت اجتماعية بارزة كانت من ملامح العصر الناصري، عصر مجانية التعليم، والتخطيط والتصنيع والزراعة، والدولة التنموية الشاملة.
والسؤال الجوهري والبريء: ماذا تتوقعون من عملية انتخابية نيابية، جرت وفق تعديلات قانونية، تجاوزت فئة العمال والفلاحين، لذلك فالطابع المنطقي الذي سيكتسبه البرلمان الجديد، هو الطابع النخبوي المتشكل، من رجال المال والأعمال والتجار، والمحامين والموظفين والمهنيين، ورجال القوات المسلحة والشرطة، ممن أنهوا خدمتهم الوظيفية وتقاعدوا، وصار من حقهم ممارسة العمل السياسي والعام، وليس معنى دخولهم إلى معترك العمل السياسي والنيابي، كما يروج إعلام الفريق السياسي المُعبَّأ بأحاسيس الطرد من جنة الحكم، أنهم يساندون أجهزة الدولة، كنوع من الالتفاف على السلوك الديمقراطي، وأنهم رجال عبد الفتاح السيسي كما يشيعون.
حقائق جيدة كشفها الصندوق
---------------------------
إن إعلام الفريق المتسيس الديني المأزوم، بخروج فريقه من العملية السياسية، يفتش كل حين عن ذريعة، لتوظيفها في الهجوم على أية تطورات واستحقاقات يتم إنجازها، مُغْمِضاً بعين الغرض، عن رؤية حقائق موضوعية تحققت، وهي:
· الحياد الواضح، للمرة الأولى لأجهزة الدولة تجاه جميع المرشحين، لذلك فاز من حملت اسمه بطاقات الناخبين في الصناديق، وليس من تم اختياره مسبقاً.
· إن الحضور البارز لنساء مصر، حقق نسبة تمثيل مشرفة، بعدد الفائزات ومن قمن بالتصويت.
· إن هناك حضوراً ملموساً للفائزين من الأشقاء المسيحيين، لم يكن يتحقق من قبل، لكنه تحرك إلى الأمام في هذه الانتخابات بشكل يدعو إلى التفاؤل.
· إن الصناديق جاءت أيضاً، بعدد من أصحاب المرحلة السنية الشابة، في ظاهرة لم تكن حاضرة سابقاً. وقيل حولها ما قيل، من التهويل بأن الشباب قاطع الانتخابات، ونتائج الصندوق هدمت هذا الافتراء.
· إن حق التمثيل السياسي، قد تحقق في هذا البرلمان لفئة ممن يسميهم الإعلام العربي بعنصرية لافتة ظلماً "أصحاب الإعاقة"، أو "متحدي الإعاقة"، والواجب أن يسميهم: "أصحاب القدرات الخاصة"، أو على الأقل:" أصحاب الحاجات الخاصة".
· إن المصريين في الخارج وهذا مكسب، حصلوا على عدد من المقاعد البرلمانية، ولم يكن ذلك يتحقق من قبل، باعتبارهم رصيداً استراتيجياً لبلدهم، يساهمون بوجودهم الخارجي في دعمه، والمساهمة في تخفيف العبء الحياتي عن أسرهم، ويخففون من علة البطالة بمستوياتها المخيفة، نتيجة الزيادة السكانية المتنامية بمعدلات غير مسبوقة، وتقلص دور الدولة طيلة العقود الأربعة الماضية في إقامة مشروعات تمتص فائض العمالة الكبير، فضلاً عن لجوء الرأسمالية المحلية إلى اعتماد منهج النشاط التجاري القائم على الاستيراد بحجم كبير والتصدير بقدرات معينة.
توقعات نتائج البرلمان إيجابية
----------------------------
وبدلاً من أن ينساق البعض، خلف ترويجات، وأكاذيب الكتائب الالكترونية للعقديين المتأسلمين، ورافعي الشعارات الفضفاضة، من بقية الطيف السياسي المضاد لوجود الدولة، ينبغي النظر من خارج الصندوق للصورة بهدوء، ليس تبنياً للمواقف، ولكن تفكيكاً للمسببات والدوافع، ثم مراقبة النتائج المتحققة، وهل هي إيجابية، أم سلبية؟، ومحاولة القراءة المستقبلية، لنتائج الحركة النيابية، لاستنباط التوقعات ومدى الرضى المتوقع عنها.
والقراءة الاستبطانية، لتشكيلة الخريطة النيابية الجديدة، تتوقع تحقيق نتائج مقبولة، في ضوء أن الدولة برئاستها الراهنة، تسعى لتحقيق ما يمكن من الأهداف التي طالبت بها الجماهير، لدى خروجها السياسي الجامح في 25 يناير/ كانون الثاني 2011 ضد نظام الموات الحضاري، المندفع إلى تكريس التوريث عبر عائلة مبارك، و30 يونيو/ حزيران 2013 ضد نظام التمكن الديني المتسيس، والمندفع إلى تفكيك الدولة المصرية الراسخة تاريخياً، حيث تغيرت طبيعة رأس الدولة، المحكوم بالتزام تنفيذ فاتورة التفويض السياسي الذي رهنته الجماهير بتخليص الدولة من نمط حكم، كاد أن يرتد بها إلى الزمان الماضوي، القائم على فهم مزيف للعقيدة وروحها، ومكبل لإمكانات التكيف التشريعي المواكب لمستجدات الحياة التي طرأت طيلة 14 قرنا مضت، منذ نزول الوحي على قلب الرسول الأكرم" ص" في مكة المكرمة.
توظيف الجيش الوطني تنموياً
----------------------------
ومن علامات العافية، التي تؤكد استرداد الدولة لأرضية الحركة التي كادت تهرب منها، هو حجم الاندفاع، بتوظيف قدرات وإمكانات "مؤسسة القوات المسلحة" الجيش الوطني في التنمية الداخلية، بجانب يقظتها الوظيفية، في الحفاظ على الوطن من تربصات الخارج، وتحديات الداخل. والشاهد على ذلك هو شبكات الطرق العصرية، بطول وعرض الخريطة، والتي تهيئ كافة المحافظات لمشروعات التنمية المختلفة، بما يترتب على ذلك، من استهداف استيعاب الطاقة البشرية المعطلة، وتوظيف القدرات الخاصة لكل محافظة في تقديم شكل انتاجي خاص بها. ولا نريد التذكير بإقليم قناة السويس، وما أعلن عن مستقبله التصنيعي في مجال اللوجستيات.
****
ومع هذا التوجه التنموي الجديد، تتوقع الرؤية من خارج الصندوق، أن يكون أداء البرلمان هذه الدورة، وما سيتلوها، متطوراً عما سبقه من دورات، أما لطميات الكتائب الالكترونية والإعلامية، فلا رد عليها سوى التذكير بالقول المصري الشائع: "ملقوش في الورد عيب قالوا أحمر الخدين". !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق