الاثنين، 19 ديسمبر 2016

اللغة العربية... المتخيل الأسطوري والاتهام بالعجز!!
--------------------------------------
 
"سر مشكلة العربية أنها لاتزال رهنا للمتخيلات، والماوراءيات، والأسطوريات، لذلك لم تتطور في الاشتقاق والمجانسة، والابتداع، وهذا ليس عيبا في بنية اللغة، ولكن العيب في العقل المتجمد والمتصحر، هذا العقل لم يدخل معامل ومختبرات ما بعد الحداثة العقلية ليطور أغلفة المعاني الصوتية والحروفية".

هذا مقتبس من كتابة ذكرني بها "فيس بوك" بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، اقتربت خلالها من علاقة العربية بالحداثة وما بعدها؛ وكيف أن العقل العربي في عجزه الحضاري يحكم على اللغة العربية بالجمود، ويبقيها رهنا بالعقل الاسطوري، المغيب في زمن الجاهلية حين كان الشعر فقط خطاب التواصل. 

وقد نشرت هذه الكتابة على جداري؛ وأعيد هنا تسجيلها في هذه المدونة على سبيل التوثيق؛ وذلك لأهمية المداخلات التي أثرت هذه الكتابة إثراء كبيراً من أساتذتي في العلم؛ والذين تعلمت من كتبهم ومؤلفاتهم الكثير؛ ولهم فضل تشكيل معرفتي وذائقتي الثقافية؛ وأدعو الله أن يحفظهم ويثيبهم أجر ما علموني.

                                                                         "رأفت السويركي"

------------------------------------ 


اللغة العربية... وعقل ما بعد الحداثة!
------------------------

اللغة العربية في يومها العالمي: اللغة وعاءٌ صوتي حُروفي لوصف المعني؛ اللغةُ في حد ذاتها، ليست مخزناً معلوماتياً، نَمْتَحُ منه المعنى الذي نريده، أي أن "نسْتَخْرَجَهُ وَنحَصَلَ عَلَيْهِ". لأنها ليست بئر المعاني، التي لم تتشكل بعد.

اللغةُ كينونةٌ لاحقةٌ للمعاني، وليست سابقة عليها، وقدرتها على التكيف، والاحتواء، والاستيلاد قدرةٌ ممكنة، بجهد العقل المنتسب إليها، والذي يُفكِرُ، فيلجَأُ إلى أساساتها، الحروفية والصوتية المتوافرة، ليُشكِّل منها التعبيرَ المستحدث حول المُتَصَوّر الذهني الحادث والسابق عليها وجوداً، لذلك فالأمرُ رهنٌ، بقدرة العقلِ على إعادةِ تصوير المَعنى.

ماضوية المعاني

ولأن اللغة العربية، لا تزال تحتفظ في ذاكرتها بخزانة "ماضوية المعاني"، التي تُمثل بَحْرَها، وتهُيمنُ على مُعْجَمها، صورُ مُفردات المجال والسياق التاريخيين، المنتسبين إلى الماضي الحادث فشَكَّلَ بوقائعه معجمها، وهذا ما ميّزَهَا، وطبع هُويَتَهَا بمجازية الكيمياء الحروفية، وفِضفاضِيةِ السِّياقات، وعلى سبيل التدليل نسوق التعبير التالي لإيضاح هذا القول: " تَوسَّطتِ الشمسُ كَبِدَ السَّمَاء". فهل للسماء كَبِدٌ وقلبٌ ورئتانِ وذِراعانِ وقَدَمان؟ إنها الطبيعة التعبيرية الخاصة للغة العربية.

لذلك فإن اللغة العربية إلى الآن، لقِدمِها، وجغرافية بيئتِها الأولى، هي لغةٌ واقفةٌ بشموخِها، عند حدود الشعرية والمجازية، والمؤسف أن اللغة العربية، لا يحفُّ بها انتاج إبداعي عقلي خارج عن الشعرية، لكي تقوم آلة العقل اللغوي باحتواء المعني المستجد غير الشعري، فيبتني أغلفة صوتية وحروفية تجسد المعنى الجديد.

النص المقدس الحاكم والمتحكم

سرُّ قضية اللغة العربية أنها، أولاً لاتزال مشروطة الدلالة والتفاعل بالنص القرآني المقدس، حيث لا يزال هذا النص المُحَكمُ، هو الحاكِمُ لأصوليتها، وهو مقياسُ بلاغتها الإبلاغية، كون نزوله الأساس على قلب الرسول الأكرم "ص"، جاء تحدياً لأهل اللغة، ببلاغتهم الشعرية.

وثانياً فإن العقل العربي إلاَّ اللَّمم، يواصل التألق المتوالي في ممارسة الشعرية، وهذا العقل بقدمه الزماني، في أغلبية أزمنته المتتابعة، لا دورانَ له إلاَّ في المجال البلاغي، ليُنتح خطاباتٍ مَجازية، وكلُّها تُضمِرُ عَوالِمَ لا محدودة من السياقات المجازية.

لذلك يَكُون التأويلُ هو أبرز أدواتِ كشفِ المُضْمرِ في ثناياها، وقد بَقيَتْ وتبقى هذه اللغة رهناً للمتخيلات، والماورائيات، والأسطوريات، ومع عجزِ العقلِ العربيِّ عن التجليّ خارجَ حُقول الشعرية، لافتقاره إلى متاحات التعامل مع حقول مُغايرة، بُحكم محدودية أو غِياب الحُقولِ المُغايرة للشعرية، يكون لا بديلَ أمامه سِوى الدورانُ واجترارُ نفسِهِ في حقل الشعرية.

مشكلة العقل قبل اللغة

لذلك عَجَزَ العقلُ اللغويُ عن اختراقِ عَوالِم التَّفكر الأخرى، مثل العلوم والرياضيات، والطبابة وعلوم التقانة والحاسوبيات، والكويكيبات، وبالتالي لم تتطور الوظيفة اللغوية، ضمن هذه العوالم للاشتقاق والمجانسة، والابتداع، وبذلك ليس له حضور ملموس خارج الشعرية والمجازية، وهذا لا يُعدُّ عيبا في بنية اللغة العربية، ولكن العيب في ذاتية العقل العربي والإسلامي، المُصاب بالتجمد أو التصحر، حيث أن هذا العقل، لم يدخُل معامل ومختبرات عوالم "ما قبل الحداثة"، أو "الحداثة"، وبالتالي "ما بعد الحداثة العقلية"، ليطور أغلفة المعاني الصوتية والحروفية، بما يتناسب مع المبتكرات والكشوفات والمنتجات غير المجازية.

حتى لا تكون لغة عبادة فقط

ومن هنا، فينبغي مواصلة الدأب العلمي، من أصحاب العقول العربية، في كافة الحقول، لإجراء الدراسات المعرفية التحليلية، التي تدور حول قدرات اللغة العربية، على التكيف المستقبلي، وإثباتِ مُرونتها، في استيلادِ فضاءات تعبيرية خاصة، تُلبي حاجةَ المُعايرة، لمبتدعات العقل الذاتي، أو العقل الآخر، من المعارف اللاَّ شعرية، إلى أن تتهيأ من جديد لها، أن تكون لغةً أصلاً في تأليف تسمياتها الخاصة البكر، لمبتدعات العقل العلمي العربي والمسلم، إذا تخلَّصَ من راهنية الاجترار الذهني، للخطابات الماضوية المهيمنة على حقولها المعنوية، وصار له منتجٌ غير شِعريِّ، وصارَ مُتَعمِّقَاً في دورة الحياة، منتِجاً، وليسَ مُستَهلِكاً، وهذه من التحديات الوجودية للنوع، البشر واللغة، وتحديداً، اللغة العربية، كي لا تنحصر وظيفتها المستقبلية، في أن تكون لُغَةَ عِبَادةِ فقط، وليست لغة حياة.!

                                                                             "رأفت السويركي"

                                             التعليقات
يعرب جرادي
يعرب جرادي طرح جد راق أستاذ رأفت يتميز بالواقعية والاستشراف...وإن كانت جزئياته قابلة للنقاش فإنه في خطوطه العريضة جد صائب ...تحياتي لك أستاذ مجددا ...

Raafat Alswerky
Raafat Alswerky الاستاذ الدكتور يعرب جرادي، أسعدني مرورك البهي، واشكرك لهذا التقويم، واعرف انني أخوض في ساحة قضية كبيرة وعميقة، بها الكثير من اساطين اللّغة، وما كان طرح الرأي الا لاثارة الأسئلة، بعد ان صارت فضيلة معطلة في عالمنا، تحف بها الكثير من المتربصات، ولعل المناسبة بيوم اللغة العربية العالمي تكون فرصة لمزيد من اعمال العقول في مجمل شروط نهوض أمة اللغة وحاميتها، لكي تتجاوز شروط انغلاقها في الزمن العولمي، خشية ان تصبح في مستقبل ما بعد الحداثة لغة عبادة فقط. ودمت متألقا.
 
ناصر عراق
ناصر عراق وثيقة فكرية بالغة الأهمية عن اللغة وقوانينها وعلاقتها بالمجتمع... شكرا جزيلا شاعرنا المجدد والمفكر العميق الأستاذ رأفت السويركي.
Raafat Alswerky
Raafat Alswerky يسعدني مرورك الثري صديقي المبدع الروائي والاعلامي القدير ناصر عراق، وشهادتك وسام له وزنه، اشكرك وأشد على يديك.
ناصر عراق
ناصر عراق العفو أيها المبدع القدير... شكرا جزيلا على لطفك وكرمك أستاذ رأفت. بوركت على الدوام.
 
يعرب جرادي
يعرب جرادي تحياتي للمتألق الأستاذ المبدع رأفت وللقامة ناصر أحيي فيكما اللآفاق الفسيحة التي تنظران بها للسان العربي...ولما يجب على العرب تجاه حاضرهم وغدهم...أحيي فيكما تواضعكما ...دمتما متألقين...
Raafat Alswerky
Raafat Alswerky سلمت الصديق الغالي الدكتور يعرب جرادي وانت من فرسان البحث الالسني، الذين ننتظر منهم علامات بحثية متميزة في علوم الضاد.
يعرب جرادي
يعرب جرادي سلم الله محياك وأعلى قدرك وعِلمك أستاذنا رأفت نحن نقتدي بكم ونرجو أن نكون عند حسن ظنكم...
 
Mohamed Hasan AlHarbi
Mohamed Hasan AlHarbi سلمت ياعزيزي باصطحابنا في رحلة ولا اجمل داخل اللغة ومن خارجها هكذا هي الأمور، وهكذا يجب ان تفهم دمت سندا للعرب والعربية
Raafat Alswerky
Raafat Alswerky الروائي المبدع وصديق العمر Mohamed Hasan AlHarbi دوما انت تشجعني برأيك الجميل، دمت مبدعا وحاضرا.

خثير أبو عبد الإله
خثير أبو عبد الإله رائع وجميل ما خطت يمناك أستاذنا الفاضل ..تحيتي ..
Raafat Alswerky
Raafat Alswerky الصديق العزيز خثير ابو عبد الاله، سعدت بمرورك الطيب، رأيك تاج فوق راس كتابتي، ولَك محبتي
 
د.أحمد يوسف
د.أحمد يوسف صديقي الكريم أستاذ رأفت قرأت ما كتبت عن اللغة العربية في يوم عيدها وقد كتبت عن ماضوية اللغة وعن كونها لغة عبادة وعن كونها لغة ظلها القرآن وعن علاقتها بالعقل. وأرى أن كل هذه الموضوعات وغيرها مما تزخر به كتب الاتهام لا علاقة لها باللغة سواء أكانت عربية أم غير عربية. فنحن في الدرس اللساني لانهتم إلا بالوظيفة والوظائف لا تنشأ في العقل ولا نستورد من التاريخ ولا ننتظرها من كتاب عظيم مثل القرآن. 
 
الوظائف ياسيدي ترتبط بأمرين المواقف"السياقات " وقدرة الأداة المستخدمة. والإدارة هنا هي اللغة وهي أداة تختلف عن غيرها من الأدوات المادية الأخرى من حيث ارتباطها بالإنسان وماضيه وثقافته وثقافة غيره.
 
 وبناء على ذلك فالعربية ليست لغة مجاز ولاشعر كما يقولون .فالمجاز وسيلة كبرى من وسائل التفكير البشري عند الإنسان هنا وهناك والشعرية ترتبط بالموقف الغنائى وهو خلاف الموقف الدرامي والموقف الملحمي. 
 
والعربية كغيرها من اللغات هي لغة العلم إن كان أهلها منتجين للعلم وهي لغة الخرافة إن كان أهلها منتجين للخرافة وقس على ذلك كل اللغات وارتباط باطوار التمدن والعمران. وأما ارتباط اللغة بالقرآن فهذا حق استخدمه أهل الباطل استخداما سيئا. 
 
العربية كانت في أوج عطائها قبل القرآن وتأمل في قول عمر عن الشعر "بأنه علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه" ولما تغير وجه الحياة والعمران دخلت العربية في مسارات أخرى من التطور والازدهار.
 
 وأخذت من القرآن مثلما أخذت من غيره بوصفها ظاهرة اجتماعية ويكفي أن علوم العربية من لغة ونحو وصرف وعروض وغيره كانت قد استوت بمطلع القرن الثالث الهجري ولولا استواؤها ما نهض مباحث البلاغة ولا التفسير ولا الأصول ولا علم الكلام ولا الفلسفة العربية. 
 
نخلص مما سبق إلى أن ارتباط العربية بالقرآن لم يكن عيبا ولا منقصة فيها وان العربية عرفت طريقها نحو الازدهار عندما تفتح آفاق المعرفة والبحث العلمي. 
 
وأما أنها لغة العبادة فهذه فرية لاتصدق أمام الحق وما قولك ياسيدي عن العبرية التي توارت قرونا في المعابد ومع أهلها في الشتات ثم هاهي الآن لغة العلم في الجامعات العبرية. 
 
على أية حال هذا الموضوع شرحه يطول والحوار مازال مفتوحا وأحييك على اجتهاد وحبك للعربية وأهلها وتذكر أن العروبة لسان وليست عرقا.
 
Raafat Alswerky
Raafat Alswerky استاذي د. أحمد يوسف، عالم اللغة وعلمها البارز في حقول العربية، السردية والشعرية والنقدية، وصاحب الرصيد الكبير من المؤلفات والدراسات، التي تجسد حضوراً مشهوداً في حقل لغة الضاد... لقد سعدت بهذه المداخلة، التي اعتبرها مداخلة أستاذ لا يُشق له غُبار - كما يقول أجدادنا العرب القُح بتعبير زمانهم الصحراوي - في المُنَافَحةِ الكبيرة عن لغتنا العربية الغالية، وهمومها في يومها العالمي، الذي جعلنا نخوض في حقل تأملِ أحوالها، وما وصل إليه استخدامها، ومحاولة تَشوُّف ما يأتيها من أيام.

وبمقدار سعادتي بهذه الشهادة العالية بحق العربية، أسعد أيضاً بمحاورتها، ليس من موقف التضاد، لا سمح الله، ولكن من باب الاحترام والتقدير والإجلال لغيرة عالم على لغتنا، يُعلِّم المتلقي كيفية الدفاع عن لسانه، وهوية تعبيره، ومن هنا أستاذي الجليل أرجو أن تسمح لي للتأكيد، على أنني ابن العربية، عقلاً وقلباً، وتفكيراً وخطاباً وتعبيراً، ولا أتخذ منها موقفاً مُضادأ، أو مقللاً من قدرها، وحيويتها، وتماسكها، وبُناها، وليست في ذهنيتي لغة أخرى أغلِّبها على العربية.

لذلك فموقفي في الكتابة حول اللغة العربية، بعيدٌ، بعيدٌ، بعيدْ - و"التكرار مقصود"- عن تبني أية مقولات تندرج في قائمة الاتهامات للغتنا العربية، لأنني لست شعوبي الهوى أو الثقافة أو التكوين، كما أنني أيضاً لم أكن في تناولي ضمن توصيف أحوال العربية خارجاً عن الإشارة للوظيفة، فهي لبُّ مقولتي، باعتبار اللغة وظيفياً، تقوم بإيصال المعاني، وتحقق التواصل، وكما تقولون الوظيفة لا تنشأ في العقل، فهي الفعل الخارج عن العقل والمغاير لكينونة اللغة الأداة، التي تتولى التوصيف أو المعايرة، ولذلك فلا اختلاف في التحديد المستقر في كتب اللغة ودرسها وتفكيك خطابها.

ولأن العقل العربي المسلم في معظم مراحل تاريخه، لم يبدع من المعرفة المغايرة للشعرية إلا القليل، عبر الأسماء الرائدة، ومنهم ابن النفيس مكتشف الدورة الدموية الصغرى، وابن الهيثم مكتشف ظاهرة الانعكاس الضوئي، وابن سينا مكتشف الطفيلية المعوية، وابن يونس المصري مخترع بندول الساعة، والخوارزمي مبتدع مفهوم الخوارزميات في الرياضيات والحاسوب، والرازي المبدع في علم الطب والكمياء، والحسن ابن الهيثم مكتشف ظاهرة الانعكاس الضوئي، وأبو بكر الفرازي مبتكر الاسطرلاب. ومحمد ابن موسى مخترع الصفر، ...، و... و ... إلخ من علماء العصور الوسطى، الذين قدموا خطاباً لغوياً مُغايراً، أي علمي الهوية، ومجرداً من الحمولات الدلالية الافتراضية ولكن بالحروف والأصوات العربية، وما دون هؤلاء لم يقدموا تاريخياً سوى المنتج العريض في الشعرية والتعبيرية البلاغية والإبلاغية.

لذلك يتأكد قولكم الموثوق بأن "العربية كغيرها من اللغات هي لغة العلم إن كان أهلها منتجين للعلم، وهي لغة الخرافة إن كان أهلها منتجين للخرافة". وتأكيدكم كذلك بأنه "لما تغير وجه الحياة والعمران دخلت العربية في مسارات أخرى من التطور والازدهار". مما يعني أن الوظيفة اللغوية مرتهنة لمبتدعات العقل العربي والإسلامي الأخرى أيضاً، بخلاف الشعرية، الفن العربي الأساس والأشهر، كما دللتم بقول عمر عن الشعر "بأنه علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه".

ونأتي إلى ما ورد عن ارتباط اللغة العربية بالقرآن، إذ ما ذكرته في متن مقالتي، لم يكن يصب في حقل "حق استخدمه أهل الباطل استخداما سيئاً"، لأني قرآني الهوى والفهم والذائقة، ولي دراسة قرآنية لم أدفعها للنشر بعد في هذا الحقل، ولكني ارتكنت في الكتابة لدعوة أهل العقل العربي بأن يتجاوزوا الفعل الشعري المستمر، ويخوضوا حقل العلم والمبتكرات، لإبراز قدرة العربية على استصناع مسميات خارج الشعرية والاسطورية والمجازية، فعطاء العقل العلمي، محدد الحقائق، ولا يقبل بتضبيب التعبير عنها، كما هو في فعل الشعرية المحملة بدلالات مفتوحة على القراءات المختلفة بفعل التأويل، الذي نعيشه مع النص القرآني المقدس، والذي كما يقتضي الفهم الظاهري، يتطلب الفهم التأويلي، كذلك لإبراز إعجازية النص، وصلاحيته إلى أن تقوم الساعة.

لذلك يا أستاذنا الجليل أوافقك الرأي والموقف، بأن "ارتباط العربية بالقرآن لم يكن عيباً ولا منقصة فيها، وأن العربية عرفت طريقها نحو الازدهار عندما تفتح آفاق المعرفة والبحث العلمي". 
 
أما ما ذكرته عن العربية والوظيفة العبادية، فلم يكن من طريق الفرية لكنه إبراز الخشية من ضمور الوظيفة اللغوية للعربية إلى اقتصارها على أداء الصلاة والشعائر والعبادات وقراءة القرآن فقط، وهذا لا يحدث إلا في حال قصور العقل العربي والمسلم عن تقديم منتجات غير شعرية، أي مخترعات ومبتكرات، ويقتصر دورها المعاصر على ترجمة مسميات هذه المبتكرات التي ابتدعها العقل الآخر وأسماها بلغاته اللاتينية، الإنجليزية والفرنسية والعبرية، كما تذكرون.

استاذي العالم اللغوي الدكتور أحمد يوسف، لقد أكرمتني بهذه الكتابة، وتفاعلي معها هو من قبيل حوار الطالب مع استاذه، فاغفر لي الزلل إن كان قد حدث، ودمت منافحاً عن لغة الضاد.
 
Abdellah Louriga
Abdellah Louriga تحية طيبة لاخي العزيز.اتحفتمانا, انت وصديقك الدكتور.بدوري اتبنى تاكيد الدكتور كون اللغة العربية ذات قدرة كبيرة على التشكل المتجدد ,لاستيعاب الجديد ,عبر فعلي الاشتقاق والمجاز وغيرهما ...حتى قبل الاسلام. ولا احد يجادل في ان القرآن الكريم أغناها اغناء معجزا مدلولاتٍ ودوالَّ, واساليب .وهو سر انتشارها بعد ان كانت محصورة في موطنها الاول.(قد سبق لطه حسين تناول هذا الجانب بتفصيل..)فالقرآن جاء بزخم هائل, معجز,من المعاني الجديدة ,فانقادت العربية’عبر التوليد الدلالي في البلاغة والمعجم لتقوم بوظيفتها......وهنا أعلن تاكيد مشاطرتكم ما ذهبتم اليه :فالمعاني الجديدة (كمدلولات ) هي الكامنة وراء التطور والا نتشار ,على تعدد الحقول المعرفية.
 
لا احد ينكر التطور الذي بدا جليا ,مع العصر العباسي مثلا ,على مستوى النتاج الشعري ..ولكن الاكيد كونه نتيجة مفهوم جديد للشعر ,والاخير نتيجة فكر مغاير في بعض تصوراته لوظيفة الشعرخاصة ووظيفة اللغة ككائن اجتماعي متطور عامة,وهذا بدوره نتيجة فكر متجدد ورؤية متجددة للانسان والعالم.... تاسيسا على ماسبق-رغم اختصاره - ليس العيب في االعربية ,ان لم تتطور ولم تغتن ,بل في الاشتغال الفكري متعدد الحقول...اذ هو المسؤول عن انتاج المدلولات, بالقوة والجدة اللا زمتين "لدفع"اللغة الى انتاج الدوال الجديرة بان تكون حوامل لتك المدلولات الجديدة والقوية الماتحة من رؤية فكرية لها من القوة ما يجعلها رؤية مجتمعية ....والا مارست اللغة لعبتها المألوفة في الاحتواء, عبر المجاز الذي لا يلغي المدلولات القديمة ,وبالتالي تبقى المعاني و"الافكار" دائرة في نفس الحلقة...لعل سرالبقاء على نفس الوضع اللغو ي كامن في نوعية الانتاج ...خلفه ,بلاشك ,الرؤية التابثة ,بثبات البنى الايديولوجية ....الاجتماعية والاقتصادية ....على اي أرى مسألة التطويرمتشابكة ,وهي مسألة اختياربعيد اشتغال , يقظ ,مصحوب باستدامة تقويم, لامسألة قرار.
Raafat Alswerky
Raafat Alswerky صديقي الغالي Abdellah Louriga سعدت بمداخلتك وتفاعلك،ويهمني ايضا اعادة التاكيد أني لا اقلل من لغتنا العربية، لكني أتخوف تخوفا مستقبليا من تكبيلها، وظيفيا في الجانب الابلاغي الشعري، نتيجة قصور العقل العربي عن خوض المجالات الاخرى في العلوم والطب والفلك،...،.....الخ ولَك تقديري
Raafat Alswerky
Raafat Alswerky سلمت صديقي عبد الله في إيضاحك لفكرتك النيرة مكتملة، وكل منا يخشى على لغته ولسانه الأصيل، وانت ايضا، وكذلك استاذي وصديقي د. احمد يوسف وهو عالم متميز، واعرف انه يخوض معارك شرسة دفاعا نبيلا عن الثوابت العميقة للأمة ويتصدى لأية فكرة قد يشتم منها مسا بالثوابت الإيمانية الحقة، وانا سعدت بإثرائه للحوار حول لغتنا بغيرته الكبيرة عليها، واوضحت له انني في خندق الدفاع عن لغتنا، وأَسْبَغ الله عليكما بركاته وحفظه.
Abdellah Louriga
Abdellah Louriga تحياتي.ورغم عواطفنا النبيلة,ود فاع عمالقة الاختصاص ,لا تطور للغتنا التي فضلها الخالق على كل اللغات وبعث عبرها رسالته ,ما لم يحدث تطور فكرنا ’وتسهم لغتنا بالانتاج الرصين المتجدد في كل الحقول المعرفية.
Raafat Alswerky
Ali Laraichi
Ali Laraichi · من أصدقاء Abdellah Louriga
وفقكم الله لما فيه مصلحة الأمة
Raafat Alswerky
Raafat Alswerky
Ali Laraichi اسعدكم الله ومتعكم بالعافية صديقي البهي

بتول محمد
بتول محمد ماشاء الله لاقوة إلا بالله
Raafat Alswerky
Raafat Alswerky الأخت بتول محمد... أثابك الله الخير كله.
بتول محمد
بتول محمد أسألُ اللهَ أن ينفعَكَ ويرفعَكَ بهذا العلم ، ورزقنا الله وإيَّاك الإخلاص والتوفيق أستاذي القدير .
 
Ahmed Al-Kwaaz
Ahmed Al-Kwaaz لقد ظلمت اللغه العربيه والحرف العربي عبر وساءل التخلف وقواعد ميته قتلت الابداع وجعلتها لغه ثقيله بلاغيه قديمه ولكنها لغه عظيمه ذات 18الف مصدر قتلها واضعوا القواعد الصماء اقصد النحو وانشاءات مكرره ممله وكم اكره رجال الدين الذين يعلكون اللغه يعيد ويصقل يمللونا اين الرشاقه والخفه والمطاوعه اين العصر والعصري الحديث مملت من خطبهم الطويله ذات التكرار القاتل .نحات رجال دين ولغه لعصر جديد يزيل كرش ودهون الغه ويعيدها صافيه نقيه الى اديمها صحرا ء تسابق الخيل واخف من الخيمه وبعيده عن اسوار جامعات الدينيه المتكلفه ..للتجديد والتحديث والمعاصره .وشكرا .
Hamid El Ouriagli
Hamid El Ouriagli العيب-ان كان هناك عيب-ليس في اللغة إنما في متكلميها.ألم يقل حافظ إبراهيم على لسان اللغة العربية:
 
                    رموني بعقم في الشباب وليتني
 
                                             عقمت ولم اجزع لقول عداتي
 
اللغة كائن حي يحتاج للرعاية والعناية لكي ينمو ويتطور.
Raafat Alswerky
Raafat Alswerky الصديق Ahmed Al - Kwaaz لقد اتيت بجانب مهم من الصورة، وهو المرتبط بالسياق الفكري المولد للمعاني وبالتالي لألفاظ اللغة، وهذا ما يحتاج هزات وهزات كبيرة، ولقد أسعدني تفاعلك.
Raafat Alswerky
Raafat Alswerky صديقي الغالي Hamid El Ouriagli الصواب الكامل في رأيك، ويمكن ان أضيف اليه ان اللغة كائن حي، ينمو بما نقدمه اليه من مغذيات من المعاني الحديثة، وما نرويه من مياه المتصورات الجديدة.
 
Etidal Osman
Etidal Osman حوار غني بالرؤى والتفاعل الخصب بين الآراء بما فيها من اتفاق واختلاف وإضاءات. هذا النموذج للحوار الراقي يمثل أفضل احتفاء باليوم العالمي للغة العربية، وإن ظل حوار العقول العالمة المستنيرة في جانب، وواقع اللغة العربية المتداولة كتابة ونطقا وتعبيرا عن المستجدات في جانب آخر.
Raafat Alswerky
Raafat Alswerky هذا ما تعلمناه أستاذتنا الدكتورة، واكتسبناه من علمكم الجليل والقيم المعرفية التي تشربناها من جهودكم التنويرية، وليت كل الناطقين بلغة العربية يدركون مأزق التفريط في حق عربيتهم، هويتهم، حتى وان جرت السنتهم بلغات اخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق